الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستودع الذكريات

كايد أبوالطيف

2011 / 12 / 26
المجتمع المدني



كايد أبوالطيف وفريده القريناوي

من الظواهر المقلقة التي تقف أمامك مثل حاجز معتم شائك، الأبوّة الخانقة كاخطبوط، بعض الآباء من فرط حبّه وحرصه على أبنه يفرض عليه أعراف الحكم العسكري البائد، كل شيء بإذن وترخيص مسبق، ممنوع الإشتراك في أمسية ثقافيّة، احتفال، لقاء، سهر، إلا المراجعة والتعليم، طبعا النتيجة كارثيّة، تحطيم نفسيّة الطالب، تحجيم صقل ونمو شخصيّته، وحرمانه من تحقيق ذاته ورسم ملامح شخصيته كما يحلم ويكبر الحلم معه. بعد فترة وجيزة، يقف أمامنا إنسان مهزوز، مهزوم في أعماق أعماقه، مطعون في جدران قلبه الواهي، من الحب ما قتل، يغتال الأب أو الأم فلذة كبده بهدوء وسكينة، يحاول أن يبعثه للعيش إلى ما قبل التاريخ والفلسفة، فيصطدم بجدار الواقع المتسارع الذي لا يرحم. سعادة الطالب الجامعي تكمن في بناء شخصيته والكشف عن مواهبه ومعايشته للواقع، بهدف الإكتساب والتعلم، يخطئ الوالد الذي يريد أن يرى نفسه تماماً في شخصية ابنه، فلا يمكن السباحة في نفس النهر مرتين! (النحت في ذاكرة الصحراء(2007). للكاتب، الشاعر، والباحث: سهيل إبراهيم عيساوي-- المساهم في تنشيط الحركة الطلابية عام 2004 في جامعة بئر السبع، وشغل منصب رئيس رابطة أقلام الجنوب الثقافية، كذلك عمل 9 أعوام مدرساً في الرازي الإعدادية والثانوية الشاملة لموضوعي التاريخ والمدنيات(1995-2004) في مدينة رهط، صدر له حديثاً كتاب "تصبحون على ثورة").


إنه يومٌ اعتيادي أمرّ فيه، مثل كل مرةٍ، من أمام بيتها الحقير الذي تعيش فيه مع أبنائها الصغار. ابناؤها الذين تتكبّد عناء تربيتهم وحدها بعد أن تركها والدهم وذهب للعيش مع أخرى مبقياً لها شهادة صغيرة تشهرها في وجه الزمن،الذي لا يتوانى في استفزازها،الحين تلو الآخر،على نيلها لها في الوقت الذي يُعتبَر اقتناء شهادة مثلها فشلاً ذريعاً يوجب عليها الاستحياء منه وعدم الخروج أمام الناس- إنها شهادة طلاق. شهادة من القوي صاحب الهيمنة الجبّار الفارض لنفوذه وغطرسته على كيانها الضعيف سواءاً شاءت ذلك أم أبَت، غير مكترثٍ لبقائها منتهكة الحقوق وليس لها قيّم يحميها ويساند ضعفها أمام عاتيات الدهر. إنه يومٌ لا يوجد فيه شيئاً مُستثنى منه، فمروري من جانب بيتها ليس أمراً جديداً بل هو شيئٌ أعمله كل يومٍ مذ كنت صغيرةً تلهو في حضن أمِّها لا تفقه شؤون الحياة إلى أن أصبحتُ على عمرٍ يهيئ لي فرصة فهم حقيقة الواقع الذي كنت جاهلة له ذات يوم. فلمْ أكُن أعي ذات يوم صورة المعاناة التي تمر بها هذه المرأة، وجميعنا كنساء، حينما يجلدنا المجتمع كل يومٍ بسوط عاداتٍ وتقاليد لا تمت للدين بصلة. إلا حينما بلغتُ وبتُّ أفهم ابتسامات المُنتهِكين بواسطة النظر لهذه المرأة التي أبقاها الدهر تعاني هيمنة القوي عليها.

ولكن ما أثار استغرابي جعلني حائرةً دائماً هو أن الجميع يتعمّد أن يجلد هذه الضحية وللأمانة " ما حدا فيهم ناقص حرف حتى يوفّرها في الكلام". والكل يمنح نفسه الصلاحية في الحدّ من حريتها، تاركٌ خلفه ما يوصي به الدين والقرآن بأن مثل هذه المرأة علينا الحفاظ على حقوقها كاملةً وعدم ظلمها ولا التعرض لشرفها أو انتهاك حقوقها. وينسى تماماً أنها ذات كيانٍ وطموح ورغبات وغريزة أمومية لحماية صغارها في بيتهم الحقير، والذي تراه هي وطناً تلجأ لحضنه من ظلم بني جلدتها وتخاذل الأقرباء عنها. لكن، وعلى الرغم من أنه كان كذلك- إلا أن الأفكار التي راودتني في الطريق وأنا أنظر لحال تلك المسكينة البائسة، التي باتت أطرافها تتقلّص بدافع جشع من حولها، جعلتني أفكر مطرقةً في محاولة فهم كنْه هذه المرأة،المرابطة في مكانها،رغم كل الظلم والقسوة اللتان يحيطانها. فقلت متسائلةً في نفسي: لماذا لا ترحل؟ لماذا لا تبحث لها عن بقعةٍ اخرى ترتاح عليها بدلاً من اضطرارها لمواجهة المرار مرتين؟ وبينما أنا على تلك الحال، رنّ هاتفي النقال قاطعاً علي سيل التفكير الذي انطلق ليغرقني بطوفانٍ من التعجّب، نظرت إلى شاشته لأرى الرقم، الذي بدا لي غريباً نوعاً ما، إلا أنني قررت الرد عليه وحينما فتحت السماعة أتاني صوتٌ من الجانب الآخر يُعلن عن هدمٍ آخر جديد لمنزلٍ تمّ بنائه مؤخّراً في إحدى القرى غير المعترف بها، وقد كانت الذريعة المُبَرّرة للعملية: البناء غير المُرخّص!

وقد حاول الصوت، الذي تعرّفت على ملامحه فيما بعد، أن يعبّر لي عن ألم المنظر الذي رآه أمام أعينه، وتحدّث عن الوجع الذي يكتنفه جرّاء شعوره بقلة ذات اليد في التصدّي لمن هو أقوى. انتهت المكاملة بعد ان طلب مني صاحب الصوت أنه يرغب مني في زيارة المكان وكتابة تقرير عن الحدث المُجَلجِل الذي هزّت له أركان القرية وأهداب عينيْ الحاضرين كلهم. لستُ ادري ما الذي دفعني- حينما أنهيتُ المكالمة- في التفكير بين مضمون ما سمعتُ وبين حال المرأة التي وصفْت، فهُنا الحديث يدور عن بيتٍ هُدِمَ على يد " الأقوى" وأبقى أصحابه خائري القوى أمام سلطةٍ لا ترحم تاركاً في يدهم أوراق تحمل أمر الهدم الذي صادقت عليه الحكومة، وهي امرأةٌ عَمِدَ زوجُها " الجبّار" على إذلالها ليتركها تقبل بحكم قضائه عليها صاغرةً لا تملك القدرة على الدفاع عن ذاتها، وفي يدها شهادة طلاقٍ توصمها بالفشل أمام جبروته! في الحالتيْن رافق الشعور بالفشل والعار التجربة الأليمة، في الحالتين تلقّى الضحايا بطاقة تثبت إدانتهم بالفشل، في الحالتين تم انتهاك الحقوق والحرمات، في الحالتين تدور حربٌ نفسية طاحنة في ذات الضعفاء، في حين القوي بقي عالياً يمارس جبروته أينما ذهب ويفرض نفوذه على الجميع. حينها دارت لي فكرة، للوهلة الأولى اعتبرتها جنونية، ولكنها راقت لي بعد ذلك. لماذا لا تكون المرأة هذه حالةُ قياس اجتماعية تماثل الحالة التي نمر بها في الوقت الراهن؟ فما أشبه حالنا كنساء وحال هذه المرأة بالذات بنقبنا، الذي أتى الجبّار القوي مانحاً لها شهادة طلاقها المختومة بتقرير" برافر" ليبدأ الأقوياء في اقتناصها وانتهاك حقوقها ومصادرة أملاكها.

امرأةٌ ليس لها من يحميها أو يدافع عنها، ومع ذلك تلجأ بأبنائها داخل بيتها، الذي يراه الغير حقيراً لكونه قرية لا يعترف بها قانون الجبابرة، في حين هي لا ترى حضناً آمناً لها أكثر منه. امرأةٌ ليس لها قيّم يحاسبها الجميع على كل خطوةٍ تقوم بها، حتى لو كانت بغية" السّتْرة" ويعهّروا نواياها التي تطمح في بلوغها. حقاً هكذا هو حال نقبنا، إنه امرأةٌ مطلّقة لا يرحمها المجتمع من أفواهه رغم ضمان الشرع " والطابو" لحقوقها، أمّا البيت الذي هُدِمَ ما هو إلا قرية يطمح أبناؤها في التطوير فتحول الجرّافة الجبّارة بتحطيم ما يبنوه بسواعدهم المتواضعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال




.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة