الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعددية السلفية(؟) - بين مدرسة الحديث والمدارس الفقهية

محمد عبد الفضيل عبد الرحيم

2011 / 12 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل هناك تعددية سلفية؟ نعم. ودعنا نفرق بادئ ذي بدء بين التيار السلفي والاتجاه الفكري السلفي. التيار السلفي هو اتجاه دعوي يقدم في فتواه وخطابه الديني مدرسة الحديث على المدارس الأخرى، وله وجوه متعددة، ويرفع شعاره اكثر من طرف مثل التيار الدعوي المتواجد في مصر والسعودية بكثافة، وكالسلفية الجهادية المتواجدة في أفغانستان والجزائر، وكالتيار السلفي الذي رفع شعاره الإمام محمد عبده. أما الاتجاه الفكري السلفي لا يضم داخله اية تيارات أو مذاهب أو أسماء، يجمعه فقط مع التيار السلفي التمسك منهجيا بالحديث النبوي "أفضل القرون قرني ... " ويفرقه عن التيار السلفي عدم توجهه بشكل مباشر ومكثف لمدرسة الحديث، وإن فعل كما هو الحال عند بعض الفقهاء، فليس هناك تقديم لمدرسة الإمام أحمد بن حنبل على وجه الخصوص. وهنا أنوه في جملة اعتراضية كبيرة وهذه لطلاب العلم والباحثين، أن المقولة الشائعة التي مفادها أن "التيار السلفي الحالي يفهمون الدين ويدعون له كما فهمه الصحابة أو السلف" هي مقولة منقوصة لأن هذا كان منهج جميع الفقهاء بلا استثناء، ولكن الفارق يكمن في أن التيار (أو التيارات) السلفية يفهمون الدين ويدعون له كما فهمه الصحابة أو السلف "من أهل الحديث" ولهذا يقدم الإمام أحمد ابن حنبل على غيره بصفته (كما يعتقد التيار السلفي) إمام أهل الحديث. ليس في ذلك مشكلة دعوية ولكن هناك إشكالية علمية، يجب ان ينتبه إليها طالب العلم والباحث الناشئ، وهي ما سيأتي شرحه.
التـفـقه في الدين الإسلامي (أو محاولة فهم الدين) كما فهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه نتج عنه اربع مذاهب سنية مشهورة ومعروفة، عرفت فيما بعد بالمذاهب الفقهية. لم يكن يعنى الإمام أو حنيفة (المتوفى 150) ولا الإمام مالك بن أنس (179) ولا الإمام الشافعي (204) ولا الإمام أحمد بن حنبل (241) بتأسيس أي مذهب، بل نشأ المذهب بشكل تلقائي بعد تدوين او شرح أراء الإمام عن طريق تلاميذه أو تابعيه. فقامت المذاهب على أعمال أبو يوسف ومحمد الشيباني والسرخسي وابن الهمام والمرغياني ومحيي الدين النووي والدسوقي وشهاب الدين البغدادي والرافعي القزويني وموفق الدين ابن قدامه والمقدسي والخرقي وابن تيمية ... الخ. المفارقة هي أن علماء الفقه هم من سبقوا غيرهم بالاهتمام بل وتدوين الحديث، فلإبي حنيفة (مسند الإمام ابي حنيفة) ولمالك (الموطأ). وهم بذلك – في اعتقادي – أول من اهتم بمعرفة فهم النبي وأصحابه للدين، لا سيما ان المدارس الفقهية انشأت الفلسفة الفقهية التي لا غنى عنها لطالب العلم والمتمثلة في علم أصول الفقه، فيروى عن الإمام احمد بن حنبل قوله "لم نعرف العام من الخاص حتى قال به أبو حنيفة" وكان للإمام مالك منهج أصولى واضح قدم فيه أقوال الصحابة على الأخذ بالقياس، فضلا عن تأسيس نظري قام به الإمام محمد بن إدريس الشافعي في كتابه القيم "الرسالة" مسسا بذلك علم أصول الفقه. ثم توالت الأعمال والمجلدات. فلمدرسة الحديث (الذي تتمسك بها التيارات السلفية) وللمدرسة الفقهية نقطة انطلاق واحدة وهي محاولة فهم الدين كما فهمه سلف الأمة، ولكن التعامل مع النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفه تعامل مختلف، فبينما يتعامل الفقيه مع النص بمنطق الفهم وإعمال قواعد أصول الفقه، تقدم مدرسة الحديث (كما هو واضح في شروح المصنفات) فهم نصي للرواية، نعطي مثال بسيط: مدرسة الحديث: لا يجوز فعل ذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله. المدرسة الفقهية: هذا مباح لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحرم ذلك. مثال آخر: المرأة مهما بلغت من العلم فهي مقلدة وعامية (مدرسة الحديث – الشيخ الحويني) هذا كلام لا أصل له ولا دليل عليه (تحليل فقهي – الشيخ محمد حسان) المنهج بذلك مختلف، لكن كما قلت نقطة الانطلاق واحدة وهو النص الوارد عن النبي أو سلفه. فالفقيه هو سلفي بما تحمل الكلمة من معنى، سلفي منهجاً لا انتماءً. وهو معني بالفتيا دون غيره، وعالم الحديث معني بالبحث في الراوية عن علل أو جرح أو تعديل كي يضعه مرتبة الصحيح أو الحسن أو المقبول أو المحفوظ أو الضعيف أو الموضوع أو المرسل أو المقطوع أو المدرج أو المردود أو المتروك أو المصحف أو المحرف أو المنكر ...الخ، وهي خدمة للفقه بالدرجة الأولى. وهنا نقطة الالتقاء الثانية بين مدرسة الفقه ومدرسة الحديث، التي نشأ على إثرها "علم حديث الأحكام"، وهو أن يقوم عالم الحديث بتحليل وتفنيد الروايات التي استند عليها الفقيه في كتابه، فبين أيدينا مثلا "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للإمام المحدث جمال الدين الزيلعي الذي شرح فيه أحاديث استند عليها المرغياني في كتابه الهداية. وكتاب "تخرج أحاديث الإحياء" للإمام المحدث الحافظ العراقي الذي فند فيه الأحاديث الواردة في كتاب الإحياء للإمام أبي حامد الغزالي. (الزيلعي والحافظ العراقي صديقان واتفقا على تخريج أحاديث الكتابين في مجلس واحد – وكانت فكرة رائعة). فقد يدلو عالم الحديث بدلوه في المدرسة الفقهية ببيان القوي والضعيف في الاستدلال بالحديث (الحديث فقط وليس الأيات أو الأدلة العقلية). لذلك كانت مدرسة الفقه هي المعنية بالفتيا وهي ذات منهج سلفي أصيل، ومعنية بالنظر في مسائل لم يرد فيها نص وتحتاج لحل، ويحضرني اختلاف الفقهاء في مسألة غاية في الروعة، تقول، ما الحكم لو شج كبير صغير (يعني لو جرح إنسان كبير طفل صغير في جبهته) هل نقتص بنفس المقدار (كما هو الأمر في القران) في جبهة الكبير وبذلك لن يضره ذلك كما وقع الضرر على الطفل (لأن رأس الرجل الكبير أكبر، ولن يحدث الجرح خللاً في جبهته كالذي احدثه في الطفل ذي الجبهة الصغيرة)؟ سؤال فقهي كبير.
السؤال الآن: ماذا يمثل التيار السلفي (أو التيارات السلفية، لأنهم كثيرون ومختلفون)، ماذا يمثل لي؟ - بالنسبة لي هو تيار دعوي أستمع إلى حديث أو خطب شيوخه لأخذ العظة والعبرة وزيادة الشحنة الإيمانية وتقوية العقيدة. أما وأن آخذ منه معلومة موثقة، معلومة بحثية، معلومة فقهية، فلا ولن أفعل. ولهذا أتوجه إلى إخواني الطلاب أن يختاروا بين أن يكونوا طلاب علم (وبحث ودراسة) أو يكونوا دعاة وخطباء. فالبون شاسع. فإن كنت طالب علم فعليك بالغوص والتبحر في أمهات كتب الفقه وأصوله وتاريخه ومناهج البحث الحديث وفهم النصوص في سياقها، وهنا أنت لست معنيا على سبيل المثال بالجملة الآتية: "الكشاف: وهو تفسير للقرآن، وهو أشهر ما كتب. وقد حذر الشيخ أبو إسحاق الحويني من هذا التفسير، وقال أن الزمخشري كان أكثر الناس جهلا في الحديث" (ويكيبديا)، أما وإن كنت تبغي فقط الدعوة وإلقاء الدروس الدينية، فالجملة إذن لك وأنت لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 110-Al-Baqarah


.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل




.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر