الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهوانية الجسد بين سلطة الدين وعنان الطبيعة

عزالدين غازي

2011 / 12 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة :
مما لا شك فيه ان مسألة الضبط الديني كما هي في تاريخ الأديان، سماوية كانت أم وثنية ووضعية، اعتيرت الجسد موضوعاً لسلطتها بامتياز كبير ويرجع ذلك الى شيء رئيسي هو أن جميع الممارسات الدينية للروح لم تلق سنداً إلا في الجسد لأن فيه و به وعبره يتم غرس المبادئ والقيم الروحية في الانسان بماهيته وكينونته لفهم وجدانه وتوجيه وجوده بطقوس شتى، على الجسد أن يمارسها مضبوطة بشكل صارم بيولوجيا"وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين" ( 1)،
فلا بد للجسد، إذن، اأن يكون حيا يرزق ولكي يكون كذلك لابد أن يمارس فطريته ورغبته في الحياة، وتؤكد الآية "كلوا واشربوا ولا تسرفوا " (2 ) الأمر نفسه بنوع من الحمية المعتدلة.
قدسية الجسد في الاسلام:
لقد انتبه الإسلام للجسد وعمل على تقنين حركاته البولوجية وسكناتها في الأكل والشرب والجنس والرياضة والعمل والخلود ، وإلحاق كل ذلك بالنظام الإلهي، بشكل يمكننا الحديث فيه عن جسد مقدس، أو جسد لا جسد. إنه هنا من أجل الصلاة والصيام ومن أجل التماه المطلق بالنص وفي حديث روي عن عمرو بن العاص أن النبي قال له، عندما أخبر أنه يصوم النهار ويقوم الليل: "فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله" ( 3)،مما يعني شكلا للضبط وللحمية الجسمانية، ذلك ما أراد ميشال فوكو أن يثيره من خلال كتابه استعمال المتع ( 4). غير أن الفكر الديني في الاسلام لم يكتفي بالجسد فحسب بل جعل مرادفاً له مفهوم البدن، كما ورد في الآية التالية "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون "(5 ) ثم الآية "والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فاذا وجبت جنوبها فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون"( 6). فما يمثله الحطاب الديني من ممارسات وما يتضمنه من متضادات ثنائية مثل الحلال والحرام والمباح والمحضور والطيب والمكروه والجنة والنار والعقاب والحشر والنشر والغفران كثنائيات مؤطرة بالشر والخير وقد ورد في القرآن بشأنها آيات كثيرة ومتنوعة وكل ذلك لجعل اللاعقل يقبله ويؤمن به حتى يمكن وضع الجسد في القالب المنشود، ففي إشكالية الخلق مثلا يرُدُّ القرآن على المشركين المشككين في بعث الأجساد وحتى الأجسام من جديد لتحاسب يوم القيامة على أفعالها، الوارد في " أوَ لمَْ يَرَوْا أن الله الذي خَلَقَ السمَاواتِ والأرْضَ ولم يَعْيَ بخَلْقِهِن بِقَادرٍ أنْ يُحْييَ المَوْتىَ بَلىَ إنه عَلَى كُل شَيْءٍ قَديرْ"(7 )، ويمكن للمرء أن يفهم هذا الاهتمام المتميز الدي أولاه القرآن لمسألة البعث والجنة والنار كما قال محمد عابد الجابري( 8)سواء على مستوى شكل الخطاب كما على صعيد مضمونه، حيث يتم استحضار الدعوة واستراتيجية الرد والإقناع، ومهما كان الأمر تبقى مجرد اسئلة لا يمكن القطع في شأنها لأنها تتعلق بتفاصيل "عالم الغيب"( 9).
الطبيعة الشهوانية للجسد:
وإذا استحضرنا أدوات المنطق والعلم فإن العقل سيجرؤ على تفكيك كل هذه المتناقضات والمتضادات المذكورة لتظهر على الأقل في ممارسات البيولوجي والنفسي واضحة وجلية، فالجسد ينفلت عن الغيبي مُكرها لأن انزواءاته بأوامرمن منطق الحياة البيولوجية. إن في تقنين الجسد وتدجينه هو لمراقبته كي لا يخرج عن المقدس فيظل الانسان في خدمة الديني وسلطته المسلم بها في كل عملية بيولوجية من أكل وشرب وحركة وإن كانت جنسية فلا بد لك ان تقدس كل فعل وتمارس كل طقوس سواء كانت مكتوبة أم مألوفة، فإن مارس الجسد شهوانيته البيولوجية بدون طقسنتها كان ذلك خطيئةً وشراً، وإن كان الممارس منضبطاً للدين كان حلالا وخيراً، وهكذا بعتبر الدين الجماع ليس ولوجاً إلى عالم الشر بل دخولا إلى عالم القوى القدسية.المرتبطة بالدين أساساً، فقد أرجع إ.دوركايم مفهوم المقدس إلى الأصول الدينية الوثنية وتأثيراتها على المسيحية ثم الأصول العبرانية وتأثيراتها على الإسلام وهي تأخذ كلها معاني مكرسة للآلهة والقديس والمخلص لله، وكل من خالف عد من الملوث والمرجوس والملعون ( 10). إن هذه العملية المؤطرة دينيا هي في الحقيقة انضباطٌُ للمؤسسة الزوجية التي تسهل مراقبتها من قبل السلطة. يشير هنا مشيل فوكو إلى حكمة الزواج( 11) في العصر اليوناني والعصور الوسطى (الفكتوري خاصة) .
خاتمة :
الحقيقة أن شهوانية الجسد البيولوجية لم تكن لتكون موضوع السلطة الدينية في الاسلام وغيرها لولا ممارسات الجسد الطبيعية مما يجعله منفلتا عن الرقابة الروحية والقدسية المرتبطة به ، ولكي يتمكن الديني من ضبط تفاصيل تلابيب الشر والخير درِءا للخطيئة كما تحدثت عنها اساطير الاولين كان لابد له ان يجنح نحو طقسنة الجسد الطبيعي في الحياة اليومية للانسان.

المراجع والهوامش:
1سورة الأنبياء ، الآية، 8.
2سورة الأعراف الآية،31.
3حديث نبوي في الصحيحين رواه عمرو بن العاص عن النبي.
4 للمزيد انظر ميشال فوكو، استعمال المتع، ج. (2) من تاريخ الجنسانية.
5سورة يونس الآية، 92.
6 سورة الحج الآية، 36.
7 سورة الأحقاف الآية، 33.
8 للمزيد يرجى زيارة موقع م عابد الجابري الالكتروني، خطاب الجنة والنار في القرآن: أخلاق وسلاح، http://www.aljabribed.net/coceptislam19.htm
9 نفس المرجع المذكور.
10 عبد اللطيف الهرماسي، مفهوم المقدس بين دعاوى الكونية وخصوصية الأنساق الدينية، مجلة الفكر العربي المعاصر،ع. 132-133، سنة 2005 صص.142-147.
11 ميشيل فوكو ، استعمال المتع، ترجمة محمد هشام ، 2003، افريقيا الشرق، ص 137.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس


.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت


.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا




.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية