الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام في منظور كتَّاب رسائل الحكمة الدرزية

عادل بشير الصاري

2011 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعد رسائل الحكمة بمثابة الكتاب المقدس للموحِّدين الدروز ، لأن فيها خلاصة عقيدتهم وتعاليم دينهم وآدابهم ومعاملاتهم ، ويبلغ مجموعها مئة وإحدى عشرة رسالة ، وقد قام بكتابتها خلال القرن الخامس الهجري ثلاثة من أبرز أعلام الدعوة الدرزية ، الأول هو حمزة بن علي الزوزني ، والثاني إسماعيل بن محمد بن حامد التميمي ، والثالث بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموقي ، وثلاثتهم توجهوا بهذه الرسائل إلى الدعاة المتخفين في عدد من مدن الشام ، والمكلفين بنشر الدعوة الدرزية بين الناس .
ولا مجال هنا لاستعراض كل ما جاء في هذه الرسائل ، فالمقام لا يتسع لهذا ، ولعل أبرز ما فيها وما يعني الباحث عن الصلة بين الدرزية والإسلام ، هو موقف كتّاب هذه الرسائل من الإسلام ونبيه .
وأول ما يثير انتباه قارئ هذه الرسائل هو إصرار كتَّابها على إثبات إلوهية الحاكم بأمر الله الفاطمي في كثير من المواضع ، وقد استندوا في دعواهم هذه على مفهوم ( التجلي) الذي يُعَد وفق الرؤية الفلسفية القديمة درجة من درجات الحلول ، أي حلول الذات الإلهية في الصورة البشرية ، وعلى هذا فإن الحاكم في نظر القائلين بالتجلي كان يمثِّل الصورة الناسوتية للإلوهية ، وبمعنى آخر هو يمثِّل الإله متجلياً في صورة إنسان .
ويستدل القائلون بضرورة ومنطقية التجلي أن الإنسان لا يمكنه أن يهتدي إلى الله ويتوجه إليه بالعبادة إلاَّ إذا ظهر له في صورة قريبة لصورته ، كالذي لم يسمع كلمة في حياته قطَّ ، كيف يمكنه الكلام ؟ .
ويشرح كاتب درزي معاصر وهو نبيه محمود السعدي مفهوم ( التجلي) مبيناً الفرق بينه وبين الاتحاد والحلول بقوله إن : (( تجلِّي النجَّار في الطاولة لا يعني وجوده فيها ، بحيث يصبح هو هي وهي هو ، كذلك فإن تجلي الخالق بما خلق لا يعني وجوده الكلي في أحد مخلوقاته ، بل يعني ظهوره لعبيده العارفين من حيث أنه الخالق الذي لا بدَّ من وجوده ، لا من حيث تماهيه في أحد مخلوقاته )) .
ووفق هذه الرؤية تحدثت الرسائل عن الحاكم بأمر الله بوصفه إلهاً بشرياً، وترددت فيها عبارات من مثل : (( فأمر مولانا سبحانه بقتلهم ـ وكان المولى جلت قدرته يخرج أنصاف الليالي إلى صحراء الجب ـ وكان المولى جل ذكره يركب كل يوم وليلة )) .
ومما يلاحظ أن الرسائل الأربعة الأولى خاطبتْ الحاكم بأمر الله بصفته أميراً للمؤمنين ، واستهلتْ الكلام بالحمد لله والصلاة على النبي محمد ، ففي الرسالة الأولى وعنوانها ( نسخة السجل الذي وجد معلقا على المَشاهد ـ أي المساجد ـ في غيبة مولانا الإمام الحاكم ) ، يقول كاتبها :
(( بسم الله الرحمن الرحيم ، والعاقبة لمن تيقظ من وسن الغافلين، وانتقل من جهل الجاهلين ، وأخلص منه اليقين... والحمد لله حمد الشاكرين ، حمداً لا نفاذ لآخره أبد الآبدين ، وصلى الله على سيد المرسلين محمد المبعوث بالقرآن إلى الخلق أجمعين... وقد علمتم معشر الكافة أن جميع ما ورَّثه الله تعالى لوليه وخليفته في أرضه أمير المؤمنين سلام الله عليه من النعم الظاهرة والباطنة )) .
وفي الرسالة الثانية وعنوانها ( السجل المنهي فيه عن الخمر ) يقول الكاتب :
(( بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي أعز الإسلام بأوليائه المتقين ، وخصَّ حدوده لمن استحفظه من أئمة دينه وأمنائه الميامين ، وصلى الله على جدنا محمد خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين..... إن أمير المؤمنين بما قلده الله ووجَّل إليه من أمور الدين والدنيا، وجعل كلمته فيها السامية العليا )) .
ولكن ما أن يمضي القارئ في قراءة الرسائل حتى يُفاجأ بأن الحاكم بأمر الله قد صار إلهاً معبوداً ، ففي الرسالة الخامسة ( ميثاق ولي الزمان ) نص القَسَم الذي يُقْسِمُهُ الدرزي ليصبح موحِّداً ، وهو يبتدئ على هذا النحو :
(( توكلتُ على مولانا الحاكم الأحد الفرد الصمد المنزه عن الأزواج والعدد ، أقرَّ فلان بن فلان إقراراً أوجبه على نفسه وأشهد به على روحه ... أنه تبرأ من جميع المذاهب والمقالات والأديان والاعتقادات كلها على جميع اختلافاتها ..... ومن أقر أن ليس له في السماء إله معبود ، ولا في الأرض إمام موجود ، إلاَّ مولانا الحاكم جل ذكره ، كان من الموحدين الفائزين)) .
وفي الرسالة العاشرة ( الغاية والنصيحة) المؤرخة سنة (410 هـ) استهل حمزة بن علي رسالته بقوله : (( توكلتُ على أمير المؤمنين جل ذكره وبه أستعين في جميع الأمور ، لا نستعين بغيره ولا نعبد سواه ، لا في الأولين والآخرين)) .
ولكي يؤكد حمزة بن علي إلوهية الحاكم ويقنع بها البسطاء والدهماء عمد إلى تبرير تصرفات سيده الشاذة وأفعاله القبيحة بما يندى له الجبين خجلاً ، فقد قال في الرسالة الحادية عشرة وعنوانها ( كتاب فيه حقائق ما يظهر قدام مولانا جل ذكره من الهزل ) بلغة ركيكة : (( ولو نظروا إلى أفعال مولانا جلت قدرته بالعين الحقيقية وتدبروا إشاراته بالنور الشعشعاني لبانت لهم الألوهية والقدرة الأزلية والسلطان الأبدية ، وتخلصوا من شبكة إبليس وجنوده الغوية ، ولتصور لهم حكمة ركوب ( كذا) مولانا جل ذكره وأفعاله ، وعلموا حقيقيِّة ( كذا) المحض في جده وهزله ، ووقفوا على مراتب حدوده ، وما تدل عليه ظواهر أموره ، جل ذكره وعزَّ اسمه ولا معبود سواه )) .
من هنا أخذ كاتب الرسالة يفسر تصرفات الحاكم بأمر الله وفق هواه ومخيلته ، فهو على سبيل المثال رأى في تربية شعر رأس الحاكم دليلاً على ظواهر التنزيل ، ورأى لبسه للصوف دليلاً على ظواهر التأويل ، وركوبه للحمير دليلاً على النطقاء أي الأنبياء ، كذلك فسَّر لعب الحاكم بعورات مرافقيه ، أو وقوفه متفرجاً على أصحابه وهم يتقاتلون ، بأنها إشارات واضحة على إلوهيته قد تخفى على الجهَّال .
فليتأملْ كل ذي بصيرة كيف تستهتر بعض عقول الدهاة والأذكياء من ذوي الأغراض والمطامع الدنيوية بعقول العوام وبسطاء الناس فيُصورون لهم الجنونَ والهبلَ والشذوذَ على أنه حكمة ودلالة ناطقة على إلوهية رجل غريب الأطوار .
كذلك لم يسلم شخص نبي الإسلام محمد من هجوم حمزة بن علي ، ففي رسالته المعنونة ( الغاية والنصيحة ) نقرأ نقضاً لنبوة النبي، وتشبيهه بإبليس، حيث يقول : (( وقد كان لكم عبرة وتدبر بخبرين مأثوريْن عن صاحب الشريعة محمد حين قال : ( مازج حبي دماء أمتي ، فهم يؤثروني على الآباء والأمهات) ، وقال إبليس نظير ذلك ، حيث قال إبليس لطيف روحاني يدخل سلطانه مجاري الدم حتى يبلغ صدورهم ، فإذا كان صاحب الشريعة لطيفاً يمازج حبه دماء الناس ولحومهم ، وإبليس لطيفاً روحانياً يمازج بقوة الحب دماء العالم ويوسوس في صدورهم ، فأين الفرق بين الولي والضد، وكلاهما في القوة واحد ؟ فلو ميزتم معاني الكلام وتدبرتموها لبان لكم نطق الرسول من نطق إبليس )) .
ويستطرد قائلا : (( وأنتم تعلمون أن لمحمد أربعمائة سنة وعشر سنين ، ولم يظهر دينه على الأديان كلها ، واليهود والنصارى أكثر من المسلمين ، والهند والسند والزنج والحبشة أكثر منهم ، والنوبة والزغاوة وأشكالهم أكثر منهم ، فلو كان الرسول محمد له أديان هؤلاء الطوائف كلها لكان يجب أن يكون المسلمون أكثر العالمين، وأغلبهم في الأولين والآخرين )) .
ويستفيض الكاتب في الهجوم على المسلمين ، إذ يصفهم بالمشركين مشيراً إلى نص الحديث النبوي المعروف (( تفترق أمتى على اثنين وسبعين فرقة ... )) ، فيقول : (( وأديان المشركين اثنان وسبعون فرقة المسلمانية الذين أشركوا في عبادة مولانا جل ذكره )) .
كما نعت المسلمين بأنهم أهل خيانة وكذب في معرض سخريته من الآية : (( لتكونوا شهداء على الناس )) ، فقال : إن (( الأكثر من أمته ، والجم الغفير من رؤساء شرعته ليس لأحد منهم أمانة على تأدية كلمة واحدة من العدل ، أو إلى أهل الحق في تسليم حزمة من بقل ، وأنهم في فهمهم للحق والحكمة أبله من الحمار والبغل ، فكيف يكونوا ( كذا) شهداء على الناس ؟ )) .
وفي الرسالة الحادية والسبعون المؤرخة سنة (427هـ) ، وعنوانها ( التبيين والاستدراك ) يزعم كاتبها بهاء الدين السموقي أن القرآن ليس كلام الله ، بل هو من تأليف الإبليس ، ويعني به النبي محمد الذي نعته بالمسعور والمزور الملفق والمسرف الكذاب الذي كذب على جميع الخلق .
وإذا كان هذا موقف قدامى الموحدين الدروز من الإسلام ونبيه ، فلا عجب أن يأخذ به معاصروهم ، ففي كتاب ( تعليم دين التوحيد ) يكشف المؤلف دون مواربة عن موقف دروز اليوم من النبي قائلا: (( إن محمداً نحن بالظاهر نقرُّ به نبياً لأجل الاستتار والمسامرة مع أمته فقط ، وفي الباطن نشهد بأنه قرد وشيطان وابن زنا، لأنه حلَّل ما لا يُحَل وفعل جميع الفواحش )) .
والحق أن هذا الموقف العدائي من الإسلام ونبيه يفنذ مزاعم عقلاء ومستنيري الطائفة الدرزية الذين ما فتئوا يعلنون على الملأ أنهم مسلمون برغم الاختلاف في العقيدة والشريعة مع باقي الطوائف الإسلامية شيعية أو سنية ، كما أن هذا الموقف يبدد أية محاولة للتقريب بين الدروز والمسلمين .
وقد خلص مؤلفو كتاب ( بين العقل والنبي ـ بحث في العقيدة الدرزية ) إلى أن الدروز مهما حاولوا (( اعتبار الدرزية مذهباً يضمه الإسلام أو ينتمي إلى الإسلام بشكل من الأشكال فهو بالحقيقة من قِبل التقية واتقاء الخطر . الدرزية دين مستقل تمام الاستقلال ، يقوم على أركان خاصة ، له كتابه المقدس ، وعقيدته ونظرته إلى الكون وفرائضه ومناقبيته وطقوسه وأنبياؤه ، وكلها لا تمتُّ إلى الإسلام بصلة ، وهذا ما لا يريد المسلمون تصديقه ، ولا الدروز يريدون الإقرار به )) .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كامل الاوصاف
سلام صادق ( 2011 / 12 / 5 - 02:50 )
السيد عادل بشير المحترم..وفي الرسالة الحادية والسبعون المؤرخة سنة (427هـ) ، وعنوانها ( التبيين والاستدراك ) يزعم كاتبها بهاء الدين السموقي أن القرآن ليس كلام الله ، بل هو من تأليف الإبليس ، ويعني به النبي محمد الذي نعته بالمسعور والمزور الملفق والمسرف الكذاب الذي كذب على جميع الخلق ....فما الخطا فيما زعم بهاء الدين السموقي؟ اليست هي الحقيقه بعينها بالرغم من انه لم يتهم محمد باللصوصيه والصعلكه وقاطع طريق....وشكرا


2 - مرحبا أستاذ سلام
عادل بشير الصاري ( 2011 / 12 / 5 - 09:09 )
تحياتي إليك ، وأشكرك لأنك تكرمت بقراءة الموضوع
سيدي إن بهاء الدين السموقي الذي كذَّب النبي محمد هو نفسه من زعم بألوهية الحاكم بأمر الله ، وقد عمد إلى شتيمة النبي لأنه يريد أن يروج لعقيدته الذي يعد أحد مؤسسيها ، ولا أظن أن أسلوب الشتيمة إلا دليل على دليل على الإفلاس والخواء الفكري والعاطفي والأدبي


3 - كللو في الهوا سوا
جورج كارلن ( 2011 / 12 / 7 - 11:33 )
جميع الأديان تستند على تسخيف ما قبلها وتصحيح انحرافات ما قبلها واتهام زعماء الأديان التي سبقت بالضلال وارتكاب الفواحش ... الخ ف صديقي لا تعتب على الشريعة الدرزية فهي كغيرها . اساطير وأحلام بالسيطرة على العقول والثروات من قبل فاشلين لم يتعلّموا كيف يخرجون للإتيان برزقهم ب تعبهم . والناس بالأغلبية غير قادرة على التأمل والبحث لمعرفة حقيقة الحياة فلهذا السبب وبسبب الخوف من المجهول أيضاُ يصدقون أقرب ديانة عليهم جغرافياً . وإلا لماذا لا يوجد بوذي في افريقيا أو من ديانة او مجوسي في كندا أو مسلم في النرويج . طبعا كلامي عن السكان الأصليين وليس المهاجرين


4 - مرحبا جورج
عادل بشير الصاري ( 2011 / 12 / 25 - 20:03 )
أنا احترم وجهة نظرك وأراني متفقا معك فيما تفضلت به ، وينبغي علي هنا أن أبين لك أن الموضوع هو تعريف بكتاب رسائل الحكمة ، ولم يكن القصد منه هو التعريض بما جاء في هذه الرسائل ، أو الإساءة إليها فأنا أرفض رفضا تاما الإساءة لأي دين ، وذلك من باب احترامي لمعتنقيه ، ولقناعتي بأن تسفيه ديانة من الديانات والتهجم عليها لن يقنع معتنقيها بالتخلي عنها ، وأخيرا لك خالص شكري لمرورك على الموضوع


5 - سلام صادق والتعصب الاعمى
احمد علي الجندي ( 2021 / 8 / 10 - 20:53 )
تقول فكرة المقالة بكشف فكر الدروز
وهل ما يدعونه صحيح او غير صحيح
تأت انت وتهاجم نبي الاسلام وتعتبر ما قيل عنه صحيح ولكن تنس ان ما قيل عنه ينطبق عند الدروز ايضا على اي مخالف لهم بالعقيدة
سواء المسيح نفسه اي يسوع او بولس
ملاحظة
الصعلوق قاطع الطريق هو موسى ويشوع وديفيد من العهد القديم


6 - للسيد عادل بشير الصاري مصادرك
احمد علي الجندي ( 2021 / 8 / 10 - 20:57 )
انا معجب بك وبمقالاتك يا سيدي
ورغم اني قد استعمل كلمة سيدي كثيرا الا انني هنا أعنيها بكل معناها
سيدي الكريم
مصدر كلامك في المقالة
ليس طعنا بمقالتك او بك سيدي
ولكن لان رسائل الحكمة معظم ما ينسب لها غير صحيح ولا اعلم اي شخص كتب عنها الا المدلس جوزيف قزي باسماء مستعارة ومن قرأ كلامه عنها يعلم كمية تحامله عليها وعلى الدروز ايضا
بل من قرأ كتابه
- قس ونبي -
يلاحظ ادعائه نصوص في صحيح البخاري غير موجودة في صحيح البخاري
من هنا اذا كان مصدرك هذا الرجل فعلى مصدرك السلام
تحياتي وشكرا
لا اتوقع ان يكون هنالك اجابة لان المقالة عمرها 10 سنوات تقريبا
ولم يكن لي الشرف بان أقرأها وقت نزولها

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah