الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إكرامية الزواج...... وجرحى الإنتفاضة

علاء كنه
(ِAlaa Kana)

2011 / 11 / 23
كتابات ساخرة


الكثير من العراقيين وربما أغلبهم لم يسمعوا بكل مغامرات القائد المنصور بفعل التعتيم والطوق الإعلامي الذي كان يفرضه على العراق والعراقيين آنذاك... وقد يستغرب البعض من عنوان مقالتي هذه، تذكرت بألم الأيام الخوالي في مطلع التسعينيات وتحديداً في عام 1991 حين تسلمنا وبفرح غامر نحن الشباب إكراميتنا من القائد المنصور أو كما كان المعتاد أن يَطلق العراقيين على هذه الصرعات بــــــــ(المكرمة) وأقصد هنا إكرامية الزواج والتي كان مقدارها 1000 دينار – دينار ينطح دينار- والتي لم تكن كافية حتى لشراء أبسط مستلزمات الزواج، حالنا حال المتقاعدين الذين أستلموا مكرمة الــ(دجاجة) في أحد أيام شهر رمضان المبارك في أحدى السنوات!! نعم في أحدى السنوات وليس كل سنة (لاتروحون بعيد)!!... ولم نكن نعلم في وقتها ما كان يخفيه لنا القائد المنصور من هذه المكرمة. والتي كانت خدعة إبتلعناها بكل سهولة كالطعم من دون أن ندري!! حيث كان الغرض منها تحفيز الشباب على الزواج ومعادلة التخلخل الإجتماعي الذي حل بالمجتمع العراقي آنذاك... المهم وحسب ماأعرفه عن المفهوم البسيط للإكرامية هو العطية أو مايمنح طواعية للفرد ويكون غير قابل للإسترداد، ولكن ماحصل معنا نحن العراقيين (أبناء عراق النفط) كان غير ذلك كالعادة، حيث بعد أكثر من سنتين تفاجأ الكثير منا بقرار من رئاسة الجمهورية بضرورة إرجاع مبلغ الإكرامية عداً ونقداً الى خزينة الدولة وإلا..... وبالطبع الجميع يعرف الباقي، وأقصد عواقب مخالفة القائد وبطشه آنذاك، فربما قد تقطع يده أو أذنه أو يقطع لسانه، أو يوصم بوصمة العار على جبهة الرأس (مثل مسلسل لن شنغ) أيام زمان... وبالفعل أصطَف المئات منا وكان لي الشرف بأن أكون أحدهم في طابور طويل وتحت أشعة الشمس اللاهبة (ونحن الممنونين!!) على باب دائرة خزينة الدولة والتي كان مقرها في منطقة باب المعظم آنذاك حسب ماأذكر، لغرض إرجاع مبلغ الإكرامية (التي لم تكن في وقتها كافية حتى لشراء قطعة حلوى لطفل)، وإستلام وصل بذلك، وسط حيرة الجميع عن سبب منحنا إياها ومن ثم المطالبة بها؟ هنا أتسأل هل يمكن أن يصدق العاقل هذا؟ ظلت هذه الحادثة كغصة في صدري وظليت أسأل نفسي هل أن الدولة فعلاً بحاجة لإسترجاع مثل هذا المبلغ التافه منا؟ وهل من الشهامة والرجولة بان يطالب بهذا المبلغ من الذين ذرفوا دمائهم في حروبه المجنونة، وأضحى الملايين منهم بسببه تحت خط الفقر. وهل بهذه الطريقة يُكافأ هؤلاء؟ مجموعة من الأسئلة حيرتني لعدة سنوات بعد هذه الحادثة. وقد يبرر البعض ويقول ربما كان العراق تحت وطأة العقوبات المفروضة عليه وإحتاج لتلك المبالغ!... ربما نعم، ولاسيما عندما قرر القائد الضرورة قبل الحرب الأخيرة في رسالته للشعب الأمريكي أن يمنح المتسولين الأمريكان 100 مليون دولار ظناً منه بان ذلك سيشكل ضغطاً على الحكومة الأمريكية لعدم دخول الحرب مع العراق، أو ربما عندما شاهدنا تلك الأموال (الدولارات الحلوة) كيف كانت تحترق وبالملايين في القصر الجمهوري بعد قصف قوات التحالف لقصر القائد (العبد الفقير)!!
أنا سأجيبكم على هذا السؤال بصرعة صغيرة وواحدة من صرعات القائد المنصور، عشتها شخصياً لأبين كيف كان القائد يعامل أبناء شعبه، وللذين يتباكون ويذرفون الدموع ويترحمون لأيامهِ التليدة، ولتذكيرهم بها... ولأبين كم كان منصفاً مع أبناء شعبه وكيف كان يغدق الأموال على كل من هب ودب على وجه الأرض.
شاء القدر أن أعمل بصفة أستاذ جامعي في أحدى الدول العربية المجاورة للعراق، وفي أحد الايام من عام 2000 إتصل بي هاتفياً أحد أقاربي وهو طبيب يعمل على ملاك وزارة الصحة ليبلغني بنبأ وصولهِ للبلد بايفاد رسمي، وبأنه يعمل يومياً في أحدى المستشفيات وأعطاني العنوان كاملاً، وبالفعل أتفقت معه على أن أزوره في اليوم التالي بحكم العلاقة العائلية التي تربطنا لغرض الترحيب بسلامة وصوله والأطمئنان على صحته ورؤيته، وما أن حل اليوم الثاني حتى شددت الحزم ووصلت المستشفى التي يعمل فيها قريبي وكان بإنتظاري عند البوابة الرئيسية لها، والتي كانت تقع في أحد أحياء العاصمة ومن أغلى مستشفياتها، فرحبت به وتبادلنا أطراف الكلام، ومن ثم طلب مني مرافقتهُ الى الطابق الذي كان يعمل فيه، وما أن دخلت حتى رأيت مالم أكن أتصورة مطلقاً، فقد كان الطابق مزيناً بالكامل بالعشرات من صور القائد المنصور (في تلك الدولة!) محاطة بالسعف والأوراق الملونة وكأني كنت في إحتفالية لعيد ميلاده الميمون... دخلنا للردهات وإذا بكل ردهة أثنين أو ثلاثة مصابين بحالات متنوعة وأمام كل مصاب صحن كبير من الفواكه يعلوها الفاكهة المدللة- الموز- (الذي كان حسرة على كثير من العوائل العراقية)، وعندها لم أعد أحتمل فابلغت قريبي بأن فضولي سيقتلني، وأريد أن أسمع القصة كاملة، فاخذني الى الغرفة وسرد لي القصة وكانت كالتالي...
إن الراقدين الذين رأيتهم هم من جرحى الإنتفاضة في فلسطين ويتم إحضارهم الى هذه المستشفى ليتعالجوا على نفقة الحكومة العراقية مجاناً، الى هنا كل شيء معقول...ربما، وبعد فترة علاج المصاب والتي تختلف من مصاب لآخر، ويتماثل للشفاء يُغادر المصاب المستشفى بعد أن يتم تسليمه مبلغ 1500 دولار كمكرمة من القائد الضرورة، ليرجع الى بلده معزز مكرم مشافى، وحسب علمي إن البعض منهم قد أصيب مرة ثانية وعاد الكرة مرة ثانية وهلم جرا...(طبعاً إذا كان الدفع مستمر لم لا؟) المهم، من شدة فضولي سألته عن كيفية إجراء العمليات والعدة والأدوية فأبلغني أنه تم تأجير هذا الطابق بالكامل ودفعت تكاليفه من قبل السفارة العراقية. أما بخصوص الكادر الطبي فيتناوب عليه موظفي وزارة الصحة حيث يتم (إيفاد) طاقم كامل مؤلف من 10 أشخاص شهرياً مابين طبيب وطبيب جراح وطبيب كسور ومخدر ومساعدين، وسميت في وقتها بــ(الفرق) وبصحبتهم سيارة أسعاف حديثة و(طن) من الأدوية (ياسلام شوف الدلال!!) وتذكرت كيف كنت في وقتها أسمع وأرى بأم عيني كيف كان المرضى العراقيين (المكاريد) يتحسرون على الأدوية في ظل العقوبات المفروضة عليهم، لا بل يحتارون من أين يشتروها ومن أي بلد وكيف يوصولونها الى بغداد وخاصة لذوي بعض الأمراض المستعصية؟ وتذكرت فوراً ألـ 1000 دينار عراقي (مالتي) والتي لم تكن تعادل في وقتها الـــــ 10 سنتات والتي منحني إياها القائد الضرورة كمكرمة وإستردها مني عنوة!! وقلت في نفسي ربما قد ساعد هذا المبلغ في شفاء أحد جرحى الإنتفاضة؟ ربما، لا بل ربما كنت أحد المساهمين لا بل من المشاركين في الإنتفاضة دون أن أدري؟ وهنا أريد أن أسأل أحد شيوخ الفضائيات ليفتيني بفتوة تؤيد ماذهبت اليه..لأرتاح نفسياً!!
المهم بعدها دعاني قريبي الطبيب لمرافقته الى سكنه لنقوم بعدها بجولة في المدينة، لكوني كنت أسكن في منطقة تبعد قليلاً عن العاصمة، فتبين لي أن الطاقم الطبي كله كان يقيم في أحدى العمارات التي هي عبارة عن شقق صغيرة مفروشة في أحد احياء العاصمة، حيث كان مؤجراً بالكامل من قبل السفارة العراقية أيضاً لقاء المنام مع ثلاثة وجات طعام وإن صاحب الفندق هو عراقي متزوج من عربية ( ياسلام شوف الصدف؟؟)، وكانت أجرة الغرفة الواحدة مايقارب 110 دولارات!! وهو سعر خيالي في وقتها حيث كان يعادل سعر غرفة في فندق درجة أولى في العاصمة، فقلت في نفسي كل هذه النفقات والقائد المنصور يبحث عن 1000 دينار التي منحها لبني جلدته من العراقيين.
أنتظروا لم تنته القصة بعد... فقد إستمرت هذه المكرمة على هذا الحال وأقصد هنا إيفاد هذه الفرق لفترة قاربت العامين الى وصلت الى عشرون فرقة، وكانت مدة كل فرقة شهر واحد كما ذكرت، وبعملية حسابية بسيطة يمكنكم إحتساب كلفة هذه المكرمة قياساً بمكرمتي، لا بل لو إن الله لم يلطف بنا وتحدث الحرب الأخيرة لكانت الفرق هذه مستمرة بعملها لغاية اليوم ... ومن يدري فربما قد يكون من ضمن أحد أفراد طاقمها في أحد الأيام أحد أولادنا! من يدري ربما!
كم أحزنتني تلك الحادثة وتذكرت حالنا نحن العراقيين وتألمت وتأسفت الى الطريقة التي كانت تصرف فيها أموال العراقيين، والتي كانت تنفق فقط بأمر القائد الضرورة لرشي الذمم وكتم الأفواه أو التمجيد له سواء في وسائل الإعلام أو في القنوات التلفزيونية،... كان الأجدر به إشباع شعبه ومن ثم يغدق بها لمن يشاء ويكسب الدعاء والتمجيد والمديح. تألمت كثيراً للذين فقدتهم من أصدقاء ومعارف في الحروب وللذي جرى للعراقيين وما آل اليه حالهم في الغربة والشتات، تألمت للذين يكافئون اليوم مرة أخرى بإحدى المكارم من خلال ذبحهم وتهجيرهم بعد زواله! وتألمت للذين وجدوا أنفسهم خارج أسوار الوطن منهم بإرادتهم ومنهم مجبرين لا لشيء فقط لأنهم أحبوا العراق وأحبوا شعب العراق.

ملاحظة: (إن الغرض من هذه المقالة هو فقط سرد لواقع حصل فعلاً وليس لها أي غرض سياسي معين... والغاية منها هو لتذكير العراقيين بتلك الأحداث التي حصلت لهم وكما يقال ذكّر...عسى أن تنفع الذكرى!!)
د. علاء كنــــه
سان دياكو/ كاليفورنيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته