الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب يريد حُكم الله

مراد حسني

2011 / 12 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في العصور القديمة كانت نظريات الحُكم ثيوقراطية، بمعنى أن الحُكم القائم في دولة ما هو حُكم إلهي.
وإنقسم حال هذا الحُكم إلى نوعين:
النوع الأول: أن الإله يحكم الشعب بشكل مباشر، و بلا أي وسيط. و في بعض الأحوال كان الحاكم يخلع على نفسه صفة الإلوهية.
النوع الثاني: الإله يحكم عن طريق إرشاد شخص ما ينوب عنه مهمة مخاطبة الشعب.
ثم تطورت نظرية الحُكم و أصبحت ديمقراطية بعد بيان فساد الثيوقراطية و صعوبة تنفيذها على أرض الواقع. و الديمقراطية تنص على أن الشعب هو مصدر السلطات. أن الشعب يحكم نفسه بنفسه.
فيكون الحاكم من الشعب، و بإختيار الشعب. و عليه فإن الشعب هو مصدر السلطات الأخرى، القضائية و التشريعية و غيرها.
و هذه الجُملة (الشعب مصدر السلطات) تنص عليها مُعظم الدساتير (إن لم تكن بديهية).
لقد فاجئني شخص يحمل صورة بها: المصريون يريدون أن يحكمهم الله.
سأتكلم بشكل حُر قليلا عن لامنطقية هذه المقولة.
لكي يتم تطبيق تلك الجُملة، فالدستور المصري لابد أن يحتوي على مادة تقول: مصر دولة ثيوقراطية (وليست ديمقراطية). وهو ما لن يحدث تحت أي ظرف من الظروف.
أما لو قيل أن (المصريون يريدون) هو تعبير عن الديمقراطية، فأقول: إن الديمقراطية عندما تنص على أن حُكم الشعب من الشعب، تُظهر لنا إشكالية، وهي:
أن الحاكم يجب أن يكون من جنس المحكوم، فلو كنا كلاباً، يحكمنا كلبٌ. و لو كنا بشراً يحكمنا بشرٌ مثلنا. و لكي يحكمنا الله فهنا يكون عندنا إحتمالين:
الأول: أن الله بشر مثلنا لكي نُطالب بحكمه.
الثاني: أن البشر (المصريين تحديدا) آلهة لكي يحكمهم إله.
وهما أمران لا يعقلهما عقلٌ.
...
الشق الآخر من لا منطقية الكلام:
لقد شرحنا أنواع الثيوقراطية، فأي منهما يتمنى صاحبُ اللافتة؟
سأتجاوز كل ما قيل عن تعريف الجنون من حيث هو تكرار نفس الفعل و توقع نتائج مُختلفة، و أن تلك التجربة سبق و جُرِّبَتْ و أثبتت فشلها بملا يدع مجالاً للمحاولة.
سأتجاوز كل شيء لأسأل صاحب اللافتة: هل تتوقع أن يحكمك الله بشكل مُباشر؟ و أعتقد أن إجابتك ستكون بالنفي.
لم يبق سوى الإجابة التي تُفضّل الثيوقراطية غير المباشرة.
من في وجهة نظرك سيحكم الشعب بإرشاد من الله؟ و كيف؟
بخصوص مَن، فالإجابة تنحصر بين الإخوان و السلفيين في مصر.
أيهما يُمثل الدين حقّاً و يعمل بإرشاد من الله؟ وما المقاييس و المعايير التي يجب توافرها في جماعة ما أو شخص ما لنخلع عليه صفة المُرشَد من قِبَل الله؟
هل المسألة يتم حسمها بالتقوى؟ بإلتزام أداء الفروض؟ بعمل الخير؟
ضع ما تريد من مقاييس، و بعد أن تكتبها في ورقة ما، إسأل نفسك: هل أصبحت مُشركاً بالله لإنك تُحاسب الأفراد و الجماعات معه؟
وهل مقياسك الذي وضعت عليه تلك الجماعات و الأفراد هو مقياس ذاتي؟ أم موضوعي؟
لو كان ذاتيّاً، فهو فاسد. و لو كان موضوعيّاً، فأنت مُطالب بتوصيفه و توضيحه.

أما بخصوص ال"كيف" فأقصد بها مرجعية الجماعة (المتفق عليها) في الحُكم. أنت تعلم أن الله لن يخاطب تلك الجماعات بشكل مُباشر، لذا فإن إعتمادهم الاول و الأخير سيكون على النصوص المكتوبة مُسبقاً منذ مئات السنوات.
السؤال لك الآن: أي الكتب سنحتكم إليها؟ مع ذكرها بالاسم، و ذكر الصحيح منها و الضعيف.
و كيف يكون التصرُّف في المسائل التي لم ترد في تلك الكُتب؟ هل سنلغي وجود تلك المسألة من الواقع؟ أم سنختلق له حلاً من خارج الكتب المُحتَكَم إليها؟
لو قلت بإلغاء أمر ما من الواقع، فأنظر للمرآه و تيقن إنك مُختل عقليّاً، و نفسيّاً.
و لو إختلقت حلاً من خارج الكُتب، فأنت تحيد عن القانون الذي وضعته بنفسك، و أصبحت الشرائع الإلهية مُختلطة بالشرائع البشرية، و أصبحت قضيتك برمتها خاوية من المعنى و الهدف.
اللهم إلا إن كانت مجرد عصبية و فرحة إنتصار مُزيف، و هروب من المستقبل و الحاضر (نتيجة للفشل) و الإختفاء في ثنيات الماضي.

أن تكون حالماً هو شيء عظيم، و لكن أن تنفصل عن الواقع، فأنت تُعاني من خلل عقلي.
ألا يوجد منكم مَن نجح في الحفاظ على قدراته العقلية أمام منظومة التعليم المصرية الجبارة؟

إقرأ الجُزء الأول من هذه المجموعة بعنوان: تعالوا إلى كلمة سواء.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=274132








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جنون العظمة
Amir_Baky ( 2011 / 12 / 11 - 15:06 )
من يدعى أنه يفهم مقاصد الله و هو الوحيد الذى وصل للحقيقة المطلقة و يكفر من له وجهة نظر مختلفة فى تفسير مقاصد الله يكون إنسان مريض نفسى و يحتاج لمصحة نفسية للعلاج فورا.


2 - السلفيين والإخوان يريدون تسخير إسم الله
Elias Ashor ( 2011 / 12 / 11 - 22:00 )
أستاذ مراد
أعتقد أن السلفيين والإخوان يريدون تسخير إسم الله لمصالحهم الشخصية
ولم يسألوا أنفسهم ماذا عن الملحدين. وماذا عن الأقباط الذين تختلف تعاليم إلههم عن تعاليم إله الإسلام. أية ديمقراطية يمكن أن تُفرض بإسم الله الذي يضطهد من لا يؤمن بتعاليمه. وهل ستضطهدون من لا يؤمن بإلهكم والمرآة بإسم ، أي غباء ديمقراطي هذا


3 - فعلاً
مراد حسني ( 2011 / 12 / 12 - 14:24 )
ما لا يفهمونه أن المُشكلة لا علاقة لها بالله، لكن بأولئك الذين ينصبون أنفسهم مكانه.


4 - فاليكن حكم الله
عبد الله اغونان ( 2011 / 12 / 12 - 17:37 )
اذا كان الشعب قد قرر واختار حكم الله فاليكن حكم الله اذا.افحكم الجاهلية تبغون

اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها