الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوسيولوجيّة الأنماط الحضريّة للمدن الكورديّة في إقليم كوردستان/ العراق

عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

2011 / 12 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعدّ التغير الاجتماعى من السمات التى لازمت البشرية منذ فجر نشأتها حتّى يومنا هذا، لدرجة أصبح التغير معها إحدى السنن المسلم بها، بل اللازمة لبقاء الجنس البشرى، وتفاعل أنماط الحياة على اختلافها لتحقق لدينا باستمرار أنماطاً و قيماً اجتماعيّة جديدة اسس و معايير تطهير قانون موازنة إقليم كوردستان من الفساد، يشعر فى ظلها الأفراد بأن حياتهم متحركة و متجددة .
إن الحضريّة فى المدن الكورديّة قد استلهمت قيمتها ومتغيراتها الإجتماعيّة والحياتيّة من مصادر ذات جذور تاريخيّة متشعبة . فإن هذه الحضريّة و ذلك التحضر هما نتاج نموّ متواصل بطىء يرجع تاريخه إلى ألاف السنين .
ولمّا كانت ظاهرة النمو الحضرى فى المدينة تصاحبها تغيرات فى البناء الإجتماعى ، وتنشأ عنها أنماط مستحدثة، وقيم اجتماعيّة جديدة و خاصّة فى عقدي السبعينيات والثمانينيات . كما يشير علماء الاجتماع إلى أنّ ظاهرة النمو الحضرى ترتبط بها كثير من الظواهر والمشكلات لعلّ من أهمها سيادة العلاقات الإجتماعيّة الثانويّة التى تتصف بالسطحيّة والعموميّة والنفعيّة، وانتشار الضبط الرسمى،و كثرة الحراك الجغرافى والمهنى والطبقى، وزيادة معدل الفرديّة، وطغيان القيم الفرديّة على القيم الجماعيّة، وضعف الاتجاهات والقيم الدينيّة فى نفوس الأفراد والجماعات.
بيد أنّ المدن الكورديّة تعرضت فى منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات إلى ظاهرة تريف المدينة (*). بحكم الهجرة المتزايدة من الريف إلى المدينة عن طريق المهاجرين الريفيين أنفسهم وتمسكهم بها وعدم اكتساب خصائص الحياة الحضريّة، وممّا يزيد الوضع تدهوراً فى ا لمدينة خاصّة فى السنوات الأولى للهجرة حيث يكون المهاجر شديد التمسك بعاداته وتقاليده و قيمه وممعاييره الإجتماعيّة الموروثة التى تقوم أساساً على طغيان الضبط الإجتماعى والعلاقات الشخصيّة والولاءات العائليّة والقبليّة والسلطة الأبويّة المطلقة والتعاون الطوعى التلقائى و غيرها من الخصائص .
ويتوجه المهاجرون الريفيون نحو الأحياء القديمة التى توجد داخل المدينة، لرخص أجورها، حيث تتكدس أسر مهاجرة كثيرة فى شقة سكنيّة واحدة، كى تتقاسم الإيجار فيما بينها، أو تنزل ضيفاً على من تربطهم به صلات الدمّ والقرابة والجوار، ويعمل هؤلاء الريفيون تلقائياً شاؤا أو لم يشاؤا فى ترييف المدينة، وتبعاً لذلك يمكن تشخيص ثلاثة أنماط من الحياة الحضرية داخل المدينة هى :
1 – النمط الحضرى – الريفى :
إنّ هذه الشريحة من سكان المدينة هى جزء من الكم الحضرى، ولكنها ليست جزءاً من الحضريّة. إنها الإضافة الكميّة لسكان المدينة، إلاّ أنّها إضافة لم تتخذ من محتوى ومضمون الحضريّة الحديثة نمطاّ حياتياً وسلوكياً لها . كما أنها تعجز عن تقديم مبادرات لتحديث المجتمع الحضرى وتطوير حياته . ويطلق على هؤلاء (حضريون ريفيون)، وقصد الباحث من هذا التعبير الإشارة إلى ظاهرة المهاجرين الذين يعجزون عن فهم طبيعة الحياة الحضريّة ومتطلبات معيشة المدينة ، ولهذا يرفضون تغيير نظراتهم وعلاقاتهم الإجتماعيّة وعاداتهم وتقاليدهم . وهم يتمسكون بكل ما جاءوا به من الأرياف التى هاجروا منها . ولهذا فهم حضر من الناحية الأسمية، لأنّهم يسكنون المدينة ، إلاّ أنّهم فى واقع الأمر ليسوا إلاّ قرويين لأنّهم لا ينتمون بسلوكهم و أخلاقهم و نظراتهم إلى حياة المدينة .
2 – النمط الحضرى التقليدي:
وينتمى إلى هذا النمط مجموعة من السكان الأصليين للمدينة ، فضلاً عن الوافدين من أصول حضريّة تقليديّة، إن هؤلاء السكان بقوا حضريين تقليديين فى أسلوب حياتهم وأنماط سلوكهم . كما أن تعدد الزوجات والأسرة الممتدّة الكبيرة وكثرة الأطفال هى من المعايير الإجتماعيّة التى لا زالت هى القاعدة الشائعة بين نسبة كيبرة منهم، ويطلق على هؤلاء (حضريون تقليديون) إنه تيار يرفض و يعارض نظام القيم و قواعد السلوك ومبادىء الأخلاق الجديدة فى المدينة .
3 – النمط الحضري الحديث:
يشكل الحضريون المحدثون، نسباً قليلة لا تزيد على ربع سكان المدينة وهى نسبة صغيرة قياساً بما عليه نسبة النمط الحضرى – الريفى أو نسبة النمط الحضرى التقليدى. إن هذه الفئة من المحدثين الحضريين التى تنتميز عقليتهم ونظرتهم العامّة بما يسميه (لويس ورث) بالحضريّة، أى العقلانيّة لتلقى الجديد والنظرة العملية. وتكون العلاقات بين أفراد هذا النمط موضوعيّة، ولهذا فهم أصحاب دور مباشرة فى عملية التحديث الحضرى .
أمّا الفئة التى تنتمى إلى النمط الحضرى الحديث فتتشكل من المثقفين والمهندسين والأطباء وأساتذة الجامعات والمحامين والصيادلة والخبراء العاملين فى المؤسسات والبنوك، وهم من حملة الشهادات الجامعية . إنها جماعة فعالة فى عملية التحضر والحضرية . بيد أن هذه الاختلافات وصراعات القيم بين أفراد هذه الأنماط الثلاثة فى المدينة جعل المجتمع الحضرى مصدراً للتفكك الذاتى والانحلال الاجتماعى .


(*) يقصد بترييف المدينة:
( الانطباعات والانعكاسات الإجتماعية لمدى انتقال الأفكار وأنماط السلوك الريفية،وانتشارها في المدينة،و كيفية ممارستها،جنباً إلى جنب مع أنماط السلوك والأفكار الحضريّة، ومع ما تحدثه هذه الممارسة من آثار فى الإنسان والوظائف الإجتماعية ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما مبرّرات تكوين ائتلاف لمناهضة التعذيب؟


.. ليبيا: ما سبب إجلاء 119 طالب لجوء إلى إيطاليا؟ • فرانس 24




.. بريطانيا: ما حقيقة احتمال ترحيل مهاجرين جزائريين إلى رواندا؟


.. تونس: ما سبب توقيف شريفة الرياحي رئيسة جمعية -تونس أرض اللجو




.. هل استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي لفض اعتصامات الطلاب الداعمة