الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب العراقية الايرانية .. الاسباب والنتائج

خطاب عمران الضامن
باحث وكاتب.

(Khattab Imran Al Thamin)

2011 / 12 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الحرب العراقية الإيرانية... الأسباب والنتائج

الحرب..
كلمة تبدو لناظرها كلمةً ككل الكلمات التي تمر على مناظرنا وتطرق مسامعنا في كل لحظة.
ألا أنها تحمل في معناها الكثير من الألم والأسى لوقودها أي الجند, ولمن عاشوا ظروفها وذاقوا مرارة ألمها, ذلك ألألم الذي تستمر وطئته سنيناً طوال, لا أبالغ إذ قلت عقوداً بعد نهايتها.
لقد شهد العرق, ذلك البلد الذي لم يذق طعماً للأمن والاستقرار لفترة ليست بالقصيرة من تاريخه الحديث والمعاصر, شهد حرباً في ثمانينيات القرن العشرين هي الحرب العراقية الإيرانية, والتي كانت من أطول حروب ونزاعات القرن العشرين، وأشرسها وأكثرها دمويةً (بالطبع بعد الحرب العالمية الثانية).

أسباب قيام الحرب.

السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو لماذا قامت الحرب, ما هي الأسباب وهل كان يمكن تجنبها؟
أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى بحوث ودراسات علمية دقيقة ومحايدة, ألا أني كمواطن عراقي عشت أحداث تلك الحرب وذقت أللام نتائجها، تمكنت من جمع بعض البيانات عن طريق اطلاعي على بعض المصادر التاريخية العربية والأجنبية وبالتالي استنتجت أسباب نشوب تلك الحرب من وجهة نظري الشخصية المتواضعة، والتي أرجو أن أكون صائباً ومحايداً في طرحهاً من خلال النقاط اللاحقة.





تطور المشهد السياسي في إيران (1978-1979).

شهد عام 1979 تغيرات سياسية ذات أثار مهمة في كل من العراق وإيران، ففي آذار من نفس العام نجحت الثورة الشعبية في إيران بالإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي, ليعتلي أية الله الخميني دفة الحكم في إيران، ولابد من الإشارة هنا أن الخميني كان قد مكث في العراق طوال الفترة (1966-1978) حيث كان منفياً من قبل نظام الشاه، وقد تم ترحيلة من العراق بطلب من الشاه مع بداية الثورة الشعبية في إيران في خريف 1978.
ولا يخفى على الجميع السياسة التي مارستها الحكومة العراقية خلال الفترة السبعينيات تجاه الحركات الحزبية والدينية، والتي تمثلت بتصفيات جسدية واسعة النطاق استهدفت أعضاء الأحزاب السياسية العراقية, ناهيك عن حظر وتقييد للحريات والشعائر الدينية في العراق، كل هذه الإجراءات التعسفية كانت على مرأى ومسمع الخميني!! فتركت لديه انطباعات عدائية للحزب الحاكم في العراق، وجاءت عملية إعدام العالم الديني محمد باقر الصدر وشقيقته في 9- 4- 1980 دون محاكمة لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لموقف الخميني من الحزب الحاكم في العراق.

تطور المشهد السياسي في العراق (1979).

في تموز 1979 استقال الرئيس العراقي محمد حسن البكر ممهداً الطريق لصدام حسين ليعتلي منصب رئاسة جمهورية العراق, بعد أن كان حاكماَ للعراق بصورة غير مباشرة منذ سبعينيات القرن العشرين.
كان صداماً شخصاً متشبثاً بالسلطة إلى حدً بعيد, ولم يبال بقتل أقرب المقربين إلية أذا راودته ابسط الشكوك في ولائهم له حفاظاً على السلطة, وهذا ما حدث فعلاً عندما أقدم على إعدام أرفع قيادات حزب البعث دون محاكمة عام 1980.
أحكم صدام سيطرته على مقاليد الحكم في البلاد, حيث أعلن نفسه رئيساً للجمهورية, وقائداً عام للقوات المسلحة, ورئيساً لمجلس قيادة الثورة!! مما جعله رئيساً ومسيطراً على السلطات التشريعية والتنفيذية في البلاد, أما السلطة القضائية فقد كانت تحت سيطرته منذ وقت بعيد من خلال محكمة الثورة, ناهيك عن أشرافه المباشر على الجهاز الإعلامي في البلاد, والذي كان قد سيطر عليه قبل هذا التاريخ أيضاً, حيث جعل من وسائل الإعلام الحكومي آلة لتلميع صورته وتبرير كل الإعمال التي قام بها أو يخطط للقيام به مستقبلاًا, بهذا تمت سيطرة رجل واحد على السلطات الأربع في العراق!!!
خلاصة القول أن حكومة العراق أصبحت حكومة الحزب الواحد والرجل الواحد, وهو ما يشبه إلى حد بعيد ما حدث في ألمانيا في عهد هتلر المسئول الوحيد عن قيام الحرب العالمية الثانية!!.

تأزم العلاقات العراقية الإيرانية وقيام الحرب.

بعد اعتلاء الخميني دفة الحكم في إيران, أخذ يدعو شعوب دول الخليج العربي إلى الثورة ضد أنظمتها الحاكمة, وهو ما عرف بتصدير الثورة, وانطلاقا من مقته الشديد لحزب البعث وحكومة العراق كما أشرنا سابقاً، أخذ يدعو علماء الدين و شعب العراق للثورة على حكامه, كانت تلك الدعوات ضمن تصريحات رسمية للخميني، وكانت تلك التصريحات ذات تأثير كبير على رجال الدين في جنوب العراق حيث كان للخميني علاقات وصلات وثيقة معهم, نتيجة لمكوثه في العراق قرابة 13 عاماً, إضافة إلى كونه على درجة رفيعة من درجات التدرج العلمي في الحوزة العلمية حيث بلغ درجة أية الله العظمى.
شكلت تصريحات الخميني سخطاً وذعراً لدى صدام, وعدهاً تدخلاً في الشؤون الداخلية العراقية، وبالفعل شهدت مدن العراق ذات القدسية الدينية مثل النجف وكربلاء حراكاً ملحوظا بين رجال الدين من أنصار الخميني وتمت الدعوة للثورة في العراق على يد العالم الديني محمد باقر الصدر الذي أعدم مع شقيقته كما أسلفنا، يبدو أن الثورة كانت وشيكة وقاد جاء إعدام الصدر ليزيد من حدة الحراك الشعبي تحت وطأة الإجراءات الأمنية المشددة, شكلت هذه التداعيات قلقاً عميق لدى صدام خوفاً من اندلاع ثورة على غرار ما حدث في إيران، فخشي خسارة منصبة في حال قيامها, فأخذ يعبئ الرأي العام الشعبي ضد الخطر الفارسي المجوسي, مستغلاً ماكينته الإعلامية، وبالفعل حقق صدام نجاحاً منقطع النظير في تهيئة الشعب العراقي لخوض الحرب. خلاصة القول في سبب قيام الحرب العراقية الإيرانية هو دعوة الخميني شعب العراق للثورة, وخوف صدام من اندلاع هذه الثورة ، الأمر الذي جعله يقوم بإعلان الحرب فعلياً في 22 - 9- 1980, بهدف الضغط على إيران وإيقاف دعواتها للثورة في العراق، مستغلاً عدم استقرار الأوضاع في إيران بعد الثورة الإيرانية، ضن صدام مخطئاً أن الحرب ستكون قصيرة, يقوم خلالها بتدمير بعض الأهداف العسكرية الإيرانية واحتلال بعض المدن الإيرانية, وأخطئ حين توقع أن إيران سوف ترضخ تحت هذا الضغط وتطلب منه الانسحاب والرحمة. بدأت الحرب عن طريق غزو الأراضي الإيرانية من عدة جبهات امتدت على طول 800 كم من الحدود العراقية الإيرانية بعمق يتراوح بين 20 -60 كم، وشمل هذا الغزو احتلال عدة مدن إيرانية مثل قصر شيرين والمحمرة ومنطقة نهر الكارون التي تحوي مصفاة للنفط حيث تم اسر جميع العاملين بالمصفى كما تم اسر حرس الحدود الإيرانيين. إضافة إلى غارات جوية مكثفة استهدفت عدة مطارات إيرانية وبالفعل تم تدمير عدد من الطائرات الإيرانية الجاثمة. لم تكن إيران متوقعة ولا مستعدة لهذه الحرب، ألا أن الإيرانيين سرعان ما أعادوا تنظيم صفوفهم استعداداً لتلك الحرب لطرد القوات العراقية من أراضيهم، فاستمرت الحرب 8 أعوام بسبب رفض الخميني مساعي وقف أطلاق النار منذ عام 1982 حتى عام 1988 حيث وضعت الحرب أوزارها.





خسائر الحرب العراقية الإيرانية.

كانت الخسائر بالأرواح والأموال جسيمة إلى حدً بعيد, أزهقت خلالها أرواح أكثر من مليون إنسان من كلا الطرفين خلال 8 أعوام من القتال المستمر, إلى جانب ذلك سقط الملايين بين مفقود وأسير وجريح ومعاق, ولازلنا نراهم في العراق وإيران، أما بالنسبة للخسائر المالية فقدرت ب 400 مليار دولار أميركي, أنفقت معظمها لشراء الأسلحة، ناهيك عن حجم الضرر الذي لحق باقتصاديات البلدين من تعطل عجلة التمنية الاقتصادية ودمار البنى التحتية.

ألأضرار النفسية والاجتماعية التي خلفتها الحرب.

أما بالنسبة للأضرار النفسية والاجتماعية فكانت مدمرة لكلا الطرفين, فعندما نتحدث عن مليون قتيل بلا شك سيكون لدينا مليون أم ثكلى، ونفس العدد من الأرامل, أما الأيتام فيفوق عددهم أضعاف هذا الرقم!!
ولا مجال هنا للحديث عن الآثار الاجتماعية حيث أن تلك الآثار تحتاج لدراسات وبحوث علمية عميقة.

أثار الحرب على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في العراق.

أدت الحرب في بدايتها إلى انخفاض حجم صادرات البترول الخام العراقي بنسبة تقترب من 75% قياساً بما كانت علية قبل الحرب، حيث كانت منصات التصدير في موانئ البصرة هدفاً لسلاح الجو الإيراني, كما أغلقت سوريا خط تصدير النفط العراقي عبر أراضيها، وبطبيعة الحال انخفضت إيرادات العراق من الدولار بنفس نسبة انخفاض حجم صادرات البترول, مما دفع الحكومة إلى استخدام الودائع العراقية في البنوك الدولية لتغطية النفقات العسكرية الهائلة والنفقات الغير العسكرية الهائلة أيضاً والتي لا تتناسب مع إمكانيات العراق المالية في تلك المرحلة, الأمر الذي أضطر الحكومة أخيراً إلى أن تلجأ إلى الاقتراض من أسواق المال الدولية ومن دول الخليج إضافة إلى الاتحاد السوفيتي وفرنسا وغيرها من دول أوروبا الشرقية, ومع وقف إطلاق النار عام 1988 بلغ مجموع ديون العراق الخارجية قرابة 70 مليار دولار, بنسب فائدة سنوية تقترب من 12%!!.
شهدت فترة نهاية ثمانينيات القرن العشرين ما يعرف لدى الاقتصاديين بالصدمة البترولية الثانية, والتي تمثلت بالارتفاع المستمر في الأسعار الدولية للبترول الخام خلال الفترة (1973- 1985). حيث ارتفع سعر برميل النفط من 1.5 دولار عام 1973 ليبلغ 34 دولار خلال العام 1985, بدء بعدها سعر البرميل بالانخفاض التدريجي ليتراوح سعر البرميل من 10 إلى12 دولار عام 1990, والسبب يعود لسياسة الدول الصناعة الكبرى في بناء مخزون استراتيجي للبترول والاعتماد على مصادر طاقة بديلة عن البترول مثل الطاقة النووية والشمسية والغاز الطبيعي، إضافة إلى أسباب أقتصادية تتعلق بالعرض والطلب.
أدت هذه الصدمة إلى انخفاض شديد بإيرادات العراق البترولية, وفي ظل استمرار الحكومة بتمويل برامج التسلح المكلفة واستمرارها بالبذخ على النفقات غير العسكرية, تفاقمت أزمة الديون الخارجية وثقلت الفوائد المترتبة عليها.
يمكنني أن أقول جازماً بأن عملية غزو الكويت كانت محاولة غير عقلانية من قبل حكومة العراق لحل مشكلة الديون الخارجية, عن طريق الاستحواذ على الاحتياطي النقدي والبترولي الكويتي الهائل!!
يتضح أن من نتائج الحرب العراقية الإيرانية هي عملية غزو الكويت, والتي أدخلت العراق في مواجهة عسكرية غير متكافئة مع العالم بأسرة, وأدت إلى عزلة سياسية واقتصادية كانت نهايتها احتلال العراق عام 2003 وإسقاط حكومته الفردية.
قد يتساءل قارئ هذه السطور ما الذي جعل كاتبها يستذكر تلك الحرب التي وضعت أوزارها منذ قرابة 23 عاماً؟ والرد بالطبع هو أثارها المدمرة طويلة الأمد, قبل أن أختم هذه الكلمات أود الإشارة إلى أن والد كاتب هذه السطور كان واحد من المليون ضحية التي ذكرتها, حيث سقط صريعاً أو ربماً أسيرا يوم 29 - 11 - 1981, وهذه هي الذكرى الثلاثون لفقدانه.
خطاب عمران الضامن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام