الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تفتش عن المرأة !

سامر خير احمد

2004 / 12 / 21
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


كثيرون في العالم العربي يذهبون في رؤيتهم للكيفية التي يمكن من خلالها كسر حالة التخلف المتأصلة في المجتمع الأبوي العربي مذهب المفكر العربي الكبير هشام شرابي صاحب الكتاب الشهير "النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي"، والذي يرى فيه أن التغيير في العالم العربي مشروط بـ "تحرير المرأة قولاً وفعلاً"، بمعنى أن هدم النظام الأبوي والانتقال إلى المدنية ودولة المواطنين الناهضة لا يمكن أن يتحقق إلا ابتداءً من تصحيح مكانة المرأة وإقامة المساواة بينها وبين الرجل، باعتبار ذلك يفتح باب المساواة بين الجميع ويقود إلى تقويض الدكتاتورية الأبوية في السلطة كما في المجتمع.
هشام شرابي يؤكد ذلك، ويردد ومعه هؤلاء الكثيرين من العرب المخلصين لفكرة تجاوز التخلف والتحول إلى النهضة "إن الحركة النسائية هي الأكثر أهمية لأنها الأكثر ثورية من حيث طاقتها الكامنة فيها".
غير أن هذا الرأي يمكن أن يُقرأ فيه خلطاً غير مفهوم بين مطلب الحريات العامة والحرية الفردية داخل المنظومة الاجتماعية من جهة، ومطلب مساواة الرجل والمرأة، سياسياً واجتماعياً أيضاً، من جهة ثانية، خاصة وأن القائلين به لا يقدمون تفسيراً علمياً واضحاً حول الآلية التي يكون بها "تحرير المرأة" شرطاً لا بديل له لتحرير باقي مكونات المجتمع، ما يقود إلى استنتاج أن هكذا رأي إنما يقوم على أهواء خاصة وأشواق إلى صيغة معينة للتنظيم الاجتماعي قائمة في المجتمعات الغربية التي ربما يعتقد أصحاب ذلك الرأي أنها هي المثل الأعلى الذي يجب أن تكون عليه مجتمعات العرب، دون اعتبار إلى أن في الأمر شيئاً من الإسقاط غير الموضوعي الذي يهمل فوارق ثقافية لا يمكن تجاوزها بين العرب والغرب (هذه الفوارق لا تتعلق بضرورة الحرية الفردية بما فيها حرية المرأة وإنما بالأخلاق الأساسية).
ما يجب تأكيده أن قضية تحرير المرأة العربية هي مسألة هامة وأساسية وضرورية، فحالة المرأة العربية الراهنة تمثل دون شك أحد أركان تخلف المجتمعات العربية، ولهذا فان هدم هذا التخلف يجب أن يتضمن تغيير نظرة هذه المجتمعات للمرأة، وإنجاز مساواتها مع الرجل خاصة في مجالات المشاركة الاجتماعية والسياسية. ولا خلاف في هذا السياق مع الداعين إلى المصرّين على شرط تحرير المرأة، وإنما الخلاف في تحديد الأولوية ومكانة قضية المرأة في سياقات النهضة والقضاء على التخلف.
وأصل الخلاف أن الحرية مفقودة لدى الجميع، فعلى الصعيد الاجتماعي/ الأسري تطلب المرأة العربية الحرية والمساواة وهذا حق، لكنه كذلك مطلب الابن –الذكر- في الأسرة وفي الهياكل الاجتماعية الأكبر، فالابن –أيضاً- لا حرية له في الاختيار والتقرير، وهولا يعامل كفرد حر مسؤول وإنما كرقم تتحدد كفاءته وأهليته في ضوء مكانة الأسرة والقبيلة التي ينتمي لها، أما على الصعيد السياسي فتطلب المرأة العربية المشاركة والمساواة وهذا أيضاً حق، لكن ذلك أيضاً هو مطلب الرجل العربي المقموع والمهمّش ومنزوع الحقوق كمواطن، فالقمع موزع بالتساوي بين النساء والرجال في العالم العربي!
هكذا فإن المرأة العربية ليست وحدها المتضررة من أبوية النظام الاجتماعي العربي، ما يعني أن "الحل" أي القضاء على التخلف العربي ليس مرتبطاً بها بالضرورة، فقد يكون أيضاً مناطاً بتحرير "الابن"، بالمعنى الاجتماعي والمعنى السياسي (وفي حالة السياسة فإن الابن هو المواطن المهمّش)، وقد تكون حرية "الابن" هي المفتاح الحقيقي لحرية الجميع بما في ذلك المرأة.
بل إن الذهاب إلى الاعتقاد بأن حرية الابن هي التي يُفترض أن تكون شرط القضاء على الأبوية وتجاوز التخلف العربي، يبدو أكثر منطقية من الاعتقاد بأولوية حرية المرأة، فتحرير الابن، أي إنجاز مساواته كفرد له قيمته وحريته في الاختيار مع أبيه (بالمعنيين الاجتماعي والسياسي) يعني بالضرورة أن لا سلطة لأحد على أحد تمنح الكبير قدسية المعرفة وامتلاك الحقيقة، ويعني بالتالي حتمية الديمقراطية على الصعيدين السياسي والاجتماعي، ما يتضمن بالتأكيد حرية المرأة ومساواتها وتفعيل أهليتها في المشاركة.
لهذا كله، يجب إعادة النظر في اعتبار قضية تحرير المرأة العربية حجر الزاوية في نقد النظام الأبوي العربي المقيت والمفضي إلى كل هذا التخلف الذي نعيشه ونعاني بسببه، وذلك بغرض إعادة تحليل الواقع بشكل أكثر موضوعية وبعداً عن الأهواء، وتقديم نقد أكثر علمية لهذا النظام الأبوي والتخلف المستند إليه، والتفتيش عن المعضلة الحقيقية التي يجب البدء بحلها في الطريق إلى المدنية والتحضر، ذلك أن التفتيش المستمر عن المرأة في هذه المسألة يبدو انفعالياً وغير نافع، فلا تفتشوا –بعد- عن المرأة في أولويات السعي إلى كسر التخلف، بل ربما فتشوا أولاً عن الابن!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. (12-05-2024)- في يوم التمريض العالمي.. كلارا ممرضة وصديقة تع


.. تفاعلكم | القبض على تيك توكر شهيرة لتورطها في قضية اغتصاب ال




.. مجلس المرأة لحزب PYD يؤكد السياسة دون المرأة سياسة حرب


.. الصحفية حبيبة العبيدي




.. انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للسينما الأفريقية بحضور نسوي