الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجسم السليم في العقل السليم

خديجة آيت عمي
(Khadija Ait Ammi)

2011 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نعم أمر بديهي ، لقد قلبت المقولة فما يقال حسب التقليد هو " العقل السليم في الجسم السليم !" ، اعتبارا أن العقل هوالجزء الأصغر في الكلّ المسمّى جسدا.
لكن أَلَمْ يحِنْ الوقت لقلب الأشياء رأسا على عقب بما فيها المقولة هاته ؟.
لا شك أن اهتمامنا بالجسد ِلنَقُل( بالعالم الذي يُرى منّا ) قد فاق الحدود ،إذ أن كل ما نتلقاه من دعاية و إشهار بشكل يومي قد تجاوز بكثير الجوانب الأخرى في حياتنا مركزا على الجسد فقط ، فإلى أي مدى نعتبر أن لا سلامة لعقل سليم في جسد مريض ؟ و هل الجسد الصحيح كاف بأن يؤثّر إيجابا على العقل للمزيد من الصحّة و التّألق ؟؟
قد يكون الجواب نحو كلا الإتجاهين و قد يشدّد البعض على التأكيد على سلامة المقولة التقليدية التي لا تقبل النقاش بخصوص هذا الموضوع .
تذكرني هذه المقولة بما نعيشه من تقّلبات نوعية لم تحدث على مدى التاريخ ـ على ما أعتقد ـ . فلقد شهدت هذه السنة انقلابات مختلفة تماما عما كان يحدث سابقا إذ تمّ استبدال الإنقلابات العسكرية الهادئة بهيجان الشعوب في زمن واحد رغم اختلاف الأمكنة ، ولم تعد تصبّ ـ الإنقلابات ـ في خانة معينة بل فاض كأسها لتلقي بذاتها أينما كان .
نعم إن ما يحدث على الساحة الآن هو امتداد لما مضى ، فقد ابتدأت القصة ب "الطفل الأول الذي ألقى بالحجارة الأولى " و شيئا فشيا تمّ تطوير عمليات العصيان( و طبعا نحن نتحدث هنا عن بداية التسعينيات فما فوق )، لتأخذ طابعا انتحاريا مشروطا حيث يتطوع فيه المرء بقتل نفسه شريطة أن يتمّ تصفية أكبر عدد ممكن من البشر ، لكن ذلك لم يأت بمفعول يُشفي الغليل لذلك قررت الشعوب إعلان 2011 سنة الإنطلاقة نحو اتجاه ما كيفما كانت العاقبة .
لكن ما الذي وقع بالضبط ؟و هل " العقل السليم في الجسم السليم " مقولة منطقية و علمية صحيحة ؟
لا شك أن الشعوب العربية لا تموت من الجوع ، بل تُعدّ من الشعوب الأوفر حظّا قياسا مع باقي الشعوب الأخرى ، إذ بفضل تواجد البترول و الغاز و السياحة و التحويلات المالية للمهاجرين تمكنت ـ هذه الشعوب ـ من تحقيق مستوى معيشي لا بأس به و حرق أشواط هائلة في هذا المجال رغم إحصائيات الفقر إلخ ...
إذن و في هذه الحالة نعتبر أن الجسم العربي والإسلامي جسد سليم ما دام يجد طعاما يستهلكه و يرتدي ملابس غالبا ما تكون مواكبة لآخر صرعات الموضة بحوزته و يمتلك بيتَََا يقيه من البرد و الحرّ، في هذه الحالة فإن احتياجات الجسم قد تمت تغطيتها و لكن و مع ذلك فإن النبوءة ـ المقولة لم تتحقق كما هو من المفترض أن يحدث .
و ماذا عن العقل إذن ، هل تمّ تحديثه بنفس الوثيرة التي تم فيها تحديث الجسم بكل احتياجاته الطبيعية ؟
و هل للعقل احتياجات أصلا وهل تجب تغطيتها ؟
نعم للعقل حق التّحديث أيضا و له احتياجات قد نجهلها أو نعمل جاهدين على تجاهلها كي لا نفتح المواجيع القديمة منها و الحديثة ، بل للعقل حقوق علينا ما دمنا شعوبا تتمنى العيش بمستوى الشعوب المتحضرة المحترمة لنفسها.
الحقيقة هوأن العقل يتبوّأ الصّدارة في حياتنا كبشر ، بل هوالمحرّك الأساسي لكل شئ وإلغاؤه لا يعني سوى الموت .
إن ما نراه الآن و النتيجة : اختمرت الشعوب العربية والإسلامية الآن لكنها لم تجد عقلا مُستحدَثا ترتكز عليه من أجل خلاص حقيقي بل ركزت كل رهاناتها على ما سبق ،على ماضٍ، على ثابت غير قابل للتحول رغم الإشاعات والذي ليس هو سوى الدّين .
الحق أن الشعوب تشبه الأفراد في كل شئ ، فحين حسّن الغرب و اليابان ظروف معيشتهما من مأكل و مشرب و مسكن ومن شكلهما الخارجي ، لم يتنكّرا للعلم ولم ينسييا أولم( يتناسيا )إعطاء العقل حقوقه المشروعة في التفكير جهرا وحقه في الإبداع والنقاش دون التعصّب والعاطفة لإيجاد الحلول المطلوبة الملحّة .
التوازن شئ بشري طبيعي أساسي و التركيز على ضرورة سلامة الجسد دون غيره لم يكن مجديا في اللحظات الحالكة لأي حضارة كيفما كانت و إلغاء العقل ما هو إلا إلغاء لحق الحياة واجترار للأمية و الظلم و المحسوبية و التخلف و البشاعة والرشوة و الطبقية ووو...
الحق أن أقول :"الجسم السليم في العقل السليم " وليس العكس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جيد
adil tal ( 2011 / 11 / 28 - 20:20 )
تحية الرفيقة خديجة على هدا المقال الغني بافكار تقدمية نحن بحاجة إليها اكثر من أي وقت مضى .... مقال فيه دعوة نيتشه لقلب القيم و لتجاوز منطق الثنائيات : الخير/الشر . العقل / الجسم . . . وفيه دعوة لرد الاعتبار لقوى طمسها العقل : الجسد . الخيال . . . دون إعطاء الأسبقية لطرف على حساب الطرف الاخر فمنطق التقدم يقتضي الإهتمام بالعقل كما بالجسد . لكن يبقى السؤال المطروح هل إعادة الإعتبار للعقل و الجسد فقط كافية تقدم فعلي ام ان الجسد هو فقط أحد امستويات الى جانب مستويات أخرى تستدعي الضرورو التاريخية تغيير نظرتنا تجاهها


2 - مقال جيد
adil tal ( 2011 / 11 / 28 - 20:23 )
تحية الرفيقة خديجة على هدا المقال الغني بافكار تقدمية نحن بحاجة إليها اكثر من أي وقت مضى .... مقال فيه دعوة نيتشه لقلب القيم و لتجاوز منطق الثنائيات : الخير/الشر . العقل / الجسم . . . وفيه دعوة لرد الاعتبار لقوى طمسها العقل : الجسد . الخيال . . . دون إعطاء الأسبقية لطرف على حساب الطرف الاخر فمنطق التقدم يقتضي الإهتمام بالعقل كما بالجسد . لكن يبقى السؤال المطروح هل إعادة الإعتبار للعقل و الجسد فقط كافية تقدم فعلي ام ان الجسد هو فقط أحد امستويات الى جانب مستويات أخرى تستدعي الضرورو التاريخية تغيير نظرتنا تجاهها


3 - هناك استثنائات لعلاقة العقل بالجسم
حكيم العارف ( 2011 / 11 / 29 - 02:01 )
لعلك تقصدين ان الجسم السليم ناتج عن العقل السليم او بعبارة اخرى الجسم السليم ناتج من العقل السليم ..
وهذا لايتعارض مع العقل السليم فى الجسم السليم ...

لان السلامه التى بالعقل تجعل التفكير بالجسم والتحكم فيه لاينتج الا جسم سليم ... غالبا

ومع هذا هناك استثنائات كثيره لعلاقة العقل بالجسم ...

فالانسان الممتلئ ربما يكون اكثر ذكاء من انسان رفيع ..
او لديه موهبه افضل من انسان رفيع ... وقد شاهدتها كثيرا..

فعلاقة العقل بالجسم ليست لها اسس او قواعد تسير عليها بنسبه كبيره..

اما بالنسبه للعقل السليم ... فهو اساسى لكل جسم سواء كان فيلا ام نمله ...

ونعمة العقل لايستخدمها المسلم عامة الا فى تدبير المكايد والخدع والكذب .... ربما اذا استخدمها صحيحا قد يطلقون عليه زنديق .. او كافر ... او يطلقون عليه الرصاص كما حدث للاستاذ فرج فوده ...

موضوع تحديث او النهوض بالعقل هذا ليس من خطة الاسلاميون الذين يهدفون للاستيلاء على الحكم لان هذا هوهدفهم وهو استخدام الدين كمركوب للوصول للسطه فقط وبعدها لن يكون للعقل اى استخدام ..

لانه من الاسهل لهم السيطره على الجهلاء لينفذا مخططاتهم

اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah