الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاتيكان .. تاريخ باباوى ... دموى ومأساوى 2

أحمد عفيفى

2011 / 11 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لأسباب سياسية كان الوقت قد حان، وكان لابد لقسطنطين أن يعمل على تكاتف الجيش والسلطة والأساقفة والديانة المسيحية، وفى القرن الأول لم يكن بالمستطاع تكوين دولة بطرس وبولس، وأخذت مكانة الأساقفة فى الإزدياد، وبالتالى من الممكن دمجهم فى جهاز الدولة وبذلك يمكنهم أن يحددوا قيمة الضرائب ومن الممكن أن تستغل إمضائاتهم ومن الممكن أن يوزعوا الأوامر والمراسيم وكل هذا تحت سيطرة القيصر وإيضا التستر على الفساد الموجود بإراقة مزيد من الدماء.

وفى عام 324 بعد ميلاد السيد المسيح سمح قسطنطين ببناء أول كنيسة لبطرس على تلة الفاتيكان وبهذا أسس نصب نواة السلطة الكنسية ولكن لم يجعل المسيحية هى الديانة الرسمية بل بالعكس احتفظ قسطنطين بلقبه " بونتى فاكس مكسيموس " ومعناها بالإلمانية " كبير حراس عبادة الآلهة " وهو اللقب الذى كان فى الأصل يحمله “ كبار حراس عبادة الآلهة الرومانية القديمة “، وهذا اللقب يحمله كل الباباوات إلى الآن.

وسرعان ما وقع الأساقفة فى نزاعات حول تفسير العقيدة ولكن قسطنطين الحاكم الدنيوى تظل كلمته هى العليا فى النزاعات الكنسية، فالكلمة الأخيرة للقيصر فقط ، وهو شىء لا تطيقه الكنيسة وسوف يظل هذا الوضع لقرون عديدة حتى يتغير.

فى عام 330 غادر قسطنطين روما ونقل مركز الإمبراطورية الرومانية إلى بيزنطه التي أصبحت فى المستقبل القسطنطينية، وعمت روما الفوضى وحدث فراغ فى السلطة، وقامت على منصب البابا نزاعات دموية، كما حدث فى نهاية عام 366 عندما تصارع الأسقفان أوزينوس ودامازوس على كرسى البابوية وقامت معركة أمام كنيسة سانتا ماريا بين مؤيديهم فى الشوارع وفى النهاية تحصن مؤيدوا أوزونوس فى الكاتدرائية فتسلق أعدائهم السطح وقذفوهم بالحجارة والحصيلة المحزنة كانت تزيد عن المائة قتيل وداماسوس أصبح بابا وظل العنف سمة من سمات فترة حكمه وعوضاً عن هذا أعطى لنفسه كأول بابا الحق فى لقب خليفة بطرس وأن يكون أسقف روما، ومنذ ذلك الحين يحمل ذلك اللقب كل بابا بالإضافة إلى لقبه، واذا افترض أن بطرس كان فى روما فعلا فهو لم يكن بابا ولا أسقفا وبعد مئات السنين على موته منح هذا الشرف.

الكرسي البابوى له قوة وجاذبية كبيرة، حتى أن كبار الكهنة المكلفين بوصايا يسوع، لم يتوانوا عن استعمال العنف من أجل الوصول إليه، وعقب هذه الفترة سوف يكون هناك رجال أشد قسوة تنجح مساعيهم من أجل الوصول إلى الكرسي البابوى، ولما كان يوجد دائماً خطر خارجى يهدد الكنيسة. ففى القرن الثامن عندما هاجم " اللومبارد " إيطاليا وهم قبائل بربر ينحدرون من منطقة بحر البلطيق، سيطر رعب كبير على الكنيسة ، فالكنيسة لا تملك جيشا، فتوجه البابا ستيفان الثانى فى عام 753 نحو الشمال إلى " بيبين " ملك الفرنجة العظيم ولم يكن قد حدث من قبل أن طلب بابا المساعدة من حاكم دنيوى.

فى حقيبة البابا ستيفان كانت توجد وثيقة هامة للغاية، إنها وثيقة هبة من عام 315 ، لم تكتب من أى شخص سوى القيصر قسطنطين شخصيا والمسماة " بالهبة القسطنطينية " وتحكى قصة مذهلة، وهى أن قسطنطين أصيب بمرض الجذام ونصحه كهنته أن يستحم فى فسقية مليئة بدماء أطفال دافئة، وباتت أحلام مفزعة تلاحق القيصر ذا المرض المميت، ولم يطاوعه قلبه فى الأمر بحمام الدم، وبدلا من ذلك نصحه الحواريان بطرس وبولس فى الحلم، بأن يعمد من البابا " سيلفيستر "، وأطاعهم قسطنطين، وكانت المعجزة، فقد اصبح معافىً، وعبر القيصر عن شكره بهبة كبيرة سخية، فلقد اعترف بأن سلطة الحاكم سلطة دنيوية فقط ، وسلطة البابا سلطة قدسية وطبعا أسمى، ولهذا رحل القيصر إلى بيزنطه ليترك مكانه للبابا فى روما ، وأصبحت كافة السلطات على روما وإيطاليا والمقاطعات يتولاها البابا.

وتأثرالملك " بيبين " وفى عام 755 واجه اللومبارد فى معركة وهزمهم هزيمة ساحقة وأجبرهم على الإعتراف بالسيادة العليا للفرنجة، والبابوية أنقذت وكل التركة عادت إلى الكنيسة مرة اخرى، ولكن وراء كل هذا تستتر عملية إحتيال كبيرة، فالبابا “ استيفان الثانى” إستند على أكبر تزوير فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، إن لم يكن هو بنفسه الذى أمر بتزويرها.

عندما يحاول المرء دائما أن يجذب ملايين من الناس إلى جانبه، فلن يستطع ذلك دون أن يلوث يديه، ولأن هناك تاريخ إجرامى للديانة المسيحية، ولا يزال حتى الآن أساقفة وكرادلة، متورطين فى هذا الوحل الإجرامى.

وبعد 700 عاما تنكشف الخديعة، فعالم إلاجتماع " لورانسو فلا "، والذى عمل فى القرن الخامس عشر كمترجم ومؤرخ لملك نابولى، عند دراسته لهِبَة قنسطنطين، أكتشف أن البابا فى زمن قسطنطين لم يكن سيلفيستر، بل بابا اسمه " ملتيز " وعلاوة على هذا فإن الوثيقة تتحدث عن القسطنطينية بالرغم من أن المدينة كان اسمها بيزنطه فى هذا الوقت، فقط خطآن من أكثر من مائتين خطأ اكتشفهم العالم " فلا "، فخشى على حياته وأبقى اكتشافه سرا، وظلت حتى بداية القرن السادس عشر ثم نشرت ، ومازالت الكنيسة الكاثوليكية متمسكة بأن الوثيقة حقيقية.
يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انا متفق معك تماما
وليد يوسف عطو ( 2011 / 11 / 24 - 09:48 )
الزميل احمد عفيفي الجزيل الاحترام . كلامك صحيح جدا. لم يؤسس يسوع لكهنوت ولم يكن كاهنا او رئيس كنة فكيف اصبح بطرس بابا ؟ وحرم يسوع الذهب والفضة واكتناز الاموال ودعا الى اشاعتها فكيف يلبس البابا الخاتم الذهبي ويمسك بالصولجان الذهبي والملابس الملكية الذهبية والتاج الذهبي الملكي ؟ انه تحالف سلطة الكهنوت المسيحي المستحدث بما يخالف الانجيل القائم على الوساطة بين الله والانسان اقول تحالف الكهنوت مع السلطة الرومانية مع سلطة المال انشاء هذا التحالف الشيطاني . شكرا على هذه الكتابات الجريئة والهادفة والى امام مع خالص مودتي


2 - الزميل عطو
أحمد عفيفى ( 2011 / 11 / 24 - 11:50 )
أشكر تعليقك المحايد
والسيد المسيح
كان اسمح وابسط واجمل
من كل الكهانات والسلطات

مودتى يا صديقى
وسلام عليك


3 - الشكر مرتان
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2011 / 11 / 24 - 17:51 )
الزميل عفيفي
لك الشكر مرتين
الاولى: البحث العلمي
و الثاني: اللغة الجميلة الصافية

عندما يحاول المرء دائما أن يجذب ملايين من الناس إلى جانبه، فلن يستطع ذلك دون أن يلوث يديه


4 - الزميل جاسم
أحمد عفيفى ( 2011 / 11 / 24 - 20:10 )
الشكر ثلاث :)

مرة للقراءة
ومرة للتعليق
ومرة للحيادية

تحياتى ومودتى


5 - الخلط الواهم
آرا دمبكجيان ( 2011 / 11 / 24 - 22:34 )
الى الأخ كاتب المقال، تحية و أحترام،
هناك خلط غير مقصود بين المسيحية و الكاثوليكية. هذا خطأ يقع فيه جلّ الناس من غير المسيحيين. يعتقد هؤلاء أن المدعو بابا الفاتيكان هو رأس الكنيسة المسيحية، و الآمر الناهي على كل مسيحي على وجه الأرض. هذا معتَقّدٌ خطل يجب تصحيحه، إذ ليست لديه أي سلطة على المسيحيين الأورثوذوكس و البروتستانت.
هل يقبل المسلمون أن نقول أن مرجعية النجف في العراق أو قم في بلاد فارس يتكلمون بإسم أتباع المذاهب السنية؟ أو أن أزهر مصر و وهابية السعودية يمثلون شيعة آل البيت في العالم؟ لن تقبل أي جهة بهذا الأمر. لن أذكر مَقاتل هؤلاء بأسم الأسلام، إذ لا تمثِّل أي من المذهبين الأسلام عامة.
رجائي أن لا يُعَمم ما أرتكبت أيادي عدد من البابوات الكاثوليك من معاصي على عموم المسيحية و المسيحيين كافة.
أرجو أن أكون وفيتُ في تصحيح المفهوم الخاطئ، و أرجو من أصدقائي من الكاثوليك أن يغفروا لي إنْ كان ما كتبته ذنباً في عُرفِهِم.
مع الشكر و التقدير.


6 - الأخت آرا
أحمد عفيفى ( 2011 / 11 / 24 - 23:30 )
تحية وأحترام

المقالات تباعا سوف توضح هذا الخلط
وتبين الفرق بين الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت
والمقالات تحت عنون تاريخ الفاتيكان
أى أنها تأريخ وتوثيق
وليست قدح وذم

تحياتى ومودتى


7 - تصحيح
آرا دمبكجيان ( 2011 / 11 / 25 - 06:24 )
الأخ أحمد عفيفي المحترم،
أولاً: مع عظيم أحترامي للجنس الناعم، و لكن أسم آرا مذكر و ليس مؤنثاً.
ثانياً: لم أقل في ردي السابق أنك أرتكبت أي قدحٍ أو ذم، حاشاك منهما. كان القصد منه عدم لوم المسيحية عموماً بسيئات عدد من البابوات الكاثوليك، و لا غير.
مع معزَّتي و أحترامي لك.


8 - الأخ المحترم آرا
أحمد عفيفى ( 2011 / 11 / 25 - 13:17 )
أعتذر عن الخلط وسوء الفهم :)
يبدو أننى سأتوقف عن سبق الأسم
بلقب أخ أو أخت أو سيدتى أو سيدتى :)
شكرا للتصحيح
وأشاطرك إحترامك للجنس الناعم
ولا لوم على المسيحية
اللوم على التاريخ الدامى

معزتى وأحترامى يا صديقى
وسلام عليك :)


9 - المصلحة اولاً
ALP ( 2011 / 11 / 25 - 19:02 )
لك كل التقدير والاعجاب أخ أحمد
التاريخ سجل الزمن والاحداث لواقع الانسان المبني على المصلحة ، فعندما تتضارب المصلحة مع الدين ، تكون كفة الدين هي الراجحة
تقبل المودة من متابع لمقالاتك النيرة


10 - تصحيح
ALP ( 2011 / 11 / 25 - 20:55 )
عذراً ، قصدت بان كفة المصلحة تكون هي الراجحة


11 - ALP
أحمد عفيفى ( 2011 / 11 / 25 - 23:30 )
ولك كل الإحترام والتقدير
يا صديقى النير

وربما صدقت
فالمصلحة دينية دائما :)

اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah