الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة شيطانيه في ثقافة شيطنة العقل 1/2

علي الخليفي

2011 / 11 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نريد هنا أن نخرج عن القراءات السبع والعشر ,وجميع القراءات الملائكيه المُلزمه التي تُقرأ بها إسطورة الخلق ,نريد هنا أن نُعيد قراءة تلك الإسطورة قراءة شيطانيه مُختلفة . القراءات الملائكيه جميعها قراءات مدفوعة بالرعب والخوف,القراءات الملائكيه قراءات مُتبلدة تقوم على التسليم المُطلق بما ورد في النصوص المُقدسه ,على إعتبارها من صياغة القوى الإلهيه, ولا يجوز مناقشتها أو إعمال العقل فيها, لأن عقولنا قاصرة عن إدراك مقاصد الحكمة الإلهيه المُطلقة .وحتى نتفادى أن يحيق بنا اللعن والطرد ,الذي حاق من قبل بمن تجرأ على إعمال عقله في تعاليم تلك القوى المُطلقة الحكمة والعلم والتي صاغة تلك الإسطورة .. القراءة الشيطانيه تقوم على التمرد على الرعب والخوف , تقوم على الجدل والنقاش , تقوم على الإحتكام للعقل وأتباعه في غيه وتحمل النتائج المترتبة على هذا الإتباع.

محنة العقل في الجنة..

الإنقسام الذي حدث في الإسطورة بين تلك المخلوقات الإفتراضيه المسماة بالملائكة كان محوره الإنسان, ذلك الإنسان الذي رأت القوى الإلهيه خلقه وتكليفه بمهمة خلافتها في الأرض, وتفضيله بذلك على تلك المخلوقات الملائكيه, التي أمضت أعمارها في خدمة تلك القوى الإلهيه والتقرب إليها, وهذا ما دفع تلك المخلوقات للإحتجاج . فالقوى الإلهيه لم تكتفي بتفضيل مخلوق جديد, بل إختارت مخلوقاً مجبول على مخالفة الشرائع الإلهيه ,وتميل طبيعته إلى الفساد وسفك الدماء.

قالوا: أتخلق فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونستغفر لك؟! أحتكم الملائكة للعقل, وإحتكامهم للعقل جعلهم يطرحون هذا السؤال, والذي تفوح منه رائحة التشكيك في حكمة القوى الإلهيه.

هذا السؤال تم طرحه بلسان الملائكة جميعاً ,قبل أن يحدث الإنقسام بينها بشيطنة فريق منها ,والبرهان الذي قدمته القوى الإلهيه لتبرهن به على حكمتها في إختيار ذلك المخلوق الطيني لخلافتها,ذلك البرهان هو الذي أحدث هذا الإنقسام . عللت القوى الإلهيه إختيارها ذاك بعلمها المطلق الذي يجعلها تعلم ما لا تعلمه الملائكة , وهذا التعليل لايبدو مقنعاً لأن القوى الإلهيه عندما أخبرت الملائكة بعزمها على خلق ذاك المخلوق الطيني واأستشارتها في ذلك, كانت تدرك بعلمها المطلق مدى محدوديه علم الملائكة , وبذلك فإن النقاش حول مدى صوابية قرار الخلق ذاك, كان مُحتم أن يقوم وفق علوم الملائكة المحدوة ,وليس وفق علوم القوى الإلهيه المُطلقة , وإلا إنتفت الحاجة لإطلاع الملائكة وإستشارتها في ذلك القرار.

إحتاجة القوى الإلهيه لتقديم البُرهان لتستعيد ثقة الملائكة بحكمتها , وكان هذا البرهان يقوم على إثبات مدى تفوق ذلك المخلوق الطيني على الملائكة, وحيازته لعلوم لاتحوزها الملائكة ,علّمت القوى الإلهيه آدم الأسماء كلها ,والتي ستمكنه من معرفة أسماء الأشياء التي عجزت الملائكة عن التعرف عليها ,مما جعل فريق من الملائكة يُسلم بعجزه, ويظهر إقتناعها بحكمة القوى الإلهيه من إستحداث ذلك الخلق.

هنا حدث الإنقسام ,فريق من الملائكة أظهر إقتناعه وسلم بحكمة القوى الإلهيه ,وفريق أخر رفض التسليم ولم يقنعه ذلك البرهان ,فأستمر في جداله . لم يكن البُرهان الذي قدمته القوى الإلهيه مُقنعاً حتى لأبسط العقول, والفريق الذي أظهر إقتناعه وتسليمه مُنقسم إلى فريقين ,فريق أظهر تسليمه وإقتناعه بذلك البرهان الغير مُقنع بسبب محدودية عقول أفراده, وفريق أخر لم يُقنعه ذاك البرهان ,ولكنه أثر السلامة, وتظاهر بالإقتناع ليتجنب غضب وسخط القوى الإلهيه .

البرهان الذي قدمته القوى الإلهيه لتدلل به على حكمتها لم يكن مقنعاً لأي عقل بسيط. فعندما تأخد القوى الإلهيه آدم وتحشو رأسه بأسماء الأشياء كلها ,وتعلمه من علومها ما لم تُعلمه للملائكة ,فهذا لا يعطي أية أفضليه لذاك المخلوق الطيني على الملائكة, فلو أختارت القوى الإلهيه أقل الملائكة شأنناً ,وأصطفته بتلك المنّة ,وحشرت في رأسه الأسماء كلها, لأستطاع هو أيضاً أن يقوم في مقام آدم, ولإستطاع التعرف على أسماء الأشياء كما تعرف عليها آدم , وهذا ما أدركه ذلك الفريق من الملائكة الذي رفض التسليم, ولم يُظهر الإقتناع بذلك البرهان, بل إستمر في جداله ونقاشه ,ذلك الجدال والنقاش الذي حسمته القوى الإلهيه بشيطنة ذاك الفريق, ولعنه ,وطرده من فردوسها الآمن.

قال : أنا خيرٌ منه .. وجاءت إجابة القوى الإلهيه .. أُخرج منها فإنك رجيم , وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين.
لم يكن الحوار هنا مُنصفاً أبداً , فالقوى الإلهيه التي تبنت إسلوب الإقناع والمحاججة في بداية الأمر ,تخلت عن ذلك الإسلوب فجأة ,وعلقت الحوار ,ولجأت إلى قوتها المُطلقة لتمارس اسلوب الإقصاء والطرد , والذي سيصبح نهجاً ينتهجه حجاب وسدنة وصايا القوى الإلهيه على مدى الأزمان.

نبد العقل, الطاعة العمياء, قبول كل ما يقدم للإنسان على أنه صادر عن مصدر سماوي مهما كان مخالفاً لحقائق الواقع وبدهيات المعرفة, سيظل هو الاسلوب المُتبع من سدنة الوصايا الإلهيه في جميع الأديان التي تدعي سماوية المصدر , حتى الأن لاتزال الأسئلة التي تطرحها عقولنا حول عقيدتنا ,والتي من المفترض أننا إعتنقناها بالإقناع , لاتزال تلك الأسئلة الكثير ليس لها إلا إجابة واحدة من سدنة وحجاب القوى الإلهيه, وهي ذات الإجابة التي نطقت بها القوى الإلهيه في وجه من تجرأ على طرح أسئلة عقله من الملائكة .. أُخرج منها فإنك رجيم.. كل سؤال تطرحه يتسائل عن الحكمة من تشريع ما ,أومن أداء عبادة ما يُلزمك بها الدين الذي تتبعه, تأتيك الإجابة عليه من قِبل الكهنة والأحبار والفقهاء بالإخراج والطرد من جنة الإيمان الوارفة الظلال, وإلقائك في مجاهل الكفر حيث الشك والتيه والضلال.

القوى الإلهيه التي تعلم ما لا يعلمه الملائكة, كان يجب أن لا تخشى أسئلة الملائكةالمحدودة العلم . والكهنة والأحبار والفقهاء الذين يتوارثون العلم الإلهي يجب أن لا يخشوا أسئلة عقولنا نحن البسطاء ومحدودي المعرفة ,وكان يجب أن تتوفر الأجابة المُقنعة لعقولنا في علومهم الغزيرة, والمُستمدة من كتبهم التي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها ,والتي خصتهم القوى الإلهيه بحفضها وتأويلها.لكن اللعن والطرد ميراث عن تلك القوى الإلهيه, وسدنة تلك القوى لا يستطيعون الخروج عن ذلك الميراث.

ـ ماذا لو إستجابت القوى الإلهيه لدعوة ذلك الفريق المُشيطن من الملائكة للحوار؟ , ماذا لو دخلت معهم في جدال حول أفضلية النار على الطين ؟ , ربما كان لدى تلك الملائكة الشيطانيه حُجج عديدة تُعلل سبب عدم إقتناعهم بأفضلية ذلك المخلوق الطيني عليهم.
ربما كانت تلك الملائكة الناريه ستدفع بالقول بأن ذلك الطين الازب الذي خلفت منه القوى الإلهيه مخلوقها الطيني المدلل ,ليس سوى تُربة تنز منها المياه ,وأن ذلك المخلوق الطيني ما كان له أن يقوم على قدميه ,دون أن تتساقط أعضاءه قطعة قطعة لولا النار, التي هي المادة التي خلقت منها تلك الملائكة الشيطانيه.

لقد إحتاجت القوى الإلهيه لتشوي كائنها الطيني في مادة تلك النار حتى تتماسك أعضاءه ,وحتى يستطيع أن يحتفظ برأسه الذي ستحشوه القوى الإلهيه بالأسماء كلها ,لم يكن ذلك المخلوق الطيني سوى مادة مصمته إحتاج لمادة النار حتى يتحول إلى صلصال يستجيب لما حوله. كانت الملائكة الناريه ستدفع بهذه الحجج المقنعة في وجه القوى الإلهيه لتؤكد أفضليتها على ذلك المخلوق الطيني .

ربما كان ذلك الحوار لو بدأ, سينتهي إلى مراجعة القوى الإلهيه لقراراها بتفضيل ذلك المخلوق الطيني, وإعطاءه خلافة الأرض .. ربما أيضاً دفع ذلك القوى الإلهيه لتعديل قرارها ذاك, وخلق صيغة من المشاركة بين الطين والنار, تُساعد في إنجاز مهمة الإعمار في هذه الأرض, والتي من المفترض أنها المهمة الوحيدة المرجوة من خليفتها.
تلك المُشاركة بين المخلوق الطيني والمخلوق الناري كانت بالتأكيد أفضل من العداء الذي فرضته القوى الإلهيه بينهما, والذي لن يصمد على أرض الواقع التي سيتم نفيهما معاً إليها في نهاية المطاف, حيث سيكتشف المخلوق الطيني أنه لن يستطيع المُضي في مهمة إعماره المُكلف بها ,ولن يستطيع إقامة الخلافة الموكلة له, دون الإستعانة بالمادة التي صُنع منها غريمه وعدوه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زدتنى حيرة
ناديه احمد ( 2011 / 11 / 26 - 16:33 )
كان عندى اسئله وبعد قراة مقالك زادت حيرتى . عموما ارجو ان يتسع صدرك لتسمع اسئلتى فقد تريحنى . الملائكه لم تكن تعرف اسماء الاشياء فكيف عرفت ان عند ادم دماء ؟ ثم ان كل المخلوقات قبل ادم مثل الديناصورات كانت تسفك الدماء , فهل دماء ادم اهم عند الملائكه من دماء باقى مخلوقات الله ؟ وكيف عرف ابليس ان ادم سوف يكون له ذرية ؟ وكيف استطاع ابليس الوصول للجنه بعد ان طرده الله ليوسوس لادم وحواء ؟ وهل كان ادم يعلم انه سوف يموت فى الجنه فبحث عن الخلود فى التفاحه ؟ وهل اذا استنسخنا من ضلع ادم انسان اخر اليس من المفروض ان يطابقه تماما ؟ وكيف عرف ابليس ان ذرية ادم سوف يبعثون ؟ ثم ان ابليس قد انتصر فى اول الرهان فلماذا الاصرار على تكملة الرهان مع ذريته التى لم يأمره الله بالسجود لها ؟


2 - حدوتة تنقصها الحبكة
محمد البدري ( 2011 / 11 / 27 - 05:48 )
البرهان الذي قدمته القوى الإلهيه لتدلل به على حكمتها لم يكن مقنعاً لأي عقل بسيط -انتهي الاقتباس. ورغم ذلك يصر العقل الذي فبرك القصة علي وصف القوي الالهية بافضل الصفات. انها احدي الفلتات التي سهي علي العقل البشري علاجها او رتقها في ثوب القصة. فالبساطة هي الاصل في عقل صانع القصة والتي نقلها بسذاجته وربما لبدائيته الي من ادعي بانه العلي القدير. تحياتي وتقديري للعزيز الفاضل علي الخليفي.


3 - علم الملائكة كان مسبقا بفعل الجن على الارض
سلامة شومان ( 2011 / 11 / 27 - 16:19 )
الجن مخلوق قبل الانسان وابليس اصلا من الجن فعنده علم بكل ما يجرى للمخلوق المكلف ان كان جن اوانسان
وكذلك الملائكة تعلم ما حدث من الجن من معاصى ومن سفك الدماء فالامر ليس بجديد عليهم لان الجن مكلف بطاعة الله وتوحيده قبل بنى ادم
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
وقيل ان الجنة التى خلقت لادم وحواء كانت على الارض وليست جنة الخلد
وفسروا الامر ذلك لان ابليس وسوس لادم وزوجته على الارض وليس فى جنة الخلد
وفسروا اهبطوا منها بالمعنى الذى قال الله فيه لنوح اهبط منها
فالامر ليس فيه شكوك ولا مهاترات ولكن الامر يحتاج لعقول متفتحت تترك ما فى اذهانها اولا وتكون محايدة ثم تحكم بالحق والانصاف

اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية