الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والتمرد...والفوضوية

فريد يحي

2011 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" الإنسان ملجاء نفسه ، فمن عيره يستطيع أن يكون ملجاء له "....بوذا

كان بوذا يحث تلاميذه، على أن لا يبحثوا ابدآ عن ملجأ أو مساعدة من أخر ، مشجعا على العمل حسب الرأي الحر ، لان الإنسان يملك القدرة على أن يطور نفسه ويتحرر من كل عبودية ، فالحرية عند البوذية هي النيرفانا طريق المطلق.

فبوذا... لم تعرف الباطنية أو المجهول إلي تعاليمه سبيل ، فحرية الفكر، تجعل منه مرشدا يقود إلي الطريق وليس حاكما ، هذه الحرية لا نجدها في أي مكان أخر من الديانات ، فهي حسب نظره ...ضرورية، لأنها ارتبطت في الإنسان بفهمه الخاص للحقيقة ، لا بنعمة منحت له تكرما من اله أو من أية قدرة خارجية كمكافأة على سلوك فاضل أو مطيع.

قال بوذا لسكان مدينة صغيرة " لا تدعوا أنفسكم مساقين بسلطة النصوص الدينية ولا بالمنطق البسيط أو الاستدلال ولا بالمظاهر، ولا برغبة الاعتماد على أراء ولا بفكرة ...انه " معلمنا " ولكن حاولوا دائما إن تعرفوا بأنفسكم " فجذور كل شر هو " الجهل ".....قمة التمرد الديني أو بالأحرى الفوضوية الدينية.

كم هو جميل ورائع، إن تتزاوج فكرة التمرد مع التسامح و التفهم فهذه هي المثل الأساسية....منذ البداية في ثقافة البوذيين وحضارتهم، لذلك لا نجد ولا مثالا واحدا على الاضطهاد....ولا نقطة دم واحدة أريقت في هداية الناس إلي البوذية ولا في انتشارها خلال تاريخها الطويل الذي امتد إلي ما يقارب 2500 عام.

هذا لا يمنع ما إذا كانت البوذية دين أم فلسفة....فلا أهمية لنوع البطاقة " فالزهرة التي نسميها وردة تطلق الرائحة الزكية نفسها مهما كان اسمها "...فالحقيقة ليس لها بطاقة، والإنسان كائن وليس تعريف...ومتى كانت الحقيقة احتكار ، بوذية كانت أو مسيحية أو هندوسية أو إسلام ، فالبطاقات التي تلصق على الشيع والأديان ليست إلا عائقا إمام التفهم الحر للحقيقة ، وهي تدخل في عقل الناس إحكاما مسبقة مسيئة .

أيضا في حقل العلاقات الإنسانية ، فعندما نصادف على سبيل المثال فرد لا ننظر إليه كانسان ، فنسارع بأن نضع عليه بطاقة تدل على جنسيته ، ونضفي عليه كل الأحكام المسبقة التي اجتمعت في ذهننا عن هذه البطاقة ، علما بأن هذا الفرد المسكين ربما كان منزها تماما عن كل ما نسبنا إليه وحملناه من أحكام،متجاهلين العقل،معتمدين على الجهل الذي يقودنا إلي العنصرية فالكراهية فالتدمير والقتل.

من هو بوذا ؟ اسمه " سيدهاتا " عاش في شمال الهند في القرن السادس فبل الميلاد ، ابن ملك مملكة ساكيا " نيبال حاليا "و على عادة الأمراء تزوج صغير السن من أميرة جميلة وموهوبة تسمى " ياسودهارا ".
في سن الـــ29 ، يقرر هذا الأمير المحروم من الترف الملكي بإرادته ... وفجأة ،أن يغادر القصر ، بعد ولادة ابنه الوحيد " راهولا " نتيجة مواجهته لحقيقة الحياة والآلام البشرية ، ليصبح ....ناسكا.

هام خلال 6 أعوام، يحاول التشبع من المناهج الدينية التقليدية، فلم تقنعه ولم تشبع حاجته...هذا المتمرد الزاهد ، فتخلى عنها جميعا متابعا مسيرته إلي الأمام ، إلي أن جلس في أحدى الأمسيات تحت شجرة " عرفت بشجرة الحكمة " على شاطئ نهر نيراتجارا " بيهار الحالية " وكان له من العمر 35 سنة ، فأدرك اليقظة ، فعرف باسم " بوذا " " اليقظ "..... الذي لم يكن يعترف بالفروق الطبقية أو الزمر الاجتماعية.

الفوضوية حاربت الدين لضغطه الشبيه بالدولة على الفرد ،ولربما اتفقت مع قول المسيح " أعيدوا ما لقيصر لقيصر، وما إلي الله لله " فهذه العبارة منطلق الفرق بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية، فسرها الفوضويون في المعنى المضاد للدولة.فالمسيح ابعد الدولة ليشدد على القيمة المطلقة المتعلقة بالكائن البشري... والفرد والدولة ، اللذان لا يمتزجان،ويعتبرهما عالمين منفصلين،فالمسيح قد خصص جهوده للدفاع عن الكون الفردي ، مبعدا الدولة في المعنى الجوهري لرسالته،محتقرا للسلطة ، ومشمئزا لها.

هنا استذكر هيغل عندما قال " السماء تحمل إلي الأرض " نظرا لان الفوضوية اعتمدت على التحررية بمبادئها الواسعة الشاملة للمساواة والإخوة في المجتمع الذي يرتهن إلي الاسترقاق الاقتصادي واللا مساواة وصراع الطبقات .

الكثير منا اشمئز من الثورة الفرنسية ، التي كانت احد الانعطافات المهمة في التاريخ للحركة الفوضوية ، نظرا للدماء التي أريقت خلالها ، ناهيك عن طابع العنف الذي غلفها،ولكن إذا ما أغفلنا عامل الأنانية البشرية ، العنوان الرئيسي للانا الإنسانية ، احد مرتكزات الفوضوية ، والتي استغلها الكثير من الأفراد غير الواعيين ،والذين لم يكونوا أصلا من مريدين هذه الحركة ، فدخلوا في لعبة التنافس الحرة التي سحقت كل من ليس مهيأ كفاية للصراع، فأننا نجد أن الثورة الفرنسية شئنا أم لم نشاء ،قد سجلت انتصارا هائلا للتحررية ، معلنة إن الفرد غاية في ذاته ، وان جميع الأطر الاجتماعية والسياسية لم تكن تخدم إلا تفتحه، فهي رفعت شعار الحرية المقدس.
الحقيقة التاريخية والتي ربما تغفل عن بال الكثيرين ، هي أن الفوضويين أول من شعر سلفا بمشكلة العالم المعاصر الأساسية والتي إذا جاز القول فأن الاشتراكيين قد سرقوا منهم هذا السبق ، متبنين فكرة " كيفية جمع الفردية مع حرية الجميع " طالما المساواة الاجتماعية " ضمان حرية الجميع " تصادر الحرية الفردية ، فيما المساواة السياسية لا تنفصل عن الحرية الفردية .

هذه السرقة ... كانت عاملا في التقارب بين الاشتراكية والفوضوية ، رغم الهوة العميقة الفاصلة بينهما،فهما إذا اتفقا في نقد الدولة ، الا انهما اختلفا في إعادة تكوين الحياة الاجتماعية ، فالفوضوي... هذا الإنسان الحالم ، الموهوم بالحرية ... حتى انه قام ضد تجاوزات الحياة الاجتماعية التي منها يعاني، سالكا السبيل الذي اعتقد جازما بأنه الملجأ ضد زيف وخداع الدولة . مني بانهزام وانكسار نتيجة سرقة أحلامه ، فكانت النتيجة أن تقوقع داخل ذاته ووعيه ، رافضا الدولة وهاربا منها، معبرا عن هذا الرفض بتمرد إزاء كل القيم الاجتماعية ، ضاربا بعرض الحائط بكل المفاهيم والقيم والتقاليد والأعراف ،التي تشكل قيد إضافي أمكن كسره مقارنة بقيد الدولة.

نقطة أخيرة ،أراني ملزما بان اذكرها ، حتى ولو كنت دائما أحاول الابتعاد عن الخوض فيها نتيجة القصور الثقافي ، والجمود العقلاني للمجتمع ، آلا وهي... إن الأديان كانت عائق إمام الحرية ، نظرا لهيمنة رجال الدين والقائمين على أمره ، بانفرادهم بالحق الإلهي في تفسيره ووضع النظم فيه حسب ما يتفق مع هواهم وأنانيتهم، وان كنت قد استدركت لهيغل سابقا، فاني ملزما أن استدرك لابوبكر الصديق"أمير المسلمين"، الذي لم يؤمن بالسلطة المطلقة للدولة وهو يقول " إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني ، وإن رأيتموني على باطل فقوموني"....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah