الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رستمنا يعود لحضن أمه كردستان

زوهات كوباني

2011 / 11 / 23
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



كان لوداع رستم جودي قبل ان يوارى مثواه الاخير طقس خاص. لقد فكر رستم بان يودع شعبه في جميع مناطقه: مدنه، قراه، احياءه، بان يسير بينهم مرفوعاً على الايادي وهو ضمن سريره المقدس الابدي ينظر ويحدق الى شعبه بعيون تشع منها شعاع النور متأملاً فيهم، ومحدقا في هذا الوداع التاريخي .
قابل الشعب ابنه البار بموكب مهيب محولا الوداع الى انتفاضة جماهيرية عمت مظاهرها جميع انحاء جنوبي غربي كردستان بدءاً من "ديريكا حمكو" مرورا ب"تربه سبي" الى "قامشلو" حيث اقاموا له المراسيم الدينية في مسجد "قاسمو" ومن ثم توجهوا بالنعش الى "عامودة" و"الدرباسية" و"سري كاني" واخيرا الى مثواه الاخير في مقبرة الشهداء في "بركفري"، حيث توافدت الحشود الجماهيرية من حلب وكوباني وعفرين والشام رافعين صور رستم عالية، وهم يهتفون بشعارات تشق عنان السماء "رستم خالد الى الابد" "رستم لن يموت". بهذه الهتافات والشعارات قالوا كلمتهم للتاريخ "كلنا رستم"؟. كردستان ولاّدة: لقد ولدت حتى الآن المئات من "رستم". رستم لم يمت بل تجلى في نسغ حياة جديدة وتضاعف وتضاعف...
فها هي الامهات تزغردن والشباب يهتفون بالشعارات وهم ملتفين حول تابوته المزين باالاخضر والاحمر والاصفر؟ فقد حولوا هذا العرس الى يوم انتفاضة تاريخية.
كنت ترى الجماهير يتسائلون فيما بينهم: هل هذا هو رستم طفلنا البريء، شابنا اليافع الجميل، سياسينا المخضرم، رجلنا المثقف من الطراز الأول. ثورينا الشجاع؟. الكل في دهشة من امرهم كيف سندفن هذا الانسان العظيم وسيكون هذه نظرتنا الاخيرة له. وبعضهم يسالون ذهب رستم ونحن باقون ماهو السر الكامن في بقائنا وذهابه؟. والاخرون: كيف استشهد ولماذا واين وفي اية ظروف؟ ماذا كانت كلمته الاخيرة قبل استشهاده؟ عجباً هل سمع احد انين صوته عندما قصفوه بالطائرات؟ هل سمعوا كلماته الاخيرة قبل ان يفارق الحياة؟. الا يحق له العيش بيننا ولماذا ضحى بحقه في الحياة ومن اجل من؟. أمن اجلنا، أم من اجل اطفال يتامى حرموا من البسمة والسعادة؟ ام من اجل الشباب المتطلعين الى المستقبل ام من اجل المراة التي تعشق الحرية ام من اجل الكهلة والمسنين الذين حلموا بالخلاص، ام من اجل مجتمع محروم من حقوقه الطبيعية منذ الاف السنين؟.
عندما كنت اتمعن في صورة رستم جودي وكانه يقول للجماهير المحتشدة ويرد عليها: انتم على حق في كل اسئلتكم ولكن دعوني ولا تشغلوا البال علي فانا الان بينكم وسأبقى بينكم في "بركفري" قريبا منكم . لكن لتعرفوا هناك الكثير من الرفاق الذين لامقابر لهم ولا نعرف مكانهم! ربما ذات يوم سيكتشفون رفاتهم في حفرة او بين شقوق صخرة او تحت شجرة او في كهف فلا تنسوهم؟ فانا الان بينكم ومعكم في مسيرتكم هذه، ولكن رفاقي ينظرون اليكم من ذرى جبال كردستان؟ نعم الكثير من رفاقنا احترقوا بالنابالم ولم يبقى لهم أي اثر، وآخرون استشهدوا بالغازات الكيماوية وحتى لم نسمع منهم صوتاً، او نداءاً او كلمة يودعونكم بها. شموا رائحة التراب الممزوجة برائحة الشهداء، تقربكم لمعنى الحياة اكثر وتجعلكم تقدسونها وتحمونها من الايادي القذرة التي تحاول تلطيخها. وتعرفكم على معركة الحياة وبانها ليست سهلة وطريقها مليئة بالاشواك وتتطلب التضحية بالغالي من اجل الحرية.
اراد رستم بهذه الجولة الاخيرة ان يراقب المجريات. ان يرى المجتمع الذي ناضل من اجله ربع قرن، وان يقول لهم لا تخافوا انظروا كيف نقاوم الاعداء وجعلناهم يخافون منا، لا تبخلوا بالتضحية المادية والمعنوية في سبيل الوطن فها نحن نضحي بارواحنا لان ثمن الحرية تتطلب الفداء. توحدوا فقد جعلنا من عظامنا جسراً لكي تعبروا عليها. نعم اراد ان يقول للشبيبة للمرأة للرجال للنساء لجميع الشرفاء اصحاب الضمائر الحية: اسلمكم سلاحي امانة لديكم. امانة الوطن والتاريخ، بقينا صادقين معه حتى آخر رمقٍ فينا. احملوا الامانة بصدق وسنراقبكم من مقبرة الشهداء...
قافلة رستم تسير ويستمر الخطاب متوجهاً نحو الاطفال الذين كان قدرهم البكاء والعذاب والجوع واصبحوا اليوم اطفال الحجارة والثورة. قال لهم رستم جودي: لا تبكوا بعد الان فالمستقبل لكم. كونوا جديرين بالمستقبل، وعيشوا مرفوعي الراس وليكن البسمة على شفاهكم .ويجاوبوه الاطفال من خلال شعاراتهم التي تشق عنان السماء ورفعهم للاعلام والصور التي ترفرف فوق رؤوسهم: نعم ياقائدنا ضحيت من اجلنا من اجل كل الاطفال المعذبين في العالم. لن ننساك ايها القائد، وسنصبح كلنا رستم كما اصبحنا عكيد ومظلوم وزيلان وبيريتان وشيلان، وسنبقى صادقين معك كصدق طفولتنا حتى بعد ان نكبر. صدقنا ياقائدنا، يا معلمنا، ستكون نحن اطفال الكرد اخوانك عند حسن ظنك. سنحمل عنك الراية فنم مطمئن البال.
ينظر رستم الى شباب الكرد فيرى في عيونهم الغضب والوعيد بالانتقام، وكانها تقول له: كن مرتاح البال ايها القائد، فنحن شباب كردستان تعلمنا منك العلم والمعرفة، وقسما بكل غال ومقدس لننتقمن من الاعداء ونحول كردستان الى مقبرة للظالمين. وستقول لهم: ان شبابنا كانوا على عهدهم وهذا عهدنا بهم. سيصّعدون النضال حتى تحرير الانسان والتراب.
الشباب سيأتون الى "بركفري" ويقول لك ياقائد الشباب ها نحن حررنا الوطن واصبحنا احرارا بفضل القوة والمعنويات والعلم والمعرفة التي استلهمناها منك ومن رفاقك.
ينظر الى النساء المزغردات وكانهن في يوم عرس ابنهم. تقول له نساء وطنه: المراة الكردية عانت الكثير من الالام والظلم والعنف ولكن لتعرف ايها الرفيق، رفيق المرأة ومعلمها، سنكون عند حسن ظنك في نضالنا. كنت تقول: ان مقياس تحرر المجتمع هو في تحرر المراة فمن خلال المرأة يمكنك التعرف على المجتمع ووضعه لانها مقياس الحرية والانسانية.
ينظر الى الامهات والآباء وهم يتنفسون الصعداء وكانهم يذكرون الحكم التاريخية في حقيقة رستم ويقولون من زرع حصد ومن صار على الدرب وصل فحقا، فها هو رستمنا يحصد اليوم مازرعه ويصل الى قمة هدفه. الكل يتفوهون باسم "رستم" والذي اصبح بسملة وعنوان الحياة والنضال والمعرفة والاخلاق لدى أبناء الكرد في غرب كردستان.
ينظر الى المثقفين وكانهم يقولون نعم لقد غادرتنا يارستم المثقف الحقيقي استلهمنا منك حقيقة المثقف والمتنور والمصلح، وعرفنا كم كنا نخدع انفسنا عندما كنا ندعّي "التثاقف" ونتفلسف لكي نهرب من العاصفة ونبتعد عن الواجب. ونعاهدك على ان نصبح مثقفين حقيقين يسيرون على منهجيتك وعلمك ومعرفتك واسلوبك وطرازك، ونتخذ من مدرستك كنزاً لنا لنصبح جديرين بشعبنا وانسانيتنا، ولن ندع اهل الظلام يخيمون بظلمهم على نورنا.
نعم استطاع رستم من خلال انتفاضته الاخيرة ان يوصل رسالته الى المجتمع، الى الاعداء قبل الاصدقاء قائلاً لهم: ربما تستطيعون ان تقتلوننا باسلحتكم الفتاكة والمحرمة دولياً كونكم فقدتم الاخلاق والاعراف والمبادئ، ولكن لا تستطيعون ان تقتلوا فينا حبنا لوطننا ولشعبنا. لا تستطيعوا ان تقتلوا وحدتنا وارادتنا وعزيمتنا وامالنا وطموحاتنا واهدافنا في الحرية والمساواة والعدالة. فها نحن نسير بارادة اقوى واصلب وبوحدة متينة راسخة. فقد اصبح يوم استشهاد رستم جودي يوما مشهودا لتصعيد النضال. يوما لمحاكمة الاعداء. يوم الانطلاق من جديد نحو النصر الأكيد. نعم لقد خدم رستم ربع قرن شعبه وضحى من اجله واستطاع ان يترك ملحمة تاريخية تصلح منهاجا نضاليا لكل ثائر وطالب حق ومظلوم على وجه هذه البسيطة.
زوهات كوباني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا


.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال




.. تصريحات عمالية خلال مسيرة الاتحاد الإقليمي للاتحاد المغربي ل


.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو




.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي