الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حراس فساد جدد بنكهة ستالينية - مكارثية

منير شحود

2004 / 12 / 27
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


يشكل الشيوعيون السوريون المعسكرون في "الجبهة الوطنية التقدمية", أو على تخومها, ظاهرة فريدة في بقائها, كممثلة للستالينية السياسية المنقرضة. وللإنصاف نقول بأن استمرار هؤلاء لا يعود إلى تأقلمهم مع التحولات الكبيرة التي عصفت بالعالم, وخاصة بعد انهيار النظام السوفييتي كحاضنة لهم, إنما لأنهم كانوا قد أمَّنوا على أنفسهم بدخولهم في تحالفٍ لا نديَّة فيه مع حزب البعث, فعاشوا على الامتيازات التي وفَّرها لهم تحالفهم هذا على حساب المنتجين والكادحين من أبناء الوطن؛ ولكن ليس بدون ثمن بالطبع, فقد ارتضوا لأنفسهم دور الوصيفة المخلصة في علاقة لا فكاك منها إلى ما شاء الله. أما فصيل وحدة الشيوعيين الذي طُرد من المطبخ الثوري (لا تقولوا لي أنه انشق لأسباب عقائدية أو بسبب تطوير النظرية الماركسية وتوطينها, فالأمر معروف للجميع, ولن ندخل في صلب الخصوصيات!) ليعسكر على أبواب البيت, فقد علا صوته بلغة تخوينٍ هروبية, في محاولة ليُسمع صوته للجميع, داخل الجبهة وخارجها. والمقصود بالخارج هنا ليس العالم الخارجي, إنما أولئك المثقفون والكتاب الذين لم تتسع لهم ديمقراطية الجبهة آنفة الذكر, فعبَّروا عن همهم الوطني بشكل ما. وهؤلاء مثل غيرهم, قد يخطئون أو يصيبون, بيد أنهم في نهاية المطاف يعبرون عن حقهم الطبيعي كمواطنين, وإن كانت هذه الصفة الأخيرة تحتاج لبعض التدقيق.
يشنُّ "فصيل وحدة الشيوعيين" حملة منسَّقة على من يسميهم بالليبراليين الجدد. فمن هم هؤلاء "الليبراليون الجدد" في سوريا؟ والذين تُكيل لهم صحيفة "قاسيون" المرخَّصة اللَّعنات الثورية ("قاسيون" ليست كالدومري بالطبع!)؟. فبالإضافة إلى "التجمع الليبرالي" الذي عاش لأيام قليلة, والأحزاب الأخرى التي لها مثل هذا التوجه, هناك بعض الكتاب والمثقفين (اكتشف معظمهم أنه ليبرالي بعد توصيفات "قاسيون" الابداعية) الذين لا ينتمون إلى الأحزاب القومية أو الشيوعية أو الاتجاهات الإسلامية, وليسوا أعضاء في "لجنة نصرة العراق"...هؤلاء من يشن عليهم فصيل وحدة الشيوعيين حملته التخوينية على جبهتين: العمالة للخارج, أي أمريكا, والعمالة للبرجوازية الطفيلية في الداخل. و"الليبراليون السوريون", تبعا لتوصيفات هذا الفصيل الثورجي الصامد, الذي لم ولن يركع, هم من الليبراليين الجدد رغم أنفهم, ولا يحق لهم أن يكونوا ليبراليين حاف بدون هذه "النيو", والتي تسهِّل مهمة تخوينهم, من خلال ربطهم سجعيا بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة! برافو.. حتى مخيلة الشعيبي أو ميخائيل عوض لم تتوصل إلى ذلك.
من حق الرفيق القائد, وهو هنا الزعيم الفكري لفصيل وحدة الشيوعيين, أن يرسل باصا محملا بالمناضلين مدفوعي الأجر ليتظاهروا في استنبول منددين بالعولمة. ولا نعجب لعدم التظاهر ضد العولمة في دمشق, بدلا من اسطنبول, فنحن من أهل البيت, ونعذرهم لأن التظاهر غير مرخص لا لهم ولا لغيرهم في وطنهم الأم, هذا قبل انهيار الأممية الثالثة بالطبع. ولو كنا نتمنى لو أنهم عبروا عن حقهم المشروع في التظاهر في اسطنبول مرة ثانية, عندما تم الإعلان عن التوجه لاعتماد اقتصاد السوق في سوريا. فمن حق هذا الفصيل أن يعبر عن رأيه, ويختلف مع من يشاء, ويتحالف مع من يشاء, كالزرقاوي مثلا, بيد أن تخوين الآخرين خط أحمر بالفعل. وبالمقابل من حق الجميع أن يفكروا بالطريقة التي يعتقدون بها أنهم يمكن أن يساهموا في بناء وطن أكثر رحابة ومناعة. ولا أعتقد أن أي مجتمع متحضر في الوقت الحاضر يمكن أن يعيش بدون ليبراليين, يدعون إلى حرية الفرد والتسامح ومشاركة جميع المواطنين, نساء ورجالا, ومساواتهم بغض النظر عن الدين والعرق والعقيدة.
ولكن, ألا يحق لنا أن نتساءل عما فعله شيوعيو الجبهة, وهم في السلطة أو في ظلها, طيلة هذه الأعوام التي نمت فيها البرجوازية الطفيلية وترعرعت من صلب النظام نفسه؟ أليسوا شركاء في الفساد وحراسه الأمناء, مباشرة أو بصورة غير مباشرة؟. معذرة, لقد كانوا مشغولين بشتم الإمبريالية الأمريكية المحتضرة, وحساب ثمن وجباتنا اليومية, وتبيان عدم تطابقها مع الغلاء, كبرهان على كونهم مناضلين مطلبيين, حتى ولو كانت النقابات في غيبوبة. بالطبع, لم نكن لنطلب من شيوعيي جبهتـ"نا" النضال من أجل حقوق الإنسان, أو الإفراج عن سجناء الرأي؛ فالحرية, ولا كرامة بدونها, هي نوع من الترف الإمبريالي!. وبالفعل, كيف تجتمع الحرية مع العقيدة الشيوعية الأصولية؟ فلندع المناضلين الأشاوس بقيادة الشيوعي والبرجوازي الوطني قدري جميل يقودوننا إلى الشيوعية, وعندها سنجد جناتهم الموعودة التي تجري من تحتها أنهار الحرية... فلماذا الاستعجال؟!.
أسمحوا لي, كملمٍّ بمبادئ الماركسية, أن أعترف بأنني لم أجد أية صلة بين الماركسية, كما فهمتها, وطروحات شيوعيي جبهتنا العنيدة, والفصائل المطرودة منها, اللهم إلا من نوع تلك الصلة التي تربط جماعة الزرقاوي بالدين الإسلامي الحنيف!. وإذا كانت مصالح الناس تنعكس في علاقاتهم وأفكارهم وممارساتهم, تبعا للماركسية, فإن النضال المأجور ضد العولمة يصبح مفهوما, فزعيم فصيل وحدة الشيوعيين ينتمي إلى البرجوازية الوطنية (هذا المصطلح يحتاج لإعادة نظر), وليس منسلخا عنها طبقيا, حتى لو ناضل ضد العولمة "الشريرة". واستنادا إلى ذلك, يمكن تفهُّم مصلحته في النضال ضد العولمة, كأي من أعضاء غرفتي التجارة والصناعة, باعتبار أن قدرتهم على المنافسة في السوق محدودة للغاية؛ سواء فيما يتعلق بالبضائع الأميركية والأوروبية, أو حتى الصينية الشيوعية, وبضائع الجيران أيضا. وسيصبح من الصعب عليهم بمكان جلدنا بسلعهم السيئة وغالية الثمن نسبيا. وهكذا, فمن وجهة نظر ماركسية, ليس للأمر علاقة بالشيوعية والنضال, بل مجرد حنين إلى أيام التجارة الرابحة مع الاتحاد السوفييتي الراحل. ويحق لنا أن نتساءل أيضا: كم سيبقى من الشيوعيين في الجبهة إذا سُحبت منهم امتيازاتهم؟ وكم سيبقى أيضا من المناضلين في فصيل الدكتور قدري جميل إذا أفلس, كبرجوازي وطني لا سمح الله, بسبب اعتماد اقتصاد السوق العولمي..وصولا إلى "الغات"؟.
ما زال شيوعيو"نا" إذن يناضلون ضد الفساد والبرجوازية الطفيلية, ويحسبون لنا ثمن وجبات الطعام اليومية, وعدم تناسبها مع دخولنا المتواضعة, وهذا ما يمكن أن يقوم به تلميذ في مرحلة التعليم الابتدائي, قبل أن يصبح أساسيا!. فشكرا لهذا الاهتمام بطعامنا, والذي سرقت جلَّه البرجوازية الطفيلية, هذه التي نمت في عقر داركم وفي فنائه. وهذه العولمة والانترنت, على علاَّتها وخدماتها السيئة في بلدنا, هي التي أتاحت لنا ولكم وللجميع أن يسمعوا أصواتهم, ويتنفسوا الصعداء قليلا. أليس هذا التواصل والتفاعل غير المسبوق بين البشر هو من إرهاصات الثورة العلمية التكنولوجية التي تحدَّث عنها ماركس, كمقدمة للشيوعية, والتي تتيح للجميع المشاركة والمساهمة وإثبات الذات, ويا لها من فرصة سانحة؟!. ولا بد لمثل هذا التواصل أن يبدع أفكارا وأشكالا أرقى في العلاقات بين البشر.
لقد نمت البرجوازية الطفيلية وكبرت, وهذه حقيقة؛ لأن الفساد الذي شاركتم موضوعيا وسلطويا في رعايته, بدأ يشبُّ خارج الطوق. ولم يكن حتى ليحلم الفاسدون بأكثر من مثل هؤلاء المناضلين الذين شكلوا, بصراخهم في وجه الإمبريالية, سدا منيعا حجب الفساد عن الرؤية, في الوقت الذي لم يكن فيه المواطن من أمثالنا يمتلك الحق حتى بالتنفس بصوت عالٍ, اللهم إلا لنصفق لجبهتكم وحزبها القائد.
ونقول بكل ود واحترام للذين يتحدثون باسم سوريا, وكأنها مزرعتهم الحصرية... نقول لهم أنكم تخطئون لو فكرتم لحظة واحدة أن سوريا يمكن أن تزدهر وتنمو معكم ولكم فقط؛ ففي سوريا ما زال هناك من عاش وعمل بصمت وإخلاص, ولم تستطع ماكينة الفساد الرهيبة إفساده, أو تحويله إلى انتهازي منتفع. والكثير من السوريين لا يتشرفون أن يمنحهم أي عابر سبيل شهاداتٍ في الوطنية, حتى ولو شرعَن له مبدؤه الثوري ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميناء غزة العائم يثير بوجوده المزيد من التساؤلات | الأخبار


.. نتنياهو واليمين يرفضون عودة السلطة إلى القطاع خوفا من قيام د




.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة ويزيد حدة التوتر في إسرائيل | #مر


.. دفن حيا وبقي 4 أيام في القبر.. شرطة #مولدوفا تنقذ رجلا مسنا




.. البنتاغون يعلن بدء تشغيل الرصيف البحري لنقل المساعدات إلى قط