الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات زبال في ليلة رأس السنة

حسن الشرع

2011 / 12 / 31
المجتمع المدني


حتى وان مات هو و أبوه وابنه فلأن مظلوما لا يعرف القراءة والكتابة فسأتولى كتابة مذكراته...
لا عرف سببا يبرر لهم أن يذكروا مهنتي في بطاقة هويتي أو جواز سفري رغم أنني كنت أرى أن المهنة قد تكون طفلا أو طالبا أو.. بلا و الكثير منا لا يخبرك القول الحق عندما يدعي انه اختار مهنته عن حب وعن رغبة.
فالكل في بلادي يرغب أن يكون ملكا أو رئيسا أو وزيرا و ربما طبيبا دون أن يكون على استعداد لخدمة المرضى، لم أقرا أو أسمع أن زبالا ذكرت مهنته ذات يوم في هويته أو جواز سفره..من المؤكد أن ذلك الأمر لم يكن ليتعلق بالمقام أو بالكرامة أو اللياقة أو حتى الحرج لان السلطات في بلادي غالبا لا تقيم وزنا لحياة الناس إذن فمن باب أولى فإنها لا تدرك ما أقول.
لم يكن أبوه طبيبا اومهندسا أو اوتاجرا أو نائبا أو قاضيا أو سفيرا لكن كان عاملا في شركة للمشروبات الغازية(النجوم) صباحا وظهرا وعصرا وبائع سكائر تحمل علامة (تركية) ليلا وكان شاعرا حالما يحول كل موقف إلى بيت من الشعر وكل أزمة إلى قصيدة وكل مأساة إلى ديوان شعر يغنيها بصوته الجنوبي الحزين ،ذلك هو أبو مظلوم.
كان مظلوم فرحا جدا عندما اخبره فراش مدير البلدية في بلدته أن بإمكانه أن (يتسنم) مهام عمله الجديد مستخدما وبراتب شهري مقداره احد عشر دينارا وأربعمائة واثنان وستون فلسا وان عليه أن يحضر في الساعة السادسة صباحا إلى دائرته ليتسلم مكنسة مصنوعة من سعف النخيل يستلمها بذمته إمضاءا لأنه لا يعرف التوقيع...سترافقه هذه المكنسة طيلة الموسم إلى أن يتم الكشف عن عدم صلاحيتها للتنظيف، وسيأخذها معه يوميا للبيت عند انتهاء عمله ويذهب إلى كوخه مستقلا باص (المصلحة)الأحمر اللون.
كان الأب أكثر جرأة من الابن فلقد غير مهنته مرات عديدة قبل أن يأتي من إحدى قرى الجنوب إلى العاصمة المكتظة التي تغلفها بيوت الطين.لا احد يكترث به أو مهنته أو حتى معيشته وحياته...مظلوم هو ابن زوجته الثانية بعد الهجرة.أما مظلوم فقد حصر جل فكره بين المراقب وانتظار باص المصلحة وخوصات مكنسته المباركة والتي يخاف عليها من التساقط في الإسفلت الخشن والحار على الرغم من انه كان يطيل النظر كثيرا أثناء تأديته لواجبه( المقدس)إلى سيقان النساء ويتأمل حلاوة لهجتهن التي شقت عليه كثيرا. ما جعلته وسامته يتكلم معهن بصوت منخفض خجول صارفا النظر عما يحب استراقه من خزين هو زاده في نومه...ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك. لم يكن مباحا له النظر إلى ما يمتع البصر فتلك ليست وجبته وذلك ليس لباسه رغم ان الأمر كان دائما في مقدوره .تزوج ابنة صديق أبيه الذي كان يعمل معه عامل بناء يوما ما والذي أصبح فراشا في مدرسة ابتدائية قبل أن يأخذه القوم إلى رحلة سياحية صيفية مميتة بالقطار إلى السماوة...بعدها لم يعرف عنه أي شئ.
لم يكن محبا لعمله قدر ما كان يخيفه من احتمال معاقبته أو طرده ،حينها لا يعرف ماذا سيعمل وكيف سيعيش بعد أن أصبح أكثر اعتمادا على نفسه...فهو مازال يحب اللعب واللهو مع الأولاد الصغار رغم انه يشرف على طوي العقد الثاني من عمره الذي لا احد يحفل أو يحتفل بسنواته...خرج ذات يوم مبكرا للعمل حاملا مكنسته إلا انه وجد حارس مبنى البلدية واقفا عند الباب والظلمة لم تنقشع بعد.من هذا ...؟ مظلوم؟ نعم .ما الذي اتى بك ؟ اتيت مبكرا دون أن افطر فلقد تاخرت صباح امس بسبب انتظار باص المصلحة ، قال الحارس متعجبا : لكن اليوم جمعة !!عاد دون يقول حرفا واحدا.
وذات يوم جلب إلى ولده هدية إنها سيارة بدون عجلات قدمتها له سيدة عجوز بعد أن اخبرها بولعه بالسيارات لكنها لم تعجب الطفل الذي سال عن عجلاتها. وعده بجلبها له ولم يف بوعده أبدا.حتى الهدايا قديمة وناقصة، لكن الطفل سرعان ما فهم إن والده معذور وان الأمر يكمن في مهنته وكل ما عليه أن لا يتكلم وهو يأخذ معونة الشتاء، سترة بمقاس كبير و حذاء (باتا) ابيض اللون.
مات أبو مظلوم وترك لأبنه إرثا كبيرا إنها ديون لا يقوى على سدادها من كانت له مكنسة وجاه معدوم وابن محروم وقلب مهموم.
يحز في نفسه أن لا يقيم له الناس وزنا وهو الذي لولاه لغرقوا بأكداس أزبالهم وقمامتهم فهو سبب نظافتهم ومع ذلك فإنهم يطلقون عليه (أبو الزبل )والواقع انه( أبو النظافة)...كل ذلك حصل لأنه بن ضحية لإقطاعي ...لقد كان أبوه متمردا على مهنة الشيخ والسركال والملك...لا يهم أن تكون ملكا أو زبالا فعزاؤك أن المهنتين لا تذكران في هويتك. الملك بحاجة إلى زبال لكن الزبال قد لا يرى الملك ولا يعنيه أمره قط. ربما كان في ذلك شئ من الجحود فقد حصل الزبال على ارث أبيه بيتا بناه على قطعة ارض صغيرة وهبها له الزعيم.
مات الزبال كمدا بعد أن قتل ابنه في الحرب ، دون أن يكون هنالك من شئ سوى أوراق لا يعرف مظلوم قراءتها ولم يدرك ابنه معناها في حياته وحياة جده وأبيه ...أوراق لا تصلح لمحاكم نزاعات الملكية.لا يكفي أن تكون محاميا فتدرك كم هو مظلوم مظلوم ..ليس لأنه زبال بل لأنه ليس بن ملك.
كتب الملك في مذكراته ليلة رأس السنة لتحضروا الزبال لينال مكافأتي، فانه كان أمينا مخلصا وديعا...لكن الملك لن يبر بوعده وعذره أن الوزير هو السبب ...تذكرا بعد فوات الأوان فقد مرت سنة أخرى
ستضل مدينتنا قذرة لان الزبال مات ولان الملك مازال حيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً- رئيس تشيلي: الوضع الإنساني في غزة


.. الأونروا: ملاجئنا في رفح أصبحت فارغة ونحذر من نفاد الوقود




.. بعد قصة مذكرات الاعتقال بحق صحفيين روس.. مدفيديف يهدد جورج ك


.. زعيم المعارضة الإسرائلية يحذر نتنياهو: التراجع عن الصفقة حكم




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مسؤول الأغذية العالمي في فلسطين: