الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روشتة علاج لأمراض العقل العربى

خالد منتصر

2004 / 12 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


د. زكى نجيب محمود يكتب روشتة علاج لأمراض العقل العربى
الحلقة الأولى
[ ناديت تكراراً ومراراً بإعادة طبع جميع كتب المفكر العظيم الراحل د.زكى نجيب محمود ،وناديت بتدريس ولو كتاب واحد فى المرحلة الثانوية ،وراهنت على أن دراسة هذا الكتاب بوعى ستكون أول معاول هدم التطرف والتفكير الخرافى الذى يسود حياتنا ،ولذلك سعدت بخروج كتاب من ضمن كتبه إلى النور فى أهم مشروع ثقافى مصرى وهو مشروع مكتبة الأسرة ،وفى إنتظار تحقيق الحلم بطبع الأعمال الكاملة لفيلسوف التنوير المصرى وإبن رشد العصر الحديث د.زكى نجيب محمود ،وإلى أن يتحقق سنقرأ سوياً مشروع تجديد وعلاج العقل العربى فى أهم روشتة كتبها طبيب العقل لتكون الشفاء من أمراض التخلف الفكرى والهزال العقلى والتطرف الدينى .
[ السؤال الذى يفرض نفسه الآن والذى أسمعه يتردد على شفاه القراء لماذا زكى نجيب الآن ؟ ولماذا هو الشخص المؤهل لكتابة هذه الروشتة ؟ ،وإجابة السؤال الأول هو أننى أعتقد أننا فى مرحلة مفصلية من تاريخنا ،نطرح على أنفسنا سؤال هاملت الخالد نكون أو لانكون ،نقف فى مفترق طرق بجانب علامة إرشادية تشير إلى سكة اللى يروح مايرجعش ،نحن على شفا الحفرة ونسير بجد وحماس يقترب من الهرولة إلى حيث هذه السكة الملعونة ،الكل يتقدم من حولنا ونحن نطبق تمرين الجيش المشهور "المشى فى المكان " ،كنا نجرى فى "التراك" مع الأمم والحضارات الأخرى ولكننا وللآسف الشديد أصبحنا خارج هذا التراك ،أصبحنا ننظر بعين الحسرة والندم إلى التقدم الحادث حولنا ،وأحياناً ننظر بشماتة وإحباط وعدوانية إلى صانعى هذا التقدم ،ونعزى أنفسنا بأن تقدمهم هو مطية لنا ،وأن حريتهم فوضى ،وديمقراطيتهم زيف ،وتقدمهم مادى بحت ،إنها مخدرات نتناولها بإرادتنا لكى تزيل عنا ألم الإحباط ووجع الإكتئاب ،ولهذا كان علينا أن نبحث عن مخرج فكرى وثقافى لأزمتنا الحضارية ،نعرف من خلاله وبصراحة لماذا أصبح العرب والمسلمون صداع العالم المزمن؟،ولماذا تخلفنا عن الركب بعد أن كنا فى الصدارة ؟،لماذا أصبح كل حديثنا عن الماضى التليد والتراث المجيد مهملين تماماً حديث الحاضر وإستشراف المستقبل؟،لهذا توجهنا إلى الطبيب الذى يحمل كل المؤهلات اللازمة للتشخيص والعلاج .
[ د.زكى نجيب محمود هو الطبيب المعالج المناسب لأنه يجمع بين متناقضين أو مانتخيله نحن متناقضين وهما الإلمام بالمنجزات الغربية وفى نفس الوقت المعرفة الكاملة بالتراث العربى ،والأهم أنه مر بتجربة ثرية وهى أنه فى شبابه كان رافضاً لقراءة التراث العربى بمايستحقه من إهتمام ،وكان كما يحكى عن نفسه مبهوراً ومنجذباً للإنجاز الغربى الأوروبى والأمريكى ،ولكنه وبعد مرحلة كبيرة من البحث والمعاناة أيقن أن كثيراً من التراث العربى يستحق القراءة والتأمل ،ولكن كان السؤال المهم الذى طرحه فى روشتته العلاجية لأمراض العقل العربى وعلاته المزمنة هو ماذا نقرأ ونأخذ من تراث الأسلاف ؟.
[ يقول د.زكى نجيب إن مايجب أخذه من التراث هو مانستطيع تطبيقه اليوم عملياً ،فيضاف إلى الطرائق الجديدة المستحدثة ،فكل طريقة للعمل إصطنعها الأقدمون وجاءت طريقة أنجح منها ،كان لابد من إطراح الطريقة القديمة ووضعها على رف الماضى الذى لايعنى به إلا المؤرخون ،ويؤكد على أن ثقافة الأقدمين هى طرائق عيش ،فإذا كان عند أسلافنا طريقة تفيدنا فى معاشنا الراهن ،أخذناها وكان ذلك هو الجانب الذى نحييه من التراث ،وأما مالاينفع نفعاً عملياً تطبيقياً فهو الذى نتركه غير آسفين .
[ تشخيص الداء هو الخطوة الأولى لعلاجه ود.زكى نجيب يحاول فى البداية أن يضع يديه على موطن الورم الخبيث فى تراثنا العربى لنعرف من خلال منظاره السديد النافذ ماهى قيود ومعوقات الفكر العربى التراثى ؟
** القيد الأول هو أن صاحب السلطان هو صاحب الرأى وليس صاحب رأى :
يشبه فيلسوفنا الكبير تعاملنا مع التراث كمن يخزن إرثه فى الخزائن ثم يطوف بتلك الخزائن المغلقة عابداً ،ويقول أن الإرث ليس فى حد ذاته حياة بل هو وسيلة حياة ،ويؤكد على أن أساس البلاء هو أن يجتمع السيف والرأى معاً كما رسم شاعرنا أبو العلاء هذا المعنى فى قوله:
جلوا صارماً وتلوا باطلاً وقالوا صدقنا فقلنا نعم
فقد كان الأمير يجلس ورأيه فى رأسه والسياف إلى جواره ،وحكاية الخليفة المهدى والشاعر بشار بن برد خير دليل على تلك المأساة ،فقد أحضر المهدى بشاراً وإلى جانبه السياف وإتهمه بالزندقة فى أحد أشعاره فأعلن بشار توبته ،فإستنكر المهدى وقال لبشار ألست أنت القائل :
والشيخ لايترك عاداته حتى يوارى فى ثرى رمسه
ثم غافله السياف وقطع رأسه ،وهكذا حتى التوبة لم تنقذ الشاعر .
وكذلك قصة الحلاج مع صاحب الرأى والسيف ،فكما لم تنفع بشار توبته ،لم ينفع الحلاج كتمانه حين جادله الوزير ولم يصل معه إلى نتيجة فقال أخيراً للحلاج ماأحوجك إلى أدب !،وكان هذا الأدب هو عقاب الحلاج بجلده ألف جلدة ثم قطع يديه ثم إحراقه بالنار .
وتأتى حكاية الأديب الحكيم إبن المقفع مع سفيان بن معاوية لكى تثبت لنا أن أكبر معوقات التراث هى إحتكار الرأى والسيف ،فقد كان بين الإثنين مناوشات كلامية ،ولكن الفرق أن أحدهما بضاعته الكتابة والآخر هو نائب الخليفة فى البصرة ،فدس معاوية عند الخليفة المنصور حتى ظفر منه بالإذن بقتل إبن المقفع ،ولكن معاوية أبى إلا أن يتفنن فى قتله ،فهدته عبقريته إلى أن يحمى تنوراً لكى يحرق فيه فريسته ،ولكنه أخذ يقطع من جسده قطعة بعد قطعه وهو حى ويلقى بشرائحه إلى التنور ليرى المسكين أطرافه كيف تقطع قبل أن تحرق ؟!.
تأتى أكبر المحن الفكرية فى تاريخ الإسلام لتضع النقط على الحروف وتغلق الدائرة على قصة القمع فى التراث والتى تشكل أكبر قيد وأعلى سور يمنعنا من التقدم ،المحنة هى محنة خلق القرآن وقد كان طرفاها مفكر أعزل وهو الفقيه أحمد بن حنبل وسلطان مسلح وهو الخليفة المأمون ،الأول يقول أن القرآن أزلى والثانى يقول أنه حادث بمعنى أنه لم يوجد إلا وقت نزوله ،وكان المأمون يصف أصحاب الرأى الأول بأنهم " من حشو الرعية ،وسفلة العامة "،وهكذا أصبح السلطان خصماً وحكماً فى نفس الوقت ،وحوكم إبن حنبل وطالت المناظرات وإستمرت حتى بعد وفاة المأمون فى عصر المعتصم وإنتهت بالطبع بإنتصار رأى السلطان وجلد إبن حنبل بالسياط حتى قارب على الموت وجئ بجراح إليه فى بيته ليقطع لحماً ميتاً من جسده ،وهكذا كان الرأى مع السيف أخطر محنة فى تراثنا ،فإذا تطاول النجيل ليقترب من قامة النخيل تم جزه وقطع رؤوسه حتى لاتتساوى الرؤوس !.
**القيد الثانى : سلطان الماضى على الحاضر :
القديم له رهبة وسحر وجلال ،ولكن أن يتحول الإعجاب إلى تقديس تلك هى المشكلة ،وسر النهضة الأوروبية كانت فى تحول الناس من إدمان قراءة كتب الأقدمين إلى كتاب الطبيعة المفتوح ،فقد كان الكاتب قديماً لايحتاج إلى الخروج من الدير أو الصومعة أو الجامع ،فقد كان كل جهده أن يشرح ويلخص ،فهو إجترار من بعد إجترار من بعد إجترار ،وشرح للشرح وتعليق على التعليق ،وحتى الآن أصبح العلم كله متأثراً بتلك النظرة عبارة عن تلقين فى تلقين وهذه هى الكارثة .
***القيد الثالث : تعطيل القوانين الطبيعية بالكرامات :
أكبر القيود التى تعطل مسيرتنا وتكبلها أننا نميل ميلاً شديداً إلى أن تكون قوانين الطبيعه لعبة فى أيدى نفر من أصحاب القلوب الطيبة الورعه ،فيكفى أن يكون الفرد "صالحاً " لينصرف صلاحه لا إلى شق الترع وبناء الجسور ورصف الطرق ولكن ينصرف صلاحه إلى تعطيل قوانين الطبيعه ،ونحن منذ زمن طويل نمقت العقل ونتمنى للقلب السيادة ولو إقتصر الأمر على العامه لماأخذنا العجب ولكنه وللأسف الشديد يمتد إلى العلماء أنفسهم !!،إن هؤلاء العلماء وهم فى معاملهم لايقبلون إلا أن تكون قوانين العلم حاسمة صارمة ،فمالذى يصيبهم إذا ماتركوا معاملهم وعادوا إلى منازلهم ؟،أيتركون عقولهم مع معاطفهم البيضاء فى حجرات المعامل ،ليعودوا متنعمين فى ظل الخرافة الندى الطرى الممتع اللذيذ ؟!!.
إننا مازلنا فى مرحلة السحر لا العلم كما يقول د.زكى نجيب محمود ،فالسحر والعلم كلاهما محاولة لرد الظواهر إلى عللها وأسبابها ،غير أن الساحر لايقلقه أن يرد الظاهرة إلى علة غيبية ليس فى وسع الإنسان أن يستحدثها أو يسيطر عليها ،وأما العالم فهو لايقر عيناً إلا إذا رد الظاهرة المحسوسة إلى علة محسوسة كذلك ،الساحر والعالم يقفان إلى جانب مريض ،الأول يربط الظاهرة المرضية بالجن والعفاريت ،والثانى بجرثومة معينة ،فبينما يصبح الطريق مفتوحاُ أمام العالم للبحث عن وسيلة يقتل بها الجراثيم ،ترى الطريق مغلقاً أمام الساحر ولايجد وسيلة لمغالبة العفاريت إلا بالبخور والأحجبة ،فنحن بهذا المنهج أو بالأصح اللامنهج مازلنا فى مرحلة السحر لم نبرحها بعد .
[ ولكن بعد أن وضعنا أيدينا على مواطن الخلل فى التراث ،هل من تشخيص دقيق قدمه لنا الطبيب الفيلسوف لأمراضنا الفكرية ؟،الإجابة فى الحلقة القادمة بإذن الله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا


.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد




.. الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة


.. احتفال نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الإخوة المسيحيين بقدا




.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي