الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بائعو الحب سيكولوجيا النفاق وسياسة الاعتناق

علي عبد الرحيم صالح

2011 / 11 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يرى عالم النفس "اريك فروم" : أن الحب هو الجواب الصحيح عن مشكلة الوجود البشري ، لو أننا ادركناه وفهمناه بطريقة صحيحة ، باعتباره اهتماما بحياة الآخرين ، وشعور بأننا جزء من كل ، ما كانت الإمراض النفسية والاجتماعية منتشرة الآن ، لأن جميعها مظاهر عجز متنوعة عن حب الانسان وعدم القدرة على تحقيق نوع من التآزر مع الاخرين .
لذا فللحب دور أساسي في حياتنا النفسية والاجتماعية ، لأن الحب الأصيل للاخرين بغض النظر عن أي معتقد او دين ، يعد الوقود لاستمرار شعلة علاقاتنا الإنسانية والاجتماعية ، وبذلك فأن الحب هو مجموعة من المشاعر العريضة والمتماسكة التي تزخر بحب الصلة والمودة والانتماء والعطاء من دون مقابل . هذا الحب هو العامل المساعد في الحفاظ على إنسانيتنا ، وتقدم مجتمعنا ، وبناء ثقافة حافلة بالقيم الجيدة ، تلك القيم التي تعلم الحب والتكاتف والثقة المتبادلة . بيد أن ضعف هذا الرابط الإنساني المهم ، ينتج عنه العديد من المشكلات ، حيث تتفكك علاقات الإخوة ، وسيشعر ابناء المجتمع الواحد بالغربة والتنافس ، وسيحل بهم الضعف ، وسيجنون الخسارة الكبيرة عاجلا أو آجلا . فموت الحب دليل على شيوع مشاعر الأنانية ، والكراهية ، وحب الذات . وبذلك سيكون هؤلاء الإفراد منافقين و فاسدين ، وباردين انفعاليا ، وسيفكرون بمصالحهم الذاتية دون التفكير بما سيحدث للاخرين . فضلا عن شيوع نزعة الشك ، وعدم المبالاة ، ورؤية أن الاخر يصبح عامل مهدد لأمنه النفسي والاجتماعي .

الحب سلعة للبيع !!
من خلال مراجعة الكثير من الدراسات النفسية والاجتماعية والدراسات الانثربولوجية والكتب والقصص والافلام ، دائما ما يظهر نمط معين من الشخصية يقوم على بيع الحب للآخرين مقابل مصالحه الذاتية ، فالحب لديه سلعة يظهرها للاخر متى ما حانت الفرصة لذلك ، لذا فان هؤلاء الاشخاص من بائعي الحب دائما ما يتعهدون بالحب ، والاخلاص ، والانتماء ، والتظاهر ، وبتحمل الاعباء والمسؤوليات كافة مقابل الحصول على مال أو شيء يحقق رغباتهم الذاتية .
لذا فانهم يعطون الحب ليس بدافع الحب الانساني ، وانما رغبة في اشباع نوازعهم الضيقة ، وتحقيقا لمصالحهم الذاتية. إذ يجد هؤلاء الاشخاص في حب المال والحظوة او المكانة الوسيلة المهمة والغاية النهائية لتحقيق ذاتهم . ولذلك فهم يتمركزن نحو ذواتهم أكثر من التوجه نحو الجماعة واهدافها ومعاييرها السامية .
ومن أجل ذلك نجدهم يحبون بزيف ذات الهدف المحقق لرغباتهم الدنيئة ، فيحترمون هذه الذات ويعظمونها من دون أي استحقاق وقد يصلون بها الى درجة الاله او النبي . وبذلك فهم يرجون الحظوة والمنزلة التي تشبع ميولهم ودوافعهم المريضة . من سمات هذا النوع من الشخصية ايضا :
- التملق والقدرة على الكذب وكثرة المجاملة .
- القدرة على التلون في جميع الظروف ، ومع أي شخص ما دام يشبع حاجاته .
- تبني أي ايدولوجية او عقيدة او فكر ما ، فالمهم ان يحقق الحاجات والرغبات .
- العدوانية والتسلط على من هم ادنى مكانة ، لأن هؤلاء يهددون امنهم الشخصي .
- الافتقار الى هوية اجتماعية اصيلة تشعرهم بالانتماء والاستقرار .
- تعظيم ذات الهدف لأتفه الاسباب ، مع تجميل الاشياء واعطائها صورة معاكسة لها .


كيف يظهر هذا النوع من الشخصية ؟
لم تثبت الدراسات لحد الآن أن مثل هذا النوع من السلوك فطري او غريزي ، بل يكتسبه الانسان من بيئة ضاغطة ومريضة . فقد يكتسبه الفرد من والديه اللذين يشجعان فيه الرياء والنفاق اليهما ، حيث يعدون النفاق دليل على الحب والطاعة والخضوع اليهما ، وهما بذلك يكافأن هذا السلوك بدلا من اطفاءه . كما قد يظهر هذا السلوك كما يرى اريك فروم في مجتمع مريض يفتقر الى ادنى وسائل العيش الكريم ، مما يجد افراد هذا المجتمع ان النفاق والرياء والتزلف وسيلة جيدة للعيش والحصول على الامتيازات والتسلق فوق كفايات الاخرين . ويظهر هذا السلوك ايضا في ثقافة المجتمع عبر المثل والقيم والعادات التي تشجع هذا السلوك بدلا من عقابه واستهجانه ، كالمثل الشعبي الذي يقول ( شيم المعيدي وأخذ عباته ) (اذا لك عند الكلب حاجه قوله يا سيدي ) .
لذا عندما يجد الفرد أن مثل هذا السلوك يشعره بالحظوة والامن ، فأنه بكل تأكيد سيصبح عادة سلوكية في شخصيته ، بل قد تصبح هذا العادة سمة كبيرة وأساسية في الشخصية !!!

النفاق وسياسة الاعتناق
أن من اخطر ما يتصف به بائعوا الحب سهولة اعتناق أي ايدلوجية أو فكرة أو عقيدة ما ، وسرعة التخلي عنها ، مقابل اخرى تدفع لهم اكثر او توفر لهم الامن الذي يصبون اليه . فعندما تظهر ايدلوجية ما او شخص معين ، سرعان ما نجد بائعي الحب يتخلون عن افكارهم ومعتنقهم القديم ، ولبس معتنق جديد ، فهم كالحرباء تتماهى وتندمج مع أي شيء يحميها من الخطر الخارجي المهدد لكيانها ووجودها في الحياة . وبذلك تشكل هذه الشخصية عامل خطر مهدد لبناء المجتمع وتكامله ، فهي اداة تخريب لا بناء . ومن أمثلة هؤلاء الاشخاص وأخطرهم :
- الساسة وقادة الاحزاب الناكرون لعهودهم ومواثيقهم .
- رجال الدين ، الذين يبيعون الحب الالهي وافكار التطرف من اجل مصالحهم وشهرتهم ونفوذهم .
- الموظفين الأصوليين ، واللاهثين وراء رؤسائهم وقياداتهم .
- المهللين والمرائين وراء قياداتهم وكتلهم الحزبية .
- ومن بائعي الحب ايضا التجار الغشاشين ، وبائعات الهوى ، وأصحاب الاقلام الرخيصة ، والشعراء المداحين ، ورجال الإعلام .. وغيرهم .

تجارة الحب في المجتمع العراقي
يعد مجتمعنا العراقي والعربي من اقرب المجتمعات التي تبيع وتتاجر بالحب ، إذ اصبح الحب فيه مهنة يرتزق من خلاله الكثير على حساب الغير . ويمكن ان نرجع سبب ذلك الى النقص والحرمان وإحداث الحروب والارهاب وظهور تيارات سياسية ودينية متناقضة ، خدعت الشعب باسم الله والحب والمستقبل الزاهر والوعود الكاذبة وسرقت حاجاته وقوته . لذا اصبح افراد المجتمع عرضة للكثير من السلوكيات المرضية ، وتطبعوا بالكثير من العادات والطرق التوافقية الغريبة ، فظهر هذا النمط من السلوك بوصفه وسيلة دفاعية تكيفية من مصائب الحياة وضغوطها . وخاصة اذا كان النفاق والرياء طريقة سهلة لكسب القوة وبلوغ الامال !!! .
لذا فجميع الاطراف تتحمل مسؤولية ذلك ، بدءا من رأس الهرم الاجتماعي ، وانتهاء بقاعدته . وبذلك نحن نحتاج الى وسائل اصلاح تربوية ومجتمعية قادرة على اشباع حاجات الانسان الجسمية والنفسية ، وتقضي وتصلح النفوس المتعفنة من بكتريا الخداع والغش ، لتضعف على الاقل قوة ظهور هذه السلوكيات لدى الافراد المتعفنين !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا