الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية إلى التجمع العربي لنصرة القضية الكردية

صالح بوزان

2004 / 12 / 22
القضية الكردية


تحية إلى التجمع العربي لنصرة القضية الكردية
لا أخفي على القارىء أنني أحمل في داخلي لوماً شديداً على المثقفين العرب، وخاصة السوريين، تجاه قضية الشعب الكردي، وما مارسته الأنظمة العربية المتعاقبة من مظالم ضده خلال القرن العشرين في كل من سورية والعراق. إن المتتبع لكتابات المثقفين العرب السوريين والاحتكاك المباشر بهم يكشف لديهم مواقف تتميز بالتجاهل تجاه ما يخص الأكراد إذا لم نقل شيئاً من الاستعلاء. ناهيك عن مواقف المثقفين العروبويين الذين يتجاوزون بشوفينتهم ميشيل عفلق وصدام حسين أحياناً.
عندما خرجت في السبعينيات خارج الوطن للدراسة أصبت بالدهشة حين وجدت الطلبة العراقيين العرب يعبرون عن تضامنهم مع القضية الكردية بصدق وعلنية ودون مواربة. طبعاً كان معظمهم من الشيوعيين العراقيين.
إذا تجاوزت مثقفي حزب البعث السوري وبقية الأحزاب القومية العربية السورية خلال النصف الثاني من القرن العشرين ولغاية اليوم، كان ما يثير استغرابي الموقف السلبي من بعض الشيوعيين داخل الحزب الشيوعي السوري تجاه القضية الكردية، وفيما بعد داخل تياراته الراهنة. لم يكن يبرز ذلك مباشرة، بل من خلال تجاهل كل ما يمس الأكراد من حقوق ومظالم. لقد قضيت ثلاث وثلاثين سنة داخل هذا الحزب، وفي كل الاجتماعات التي كنت أحضرها من الفرقة الحزبية ولغاية المكتب السياسي، كنت ألاحظ أن الشأن الكردي يأتي معترضاً. ونادراً ما كان يجري النقاش حول المسألة الكردية، ولا سيما حول المسألة الكردية في سوريا. وفي الحالات التي كان يجري التطرق إلى القضية الكردية، كان يتمحور حول القضية الكردية في العراق غالباً، ومن خلال الحزب الشيوعي العراقي، سواء في بيانات الأحزاب الشيوعية العربية أو في البيانات المشتركة بين الحزبين الشيوعيين السوري والعراقي مباشرة، حيث كان الأخير يصر على إدراج القضية الكردية في هذه البيانات.
كنت ألاحظ أحياناً أن بعض الرفاق يتشنجون من المسألة الكردية في سورية، وقد قال أحد القياديين منهم يوماً: لماذا لا يستعرب الأكراد في سورية "ويخلصونا" من هذه المشكلة ؟
وصل الأمر عند بعض الرفاق الأكراد وخاصة على مستوى القيادة التجاهل المتعمد للموضوع الكردي وعدم إثارتها خوفاً من أن يتهموا بالتعصب القومي. ونتيجة لذلك ظهر في الحزب الشيوعي السوري نماذج من الرفاق الأكراد كانوا عروبويين أكثر من العرب.
عندما أتطرق إلى موقف بعض المثقفين الشيوعيين في الحزب الشيوعي السوري وتياراته الراهنة من القضية الكردية لا أنطلق من ممارسة النقد وإعادة التقييم، فهذه المسألة تخص أعضاء هذه الأحزاب وقياداتها. وإنما لأبين أن اليسار الأممي السوري لم يلتزم هو الآخر بمبادئه الأممية عندما كانت المسألة تتعلق بحقوق الأكراد. فما بالك بالنسبة للمثقفين العرب السوريين، الذين نحتت في دماغهم الشعارات القومية العربية المتشنجة أخاديد وأخاديد.
أثناء أحداث قامشلي والمناطق الأخرى حيث يسكن الأكراد في آذار 2004 مارس الإعلام العربي حملة شعواء لوضع الأحداث في دائرة التآمر الخارجي، وبالتالي إظهار الأكراد بأنهم عملاء للخارج. وعزف على هذا الوتر العديد من المثقفين والساسة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، باستثناء قلة جريئة من المثقفين السوريين العرب الذين اتخذوا مواقف بطولية بالدفاع عن الأكراد، ونقد ممارسات السلطة. أقول مواقف بطولية، لأن الوقوف حينئذ ضد التيار العام تطلب فعلاً الجرأة.
سردت كل هذه المقدمة الطويلة، لأقول صراحة وبشفافية كم شعرت بالراحة النفسية عندما قرأت البيان التأسيسي للتجمع العربي من أجل التضامن مع الشعب الكردي (موقع الحوار المتمدن).
إن الشعوب العظيمة لا تتميز فقط بتاريخها الحافل بالحضارات والتقدم، بل كذلك عندما يظهر بين صفوفها أفراد متميزون يحملون أفكاراً عظيمة وقيماً إنسانية عليا تتجاوز إطار شعوبهم وقوميتهم إلى مستوى العالمي والبشرية عامة، وتاريخ الشعب العراقي القديم مليء بهذه الأفراد. وليس غريباً أن يظهر من بين صفوف هذا الشعب العظيم بكل اثنياته أحفاد يتابعون هذه الرسالة. بقدر ما شعرت بالسعادة عند قراءة البيان التأسيسي لهذا التجمع، شعرت من ناحية أخرى بحزن عميق. وطرحت على نفسي لماذا لا يكون هناك تجمع عربي سوري للتضامن مع أكراد سوريا ؟ أو مع الشعب الكردي عامة ؟ لماذا لم يفكر مثقف عربي سوري بتشكيل جمعية لمناصرة الأكراد الذين شطبت جنسيتهم منذ عام 1962، هؤلاء الذين يعانون من مشاكل اجتماعية أكبر بكثير من المشاكل السياسية.
لقد كان يحز في نفسي دائماً أن العديد من خبراء الآثار والحضارات الشرقية يأتون سنوياً إلى سوريا من أوربا وأمريكا واليابان وكندا .... وغيرها لدراسة رقم مسماري أو أي أثر قديم يعود لحضارات سوريا القديمة وحضارات ما بين النهرين، ويكلفهم هذا المجيء أموالاً طائلة تدفعها مؤسسات مختصة بكل سخاء من أجل فهم كل تفاصيل هذه الحضارات ولغات شعوبها. وبالمقابل لم أجد مثقفاً عربياً سورياً قام بدراسة تاريخ وثقافة شعب يعيش معه حتى الآن ويلتقي به في المدرسة والجامعة والوظيفة؟ أتساءل أحياناً: لماذا نحن الأكراد منبوذون من قبل ساسة ومثقفي سوريا العرب ؟ على الرغم من أنه لم يحدث في تاريخ سوريا القديم والحديث أن استلم الأكراد السلطة ومارسوا الظلم والقهر والاستبداد والتمييز تجاه العرب. أتساءل لماذا نحن جيدون عندما نهتف باسم الأمة العربية ومجدها ووحدتها، ولكن عندما نطالب ببعض حقوقنا التي تقرها المواثيق الدولية كلها، نصبح خونة ومأجورين وانفصاليين وعملاء للغرب وإسرائيل.
عندما قرأت كتاب الكاتب التركي إسماعيل بشيكجي (كردستان مستعمرة دولية) شعرت بحرقة داخلية تجسدت في سؤال بسيط : لماذا لا يكون هناك بيشيكجي عربي سوري ؟ لماذا لا أقابل سوى أمثال ميشيل عفلق وزكي الأرسوزي ومحمد طالب هلال ومنذر موصلي، هذا الأخير الذي كتب كتاباً كاملاً لكي ينفي وجود الأكراد التاريخي في سوريا.
أحي هذه المبادرة. كما أحي الكاتب السوري جهاد نصره لوجود اسمه بين الأعضاء. وحتى إذا لم يستطع هؤلاء السادة الكرام من خلال تجمعهم هذا عمل شيء ملموس تجاه قضايا الأكراد، فيكفي أنهم عبروا عن الوجه المشرق للأمة العربية، هذا الوجه الذي شوهته الأنظمة العربية وبعض مثقفيها.
وفي الختام أريد أن أذكّر هؤلاء السادة الأجلاء بحدث تاريخي. يقال عندما قابل قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد ممثل الدولة السوفيتية حينها قال له: يا سيدي نحن الأكراد لا نمد يدنا إلى اليد التي تمتد نحونا للمصافحة فقط بل نقبلها أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة هيومن رايتس ووتش تدين مواقف ألمانيا تجاه المسلمين.. ما


.. الخارجية السودانية: المجاعة تنتشر في أنحاء من السودان بسبب ا




.. ناشطون يتظاهرون أمام مصنع للطائرات المسيرة الإسرائيلية في بر


.. إسرائيل تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين عند حاجز عوفر




.. الأونروا تحذر... المساعدات زادت ولكنها غير كافية| #غرفة_الأخ