الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلامنا .... نحن من يحققها

إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ

2012 / 1 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أتدرون؟ تمر علي أوقات اشعر فيها بأسى، يمتزجُ كثيراً بالقرف.
أتعرفن؟ وكلما حاولت أن اعبر عن هذا الأسى، اجدني والكلمات مشلولة.
ولأن الأمر كذلك، ارتأيت ان اصمت إلى حد، ثم أتابع بنهم ما يحدث في بلداننا.
أتابع ثم اتأمل.
فهناك اوقات يتحتم فيها على الإنسان أن يصمت، كي يتخذ موقفا.
وعندما يقرر، سيكون عليه أن يترك الصمت، وأن يعمل من أجل قراره. لأن موقفه هو مصيره.
وقد قررت. ولذا ارتأيت من جديد أن اترك الصمت، وادون بالكلمات ما رأيته ثم ما قررته.
فلا تجلفن. بل تمعنَّ، ثم قرروا. ففي النهاية، مصيركم بأيديكم. مصيركن بأيديكن. والعجز ثم الاستسلام لم يعد خياراً. لأن أحلامنا، أحلامنا، نحن من يحققها. فلا تنفضن ايديكن الآن، لأن المعركة، المعركة، عزيزتي القارئة عزيزي القاري، لم تبدأ بعد.
-------
أن تنجح الحركات الإسلامية في الانتخابات الجارية في كل من مصر وقبلها تونس والمغرب ليس مستغرباً. وأن تنجح الحركات الإسلامية في استلاب الثورات الشبابية في اليمن ومصر وتونس وليبيا، رغم انضمامها المتأخر إلى ركب الثورات، ليس مستغرباً هو الأخر.
فالأمر كان متوقعاً.
ألم اقل ذلك من قبل؟
كان الأمر متوقعاً.
لماذا؟
لأسباب ثلاثة.
الحركات الإسلامية بتعددها كانت ولازالت القوة السياسية الأكثر تنظيما في مجتمعاتها. لديها قاعدة تنظيمية، يعود تاريخها إلى الثلاثينات من القرن الماضي، مكنتها من حشد الجموع لصالح رؤيتها.
الأهم، هو أن تلك الحركات الإسلامية تتمتع بتأييد مجتمعي واسع. سيكون من الخطأ تجاهل هذه العنصر. تماماً كما أنه من المهم التأكيد على أن هذا التأييد لا يرتبط بالدين في المقام الأول. هي "خدمية اقتصادية" في الأغلب.
كثير من الدول العربية المستبدة فشلت في تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، وعندما سحبت يدها من المناطق المهمشة في مجتمعاتها، ولدت فراغاً قامت الجماعات الإسلامية بملئه.
حركة الإخوان المسلمين تمكنت من تقديم خدمات تعليمية وصحية بأسعار رمزية للمواطنين والمواطنات في المناطق العشوائية في كثير من البلدان. وهي خدمات يتم تقديمها مع عبوة إيديولوجية، على من يستلمها أن يفتحها ثم يتجرعها، وغالباً ما يفعل ذلك وهو مبتسم.
هل نلومه؟ أم نلوم دولنا الفاشلة؟
أذكر ما قاله لي زميل صديق عن والده، الذي كاد ان يكون ملحداً. ثم بدأ يتردد على مسجد قريب في منطقته تسيطر عليه جماعة إسلامية. ثم اخذ يواظب على الصلاة فيه كل جمعة. سأله الزميل الصديق: "ابي، كيف تصلي معهم وأنت غير ذلك؟" رد عليه الشيخ الطاعن في السن: "هم الوحيدون الذين دفعوا لي ثمن دواء القلب"!
هل نلومه؟ ثم هل نستغرب بعد ذلك عندما يذهب إلى صندوق الاقتراع ويصوت لصالح من دفع له ثمن دواءه؟
----
هذا لا يقلل من أهمية الرسالة الدينية للأحزاب الإسلامية. لأنه عنصر يجب الانتباه إليه. والمسألة هنا لا تتعلق فقط بمنظومة فكرية سهلة، تقدم حلولاً جاهزة للإنسان، كي يمارس يومه دون تفكير.
لا.
المسألة أعقد من هذا.
هي تحديداً تتعلق بحاجة إنسانية أساسية للروحانية.
لا أظنني اردد شيئاً جديداً عندما أقول، إن كثيراً من الأحزاب "اليسارية" او "القومية النصف علمانية" تماماً ككثير من التيارات الفكرية "الحداثية" تجاهلت الجانب الروحي للإنسان في محاولتها لتقديم حلولاً مجتمعية لواقعها.
كثير منها قدم تحليلا مميزاً وتفكيكاً معمقاً لأوضاعنا المجتمعية، لكنه تجاهل عند حديثه مع الإنسان أنه لم يُخلق من مادة فقط.
هناك جانب روحي يحتاج إلى إشباع.
وهذا الجانب الروحي ليس امراً "ميتافيزيقاً" "غير عقلاني"، "يسخر" منه مثقفونا صامتين؛ بل هو احتياج إنساني يفرض علينا أن نتعامل معه باحترام.
باحترام أيها الأعزاء والعزيزات.
باحترام.
وعندما نتعامل معه باحترام سيكون من الضروري علينا أن نقدم تفسيرات ورؤي متعددة، أكرر متعددة، وتتجاوز التفسيرات القرواوسطية التي تمثل زاد الكثير من الحركات الإسلامية.
سيكون علينا أن نقدم البديل ثم البدائل.
----
السبب الثالث لنجاح الحركات الإسلامية يتعلق بالتمويل الذي يحوزون عليه من جهات حكومية ومنظمات إسلامية في دول خليجية وعلى رأسهما قطر والسعودية.
وهي جهات ومنظمات تروح لمشروع إسلامي سياسي للمنطقة، يبتعد بها عن روح الثورات الشبابية المطالبة بمفاهيم المواطنة المتساوية، الحرية، العدالة، الكرامة، ونظام حكم يحاسب فيه الحاكم والمسؤول عن فعلهما، ويمكن تغييرهما من خلال صناديق الاقتراع.
لاحظا ان كل هذه المفاهيم لا تطبق لا في قطر ولا في السعودية. بل تقف الدولتان على طرفي نقيض من هذه المشاريع.
هل نسيتما كيف جرد أمير قطر الحالي في عام 2005 نحو خمسة ألاف قطريين من قبيلة المُرة من جنسيتهم القطرية بجرة قلم.
بجرة قلم.
ناموا قطريين، واستيقظوا بلا جنسية!
ثم من يسأل امير قطر ووزير خارجيته والأسرة الحاكمة السعودية عن أموال النفط؟ اين تذهب؟ وإلى جيوب مَن تتسرب؟ من يجرؤ على سؤالهم عما يفعلون؟
ثم هل وفروا المواطنة المتساوية لمواطنيهم ومواطناتهم؟
كلنا نعرف أن النظامين الحاكمين في قطر والسعودية، مستبدّين، هما والحكم الرشيد على طرفي نقيض.
ولذلك سيكون من المهم بالنسبة لهما أن ينقّضا على أحلام شبابنا وشاباتنا، ليس فقط في الدول المجاورة، بل في دولتيهما هما أولاً، من خلال الضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه المطالبة بالتغيير في بلديهما، ثم من خلال تقديم الدعم للحركات الإسلامية العربية، التي لم تحسم إلى يومنا هذا موقفها من مفاهيم المواطنة المتساوية، حقوق الإنسان، والحكم الديمقراطي بما يعنيه من تداول سلمي للسلطة ومساءلة لمن يصل إلى السلطة.
----
ولذلك، قلت لكما إن المعركة لم تبدأ بعد.
المعركة لم تبدأ بعد.
لأن التغيير في مجتمعاتنا مسار شاق طويل، سيكون علينا أن نمهد الطريق له بأيدينا عارية.
أن تنتصر الحركات الإسلامية في الانتخابات التي جرت في مصر وتونس، كان أمرأ متوقعاً.
لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا اليوم، هل ستنجح هذه الحركات في الانتخابات المقبلة؟ والأهم، هل ستقوم هذه الحركات بتغيير أساس الدولة المدني وتحولها إلى كهنوت ديني؟
انا لا أدعو إلى إقصاء هذه الحركات الإسلامية من المسار السياسي. لأن الديمقراطية تعني أن تشارك كل القوى السياسية الفاعلة في العملية السياسية.
ما أدعو إليه هو أن لا نصمت عندما تبدأ هذه الحركات في تقويض مفاهيم المواطنة المتساوية، حقوق الإنسان، والديمقراطية باسم الدين.
ليس الدين هو ما تدعو إليه هذه الحركات.
ولذا سيكون علي كل من يقدر أن يكون ضميراً لوطنه.
فلا تصمتوا خائفين. لا تصمتن خائفات.
ثم لا تلعنوا "الشعب" الذي "لا يعرف مصلحته".
نحنُ مَنْ لم يعرف كيف يتحدث إلى هذا الشعب، وكيف يصل إليه.
وسيكون علينا أيضا أن نقدم البديل ثم البدائل.
نحن. لا غيرنا.
بديلاً مفهوماً.
بديلاً يحترم الإنسان بعقله وروحه وجسده.
واكرر، لنكن ضميراً للوطن. الوطن الإنسان. ذلك الذي نحلم به.
لأن مصيركم بأيديكم. مصيركن بأيديكن.
والعجز ثم الاستسلام ليس خياراً.
أحلامنا، أحلامنا، نحن من يحققها.
نحققها على أرض الواقع عندما تكون أنتَ وأنتِ، موجوداً.

موعدنا الأسبوع المقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيه
خلدون ( 2012 / 1 / 3 - 15:37 )
أوجه لك سيدتي احر تحيه
فمنذ زمن لم أجد عند منتسبي مدرسك طرحا متوازنا كطرحك
الدفع بالمفاهيم العلمانية اليسارية في مجتمعات روحانيه يعتبر ضربا من الجنون لأنه سيؤدي لتأجيج نار صراع بين طرفين غير متكافئين
ففي الوقت التي استثمرت فيه التيارات الدينيه الظروف السائده لأرساء مفاهيمها و مد جسور التواصل بينها و بين المجتمع كانت التيارات اليساريه تعتبر الظروف السائده هي باكورة انجازاتها نحو التطور مما نتج عنه شرخ كبير بينها و بين مجتمعاتها، بل وصلت ببعض اليسارين بسبب قربهم من مراكز القرار في السلطة السابقة بالنظر بتعالي و ازدراء لمجتمعاتها ناعتة اياها بالتخلف و عدم القدرة على التطور
الخطر الاكبر الذي يهدد هذا التيار هو صورته المرتبطة بشكل وثيق برموز الانظمة السابقة، ويعتبر من فلول تلك الانظمة، وأي طرح تواجهي مع التيارات الاخرى سيكون بمثابة انتحار
الاجدى ما ذكرتيه في مقالتك، وهو العمل على مد جسور التواصل مع افراد المجتمع، و محاولة الارتباط مع التيارات الدينية على الساحة السياسية من خلال نقاط إلتقاء،
دعونا لا ننسا أن هذه التيارات تحتاج لليسارين في تشكيلتها و تكونها الجديد لكسب الدعم العالمي ولتبدو بصورة متطورة و مختلفة عن ما كانت تنشر لها من قبل الانظمة السابقة

ليسوا اعداء بل ألوان أخرى نحتاجها لرسم صورة جديده لمجتمعاتنا التي تعيد ولادتها من جديد
وتماما كاي طفل يمكن أنشائه على مفاهيم صحيحة أن احسنا تربيته


2 - الاستاذة الهام
ابواحمد1 ( 2012 / 1 / 3 - 20:45 )
احيي الاستاذة على رؤيتها واقول ان الصراع بين الاسلام وما عداه ليس بسبب الاوضاع الاقتصادية ولا الظلم الذي وقع على الاسلام واتباعه من الانظمة التي حاولت استاصال الاسلام لحساب اعداءالامة والذين يكفرون بالاسلام ويرون فيه عدو للدين الذي يؤمنون به كالديمقراطيين لا الومهم ولومي منصب على الازدواجية في خطابهم الذي كشفت حقيقته الجماهير وهو انهم كانوا جزء من المنظومةالحاكمة التي داروا حولها وكانوامن افرازاتها وعندما زالت الانظمة كان لا بد ان يزول معها كل ما صنعته من طبقات سياسية اعتمدت غالبا عليها في حربها على عقيدة الامة ومحاولة الايحاء ان التيارات الاسلامية التي ظهرت بقوة في الانتخابات بانهم صناعة ال سعود وال حمد فهم كالانظمة تماما ان لم يكونوااشد حربا على الاسلام من الانظمة التي نراها تتساقط تحت ضربات الشعوب انظمة الخليج تدرك ان عدوها اللدود هو الاسلام لانه لا يقرها على ما هي عليه من ظلم وسرقة لمقدرات الامة وهم يدركون ان الدائرة ستدور عليهم والذي لا افهمه والاخت الكاتبة تناى بنفسها عنه هو الاسلام فلماذا هذا العداء مع الاسلام وهو الدين الوحيد الذين ضمن للبشر جميعهم اساسين جوهريين العدل والحرية


3 - اول شيء,اهلا بعودتك استاذة الهام
بشارة خليل قـ ( 2012 / 1 / 4 - 15:25 )
لن نصمت..والاهم من هذا انهم لن يستطيعوا تكميم افواهنا وكسر اقلامنا لانها اصبحت خارج سيطرتهم وسيطرة اي كان: فالانترنت والفضائيات بمرور الوقت كفيلة باخراج شعوبنا من هذا الحلم الرومانسي الذي اضفى على الاسلام صفة العصى السحرية واصبح الحل وسيمسي هو عينه مشكلة المشاكل طال الزمان او قصر
هم الان على المحك ونحن لا نستهين بقدراتهم على التلون وتبرير مساوئهم..قالت الناس لنجربهم..فلينعموا بهذه التجربة التي لن يخرجوا منها كما خرجوا من سابقتها..غزة هناك قابعة لتشهد..اصبح الغزيين يكرهون كل ما يمت لحماس والاسلاميين بصلة..فلينعموا بحلمهم
تبا للبترول ولريالات حمد وسعود وكل الرجعيين الذين باتوا يلعبون دور حماة الديمقراطية
تحياتي لك



4 - كل شي لا الاسلام البدوي
حسين الخزاعي ( 2012 / 1 / 4 - 22:03 )
سنين طويلة والعلمانيون يحكمون من قومين وشيوعين الى غيرهم وحال امتنا يبكي العدو قبل الصديق دعو الاسلامين يجربوا حظهم فان نجحوا واسعدوا المجتمع تحقق الغايات جميعا والا فان ركب الديمقراطية المتحرك سوف يلقي بهم على قارعة الطريق لا تخافوا من الاسلامين نعم ....كلنا يخاف من وصول الاسلام البدوي السلفي الوهابي الى السلطة لانه لايفهم غير لغة البعران والذبح هنا انا اتفق معكم لانا رايناه كيف صنع في افغانستان والعاقل لايلدغ من جحر مرتين


5 - نحترم من سيدتي؟
رعد موسيس ( 2012 / 1 / 5 - 20:31 )
شكرا عزيزتي الكاتبة
وهل هذه الشريعة المليئة بكل العقد والامراض النفسية واستحقار المرأة والاخر على مر التاريخ تسميها حاجة إنسانية أساسية للروحانية؟
سيدتي
عندما يعالج الطبيب المريض فهو يحترمه ويحارب المرض بكل طاقته
التكلم عن بشاعة المرض ليست اهانة وعدم احترام للمريض
اذا لم تنقدي لن يقبلوا بالبديل
تحياتي

اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran