الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقد ذبحني الغبي لابارك الله فيه ؟

احمد مصارع

2004 / 12 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد ذبحني الغبي لابارك الله فيه .؟
لقد وضعت عنوان مقالتي هذه تقديرا لعبارة وردت في مقالة أخي العزيز كامل السعد ون , ولأنها أضحكتني من كل قلبي وبطفولة , وحتى لايراني الواشي أضحك بلا مبرر فلذلك هربت الى نهر الفرات , وسط بحيرات البط وحيث لايراني أحد أضحك بين الفينة والأخرى , من العبارة التي اخترتها تقديرا له , وقد كدت أقول أتحدى من يقرأ المقالة ويصل في سياقها الى لحظة الذبح اللعينة , ويكتم ضحكته , وهي مشاعر صادقة لفنان نبيل , يعيد فيما يكتبه التأكيد مرة أخرى على أننا ورثة أصلاء لما قبل سومر وبابل .
ومع الأسف فان مقالتي ليست توكيدا مباشرا بل امتداد علمانيا لضرورة استخدام السلطة العلمية والفكرية في مواجهة الطواويس , وهؤلاء الذين يتبخترون بغير وجه حق .
لن أقول هذه المرة بأن الذابح كان أذكى من المذبوح , ولكنه سياق التجارب التي تتطلب منا رصدها بكل أمانة لكي ننتزع لحظة تأمل من قارئ مشغول ويبحث عن لحظة تكهرب تنفعه في استعادة قوته المعنوية المفقودة في زحام الحياة الغريبة , وكل منا يعلم ضخامة البث اللامعنوي الذي يحاصر البشر هذه الأيام , ويفقدهم إنسانيتهم بطريقة تعذيب نفسانية على الطريقة الصينية .
الشيخ الطيب ( أبوعبدالله) عجوز في الثمانينيات من عمره ,وقد التقيت به في مدينة بسكره , في الجزائر , لقد تكرر المشهد , وهاهو يراقبني , لوحدي أدلف الى الحديقة الغناء من وحي الأندلس , الى مكتبة هو مسئولها , وأقعد ساعات وساعات , ولكنه خرج عن صمته , وراح ينظرني وأنا أدرس كتابا عن النظرية النسبية لآينشتاين , ومن شدة اهتمامه , فقد اضطر العجوز الثمانيني الى مقاطعتي أثناء الدراسة , قائلا :
أدفع ثلاث أرباع عمري الفائت , مقابل التكوين الرياضي , ولفهم النظرية النسبية ..
ما لذي ستفعله نفسانيا يا صديقي كامل ؟
شيخ عجوز تكون في الأزهر ورأس القضاء في دولة الحكم السنوسي في ليبيا , ولا تخفى عليه شاردة أو واردة في الحكومات الملكية السابقة , فنوري السعيد هو مجرد غر بالنسبة له والنحاس باشا على أصوليته الديمقراطية , وحين يأتي ذكر حالتنا المعاصرة , تراه يشعر وكأن من الخطأ ضياع أي لحظة تفكير بهذا الواقع المرير .
ووحده الشيخ خصني بالرواية التالية :
كنت في أمان الله قد تلقيت دعوة وفي أواخر العمر من أصدقائي في تونس الشقيقة , الى اللقاء معهم وتبادل الأحاديث والذكريات , ولكنني فوجئت بأن مضيفي وإكراما لي كانوا قد دعوا إمام جامع الزيتونة , وهذا أمر عادي للغاية وتقليد لكل كريم عربيا كان أو بربريا أواسلاميا .
لكن الإمام الشاب لم يكن حصيفا , وحين قدمني المضيفون له , لم يعرني أدنى انتباه , ولم يقل حتى أهلا بالشيخ الجزائري كعادة أهل العلم , بل راح يطلب من المضيفين تركيز بؤرة الاهتمام عليه وحده , ووحده فقط .
ليس من آداب الضيافة عربيا ببل عالميا , أن تلغى الحواجز الجغرافية بدون مجاملة معقولة تردم شيئا من فقر الواقع المعاش .
لقد عرفت الشيخ الطيب ( أبوعبدالله ) لفترة كافية ولم ألحظ لؤما فيه.
يقول الشيخ الطيب , وأنا أجد نفسي إزاء شيخ يتجاهلني وسط أصدقاء لي من سلاح انتقام سوى سلاح الثقافة المفقودة .
ولذلك سألته وبصفته إمام الزيتونة , وهو الخنديد المفلق , مجرد سؤال :
سيدي الإمام , من المعروف أن من أسماء الله الحسنى , هو العالم ؟
وكأن الأمر لا يحتاج الى تفكير ولذلك أجاب طبعا يابني ..؟!
الغرور آفة العلم , والطاووسية الناشئة عن مجرد تقلد النصب آفة كبيرة ,وبخاصة حين يتصور المرء نفسه أعلم أهل زمانه .
سيدي الإمام : ألا يستلزم العالم بالشئ أن يسبقه المعلوم ولو بأجزاء من الثانية ؟
على ذمة الرواة فان إمام الزيتونة قال سنلتقي غدا وأمضى عدة ليال ساهرا بين جنبات الكتب ولم يجد جوابا يشفي غليله , ويشفع للحظات طاووسيته , ولذلك أدرك آخر لحظات وداع الشيخ الطيب وهي لحظات وداع للأبد ولكي يقول له بعيون محمرة , وقلب يخفق من شدة السهر :
أيها الشيخ الجزائري ليتنا ما التقينا .
لقد ذبحني الذكي لابارك الله فيه , مع العلم أنه لا قيمة لدعاء الصغير على الكبير أم لا؟!
احمد مصارع
الرقه -2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل