الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركسيٌّ بل مسلم والحمد لله

نعيم إيليا

2011 / 12 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بين المفكِّر والسياسيّ وهدةٌ. وهذه الوهدة – وإن قامت فوقها جسور ومعابر تصل ما بين الطرفين – هي التي ترسم حدود الافتراق بينهما: قد يزاول المفكر السياسة، وقد يزاول السياسي الفكر، ومع ذلك يبقى المفكر مفكراً ما دام لم ينصهر بكليته في السياسة - وخير له ألا ينصهر - ويبقى السياسي سياسياً ما دام لم ينصهر بكليته في الفكر.
ولكنْ، ما هي هذه الوهدة؟ وما هي حدود الافتراق التي ترسمها بين المفكر والسياسي؟
سؤالان، غير أنّ الجواب عنهما سهل لا مشقة فيه: فالوهدة هي الموضوع والمنهج. أما الحدود: فهي مجموعة الخصائص النفسية والخلقية التي تميز المفكر من السياسيّ.
فإذا شئنا أن نتوسع قليلاً في شرح الوهدة بما هي موضوع ومنهج، قلنا: إنّ موضوع الفكر هو الفكر ذاته، وموضوع السياسة هو المصالح الاجتماعية والفردية. وإنَّ منهج الفكر، المنطقُ والعلم، ومنهجَ السياسة هو ما لا شأن له بالمنطق والعلم.
وإذا شئنا أن نتوسع في شرح الخصائص النفسية والخلقية عند الفريقين، ذكرنا التجرّدَ من الأهواء، وعشق الحقيقة، والصدق والصراحة، والشجاعة عند المفكر. وذكرنا المراوغة، والمخاتلة، والجبن، والانتهازية، والنفعية، وشهوة السلطان عند السياسيّ.
هذه توطئة إيمائية لا بد منها لفهم حركة النشاط العقلي لعدد من كتاب الحوار المتمدن عرفوا باهتمامهم بشؤون الفكر، بيد أنهم سرعان ما يرتدون – إن صح التعبير – عن منهج الفكر إلى منهج السياسة، إذا عرضت لهم قضية النقد الديني، التي هي واحدة من أبرز القضايا في المجتمعات الإسلامية المنغلقة، وأشدها حساسية.
ولأنّ عدد هؤلاء كثير، نتبلَّغ بشامل بن عبد العزيز، ووليد مهدي – مع حفظ الألقاب – ممثلين أو نائبين عن هذا العدد الوفير:
1- شامل عبد العزيز: فؤاد ذكي متبصِّر، وعقل منفتح على آفاقه، يأخذ بأطراف الفكر أخذ المجتهد المجرِّب، بيد أنه خذل في الآونة الأخيرة عن المنهج الفكري، لينتصر للمنهج السياسيّ في كتاباته؛ فجعل ينشر سخطاً على أساليب النقد الديني المتبعة من فئة من النقاد يرى أنهم غالوا في نقدهم للدين وأسرفوا، وخرجوا فيه عن القصد والاعتدال، فأساؤوا وأفسدوا حيث أرادوا أن يفيدوا وينفعوا. ولم يكتف بذلك بل راح يملي عليهم شروط النقد السليم كما هي في ملّته، ويعظهم باتباع طائفة من النقاد في أساليبهم التي يؤمن لها – لها فقط - بالصحة وحسن التبليغ، ذكر منهم: سامي لبيب، ونادر قريط، وسيمون خوري، وريمون نجيب، ومحمد البدري .
وقد أظهر هذا السخط في سلسلة من المقالات ولا سيما في مقالتيه الملتهبتين اللتين طغى عليهما الانفعال، واللتين بدا فيهما مضطرباً أشد الاضطراب، واللتين خاطب بهما كامل النجار – وإن لم يذكر اسمه صراحة – كامل النجار الذي يمثل إحدى أهم مدارس النقد الديني، ويكاد يلعب في الثقافة الإسلامية الدور الذي لعبه فويرباخ في الثقافة المسيحية: (هل إله القرآن فقط تاه في الجبال) و(كيف يكون النقد؟ هل هناك سبب واحد للتخلف؟) حتى ليخاله القارئ فيهما مسلماً تقياً أو ملحداً ارتد إلى الإيمان، وهو في كلتيهما لا يقدم للقارئ أجوبة مقنعة: فإنّ توه آلهة أخرى، ليس يوجب الكفُّ عن نقد إله القرآن، ووجود أسباب أخرى للتخلف لا يحول دون البحث عن جذور التخلف في الدين.
2- وليد مهدي: غزير الثقافة، حليم، يروز عقله الأشياء بنشاط وحكمة، ويصدر في أحكامه عن روية، وله لفظ مهذب يفصح عن نشأته الراقية. إلا أن موقفه من نقد الدين ومن أعلامه (وفاء سلطان، وكامل النجار)، سيزلق قدمه من حافة المنهج الفكري إلى قاع المنهج السياسي، فيتوخى فيه الحذر والاحتياط والمداهنة متجنباً غضب العوام، طامعاً في استمالتهم برفق وموادعة.
وعسى أن أجد متسعاً لدرس أفكاره بتفصيل، ولا سيما تلك التي نثرها في مقالته (البحث عن ملكوت الله) بجزئيها، إذ ظهر لي فيها غير قليل من الضعف والالتواء والغموض والتناقض، ومن ذلك – على سبيل المثال –: استعماله مفردة (الخليقة) في الدلالة على الوجود أو الكون، وهي مفردة دينية يحتقرها الماركسيون، وقوله في ابتدائها:
"الإلحاد لا يعدو أن يكون مجرد " نظرية " كذلك الإيمان بوجود إلهٍ واحدٍ أو عدة آلهة، هو الآخر مجرد " نظرية ". وليس من الحكمة او العقلانية الانحياز إلى واحدة من هذه النظريات أبداً".
وهو ابتداء خانه التوفيق؛ فإنّه لمن الشطط أو التجني أن يقال: إن الإلحاد لا حكمة فيه ولا تعقل، وأن يقال: إن الإيمان مثله لا حكمة فيه. وإنه لمن الجور تسفيهُ الانحياز إليهما، وإنه، فضلاً عن ذلك، لرأي غريب كل الغرابة: فإذا لم يكن من الحكمة أن ينحاز المرء إلى الإلحاد، ولا من الحكمة أن ينحاز إلى الإيمان، فأين تكون الحكمة إذن؟!
وفي قوله: ((رجال الدين دائما يحتجون بعالم بعد الموت , فلنقدم للناس عالماً آخر بعد الموت تبنيه العقلانية .. ولا يمكن ان تحيط به اية رسالة سماوية ..!!)) غموض بل تناقض تلبَّسه، أكبر الظن، من سوء تصرفه باللغة - لغته تشبه لغة المترجمين فيها كثير من الهلهلة – إذ كيف يمكن أن تبني العقلانية عالماً آخر بعد الموت؟! ولماذا يتوجب عليها أن تبنيه؟
وهل سيكون العالم الذي تبنيه خيراً من العالم الذي يحاول أن يبنيه كامل النجار وتلاميذه؟
باختصار: إن نقد الدين مسألة فكرية، والفكر حرّ منطلق لا حدود له ولا اتجاه. فإذا أرغم على أن يسلك في اتجاه واحد، أو أرغم أن يتوقى المحاذير، استُعبد وأحيل إلى مكر السياسة.
ولا خير في فكر مستعبد مسيَّس ماكر، ولا خير في فكر جُرِّد من فاعليته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهازيج وهوسات عراقية
شاكر شكور ( 2011 / 12 / 13 - 19:14 )
اخي الفاضل ايليا احسنت في التشخيص والتحليل ، فالأستاذ شامل همُّه الوحيد ان يذكر اكبر عدد من اسماء كُتاّب هذا الموقع لكي يجمع الأصوات ويسجل حضورهم على مقالاته وكثيرا ما يعمل هوسه عراقية في مقالاته على غرار الأهزوجه (ها خوتي ها ...اللي ما يمشي ويّانّه نكطع راسه وخصيانه) ، اما الأستاذ وليد مهدي فلا يرضى ان تقول ان محمد كان يمسح بثلاثة حجرات الا ان تقول ايضا ان المسيح كان يستعمل نفس الطريقة الحضاريه في المسح ، وهناك الأستاذ فؤاد النمري على القائمة ايضا فهذا الشخص عدوه اللدود والوحيد في هذه الدنيا هو الشهيد بولس الرسول ، من يدري ربما سيأتي يوم ويحبه لكثرة ما يحلم به ، تحياتي واحترامي لجميع الأساتذة الكتاب الذين ذكرتهم وللأستاذ ايليا نعيم خاصة


2 - إلى الأستاذ شاكر
نعيم إيليا ( 2011 / 12 / 13 - 20:24 )
شكراً لك يا أخي العزيز
بالنسبة للأستاذ شامل، فأنا معجب بطريقته في عرض أفكاره وتناول موضوعاته، فأن يذكر أسماء الكتاب دليل على حيوية ذهنه واهتمامه بأفكار الآخرين. كل إنسان هو فكرة وكلما كثرت الأفكار كثرت الفوائد. هذا تفسيري وهو يختلف عن تفسيرك ولا ضير.
بالنسبة للأستاذ مهدي فلا يلام على موقفه. أنا أيضاً متعلق بتراثي الديني، وأكره أن يشتم أحدهم المسيح
أما الأستاذ فؤاد النمري، فأنا له بالمرصاد في مسألة القديس بولس
تحياتي لك وشكراً ثانية


3 - بين الدين والسياسة
محمد البدري ( 2011 / 12 / 13 - 23:41 )
الفاضل المحترم استاذ ايليا، ان ينزلق كاتب الي السياسة اثناء نقده للدين ليس لان افقه قد عاني الانسداد او انه عجز عن اكمال المشوار، فالدين نفسه قد انزلق الي السياسة بان جعل من اتباعه حكاما وقضاه. فلو ان الاخلاق نابعة من الدين لما احتاج الدين الي التحول الي السياسة وحكم البشر. ان عجز الدين عن فرز اخلاق تسمح للبشر ان يتجانسوا طبقا لدوافعهم واحتياجاتهم وامكاناتهم دون قمع او استبداد لما اضطر تابعوه ليحولوه الي حكم وسيطرة. وللحقيقة فان نقد الدين ليس هدفا في حد ذاته لان نقده كمن يحاول تفريغ الفراغ من فراغه، انما لان نقده الذي ربما يقوضه بكليته الهدف منه ابعاده عن السياسة فكفانا تسيسا بالدين لان الانجازت الانسانية تحت رعاية الايمان وفي ظل الاديان لا ترقي الي الانجازات في ضوء النسيان المؤقت للاديان. فما بالنا لو وضعناها جانبا في قبر وقرانا عليها الفاتحة؟ تحياتي.


4 - قضية النقد الديني
نعيم إيليا ( 2011 / 12 / 14 - 11:02 )
ألف شكر لك عزيزي أستاذ محمد البدري الرائع، على هذه الأفكار الجميلة التي زودتني بها في
هذا الصباح
ليس من اعتراض على انزلاق كاتب ما إلى السياسة، ولكن الاعتراض هو على تطبيق مناهج السياسة على نقد الدين. نقد الدين نشاط فكري له منهجه الخاص ولا يجوز أن تسيطر عليه
عليه مناهج السياسة وتديره وفق اعتباراتها
طيب يا أستاذي العزيز، هل يجوز أن نطبق مناهج السياسة على نقد الأدب؟
إذاً، يجب أن نقمع كل قيمة أدبية فيه لا تنسجم مع أذواق الجمهور
الشيوعية قمعت الأدب فرضت نفسها عليه كبلته بقيودها، فماذا كانت النتيجة؟
ثم بأي حق نفرض وصايتنا على نقاد الدين؟ هل يصح أن نفرض على الشاعر خلدون جاويد مثلاً أن يتبع أدونيس لأن أسلوب أدونيس في رأينا أجمل؟


5 - المهم المنهج وليس الشخصنة
وليد يوسف عطو ( 2011 / 12 / 14 - 12:40 )
الاستاذ الفاضل نعيم ايليا الجزيل الاحترام.. اعتقد ان المهم تسليط الضوء على المنهج المستخدم في نقد الفكر الديني وليس شخصنة الموضوع . اعتقد ان الاسماء التي طرحتها هي اسماء كبيرة في الحوار المتمدن سواء التفقنا معهم او اختلفنا ولكن المهم عدم شخصنة الموضوع . بالنسبة للاستاذ وليد مهدي اعتقد انك ظلمته . فليس مطلوب من العلماني تحديد مصطلحات بعيدة عن الفكر الديني او تطلب منه الالحاد . هو يدخل في البحث في باب من الصعوبة على الكاتب العادي الكتابة فيه وهو كاتب ومفكر كبير وموهوب . الاستاذ فؤاد النمري استاذ الجميع في الماركسية اللينينية - الستالينية وهو معلما مهما رغم اختلافنا معه ولكن يبقى فقط ضعفه في فهم موقفه من الرسول بولس حيث لم يستند الى دراسة نقدية للرسائل والاناجيل ولم يستند كذلك الى منهج تاريخي ليعرض لنا وثائقه ومصادره بل كان كلامه مرسلامع اصراره على ذلك . اعتقد ان الاستاذ النمري بابتعاده عن نقد الفكر الديني سيكون ناجحا اكثر وينسجم مع نفسه دون هذا المنهج العكسي والقسري الذي يتبعه مع تحياتي له ولحميع الاساتذة الافاضل .


6 - حق النقد
نعيم إيليا ( 2011 / 12 / 14 - 13:11 )
يا هلا بالأستاذ وليد
صديقي العزيز، ما هي الشخصنة ؟ هل تقصد أنني أسأت إلى الأستاذ وليد مهدي في شخصه المحترم؟
الحق أنني لا أفكر أبداً في الإساءة إلى الآخرين، ولماذا عليّ أن أسيء إلى الآخرين ؟! ولكنني أتحرى أفكارهم وأتفاعل معها
الأستاذ وليد مهدي يطرح فكره على الملأ، فكره صار في حوزة الملأ، ومن الطبيعي أن يلقى فكره عند الملأ قبولاً أو رفضاً
فكرة الحرية تشغلني كثيراً، بصراحة؟ أمتعض حين تفرض قيود عليها
شكراً وتحياتي الجميلة لك


7 - الى الأستاذ نعيم المحترم
شاكر شكور ( 2011 / 12 / 14 - 19:54 )
عدتُ هذا اليوم الى مقالتك يا استاذ نعيم وقرأت تعليقي رقم 1، انا متأسف للخطأ في ذكراسمك
بالمقلوب وبهذه المناسبة اهنئك على براعتك في الأستثمار ، تحياتي ومودتيم


8 - تحيّة
سيمون جرجي ( 2011 / 12 / 15 - 00:41 )
الحريّة الفكريّة من أهمّ قواعد الفكر السّليم النقيّ أيًّا كانت صوره، ومن أهمّ ميزات النّقد أيًّا كان منهجه وموضوعه! ولعلّ نيتشه يمثّلها خير تمثيل في فكرِه غير المرتبط بقاعدة أو قانون سوى القواعد والقوانين التي اختطّها بنفسِه لنفسِه. وهو ذا كاتبٌ آخر ماهر فنّان يصوّر لنا بريشته اللطيفة حريّة النّقد والفكر والكتابة.

طوبى لفكرِك الحرّ عزيزي الكاتب، وهنيئًا لكَ مريئًا حريّتك في عالمٍ يضيق بالأحرار!


9 - الكاتب والمبدأ والنتيجة
رمضان عيسى ( 2012 / 2 / 2 - 20:51 )
أولا لا يوجد فكر مجرد , منزه عن الغرض , غير هادف . فكل الكتاب يكتبون ولهم غرض من هذا تأييد أو رفض لفكرة ما والنتيجة لصالح أو ضد , من هنا فالكتابة وإن لم يشعر بها الكاتب هي مع وضد ,
فاذا كان الموضوع يسير مع العلم والتطور الاجتماعي فهو مع التقدم والتطور واذا كانت النتيجة تصب في صالح الأصولية والغيبية فهي رجعية من هنا فهناك سبيلان لا ثالث لهما للكاتب والمفكر هو وعيه أن يكون مع التحرر من كل أشكال ظلم الانسان لأخيه الانسان أو مع تكريس هذا المنهج في المجتمعات الانسانية . أما أن يقول كاتب أنه حيادي وليس مع هذا ولا ذاك فهو مع سيادة الخطأ في هذه الحالة ويقف في صف العفوية والسذاجة ولو لم يعترف صراحة بذلك , فالكاتب يجب أن يعي نتيجة كتابته الى أين تصب . لأن الآراء يتلقفها الجميع وتؤثر في المجتمع والأفكار اذا حملها الشخص وتعممت تصبح قوة اجتماعية تضر تنفع في الحراك الاجتماعي فيجب عدم الخلط بين المادية والمثالية في المنهج الكتابي .

اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah