الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو ردّة جديدة

صفاء سلولي

2011 / 12 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك ظاهرة جديدة ينبغي أن نسلّط الضّوء عليها وإن كنّا نخشى حتّى التّفكير فيها خوفا من انتشارها فعلا.و لكنّي أعتقد أنّه من واجبنا أن نزيل حاجز الخوف الذي استحال جدارا بيننا و بين مشاكلنا.و إن لم نهدمه فعلا فستتراكم الآفات و تتضخّم لتصبح متأصّلة في مجتمعنا.ولحلّ المشكل يجدر أن نصغي إلى صوته لنعرف موطن الدّاء كي نعالجه.فإن أخرسنا صوته لن يضمحلّ و يموت بل بالعكس سينمو و ينتشر.
نشهد منذ مدّة في تونس ظاهرة مفادها أن تونسيّين مسلمين قد اتّخذوا النّصرانيّة دينا لهم.و هؤلاء المتنصّرون يزداد عددهم يوما بعد يوم.لذلك أقول إن الأمر يزداد إحراجا و إلغازا و تعقيدا.
و قد اخترت وصف هذه الحركة بالردّة لأنّ الإنسان قد عرف على مرّ العصور أديانا مختلفة قد عرفت تطوّرا و نضجا رافق تطور الإنسان و نضجه.و كلما تقدّم خطوة في تاريخه اعتنق ديانة تستوعب ماهيته.فالوثنيّ كان يرى في تعدّد الآلهة عقيدة قويمة.و عندما ولدت الأديان التوحيديّة أصبح الإنسان يرى في الوثنيّة كفرا و شركا.بل ظلّ ينزع إلى اعتناق الديانة الأكثر نضجا إلى اليوم و هذا ما نلحظه في اعتناق اليهوديّين و النصرانيّين الإسلام يوميّا.و أعتبر ذلك من الطبيعيّ إذ نحن نطلب الأحدث و الأنضج و هذا شأن الإسلام إذ هو خاتم الأديان .و من أجل هذا السبب اعتبرت الانزياح عنه ردّة و اعتناقه تطوّرا طبيعيّا.
لكن و إن كانت المسألة ردّة كما وصفت فلن يكون الحلّ مطلقا في وضع المرتدّين في قفص الاتّهام و وصفهم بالكفّار.فهم يعيشون معنا و لكنّهم كانوا لا يجهرون بعقيدتهم إلا فيما بينهم و الآن و قد أعلنوا عن دينهم لا يمكن أن نلغي وجودهم و أن نتجاهلهم بل هم من هذا المجتمع و نحن لا نطلب بتر أيّ عضو منه مهما كانت درجة اختلافه.
لكنّ المريب في نظري هو أن يصبح الارتداد توجها ليصبح المسلم مسيحيا فيهوديّا فوثنيّا ثم يضيع في الإلحاد.لذلك يجب أن نضع نقاط استفهام أمام هذا الإشكال. لا يمكن أن نكتفي بملاحظة الإشكال فحسب بل لا تعتبر الملاحظة إلاّ المرحلة الأولى من مراحل العلاج.
كما لا يمكن أن ننكر أنّ حضور الدّين في حياة البشر أساسيّ لذلك كان الإنسان يصنع صورة المقدّس.بل يمكننا أن نقول إنّه من خلق مقولة المقدّس فهو الذّي يمنح القدسيّة على مخلوقه المتمثّل في الصّنم قديما.ثم صار المقدّس مقدّسا لكونه مفارقا و خالقا لا مخلوقا.
غير أنّ ما أسهم في ميلاد هذا الإشكال في نظري لا يكمن في الدّين إنّما في المتديّن.إذ كلّ الديانات السّماوية وضعها الله و كانت متعاقبة كما نعرف، فكانت اليهوديّة فالمسيحيّة ثم الإسلام.و لا تشترك هذه الدّيانات في أصلها فحسب و إنما في أهدافها أيضا فلقد وجدت للتّوحيد و السّلم و الخلق الكريمة و التّسامح...
لكن المتديّن قد ينأى أحيانا عن جوهر الدّين و روحه.لذلك لا يمكننا أن نربط بين صورتين لا يتماثلان دائما.و نقصد صورة الدّين و صورة المتديّن.
فلقد تضخمت صورة المسلم تضخّما مرضيّا سلبيّا إذ صارت ترتبط بصورة العنف و الدّم. و هذه الصّورة تراكميّة. فلقد صوّرها التّاريخ و الوهم أو لنقل التّاريخ الحقّ و التّاريخ الكاذب.و لئن اختلط الواقعيّ بالخياليّ فلا نستطيع أن نقول منفعلين إنّ هذه الصّورة غير موجودة أصلا إلا في الأذهان المريضة.لكن نستطيع أن نقول إنّها صورة جعلت فزّاعة ترعب الجميع. و لا شك أنّ لها جذور في الواقع.و رغم أنّ العنف قد ارتبط بشخصيّة المتديّن مهما اختلف دينه و لم يكن حكرا على المسلمين - و التّاريخ يصون الحقائق فكثيرة هي المجازر التي ارتكبت باسم الكنيسة و كبير هو عدد الذين عُذّبوا في محاكم التّفتيش في اسبانيا – ظلّت هذه الصّورة الدّامية لصيقة بالمسلم للأسف.
و لعلّ هذا العنف الحقيقيّ المصنوع جعل المسلمين الذين صدّقوا فنّ الخدع الموظّف في سلاح التّصوير المحترف المنحرف يخلعون لباس المسلم ليرتدون لباسا قد يتغير بتغير الظّرف و الوصف.كما قد ينتهي الأمر بوثنيّة جديدة ليخلص إلى الإلحاد. و هذا أمر خطير علاجه مراجعة دفاترنا القديم منها و الحديث على حد السّواء حتى ننير الصّورة المظلمة التي نسبت إلى هويّتنا التي لم يلطّخها الأجنبيّ فقط بل أصحابها أيضا.فالجّهاد لا يكون و لن يكون أبدا بقتل النّفس البريئة بل بالفكر و رجاحة العقل و إزالة الغشاوة عن العيون.فالفرق بين المسلم و بقيّة المتديّنين يتلخّص في مدى القدرة على تلميع الواجهة التي يطل من خلفها المتديّن.و هذا ما نفتقده.فصحيح أّنّنا انتخبنا خطابا طريفا يظهر المسلم المتديّن متسامحا قابلا لكلّ ملامح الاختلاف و هذا جيد من دون شك. لكنّ المهمّة الأصعب أن يكون الخطاب صادقا قادرا على تحقيق المصالحة و رسم بذور الثّقة.كما يجب أن لا نهرب من تاريخنا بل نعيد قراءته لنصوّب الأخطاء التي أسندت إلينا و نقطع مع الأخطاء التي ارتكبناها و لا أن نتناساها و نكذّبها كما نفعل دوما فهذا يتنافى
و المصالحة التي نطلب. إذا غيرنا من طبعنا الذّي ينحو نحو الّتكذيب و الرّفض كلما قيل عنّا شيئا ما سننجح في إقصاء الصّور الفاسدة الزّائفة التي نمقتها جميعا.بالإضافة إلى ضرورة الاعتراف بالآخر حتى إن خالفنا أو اتّخذ دينا آخر.فمن عيوبنا أنّنا عندما نسعى إلى الإقناع بمشروعنا و بأطروحتنا ننزلق بسرعة في دائرة العنف المعنويّ أو الماديّ.و إن تجاوزنا ذلك صرنا على الطّريق الصّحيح و لن ننفّر من اعتناق الإسلام بل على العكس سنرغّب في اعتناقه.
فالفكر و التعقّل كفيلان بهدم أصنام الإرهاب و العنصريّة و العنف و الأوهام.كلّها أصنام صنعتها عقول مريضة ترى في الدّم طهارة و حماية لراية الإسلام.في حين أنّ الإسلام لا يحتاج إلى حمايتهم المدنّسة بقدر ما يحتاج إلى إزالة الشّوائب عن المسلمين الذّين شوهوه.
حان الوقت لنغيّر حقّا وجهة الخطاب الإسلاميّ من خطاب يرمي إلى دفع التّهم بأسلوب قوامه العنف مندّدا بالوحل الذّي أرادوه له كي يُلطّخ سبيلهم و من ذلك نعدمهم في صورة الضحيّة، إلى خطاب صادق لا يتنصّل من زلاّته بل يكون إلى الحقيقة أقرب.فكفانا من ازدواجية الخطاب الذّي مللنا زيفه و خبرنا تمويهه و كفانا من العنف الذّي شوّهنا.نريد سلما يدعو إلى اعتناق إسلامنا و يزيد من تشبّث المسلمين به.نطلب تغييرا لا إصلاحا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالمختصر
جورج كارلن ( 2011 / 12 / 31 - 18:06 )
والله بالمختصر يا خيتي . انا قفزت مرة وحدة من الإسلام للإلحاد . اختصاراً للوقت بما ان العمر قصير وكفاية ضياعة وقت ومن ناحية اخرى الأديان كلها تشبه بعضها , تقديس رجل مسن جالس في مكان ما من السماء لا احد يراه , وكراهية كل من لا يعتقد به وقتاله واستحلال امواله واعراضه ومحاربة العلم وأي شيء يسعى لتحرير البشرية


2 - لماذا التدليس؟؟؟
فهد لعنزي السعودية ( 2012 / 1 / 1 - 04:12 )
الاخت الكريمة لقد تعودنا نحن المسلمون من سماع عبارات منمقة وشعارات رنانة لا اصل لها ولا صحة الا لمجرد اللعب على الذقون ولاسيما ذقون اؤلائك الذين لا يقرؤون وان قرؤوا لا يفهمون وان فهموا لا يطبقون.انت تقولي:(هذا ما نلحظه في اعتناق اليهوديّين و النصرانيّين الإسلام يوميّا.).!. فهل لك ان تطلعينا على اسماء اؤلائك اليهود والنصارى الذين يعتنقون الاسلام يوميا حتى يتنين الخيط الاسود من الخيط الابيض؟؟.لقد سئمنا من سماع دعايات كـ قول ثبت علميا او اثبت علماء الغرب ان الذباية تحمل داء ودواء في جناحيها بدون اي مصدر موثق الا لبيع الاوهام.اختي الكريمة ان ظاهرة التنصر ليس مقتصرة على تونس فهي موجودة في السعودية ولولا حد الردة لرايت العجب العجاب.بل اوؤكد لك بان كثيرا ممن اعرفهم الحدوا وانا شخصيا وبعد قرآئتي للنمذاهب الاسلامية وما تحويه من تناقضات وعدوات بين ابنائها كـ تكفير الشيعة او كل من لا يعتنق المذهب السلفي كانت لدي قناعة بان الاديان هي من صنع الانسان وليس لها علاقة برب الكائنات وهو بعيد كل البعد عن هذه الترهات. هل من المنطق والعقل بان الله يترك دينه للغنوشي وآل الشيخ والولي الفقيه يفسرونه كم بشاؤن؟

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تنصب الكمائن لكل م


.. تغطية خاصة | صواريخ المقاومة الإسلامية في لبنان تواصل انهما




.. عظة الأحد |القس يوحنا جورج-مسؤولية محبة الآخرين تخلي الروح ا


.. إسرائيليون يطالبون بصفقة في ما يسمى بيوم الغفران اليهودي




.. 93-Al-Aanaam