الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة شيطانيه في ثقافة شيطنة العقل 2/2

علي الخليفي

2011 / 11 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تمت شيطنة العقل وطرده من فردوس الآلهة الآمن مدموماً مدحورا, لم يتبقى في ذلك الفردوس الآمن سوى المُسبحين والمُمجدين لحكمة القوى الإلهيه التي لا تدركها عقولهم, والتي جعلتهم يسجدون لذلك المخلوق الطيني الذي وجدوه يشاركهم فردوس الآلهة الآمن, ولم يجرؤ على السؤال عن سبب بقاء هذا المخلوق الطيني في جنات الآلهة, وعدم ذهابه إلى الأرض لأداء المهمة التي خلق لأجلها .

أطلقت القوى الإلهيه يد مخلوقها الطيني في جناتها الوارفة,ضمنت له أن لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يضحى ,وحذرته من مكائد غريمه الناري الذي رفض السجود له.وجد آدم نفسه يتعرض لذات الإمتحان الذي تعرض له غريمه الناري من قبل, فلقد منحته القوى الإلهيه تلك الجنان ليأكل منها رغداً حيث يشاء بشرط أن لا يقترب من شجرة ما, شجرة حددتها الآلهة وحذرت آدم من تذوقها أو حتى الإقتراب منها دون أن تقدم له أي تعليل لأسباب ذلك التحريم. . ظل يحاذر تلك الشجرة , لم يجرؤ على السؤال عن الحكمة من ذلك المنع لأن تجربة غريمه الناري وما تعرض له بسبب جرأته على السؤال ,تلك التجربة لا تزال ماثلة بين عينيه.

نعمة العقل :

نعمة العقل هي النعمة الوحيد التي لا تُجحد ولا يستطيع من يحظى بها إلا مشاركتها مع الاخرين, إنها النعمة التي تُوجب على من يحظى بها دعوة الأخرين إليها .هذا ما حدث مع ذلك المخلوق الناري الذي إكتشف أن تلك التي ظنها نقمة خصته بها الآلهة هي في حقيقة الأمر أعظم نعمة عرفها.تلك اللعنة التي حلت به وأستوجبت طرده من فردوس الآلهة جعلته يستكشف الحياة خارج ذلك الفردوس ,جعلته يتعرف على الحياة المتجددة والملئية بالمغامرة والمخاطرة التي تجعله يستكشف إمكانيات عقله الجبارة في كل خطوة يخطوها, أدرك مدى شقاء تلك الأزمنة التي قضاها في فردوس الآلهة كائن مُعطل العقل ليس له من عمل إلا الطاعة العمياء لأوامر القوى الإلهية وتلبية نزواتها الغريبة.
فرحة ذلك المخلوق بما إستكشفه دفعته للبحث عمن يشاركه هذه المتعة ووقع إختياره على غريمه الطيني, لم يكن إختياره ذاك مدفوعاً بعداءه لذلك المخلوق كما تقول الإسطورة فنعمة العقل ترتفع بمن يحظى بها عن العداءات والظغائن والأحقاد.
قال : يآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى.

كانت دعوة آدم للأكل من تلك الشجرة دعوة مباشرة وصريحة للمعصية, للتمرد على الأوامر والتعاليم التي لا تتوفر أسباب مقنعة لفرضها. لقد أستكشف ذلك المخلوق الناري نعمة العقل بالتمرد وكان على آدم لينال تلك النعمة أن يسلك ذات الطريق وأن يتمرد . لم يتردد آدم طويلاً ولم يفكر كثير في ذلك الوسواس (الفكرة) , أكل آدم من الشجرة ,نفذ تلك الر غبة التي ظلت تراوده منذ سكن هذه الجنة , الرغبة في معرفة هذه المُفردة المُغيبة عنه والتي سميت شجرة محرمة.

أكل آدم من ثمرة الشجرة المُحرمة وأطعم زوجه, وأدرك أن ذلك المخلوق الناري كان أميناً في نصحه, فما أن ذاق آدم ثمرة الشجرة حتى بدأ وعيه بنفسه يتشكل, تعرف على جسده وظهرت له الأعضاء المخفيه من ذلك الجسد وبتلك الأعضاء تعرف آدم على أعظم المتع . تعرف آدم على الجنس والذي سيظل المتعة الأعظم له ولنسله من بعده.

أفاق آدم من متعة ذلك الإستكشاف على صوت القوى الإلهيه الغاضب يقول: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ؟. ولم تنتظر القوى الإلهيه إجابة آدم, أو تبريره لفعتله تلك. اوقعت بآدم وزوجه ما أوقعته من قبل بالملاك الناري ,حاقت به اللعنة وأستوجب الطرد من فردوس الآلهة الآمن .

قال :إهبطا منها جميعاً بعضكم لبعضٍ عدو ..
أرسلت القوى الإلهيه آدم إلى الأرض ولم تنسى أن تزوده بتحذيراتها من إتباع خطوات غريمه الناري, وجعلت شرط عودته لفردوسها الآمن هو معصية ذلك الغريم وعدم طاعته. هبط آدم إلى الأرض مجرداً من كل خبرة في التعامل ما فيها من مخلوقات ,حياته البائسة في فردوس الآلهة لم تعلمه شيء. لم يكن قادراً على تدبير طعامه أو حماية نفسه أو إيجاد المأوى له ولزوجه, لقد كان يعيش عالة على القوى الإلهيه ,كانت هي التي توفر له طعامه وشرابه وهي التي تأويه وهي التي تحميه وتهديه , لم تكن له حياة في ذلك الفردوس ,كانت فقط دمية الآلهة المذللة التي تتسلى الآلهة في أوقات فراغها بمشاهدة تصرفتها العجيبة .

كان همّ آدم عند هبوطه على هذه الأرض أن يفعل ما يجعل القوى الإلهيه ترضى عنه ,كان يريد أن يعود لحياته السابقة ,حرص على تنفيد الأوامر التي زودته بها القوى الإلهيه بالحذر من غريمه الناري, عاش في هذه الأرض سنواته الأولى على سنة المخلوقات الحيوانيه التي وجدها أمامه, صار هو أيضاً مخلوقاً متوحشاً يصارع تلك الحيوانات ويقتلها ويمزقها بانيابه وأظافره , كان يسير في طريق التوحش . لم يتوقف غريمه الناري عن الوسواس له , كان يطارده بمادته الناريه التي يلقي بها في طريقه, كان يريده أن يتمرد مرة تانيه على الأوامر الإلهيه بعداوته وعداوة المادة الناريه التي خلق منها. ولم يكف عن مطاردته بلهيب تلك النار حتى إهتدى آدم ذات يوم لفكرة التعرف على ذلك اللهيب, أقترب منه تحسسه فتعرف على الدفء , إقتبس منه شعلة فتعرف على النور الذي أضاء ظلمات غاباته وأنار طريقه , وضع عليه طعام وأنضج عليه لحوم صيده , أدرك أن هذه النار التي هي مادة غريمه ليست شراً كما أخبرته الآلهة ,كما لم تكن الشجرة المحرمة شرا.
بقبس النار ذاك شق آدم طريقه خارج دائرة التوحش المظلمة التي كان مسجوناً فيها, وفرت له النار حياة جديدة , وبدأ أولى خطواته في بناء حضارته على هذه الأرض , لم يعد حلم العودة لفردس الآلهة الآمن يرواده ,بل لم يعد حلماً من أحلامه ,لقد تعلم كيف يبني لنفسه فردوساً أكثر أمناً من فردوس الآلهة ,فردوساً ليس فيه أشجار مُحرمة.

المنشأ الإنساني للإسطورة:

ذات الإنقسام الذي حدث في الإسطورة بين جموع الملائكة والذي قسمها إلى ملائكة مصطفين أخيار, وشياطين مردة أشرار,ذات الإنقسام حدث على فردوس الإنسان الأرضي ,إنقسم أبناء آدم على أنفسهم كما أنقسمت الملائكة على نفسها في الإسطورة, فصار فريق منهم يعرف بالمؤمنين الأخيار وفريق أخر يعرف بالكفرة الأشرار . . الدوافع التي أحدتث الإنقسام في الإسطورة هي ذات الدوافع التي تحدث الإنقسام اليوم في الواقع إنها دائما الأوامر الإلهيه الغير مبررة والتي لا تبدو أن هناك أية حكمة من وراءها.

ليس بساطة الإسطورة وتفككها وعدم إرتباط أجزاءها إضافة إلى ضعف الأساس الذي بنيت عليه ,ليبست هذه العناصر وحدها هي التي تجعلنا نتيقن من سذاجة عقول الذين يؤمنون بسماوية هذه الإسطورة وبأنها صياغة إلهية صاغها الله ليصف فيها أحداث يوم الخلق ,لقد أغنتنا البحوث الأركيولوجيه عن الدخول في هذا الجدل العقيم مع جموع المؤمنين بقدسية هذه الإسطورة ,فكلما تقدمت تلك البحوث كلما كشفت لنا أنه لم تخلو حضاراة من حضارات الإنسان من وجود لهذه الإسطورة وإن تعددت الصيغ وإختلفت.

العناصر التي أقامت عليها الإسطورة بناءها لم يظهر لها أي وجود في الأماكن التي كان من المفترض أن تتواجد فيها بحسب الإسطورة وشروحها,فلقد إستكشف الإنسان مجاهل هذه الأرض التي يعيش عليها ورصدها بكاميراته ومناظيره وغاص في بحار ظلماتها وأضاءها بمعارفه ولم يظهر أي وجود لكائن يدعى الشيطان والذي تقول لنا الأساطير أنه يبني له عرشاً على الماء في تلك البحار المظلمة. عرج الإنسان في أفاق هذه الفضاءات المفتوحة باحثاً عن تلك السماء ذات الطوابق السبع حيث كان المسرح الذي جرت عليه الإسطورة ولم يجد لا سموات ذات أبراج ولا طوابق مصفوفة ,لم يجد إلا فضاءات تنفتح على فضاءات لا محدودة , لم يبدو هناك أي وجود لمسرح تلك الإسطورة ولا للشخوص المفترضة التي لعبت أدوارها الرئيسيه .لم يظهر أي وجود حقيقي للقوى الإلهيه ولا للشياطين ولا للملائكة , ليس هناك كائن حقيقي بينها سوى الإنسان.

تلك الإسطورة لم تكن سوى صياغة إنسانيه عبر بها الإنسان البدائي عن الصراعات التي خاضها مند بدأ يفكر ويعقل ويطرح السؤال عن سر وجوده, ذلك السؤال الذي قاده لإبتكار الآلهة والشياطين والملائكة وأدار بينها الصراعات التي تعكس صراعاته على الأرض وحقق على يدها إنتصارته للخير والفضيلة التي خذلته قواه في تحقيقها, كانت تلك الإسطورة عبارة عن توصيف للصراع بين الخير والشر في داخل هذا الإنسان ,الصراع بي العقل والبلادة , الصراع الذي بدأ منذ وعى الإنسان بوجوده ولايزال قائماً إلى اليوم ,صراع الإنسان الواثق بعقله والمدرك لمقدرته على خوض المجهول أوبتكار صيغ جديدة للحياة وبين الإنسان المُدجن الباحث عن الجِنان الآمنة التي يستطيع أن يرعى فيها أمناً من كل خطر.

لم تكن القوى الإلهيه التي تنسب لها تلك الإسطور سوى مجامع الكهنة والأحبار والفقهاء التي صاغت الإسطورة, والتي كانت حكمتها الوحيدة من صياغتها هي تمجيد البلادة والتبلد, وإعلاء قيم الطاعة العمياء, والتحذير من العقل بشيطنته وتجريم كل منتجاته, لتظل لها السلطة العليا, ولتظل مسيطرة على هذا الإنسان لتسخره في خوض صراعاتها ضد تقدمه وضد كل منتج حضاري ينتجه عقله. لم تكن هذه الإسطور إلا الأساس الذي نشأة عليه ثقافة شيطنة العقل , تلك الثقافة التي جعلت من الأفكار وساوس يستعيذ الإنسان بآلهته من شرها , لم تكن تلك الإسطورة إلا المنشأ للثقافة التي نعيشها اليوم ,الثقافة التي تلزمنا بلعن عقولنا والإستعاذة بالله من أفكارنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب