الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجاج .. المستبد المستنير ... المُفترى عليه

أحمد عفيفى

2011 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحجاج عقلية غريبة عن الطبيعة العربية، سبقت عصرها فى أمور الحكم والسياسة بمئات السنين، فبدت الوسائل التي لجأ إليها فى سياسته وإدارته، كأنها وسائل شيطانية، لبعد تصرفاته عن عرف العرب وتقاليدهم.
ولهذا يطلق الحكم على الحجاج، بالقسوة والوحشية وعدم التدين.
والحجاج بن يوسف بن الحكم بن عقيل الثقفى، ابن لمعلم صبيان بالطائف، والعرب كانت تحتقر المعلم، لأنهم كانوا يحتقرون الصناعات والتعليم من جملتها، فلا يعتبرون المشتغل به إلا المستضعف، الذى ليست له عصبية.
وهو ليس بعيب أو نقص فى وظيفة المعلم بالقطع، وإنما هو الخلط والعرف فى العقلية العربية التي كانت سائدة.
والمعلمون أصبحوا لاحقا، خلصاء الملوك والأمراء وأصفيائهم وندمائهم، وبالطبع معلموهم، هم وذريتهم.
والحجاج وصف بكل رزيلة، وجرد عن كل فضيلة، وأختلط صحيح أخباره بموضوعها، اختلاطا شديدا، والناظر فى سياسته بحياد وتجرد، يجده سائسا لا يُخدع، ومقداما لا تشق عصاه، وخصما يدين له الأعداء بالتسليم والإذعان، وإداريا حازما، ورعا زاهدا، من أعظم المصلحين، ولمن لا يثق بسالف الكلام، عليه أن يتحرى قادمه برفق.
تولى الحجاج الأمور فى دولة بنى أمية، فى عصر يموج بالثورات والاضطرابات، فأخمد فتنة ابن الزبير، التي كادت أن تأتى على الخلافة وأعاد الجماعة السياسية فى الدولة مرة ثانية.
تولى شؤون العراق، وهو يشق عصا الطاعة، ويأبى أن يساهم مع المهلب بن أبى صفرة فى حرب الخوارج، فكان من الضرورى، أن يظهر لأهله بمظهر خشن، وأن يعاملهم تلك المعاملة الحازمة، التي وصفت بالقسوة، فقد أدب العصاة، وأذل العتاة، ووطد أمور الدولة، ونشر الأمن، وبغير ذلك لا ينجح الساسة.
تجلت عبقرية الحجاج العسكرية فى الحرب – بغض النظر حول اتفاقنا على الحرب كوسيلة – عند خروجه من العراق لملاقاة ابن الزبير فى المدينة، فعرج على الطائف متعمدا، لكثرة حدائقها وطيب نسيمها، حتى يجعل خاتمة مطاف جنده فى الصحراء بأرض تطيب الإقامة فيها قبل الزحف على مكة.
كان الحجاج يسخّر ثغرات خصومه ونقائصهم وزلاتهم لصالحه، فقد كانت الطائف فى ذلك الوقت مقام محمد ابن الحنفية وغيره من كبار الصحابة وأبناء عمومة النبى وأبناء العباس ممن أُخرجوا من مكة بعد أن حاول ابن الزبير حرقهم لامتناعهم عن البيعة له، ووجود كل هذا الرعيل المحبوب، كفيل برفع روح الجنود المعنوية، والثأر لهم، وهم القلة المباركة فى نظر الجند، الذين يوشكون على أن يهاجموا بيت الله الحرام.
بخل ابن الزبير الذى باعد عنه أصحابه وأنصاره، فقد كان ابن الزبير ابخل من يكفى أصحابه شر العوز فى الوقت الذى كانت خزائنه مملوءة بالأقوات، وكان يقول فى هذا: " إن أنفس أصحابى قوية، ما لم يفن هذا " فى نفس الوقت الذى كان يستنصر فيه الحجاج الخليفة عبد الملك بالمال فيغدق به على جنده.
علم الحجاج وثقته بنفسه، فبينما كان الحجاج يرمى الحرم بالمنجنيق، أبرقت السماء وأرعدت، فقتلت من جنده عددا، فضعفت عزيمتهم، وكفوا عن القتال، خوفا من أن الله لا يرضى عما يصنعون، فقال لهم بلغة العالم الواثق: " لا تنكروا هذا، فأنا ابن تهامة وهذه صواعقها، وسيصيبهم فى الغد، مثلما أصابكم " وفى اليوم التالى، نزلت الصواعق، فقتلت من أصحاب الزبير عددا.
وبعد نصره على الزبير، ولما كانت مكة قفرة من الأنهار، وكان الاعتماد فى الشرب والرى على الآبار، حفر الحجاج بئر الياقوتة بمنى وأحكمها، وعمل سدا على جبل المزدلفة على يسار الذاهب إلى منى لحبس المياه على وادى مكة وجعل مفيضه فى سدرة خالد، وأعاد الكعبة إلى ما كانت عليه فى زمن النبى.

الحجاج وأهل العراق ...
من أهل الكوفة والبصرة، والذين أنتهزوا فرصة موت الوالى بشر بن مروان، وعادوا إلى بيوتهم بغير إذن، تاركين قائدهم المهلب بـ " رامهرمز " فى ميدان القتال مع الخوارج.
فمجرد وصول الحجاج للكوفة دخل المسجد خاطبا فيهم خطبته الشهيرة:
" يا أهل الكوفة إنى لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإنى لصاحبها، وكأنى أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى ".
ثم شرح لهم خطورة الموقف، وأنه لا تنفع فيه سياسة اللين، وأن تصرفهم مع المهلب وتركه فى الميدان والتخلف عن الجهاد معصية.
حرم عليهم الاجتماعات، كى لا تخل بالنظام وتكون سببا للثورات، كما يحدث فى العصر الحديث، خاصة فى الظروف العصيبة، وقد سبق الحجاج فى هذا نظم العصر الحديث.
حرم عليهم التقول والإشاعات المغرضة، التي من شأنها أن تخلق الفوضى، وتفت فى عضد المحاربين، وبلغة العصر الحديث قضى على الطابور الخامس فيهم.
وبين لهم الحكمة من هذه الشدة فى المعاملة، وهى أنه لو ترك العصاة، ما جيء فيء ولا قوتل عدو ولتعطلت الثغور.
أعلن أنه سيعطيهم أعطياتهم ويوجههم لمحاربة العدو، وأن من تخلف بعد أخذ عطاءه بثلاثة أيام، سفك دمه ونهب ماله وهدم بيته.
وهى العقوبة التي سبق بها الحجاج العصر الحديث، حيث جعل جزاء الفار من ميدان القتال، الإعدام.
وقد بدت تلك الوسائل التي لجأ إليها الحجاج، غريبة فى نظر المسلمين فى ذلك الوقت، إذ كانت عقوبة المتخلف عن القتال فى عهد عمر وعثمان وعلى، هى خلع عمامته والتشهير به بين الناس، وفى عهد مصعب ابن الزبير صارت بحلق الرؤوس واللحى، ثم تطورت فى عهد بشر بن مروان إلى تسمير اليدين فى الحائط.
ولما طلب منه عمير بن ضابىء الحنظلى التميمى وهو أحد أشراف الكوفة، أن يأخذ أبنه للقتال بدلا منه، وافق ثم ساله عن كنيته، فلما عرفه، وأنه من غزا عثمان، أمر بضرب عنقه، وقال فيه: " إنى لأحسب فى قتلك صلاح المصرين" يقصد الكوفة والبصرة.
فلما فعل، لم يتخلف أحد من أهل الكوفة بعد ذلك عن القتال، فكانوا يذهبون ويرسلوا لذويهم فى طلب ما ينقصهم، حتى أنهم كانوا يتزاحمون على القنطرة الموصلة بين الكوفة ورامهرمز، فيسقط بعضهم فى النهر، فأمر الحجاج بإنشاء قنطرتين أخريين.

إصلاحات الحجاج ...
إصلاحات الحجاج رائدة فى تاريخ الدولة الإسلامية، ربما لا يعرفها الكثيرون، فقد بلغ من حرصه على أن يظل القرآن بمنجاة عن إن يتطرق إلى رسمه تحريف أو أن يلابس تلاوته لحن، أن أمر بمراجعة القرآن ونقط كلماته وشكله وتجزئته، ثم كتابة عدة مصاحف منه وإرسالها إلى الأمصار حتى لا يختلف الناس.
وكان سبب ذلك أن المصحف الذى كتبه الخليفة عثمان فى سنة ثلاثين من الهجرة كان غير مشكول ولا منقوط.
ولما دخل فى الإسلام غير العرب من الفرس وغيرهم، خاف على القرآن أن لا تحفظه الألسنة من اللحن، ويكثر التصحيف والتحريف فى قراءته، فصمم على وضع حل نهائى لتلك الاختلافات، فطلب من كتابه أن يضعوا علامات للحروف المتشابهة، فكان نقط الحروف وتشكيل أولها وأوسطها وآخرها، وجمع القراء والحفاظ والكتاب، وطلب منهم أن يحسبوا عدد حروفه، وأن يحددوا نصفه وثلثه وربعه وعشره، فقاموا بهذا العمل فى أربعة أشهر.
يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اثلجت كل الطغاة
عبد الحسن حسين يوسف ( 2011 / 11 / 28 - 20:19 )
انك تمجد صدام حسين لانه يملك صفات الحجاج وربما لو قلبنا الزمن لاصبح صدام هو استاذ الحجاج لانه يملك نفس قساوته 0بناء الدوله لا يتم غلى جماجم الناس وضربهم بالمنجنيق0اعجابك بالحجاج اثلج كل مؤيدي القذافى وخليفه وعلى عبدالله صالح وبشار وهبلهم الاكبر بن سعود وحرك عضام صدام العفنه وهى في مستنقعها 00000


2 - عبد الحسن
أحمد عفيفى ( 2011 / 11 / 28 - 20:38 )
انا لم امجد صدام
وبناء الدولة الاسلامية نفسها
تم على جماجم الناس
والرسول نفسه
اباح دم جماعة فى فتح مكة فاخبر عن بعضهم انه متعلق باستار الكعبة فقال ان الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من اقامة حد وجب
وانا لم اكتب عن الحجاج كى اثلج مؤيدى القذافى وغيره
انا اكتب وجهة نظرى فى الرجل
ورغم اننى لا دينى ولا اتحلى بخلق الاسلام العظيم
فلم احرك عظامه الـ .... وهى فى .....ها
للموت حرمة حتى مع من نختلف معهم او عليهم
والمسلم لا يقسم ولا يكنى إلا بعبد الله
وليس بـ عبد الحسن


3 - الطغاة ومعجبيهم يتشابهون
عبد الحسن حسين يوسف ( 2011 / 11 / 29 - 06:59 )
انا مثلك لا دينى بل انى اتشرف اني شيوعي ولم انتقد مقالتك لاسباب طائفيه مثل استهزائك باسمي اني انتقد كل الطغاة ولو كانت مقالتك تمجد انسانية محمد لانتقدتها بنفس الطريقه0 ان كل الطغاة يتشابهون في سلوكهم فهم لا يحترمون الانسان والمعجبين بالطغاة بالتاكيد لوكانوا في مكانهم لمارسو نفس السلوك 0


4 - انا لم استهزء باسمك يا عبد الحسن
أحمد عفيفى ( 2011 / 11 / 29 - 08:23 )
انا قلت ان المسلم يكنى
وليس فى ذلك استهزاء
وانا احترم الانسان
ولو كنت مكان الحجاج
لصنعت مثل ما صنع
فبغير هذا لا ينجح الساسة
ولك عبرة فى الثورة البلشفية
ورؤوس القيصر وعائلتة

وثانية انا لا يمكن ان استهزء بك او باسمك
ودمت بخير ايها الشيوعى الفخور :)


5 - تحياتي
عبد الحسن حسين يوسف ( 2011 / 11 / 29 - 13:19 )
شكرا استاذ احمد0سنلتقى على حوارنا المتمدن مره اخري اتمنى ان تكون على الموده00تحياتى الحاره لك ارجو ان لا اكون اسئت اليك


6 - تحياتى يالحسن
أحمد عفيفى ( 2011 / 11 / 29 - 13:23 )
انا احببتك يا صديقى
وانت لم تسىء لى
واتمنى ان القاك دائما على خير


7 - مقارنة ليست في محلها
ايار العراقي ( 2011 / 11 / 30 - 09:32 )
السيد الكاتب المحترم تحية طيبة وبعد
لااختلاف فيما كتبت وربما ستكتب اكثر لاحقا ولكني اعترض وبشدة على اسقاطك اعمال الحجاج في الماضي على الحاضر القريب باشارتك الى ماقام به البلاشفة مع افراد الاسرة القيصرية الفاسدة
ان ماقام به الحجاج لايخرج عن اطار ماقام به محمد او عمر او علي او معاوية ولاحقا السفاح والرشيد وغيرهم وكذلك هو لايخرج عن اطار ماقام به الروم والفرس وقبلهم الاشوريين والفراعنة وان كان هناك بعض التفاوت
ماقام به البلاشفة هو حقن للدماء عبر قتل مجموعة قليلة ولكنها شديدة التاثير لايجوز باي حال من الاحوال تشبيهها بالمجازر اللتي ارتكبها هؤلاء الحكام حيث كان القتل على الظنة او لاثارة الرعب وضرب الامثولة
وعلى اية حال اشارتك البسيطة عن حضر الحجاج للتجمعات واسقاطها على الربيع هو الحلااك العربي تجعل المتلقي في حيرة من خطابك هل انت مجرد باحث في الامر ام انك ممن يتحسر على الطغاة عدم اقتباسهم من الحجاج ضرب الجمهور
تبقى الاضافة المعرفية في مقالك هي الاميز وشكرا لجهدك


8 - السيد المحترم إيار العراقى
أحمد عفيفى ( 2011 / 11 / 30 - 10:06 )
تحية طيبة وبعد
مقالى عن الحجاج جاء بعد قراءتى رسالة دكتوراة تنصفه
ولا علاقة لها بالربيع العربى
ومثال البلاشفة للتدليل على ان الحاكم
قد يسفك الدماء لحقن مزيدا من الدماء
وانا مجرد محب للتاريخ الحقيقى المنصف
ولا حسرة على الطغاة فى كل زمان ومكان

وأشكر مرورك وتعليقك يا صديقى العراقى

اخر الافلام

.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah


.. 178--Al-Baqarah




.. 170-Al-Baqarah