الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق.. والثوابت الوطنية

سامي فريدي

2011 / 12 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


العراق.. والثوابت الوطنية
الفقرة الاولى في الدستور العراقي تتضمن تعريفا لماهية العراق باعتباره دولة عربية وذلك بحسب النظام السائد، ففي الدستور الملكي كلن (مملكة عراقية) وفي الدستور الجمهوري كان (جمهورية عراقية) وفي دستور الاحتلال كان (دولة اتحادية). أما الشعب العراقي فهو يتكون من عدة قوميات وأعراق يشكل العرب القومية الرئيسية فيه، وفي الدستور الجمهوري تم تسمية الشعب العراقي بأنه يتكون من (القوميتين العربية والكردية)، أما دستور الاحتلال فتضمن مقدمة انشائية طويلة تضمنت قائمة اسمية لعديد الأعراق والاجناس التي استوطنت أرض النهرين منذ سومر حتى اليوم، دون توضيح الأهمية السياسية لتلك المسميات في التشكيل السياسي الجديد، مساويا بين الاقليات المندثرة والمستمرة من جهة، وما بين الاقليات الصغيرة والأغلبيات. أما على صعيد التطبيق فقد استأثرت فئتان أغلبيتان (شيعة/ كرد) بالسلطات الثلاثة. وترك للأقليات حق الانضمام والانصهار في الأغلبيات، من الناحية العملية.
فالثوابت العراقية بحسب الدستور ليست سوى طوارئ دهمت تاريخ البلاد، وبالتالي فهي شرعنة الطارئ مقابل تهميش الثابت. أن القوة المتسلطة تعمل على طبع كل شيء في البلاد بطابعها، حتى تظهر قوة جديدة تطيح بها وتفرض نفسها على البلاد. هذه الاحتلالات الشمولية المتعاقبة في تاريخ العراق، مارست تغييبا مستمرا للذات العراقية وثوابت الكيان العراقي. وهي السبب الرئيس عن تشوّه الكينونة العراقية ودمار خصائص الهوية العراقية، التي كانت الرائدة عالميا ذات فجر تاريخ قديم. تلك الخصائص الحضارية والانسانية التي سبق أن انتقلت إلى أرض سورية ومصر والاغريق والهند، تختفي في أرض المنشأ، وفي حين يحتفل أهل تلك البلاد بها وببلادهم، لما تزل تلقي الجحود والتجاهل في موطنها الأصلي.
يفضل البعض الاتجاه باصبع الاتهام نحو المثقف المنتمي الذي تنصل من دوره الوطني منساقا لمصالحه الخاصة على حساب المصلحة الوطنية أو القومية*، على اتهام أي من عناصر السلطة التي تعتمد مبدأ العقاب والثواب المباشر.
يعاني العراق من حالة راهنية مشوهة، تحتمل مسؤوليتها حكومات الراهن، لكن حالة العراق الراهنة لها عمق تاريخي وتكرار متداول بادل بين مواقع الصح والغلط والطارئ والثابت والأصيل والدخيل. وقد ترك هذا الواقع أثره السلبي على الناس في حال من حيرة وضياع للامساك بخيوط المشكلة الموصلة إلى حل. التعبير الدارج للمشكلة عند العراقيين هو (شليلة)-وهي شدّة الخيط الضايع راسها-. و(الشليلة) هي رمز للمشكلة المعقدة (complexed problem) التي لها مضاعفات وتداخلات قديمة تتجاوز الراهن والسطحي.
ان توجيه الاحترام الكامل لأهل البلاد الأصليين، وحفظ مكانهم ومكانتهم السيادية داخل المكون الاجتماعي الوطني هو احقاق للثابت القومي الذي صنع من أرض الغرين وطنا سجل الفباء المدنية والحضارة الانسانية، وجعل من سهولها وصخورها وروافدها امبراطوريات حققت من التقدم العلمي والعقلي والديني ما شكل ثوابت الحضارة والتقدم العقلي العلمي وقواعد الفكر الديني التوحيدي. لن يكون ذلك غير عودة صغيرة للذات، تضاهي مظاهر الحضارات العراقية القديمة وثمارها الشاهدة في المنجز الحضاري الانساني الذي يمكن رصده في كل مكان من العالم ما عدا أرض المنشأ. لماذا؟؟؟.
لماذا لم تتكيف الجماعات الوافدة مع خصائص المكون الأصلي، كما هو الحال في تاريخ مصر الفرعونية التي أخضعت معظم غزاتها لمنظومتها القومية وجعلت منهم ابطالا قوميين مصريين رغم اصولهم الهكسوسية والاشورية والاخمينية والرومانية، بينما عمل غزاة العراق على مسخ المكون الوطني بحسب ألونهم وأهوائهم المتغيرة مما انعكس سلبا على الأثنين (الماسخ والممسوخ). وقد فات هؤلاء أن كل غزو جديد يمسح (يمسخ) ما سبقه، وبالتالي فاتهم احتمال الاحتماء بالمكون الأصلي للوطن. وفي مصر ليس من السهل فرز عناصر الغزو المتعاقبة في تاريخها، بينما لا تكاد تجد ثمة صعوبة في الحال العراقية.
في مقابل ذلك، ما هو المنجز الحضاري والانساني، العلمي والمدني، للأغلبيات النافذة في العراق اليوم؟.. ما قيمة الكم البشري الذي لا يتوازن مع النوع الانساني؟.. ان مصانع الانجاب البشري هي بالتأكيد أنشط وأسهل من مصانع الانتاج العقلي والعلمي. واليوم تشكل الجماعات ذات الكثافات السكانية عبئا على النظام الاقتصادي والأمن الستراتيجي العالمي. ان المجموعة الأوربية هي أقلية بالقياس لقارات آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ولكن أوربا هي التي تقود ركب العالم مذ ما يزيد على ثلاثة قرون، وقد قدمت خدمات تاريخية مدنية متصلة نقلت البشرية من الظلام إلى النور، ومن البدائية إلى حياة الحضارة والتمدن والتقدم المستمر، ومن أفضالها تعتاش كل البشرية.
لو حفظت الاغلبيات حقوق الأقليات العرقية في بلادها الأصلية، لاستمر نهر العطاء الحضاري والانساني على صعيد العقل والثورة المدنية، بدلا من الاغراق في هوس القوميات الشوفونية التي تستخدم أساليب القهر لقمع المختلف والاطباق على السلطة العمياء. في أطار هذا المنظور يتطلب مناقشة الحق المقدس للأغلبيات في سيادة البلاد وقمع انسانها ومستقبلها بين التشيع والتكريد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• لا يوجد في قاموس الثقافة العراقية تسويغ لمصطلح (قومية عراقية) أو (أمة عراقية)، ويعاني مصطلح (شعب عراقي) من خلل بنيوي على صعيد التطبيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بلا تمييز
هادي حسن ( 2012 / 1 / 1 - 01:59 )
وهل سكان العراق لم يأتوا إليه تباعاً وبهجرات مترادفة جزيرية في أغلبها،أي من الجزيرة العربية،من قبل السومريين مروراً بالأكديين بشقيهم البابلي والآشوري ومن ثم الكلدانيين والآراميين والأنباط وأهل الحيرة والحضر وتبعهم العرب المسلمون وهم كلهم يعودون لعنصر واحد وأرومة لغوية واحدة.فمن أين جائت أصالتك وتميزك الحضاري المزعوم؟وهل حضارات العراق القديمة كانت مسيحية حتى ترثها أنت وحدك ؟ أم هي إرثاً لكل العراقيين؟وهل الحضارة العباسية العربية الأسلامية بعاصمتها بغداد التي سادت العالم لقرون كانت في المريخ ؟ طيب وما رأيك بالهتيارية - الآثوريين - الذين جاؤوا للعراق فقط مع الأنكليز في بداية القرن الماضي؟ العراق بالرغم من أن أكثر من ٩٥ بالمائة من أهله يدينون بالأسلام و٨٥ بالمائة من سكانه هم عرب إلا أنه هو لكل ساكنيه ولكل أهله بلا تمييز

اخر الافلام

.. شبكات| فيديو يظهر شجاعة مقاومين فلسطينيين في مواجهة جيش الاح


.. شبكات| مغاربة يدعون لمقاطعة مهرجان موازين بسبب غزة




.. عمليات البحث عن الرئيس الإيراني والوفد المرافق له


.. خبيرة بالشأن الإيراني: الدستور الإيراني وضع حلولا لاحتواء أي




.. كتائب القسام: استهداف قوات الاحتلال المتموضعة في محور -نتسار