الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيدة الكلام للتحرر من الرجعية باسم الإسلام

محمد الحمّار

2011 / 11 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"الرحمن خلق الإنسان علمه البيان"؛ "وعلم آدم الأسماء كلها". هذه من آيات الله التي قليلا ما نتعظ بها. والحال أنها دالة على منهاج للحياة بحاله. فما نستسيغه من الآيتين أنّ الكلام إعجاز إذن فهو إسلام. ثم إنّ ارتباط "البيان" و"الأسماء" بالخلائق كلها أي ليس فقط بأمة الإسلام يعني أنّ "كلية" الأسماء دالة على شمولية اللغة. وشموليتها تتناظر مع شمولية الإسلام. وما دامت اللغة صادرة عن الله، مصدر الإسلام، ولفائدة خلق الله الذين يدعوهم سبحانه للإسلام، فاللغة إسلام.

ثم مجرد أنّ اللغة شمولية على غرار الإسلام يقتضي أن نتعاطى مع الإسلام مثلما نتعاطى مع اللغة. وما دام الكلام نتاج للغة إذن فالكلام في نفس الوقت نتاج للإسلام. وهنا نتساءل إن كانت لهذه المعادلة فائدة في الارتقاء بحياة المسلمين. لنرَ إن لها فائدة في مجال مقاومة الرجعية الدينية مثلا.

ليست الرجعية الدينية سوى فكرا يتم تبليغه بواسطة لغة ماضوية. وهذه الأخيرة ليست "كلاما" صحيحا طالما أنها لا تُبث في الحاضر. إذ الكلام هو كل ما يُبث في الزمن الحاضر، الحقيقي. فالمرء لا يقدر أن يتكلم لا في الماضي ولا في المستقبل.

لكن هذا لا ينفي أنّ للكلام ماضٍ أو مستقبل. وماضي الكلام هو، مثلا، ما يتحَوّل إلى فكر ماضوي. وهو ماضوي لأنه يُقال في الحاضر ولا ينطبق على الواقع. وهنا تكمن المشكلة. أي لو أُبقِي على الكلام الماضي في ماضيه لَمَا خرج عن حدود الذاكرة المكتوبة من نص وصحيفة و رسالة وغيرها، ولَمَا شكل مشكلة اسمها "الماضوية" أو "الرجعية".

إذن فالحفاظ على ماضوية الكلام الماضي في سجله الماضي هو الطريق إلى القضاء على الرجعية، دينية كانت أم غير دينية. أصبحت المسألة متعلقة بـ"كيف يتم ذلك"؟
إنّ الحفاظ على ماضوية الكلام الماضي يعني منطقيا الحفاظ "حاضرية" الكلام، كل كلام. وفي سياق ثقافة المسلمين"حاضرية" الكلام معادِلة للقول بـ"حاضرية" الإسلام. وهذا ما نعرفه عن الدين الحنيف من أنه صالح لكل زمان ومكان. فإن كان الكلام مقولا في الماضي، مثل القرآن الكريم والحديث الشريف، فقيمته الحاضرة لا تُقاس ذاتيا ككتلة ماضية. وإنما تقاس قيمة ما مضى من الكلام بقدرة العقل الحاضر على تحويله إلى كلام حاضر. هكذا يكون ما يُتلى و ما يُتدبر من قرآن، وما يُستشهد به من حديث شريف، كلام مواكب للعصر أي كلام حديث.

بكلام آخر، من شيم الكلام الحاضر أنه مباشر أي لصيق بالواقع الحاضر ويمانع في أن يستطلع الحاضر في الماضي. فالماضي ذو اتجاه لا عكسيّ، لا رجعي. والكلام بالمثل. إذ ليس هنالك ما ينفي تلك الخصوصية عنه. وبالتالي فالتاريخ لا يُعاد، إن بمقياس الزمان أم بمقياس الكلام. وما نظريات إيليا بريغوجين في الفيزياء وفي الفلسفة إلا تأكيدا إضافيا على هذا. وكله ينسحب على الإسلام، سواء بالتناظر مع الكلام أم بالتطابق معه.

هكذا نفهم كيف أنّ صفة اللاعكسية في الزمان وفي الكلام لا تنفي الانتفاع بما يطيب من الماضي، سواء كان ماضي الزمان أو ماضي الكلام. حيث إنّ مِن شيم الكلام (الحاضر)، زيادة عن كونه مباشرا وحقيقيا، فهو أيضا قادر على استطلاع الماضي في الحاضر. وهنا يكمن الإبداع، إن في استخراج منوالِ للتدبّر في كلام الله أم في شكل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أم في شكل من أشكال إتباع حديثه.

في ضوء هذا يبدو أنّ السبيل التي تضمن الحفاظ على "حاضرية" الكلام، بما ينفع في درء الماضوية الفكرية، الدينية بالخصوص، ومنع الرجعية السياسية المستندة إلى تأويل ماضوي للإسلام، أن يتم تعليم اللغة باتجاه تعزيز "الحاضرية". وهذه الممارسة ستسفر عن تأهيل عقول المسلمين المتعلمين للغة ليصبحوا قادرين على إصدار كلام حديث؛ سواء كان كلام في الدين أو كلام في الدنيا أو في الاثنين معا، بالتطابق. والكلام الحديث هو ما يعبّر عن الزمن الحقيقي؛ زمن الحاضر، من دون فصلٍ بين ما حضَر من الكلام وما مضى منه شريطة أن يكون الكلام مُفيدا في شموليته.

منذ ذلك الحين يمكن الطمأنينة على المسلمين كمواكبين للعصر. وعندئذ تزول عقدة المزج بين الدين والسياسة، ومعها مطلب الفصل. والله وليّ الوصل بين المسلمين.

محمد الحمّار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احتراما وتقديرا
شاهر الشرقاوى ( 2011 / 11 / 28 - 04:56 )
استاذى الفاضل
من مصر الحضارة.احييك يا بن تونس الخضراء ..بلد الاصالة
لن اعلق على الموضوع
ما كتبت هذه المداخلة الا لاعبرلك عن شديد اعجابى بفكر حضرتك ..من قراءة سريعة لبعض موضوعاتك ..شدنى فيها الفكر التحررى .والنظرة الراقية العالية جدا للاسلام
اكثر الله من امثالك
وجعلك نورا من انوار الهدى والثقافة لاهل تونس الاشقاء بل للوطن العربى كله بل للاسلامى ..بل للعالم كله
والسلام عليكم


2 - -معا من أجل مواطن -اجتهادي
محمد الحمّار ( 2011 / 11 / 28 - 11:43 )
الأستاذ شاهر
مرحبا بك
ومرحبا من خلالك بمصر الحبيبة
إنه لفخر لي أن ينال الموضوع إعجابك. إن شاء الله ننزل بالرؤية إلى دين الحق من الطوباوية إلى
-الواقعية والميدانية. وقد ارتأيت أنّ -الاجتهادية
نسبة لـ-الاجتهاد الثالث
واحد من الطرق المؤدية إلى ذلك.
دمت مناصرا للتجديد ودامت مصر وتونس منارتين للفكر وسندا للعالم العربي والإسلامي.

مودتي


3 - عندما يُسيس اي دين يصبح رجعيه وتخلف
إيليا سعادة ( 2011 / 11 / 28 - 16:14 )
سيد محمد الحمّار
أظن انك من كنت تكتب اللادينيين العرب؟

وتعليقي قبل قراءة الاديان وهوتعليق على العنوان فقط؟
عندما يُسيس اي دين يصبح رجعيه وتخلف


4 - لست -لادينيا- وإنما -اجتهاديٌّ-
محمد الحمّار ( 2011 / 11 / 28 - 17:05 )
الأستاذ إيليا

مرحبا بك

في الحقيقة من أول ما بدأت أكتب كتبت عما أسميه -الاجتهاد الثالث- أي البُعد المُغيّب في الاجتهاد.
من هذا المنطلق أعتير الأديان مُهمة وأنّ الإسلام ذو رسالة عاطفية وعقلية لكن الأجدر أن لا يُهمل الجانب الأهم؛ الجانب العقلي على حساب الجانب العاطفي إلى أن يصبح الوضع مثيرا للضحك مثلما هو الآن: الطوباوية الدينية ولا شيىء سواها.
فالسياسة لم تُفصل أبدا عن الدين، لا عن المسيحية ولا عن اليهودية ولا عن غيرها، ناهيك عن الإسلام. إنما الذي جرى عند المسلمين أنهم طبعوا الدين بالتخلف، مما جعل الدين يظهر على الشكل الذي تصفه حضرتك.
ولما يقاوم العرب، دينيون كانوا أم لادينيون، مشكلة التخلف بوسائل عقلية سوف يتأثر الدين بذلك ويظهر على حقيقته: أداة للتقدم

اخر الافلام

.. ساعة حوار | برنامج -مراجعات- يكشف شهادات من داخل جماعة الإخو


.. الرئيس السيسي يستهل زيارته للأراضى المقدسة بالصلاة فى المسجد




.. 26-An-Nisa


.. 27-An-Nisa




.. 29-An-Nisa