الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيّ ديمقراطيّة يريدها لنا الإسلاميّون الدّيمقراطيّون؟

رجاء بن سلامة

2004 / 12 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يطرح الخبير الفرنسيّ بالحركات الإسلاميّة أوليفيي روا فرضيّة فشل حركات الإسلام السّياسيّ، ويعتبر تفجيرات 11 سبتمبر وما افترضته من عولمة للمطالبة الإسلاميّة دليلا على هذا الفشل : إنّ هذه التّفجيرات صرخة يأس عدميّ أكثر منها مقاومة، وإنّها علامة على استحالة بناء الدّولة الإسلاميّة على أرض من أراضي الواقع، ورغبة في بناء يوطوبيا الأمّة الإسلاميّة خارج الحدود الأرضيّة، فيما بين السّماء والأرض. يمكن أن نقبل بهذه الفرضيّة، لا سيّما أنّ ضيق أفق ونفس الإسلام الإرهابيّ وخلوّه من المشروع السّياسيّ والمجتمعيّ من الأفكار التي تتردّد لدى مفكّرين كبار وفلاسفة منهم جاك درّيدا. ولكنّ هذا الفشل، فشل فكرة إقامة الدّولة الإسلاميّة، لا يعني زوال حركات الإسلام السّياسيّ على اختلافها، بل يعني أيضا قبولها أو قبول بعضها التّأقلم مع الواقع الجديد، واقع الحملة العالميّة على الإرهاب، وواقع التّطلّعات الدّيمقراطيّة، وواقع انفتاح فجوة التّشريع العالميّ والمواطنة الكوسموبوليتيّة. فالمتأمّل في الخطابات التي تنتجها هذه الحركات لا يسعه إلاّ أن ينتبه إلى عمليّة المراجعة التي فرضتها الظّروف الجديدة على الكثير منها، ممّا جعلها تتخلّى عن الكثير من العناصر الطّوباويّة التي كانت ركيزة التّنظير السّياسيّ لدى أوائل المنظّرين، وأساسها الحلم بالخلافة، ومفهوم حاكميّة اللّه، وإجبار النّساء على القيام بالأدوار الإنجابيّة التّقليديّة، وممّا جعل بعضها يتبنّى مفاهيم الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان.
والأسئلة التي نودّ طرحها، والتي يفرضها علينا الالتزام بمرجعيّة حقوق الإنسان باعتبارها أساسا للدّيمقراطيّة، كما يفرضها علينا عدم تجاهلنا لأهمّيّة الفاعلين الدّينيّين في مشاهدنا السّياسيّة الجنينيّة، هي التّالية : كيف نتعامل مع هذا الخطاب الجديد الذي يريد التّوفيق بين الإسلام والدّيمقراطيّة، أو بالأحرى يريد ديمقراطيّة إسلاميّة، ولا يعتمد معياريّة دينيّة ذاتيّة بل يستند إلى معياريّة حقوق الإنسان؟ إن كان من المؤكّد أنّ المسلم يمكن أن يعيش في كنف الدّيمقراطيّة وأن يظلّ مؤمنا وممارسا لشعائره الدّينيّة، فهل يمكن أن تكون الدّيمقراطيّة إسلاميّة؟ وكيف نقبل بمشاركة هؤلاء الفاعلين الدّينيّن في اللّعبة الدّيمقراطيّة إذا أبدوا قبولا للدّخول في اللّعبة الدّيمقراطيّة، أي قبولا لعدم احتكار التّعبير السّياسيّ، دون أن يبدوا قبولا للمقوّمات الأخرى للدّيمقراطيّة، لا سيّما في ما يتعلّق بالمساواة بين الرّجال والنّساء، وبين المسلمين وغير المسلمين، لا سيّما أنّ اللاّمساواة، كأمور كثيرة رهيبة أخرى تقع اليوم، تتمّ باسم الإسلام وتحت رايته؟ هل يمكن أن ننتقي من المبادئ الدّيمقراطيّة ما نريد ونترك ما لا نريد؟ هل يمكن أن نعتبر السّيّد القرضاويّ والسيّد الغنّوشيّ وغيرهما من الإسلاميّيّن الذين يعتبروا "معتدلين" من المدافعين حقّا عن الدّيمقراطيّة في العالم العربيّ، وأيّ نمط من الدّيمقراطيّة يمكنهم أن يدافعوا عنه، إذا كانت منطلقاتهما ومقرّراتهما الكبرى تقع في دائرة الإسلام السّياسيّ ولا تخرج عنه؟
هل يكفي قول القرضاويّ بأنّ الدّيمقراطيّة هي "بمثابة النّظام السّياسيّ الحقيقيّ في الإسلام"، بما يتضمّنه هذا القول من مغالطة وخلط تاريخيّ لا يتّسع هذا المجال لشرحه، وهل يكفي اعتراف السّيّد راشد الغنّوسيّ بجدوى حقوق الإنسان ومنظومته لكي نطمئنّ إلى الدّيمقراطيّة الإسلاميّة التي يعدان بها؟ صحيح أنّ خطاب السّيّد الغنّوشيّ خاصّة، في نصوصه وحواراته الأخيرة مختلف عن الخطابات الإسلاميّة الأخرى، فهو يحيل إلى منظومة حقوق الإنسان ويدعو إلى أخذها بعين الاعتبار، ويتحدّث عن إمكان دولة إسلاميّة تحفظ الحقوق والحرّيّات وتحترم الأقلّيّات، ولكنّه لا يحدّد لنا بوضوح الحلول الدّقيقة التي يرتئيها للتوّفيق بين الدّيمقراطيّة والإسلام، وللتّوفيق خاصّة بين مقرّرات الإسلام السّياسيّ والدّيمقراطيّة، وما نلاحظه هو تجنّبه الإجابة عندما تطرح عليه أسئلة دقيقة ومحرجة تتعلّق بالمساواة بين المرأة والرّجل مثلا. فهل سيصل الاعتدال بالغنّوشيّ، وتحديدا، هل سيصل تعلّقه بالدّيمقراطيّة إلى حدّ يجعله يتخلّى من شعار "الإسلام دين ودولة"، وهو الشّعار الذي أطلقه حسن البنّا وظلّ ركيزة من ركائز الإسلام السّياسيّ؟ ولكن هل يعقل في الوقت نفسه أن يتخلّى عن هذا الشّعار، ويصبح علمانيّا، ويعدل عن العمل السّياسيّ تحت لافتة الإسلام؟ من هنا نفهم مآزق التّوفيق بين الإسلام السّياسيّ والدّيمقراطيّة، ومن هنا يبدأ التّساؤل عن ملامح وحدود الدّيمقراطيّة التي يستطيع هذا الإسلام بلورتها على نحو محتمل، أي على نحو لا يلغيه كإسلام سياسيّ : إنّها ستكون ديمقراطيّة من نوع خاصّ، ديمقراطيّة مبتورة، تتلخّص أساسا في مبدإ التّداول على الحكم واعتماد الانتخاب. وواضح أنّ الدّيمقراطيّة أبعد من أن تختزل في الانتخاب والتّداول السّلميّ على الحكم وإن شملت هذين المقوّمين ضرورة.
فإذا كانت الدّيمقراطيّة أوّلا وقبل كلّ شيء هي سيادة الشّعب من أجل الشّعب، وسيادته باعتباره مكوّنا من مجموعة المواطنين، فكيف يكون ديمقراطيّا من ينظّر لدولة إسلاميّة تكون "دولة محكومة بسلطة التشريع الأعلى الصادر عن الله والقرآن والسنة" كما يقول السيّد غنّوشيّ؟ إنّ هذه السّيادة لن تكون مستمدّة من العقل، ولن تكون بالتّالي نهائيّة ولا نسبيّة، وعندها فما العمل : هل نخضع الواقع المستجدّ إلى التّشريع الأعلى، أم ننزل التّشريع الأعلى إلى الواقع؟ هل سيشرّع الأموات لهذه الدّولة؟ أم سيشرّع لها الشّيوخ والملالي الذين سينتصبون تراجمة للّه والقرآن والسّنّة، ناطقين وحيدين ورسميّين باسمه؟
وإذا كان مبدأ "لا اجتهاد في ما فيه نصّ" ركيزة أخرى من ركائز الإسلام السّياسيّ، فما العمل من منظومة الأحكام التي تسمّى "الشّريعة"، والتي يعتبرها الإسلاميّون صالحة لكلّ زمان ومكان؟ وتبعا لذلك، تبعا لإبقاء الإسلاميّين المعتدلين لمبدإ "لا اجتهاد في ما فيه نصّ"، ما الحلول المرتضاة للتّوفيق بين النّصوص المقدّسة ومبادئ حقوق الإنسان، خاصّة وأنّ كلّنا نعلم، و"المعتدلون" يعلمون ولا شكّ أنّ الحلول الخطابيّة من نوع "لا تناقض بين الإسلام وحقوق الإنسان" ومن نوع "الإسلام دين التّسامح" و"الإسلام كرّم المرأة" لا تجدي نفعا؟
فإذا كانت الدّيمقراطيّة تنبني على المواطنة، وإذا كانت المواطنة انتماء للدّولة لا لدين من الأديان، ومساهمة في الحياة السّياسيّة داخل الدّولة، فما حكم المواطنين غير المسلمين في "الدّولة الإسلاميّة"، هل سيكونون "أهل ذمّة" ومواطنين من الدّرجة الثّانية، أم سيطالبون باعتناق الإسلام للتّأقلم مع الدّولة الإسلاميّة؟ وما حكم الذين اختاروا أن يكونوا بلا دين يعتنقونه، أي الذين يسمّون "ملاحدة"، والذين ننساهم عادة عندما نطرح قضايا الأقلّيّات؟ هل سنطبّق عليهم حكم الرّدّة؟ وعلى أيّ نحو يكون السّيّد الغنّوشيّ ديمقراطيّا، وهو الذي يذهب في كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" إلى أنّ مهمة الدولة الديمقراطية الإسلامية هي التطهير ومواجهة التحدي الغربي؟ وإذا كانت الدّيمقراطيّة تقتضي التّعدّديّة، فهل ستكون التّعدّديّة في ظلّ الدّولة الإسلاميّة، مقيّدة بالشّريعة باعتبارها" الدّستور الأسمى"، بحيث لا يسمح بتكوين الأحزاب العلمانيّة والشّيوعيّة، كما في تنظير مرشد الإخوان المسلمين الحاليّ؟ فكيف ستكون هذه التّعدّديّة تعدّديّة إذا كانت تقع تحت راية واحدة؟
وإذا كانت الدّيمقراطيّة تقتضي المساواة التّامّة بين جميع المواطنين، بقطع النّظر عن اعتبارات من بينها الجنس، وتعني على وجه الدّقّة المساواة التّامّة أمام القانون وفي القانون، فما حكم النّساء في ظلّ ديمقراطيّة إسلاميّة تطبّق شريعة تعتبر الرّجال قوّامين على النّساء، أي رؤساء عليهنّ، وتعتبر الذّكورة شرطا للولايات الخاصّة والعامّة، وتوجب طاعة الزّوج على الزّوجة، وتبيح له تأديبها وضربها، وتعتبر الطّلاق أمرا بيد الرّجل، وتعتبر المرأة مساوية لنصف رجل في الإرث والشّهادة؟ أليس الإخوان المسلمون، والقرضاويّ معهم يجمعون على أنّ المرأة لا يحقّ لها تولّي "الولايات العامّة"، ويستنتجون من ذلك أنّ المرأة لا يجوز لها أن تتولّى الإفتاء وأن تتولّى منصب رئاسة الجمهوريّة؟
وإذا كانت الدّيمقراطيّة تعني الحرّيّة، وتعني وجود مجال خاصّ لا تتدخّل فيه الدّولة، فكيف ستكون هذه الدّيمقراطيّة الإسلاميّة، إذا كان "من ثوابت" الشّريعة أنّها تقيّد حقّ اختيار القرين على أساس الدّين، وإذا كان السّيّد القرضاويّ وغيره من المعتدلين يفتي بمنع زواج المسلم بملحدة والعكس، ومنع زواج المسلمة من كتابيّ، ومنع زواج المسلم والمسلمة من بهائيّة أو بهائيّ؟ أليست حرّيّة اختيار القرين بقطع النّظر عن الدّين والمعتقد من حقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق الدّوليّة؟
 وإذا كانت الدّيمقراطيّة تعني وجود هذا المجال الخاصّ الذي لا تتدخّل فيه الدّولة، فهل سنواصل إقامة حدّ الزّنا" على الرّجل الرّاشد الذي يختار إقامة علاقة عشق أو صداقة مع امرأة راشدة، أو المرأة الرّاشد التي تختار إقامة علاقة من نفس القبيل مع رجل راشد، خارج إطار الزّواج أو خارج إكراهات المؤسّسات الاجتماعيّة العتيقة؟ لقد قبلت الدّولة التّركيّة التّخلّي عن تجريم ما يسمّى بالزّنا، فهل يعني هذا أنّ تركيا أصبحت خالية من المسلمين؟ أم يعني هذا أنّ المسلم التّركيّ يمكنه قبول القانون الجديد، ويمكنه في الوقت نفسه، إذا شاء، أن يحترم تحريم الزّنا باعتباره اختيارا أخلاقيّا فرديّا لا باعتباره قانونا مفروضا على الجميع؟
إذا كان السّيّد القرضاويّ معتدلا، فكيف يقول اليوم، بضرورة تطبيق عقوبة القتل على المرتدّ أو من يعتبر مرتدّا؟ أليس هو القائل في موقع إسلامونلاين : "ومن أحكام الدّنيا أنّ المرتدّ لا يستحقّ معونة المجتمع الإسلاميّ ونصرته بوجه من الوجوه، ولا يجوز أن تقوم حياة زوجيّة بين مسلم ومرتدّة، أو بين مرتدّ ومسلمة، لا ابتداء ولا بقاء، فمن تزوّج مرتدّة فنكاحه باطل، وإذا ارتدّت بعد الزّواج فرّق بينهما حتما، وهذا حكم متّفق عليه بين الفقهاء، سواء من قال منهم بقتل المرتدّ رجلا كان أو امرأة وهم الجمهور، أم من جعل عقوبة المرأة المرتدّة الحبس لا القتل، وهم الحنفيّة"؟
هل يكفي قوله بضرورة التّحرّي قبل إثبات عقوبة المرتدّ، للحكم عليه بأنّه معتدل، وبأنّه من أنصار الدّيمقراطيّة والحال أنّ حكم الردّة يتنافى مع أبسط الحرّيّات الأساسيّة التي يكفلها الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، أقصد حريّة المعتقد وحرّيّة الرّأي والتّعبير؟
هل الدّيمقراطيّة تعني تعويض استبداد باستبداد؟ بل هل تعني تعويض استبداد باستبداد أعظم، هو استبداد الشّريعة التي لا تترك صغيرة وكبيرة في حياة الإنسان الخاصّة والعامّة إلاّ وفيها حكم حلال وحرام ومندوب ومكروه؟
لا يمكن أن نعتبر هؤلاء المفتين والنّاشطين والمفكّرين الإسلاميّين ديمقراطيّين إلاّ إذا فكّرنا في ديمقراطيّة من نوع خاصّ، ما دام العرب يحبّون الخصوصيّة ويسمّون امتهان أنفسهم "هويّة" ثابتة، ويسمّون العنف والتّمييز "ثوابت ومقدّسات" : إنّها ديمقراطيّة بلا مساواة كالدّيمقراطيّة اليونانيّة القديمة، أو هي ديمقراطيّة بلا علمانيّة كالتي ينظّر لها اللاّهوتيّ، لا الفيلسوف، محمّد عابد الجابريّ على أعمدة صحيفة السّياسة الكويتيّة، معتبرا العلمانيّة "شعارا"، ومشكلا مصطنعا خلقه المفكّرون المسيحيّون.
 إنّها ستكون ديمقراطيّة بلا ديمقراطيّة، أي ستكون شيئا فظيعا أشوه كـ"الإعلان الإسلاميّ لحقوق الإنسان"، كالمنظومات القانونيّة العربيّة، كالإصلاح الخالي من الإصلاح، والذي تريده بعض الأنظمة العربيّة اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 110-Al-Baqarah


.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل




.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر