الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود الإسلاميين والأسئلة المنسية

علاء النادي

2011 / 12 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أثبتت الخبرات العملية أن الحركات الإسلامية تأخذ مواقفها في التحول والتغير بحيث تبدو أكثر نضجًا ورشادة، ويمكن الفرز بين مكوناتها بدقة عندما تتاح لها فرص الحضور والانفتاح على فضاء المجتمع الرحب، ويتم استيعابها داخل تركيبة القوى السياسية والمجتمعية والتحاور معها في إطار من القبول والهدوء وطرح الأسئلة والمخاوف بشأنها في إطار من البحث عن حقيقة مواقفها من قضايا المجتمع الكبرى وهمومه الرئيسة. تلك الأجواء هي ما ساعدت على تقدم طروحات ومشاريع الحركات والأحزاب الإسلامية في دول مثل تركيا والمغرب وتونس.
في مصر تبدو الحالة مختلفة، فليست الأجواء هي الأجواء، كما أن طبيعة الحركات والأحزاب الإسلامية الناشطة على الساحة المصرية تبدو هي أيضًا مختلفة، حيث تظهر متحفظة وينتابها الهلع من كل عمليات النقد ومحاولات التقييم والتقويم، حتى لو أتى ذلك في سياق من الجدل الموضوعي حول الإشكاليات المركزية لديها.
حوارات الإسلاميين وخصومهم في الساحة المصرية تقوم على التسعير السياسي والتسخين الإعلامي، ومعارك كسر العظم وتحطيم المنافس، مصحوبة بتمنع شديد وحالة رهاب ما زالت سارية في أوساط الإسلاميين من كل مقاربة نقدية تأتي من داخل الجماعة أو الحزب، أو من خارجهما.
النتائج المترتبة على هذه المناخات ازدياد معدلات الاستقطاب الطائفي والسياسي، وازدياد صعوبة فرص التلاقي حول قواسم مشتركة لتحديد ملامح مشروع وطني تتتشارك في صياغته القوى السياسية والمجتمعية على اختلاف ألوانها، كما أن هذه المناخات تؤدي إلى زيادة التصلب في مواقف الأحزاب والجماعات الإسلامية، وتصدير شعور الملاحقة والاضطهاد لدى أنصارها، بحيث يعاد إنتاج الوضع القديم الجديد داخل بنيتها، والمتعلق بتقديم الحفاظ على وحدة الجماعة والحزب والتصدي لمحاولات استهدافه، واعتباره الهدف المركزي الذي تتوارى إلى جواره كل القضايا والاهتمامات الأخرى، ومن بينها بعض المحاولات الخجولة لطرح أسئلة النقد الذاتي والمراجعات وتصويب الرؤى وإنضاج الأفكار والتصورات.
من المتوقع أن تزداد حوارات الإسلاميين والقوى السياسية المتنافسة معهم اتساعًا في الأيام القادمة، فكلما تقدم الإسلاميون في المشهد السياسي كلما زادت مساحات الهواجس والقلق والمخاوف، وهي بالمناسبة مخاوف وهواجس يمكن تفهمها شريطة أن يجري طرحها في إطار أجواء تتسم بالهدوء والحوار العقلاني، وطرح أجندة أولويات دقيقة لقضايا الاختلاف الرئيسة، والتساؤلات والاشكاليات الحقيقية التي تعاني منها القوى الإسلامية، بعيدًا عن سياسة الاستدراج وجر الخصم نحو قضايا هامشية.
سُئل الإسلاميون كثيرًا عن البكيني والخمر، حتى ظن البعض أن هذه القضايا تمثل المفاصل الرئيسة لأصحاب المشروع الإسلامي، أو أنها قضايا وانشغالات الساعة بالنسبة للمجتمع المصري، والهموم التي تشغل بال المواطن البسيط وكل النخب المصرية المفكرة. لم يسأل أحد الإسلاميين عن طبيعة مشروعهم لحكم تلك الدولة المركزية العريقة التي تكاد تصل لحالة من التفكك، وما هي رؤيتهم وملامح مشروعهم لانبعاثها من جديد وإصلاح ما شاب مسيرتها من عثرات مزمنة وعلل مستفحلة حفرت عميقًا في مؤسساتها وأجهزتها التي أصبحت من العقم والبيروقراطية والروتين بمكان يمكن معه القول أن كل مشروع إصلاحي مهما كانت براعته ولونه الأيديولوجي من المرجح أن تبتعله تلك العلل المزمنة، وتفرغه من محتواه وتجعله حبرًا على ورق. وهل يملك الإسلاميون خبرات وإمكانات التصدي لهذا الخلل الرهيب أم أنهم بحاجة إلى خبرات كل الطيف السياسي المصري لمعالجة هذا الهم الجمعي.
لم يسأل أحد الإسلاميين عن كياناتهم الحزبية الوليدة وكيف ستعمل، وهل ستحاكي ذات الأجواء والمناخات وبرامج التثقيف التي عرفتها محاضن الجماعة والدعوة، أم أنها ستشهد ولادة مغايرة تلبي متطلبات العمل الحزبي ودوره في الحياة السياسية وما يضطلع به من مهام، وهل أنجزوا استحقاقات ذلك التحول النوعي من تركيبة الجماعة إلى الحزب أم أن تجربتهم في طور التجريب الذي ربما يفضي بالأخير إلى "حزب الجماعة" و"جماعة الحزب".
لم يسأل أحد الإسلاميين عن مشروعاتهم القومية الكبرى في مختلف المناحي، وما إذا كانت هذه المشاريع في حال وجودها من الأساس مبنية على معايير مهنية وترتبط بقياسات موضوعية لإمكانية تحقيقها على أرض الواقع، أم أنها لا تعدو كونها شعارات عامة وخطوطًا عريضة لمحض أفكار وتصورات ترتبط بعالم التمنيات والرغبات أكثر من اقترابها من مجال القدرات والإمكانات وحيز الممكن والمتاح.
لم يسأل أحد الإسلاميين عما إذا كانوا يمتلكون استراتيجية للحكم والإدارة والتعاطي مع الشأن المجتمعي وهموم المواطن بشكل عام، أم أن هذه الاستراتيجية مفتقدة تجري محاولة البحث عنها وتجميع خيوطها، وهل لدى الإسلاميين داخل بنية هذه الاستراتيجية في حال وجودها أو إنجازها جداول وأولويات للاهتمامات المجتمعية، وترتيب منطقي وموضوعي لهذه الأولويات بما يناسب حاجيات المجتمع وليس حاجيات الحزب والجماعة، أم أن هذا السلم المرتب للأولويات سيشهد اختلالاً أو تزاحمًا بحيث تضيع البوصلة وتتوه الحسابات والرهانات وتحدث الفوضى والارتباك.
التفت الكثيرون لسؤال الإسلاميين عن كثرة ما حازوه من مقاعد وما سيطرحونه من قضايا أقل ما يقال عنها أنها من سفاسف الأمور، ولم يلتفتوا لسؤال الإسلاميين عن طبيعة التركيبة التي نتجت عن اختياراتهم لمرشحيهم ومدى ثرائها وتنوعها وتمثيلها للقطاعات المجتمعية وأوزان حضور الفئات المهمشة، مثل الشباب والمرأة داخل التركيبة ودلالاتها، وهل تحمل تلك التركيبة مؤشرات تشي بمنسوب ما من التقدم نحو اللحاق بركب التغيير والتحديث الذي افتقدته التيارات الإسلامية داخل بنيتها طوال العقود الفائتة، وظلت تتعلل بصعوبة موقفها جراء مظلوميتها واستهدافها من قبل نظم الحكم السابقة، أم أن تلك التركيبة تشير إلى أن شيئًا ما لم يتغير داخل أروقة الإسلاميين وبناهم ورؤاهم، وأن القوم يسيرون في مجتمع الثورة والشباب والتغيير والتحديث "على قديمه".
تلك كانت مجرد أمثلة يمكن إضافة الكثير والكثير عليها للتساؤلات التي يمكن أن يجري الحوار الهادئ والموضوعي حولها مع الإسلاميين، وهي تساؤلات تهم وتمس مستقبل مصر ومجتمعها وقواها وأحزابها بشكل عام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب


.. البابا تواضروس الثاني : نشكر الرئيس السيسي على تهنئته لكل أق




.. البابا تواضروس الثاني : في عيد القيامة المجيد نتلامس مع قوة