الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الفكر الدينى : (6) اشكالية علوم القرآن واستخراج الاحكام

هشام حتاته

2012 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


افرزت لنا المراحل الاربعة التى مرت بها الدعوه الاسلامية ( من الاستضعاف الى النصر النهائى ) العديد من الآيات المتضاربه والتى كانت كل منها تعبر عن مرحلتها وارتباطها باواقع الارضى الذى انتجها ( راجع المقالات الخمسة السابقة عن العلاقة الجدلية بين النص والواقع )
ولهذا وعندما ارد الفقهاء استخراج الاحكام الشرعية بعد ان تاسست الدولة وتوسعت كان لابد من وضع آليات لاستحراج هذه الاحكام ولملمة تلك التناقضات بالاضافة الى النسق العام الذى يسير عليه المفسر لاستخرج الاحكام الشرعية
فالموقف من حرية العقيدة اختلف فى الفترة المكية وفى الفترة الاولى من دخولهم المدينة عن الموقف بعد انتصار بدر ثم فتح مكة ، والصلاة ومواقيتها اختلفت ايضا ، فبعد قم الليل الا قليلا ، ثم اذطر ربك فى الغداه والعشى حتعى انتهت بالصلوات المس المعروفة الآن ، وايضا الموقف من اهل الالكتاب اختلف بين هذه الفترات ، حتى ان التشريعات لعموم المسلمين والتى بدأت فى فترة المدينة اختلفت فى الخمر والمواريث والزواج والعقوبات ، خصوصا انه عند جمع القرآن لم يتم تبويبه وايضا لم يتم حسب تسلسل النزول .
وامام كل هذا تم وضع ما اصطلح على تسميته بـ " علوم القرآن " ، بعضها كان لازما وضروريا والبعض الآخر كان قيدا حديديا مازلنا اسراه وكان سببا فى كل مشاكلنا التفسيرية حتى اليوم مع استحالة الفكاك من هذه القواعد حيث تم تحصينها بموجب تحصين واضعيها وقتها ( السلف الآن ) بالقداسة والتى ترسخت مع الزمن المتطاول وترسخت بالقاعدة الاخيره كما سنرى :
ــ المكى والمدنى : وهو وان لم يكن علما محكما الا انه حاول ان يوضح آيات كل من الفترة المكية والفترة المدنية
ــ اسباب النزول : وهو علم مهم استطاع به القفهاء التعرف على سبب نزول الآيات من خلال الاحاديث المروية ، ورغم مايعيب الاحاديث النبوية فى تفعيل صحة السند على حساب محتوى المتن ، وكذا طول الفترة من الشفاهية وحتى التدوين ، الا انه استطاع ان يفسر لنا الكثير من الايات .
ــ العموم والخصوص " العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب " : وهو الذى يبين ان آلايات التى نزلت فى سبب خاص يكون لها صفة العموم ، فحد السرقة نزل فى حادثة شخصية ولكنه يصبح عاما ... وهاكذا ، ومن تلك الزاوية لابأس فى هذا ولكنه تطرق الى مماحكات جدليه من ناحية وقائع خاصة مثل احلام يوسف التى اصبحت علم تفسير الاحلام ، وسحرة موسى وفرعون التى اصبحت علم السحر .... وهاكذا ، اما السلبية التى نعيشها حتى الآن من هذا العلم فهى ديمومه الحكم دون النظر الى ظروف الزمان والمكان مثل الجهاد والجزية وملك اليمين وتعدد الزوجات والعقوبات الحدية البدنية ..الخ
ــ الناسخ والمنسوخ : وهذا العلم هو مشكلة المشاكل فى العقيدة الاسلامية والذى يقف حائلا وحتى الآن امام الى محاولة لتجديد الفكر الاسلامى او تحديثه .
ثم تلى ذلك بعض القواعد الفقهية الاخرى ومن اهمهم قاعدتين مشكلتين تضاف الى ماسبق من اشكاليات فى العلوم التى وضعوها وهى :
ـ باب سد الذرائع : لقد جري تحت هذا الباب تحريم كثير من الحلال ، فنحن إذا أخذنا الإسقاطات السياسية لهذا الباب فينتج عنها (إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية) ، وكما تقول القاعدة القانونية الشهيرة "إن كل علي البراءة ما لم يجرم بحكم نهائي" . فإن القاعدة الدينية لكل الأديان تقول أيضا " إن كل علي الحل ما لم يحرم بنص " . وقلنا قبلا أن يكون نصا قرآنيا قطعي الثبوت والدلالة، ليس ظنيا وليس تأويليا.
ومن المعروف أيضا أن القاعدة القانونية تقول: لا عقوبة إلا بنص وقاعدة أخرى تقول " لا توجد جريمة مستقبلية " أي لا يحاسب الإنسان علي جريمة ربما ستقع إلا في حالة الشروع أو وقوع الفعل( مادة الإتفاق الجنائي في القانون قد ألغيت لتعارضها مع هذه القاعدة القانونية ).
ــ " درء المفاسد مقدم علي جلب المنافع " : وامتداد لما حرم لسد الذرائع في وقتها ، وضعت القاعدة الثانية لتكمل ما يليها . لم يكفهم ( ما كان ) فوضعوا قاعدة علي ( ما سيكون ) , وبناء علي هذه القاعدة الفقهية عاني المسلمون كثيرا في كل منتج علمي أو حضاري جديد .. صحيح أن العلم فرض نفسه وساد ولكن بعد لغط وصراع طويل من الرفض.ومازال كل اختراع علمى جديد يقابل بالرفض حتى يتم التعامل معه بحكم الضرورة ، ومن هذا المفهوم ظهرت مقولة " كل جديد بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار".
وحتى يتم تحصين هذه العلوم القرآنية والقواعد الفقهية فقد اعتبر هذا التأصيل الفقهى للتشريعات العامة هو المعلوم من الدين ، وعليه " يصبح كافرا كل من انكر معلوما من الدين بالضرورة " .
وهنا لنا عدة ملاحظات :
اولا : ان علمى اسباب النزول والناسخ والمنسوخ بالذات إن علم أسباب النزول هما إقرارا ضمنيا بالعلاقة الجدلية والبعد التاريخى الذى انتج آيات القرآن ، ويلتقون مع ماذكرناه فى الفصل السابق عن العلاقة الجدلية بين النص والواقع خلال المراحل التى مرت بها الدعوه الاسلامية منذ " اقرأ " حتى " اقتل " ( آيات قتال غير المسلمين ) وهى التى اثارت الفكر الدينى فى بواكيره الاولى مما استدعى تأصيل هذه العلوم .
ثانيا : اجتهد الفقهاء حسب الشروط الموضوعية والتاريخية التي عاشوها هم لا نحن . أطروا .. ونهجوا .. ووضعوا الأسس المنسجمة والمتفاعلة مع المرحلة التاريخية التي عاشوها . لأن الفكر الذي تركه الفقهاء هو تفاعل تاريخي لهذا الزمن الذي أنتجه ، ولكن التمسك به إلي الأبد هو الجمود بعينه.
ثالثا : من الملاحظ ان انتاج هذه العلوم والناسخ والمنسوخ بالذات تم وخيول وفرسان المسلمين يحتلون نصف الدنيا تحت مشروعية نشر الدين وفرض الجزية ، فما الحاجة الى آيات التسامح مع الاديان الاخرى وآيات حرية العقيدة التى كانت عبئا على تفسيراتهم فكان ( الناسخ إذن هي علاقة جدلية إفرزتها مراحل الصراع . ولما كان المسلمين هم المنتصرين كان بالقطع لابد من تفعيل الآيات التي جاءت نتيجة هذا الانتصار أو تتويجا له... وهذا من طبيعة الأمور، وكان المنسوخ هو آيات حرية العقيدة ، وكان الناسخ هو تكفير اصحاب الديانتين الاخرتين " المسيحية واليهودية " والمنسوخ هو الاشادة بهم فى الفترة المكية ) .
ثم جاء الغزالي واتهم الفلاسفة بالزندقة، ومنع الفكر الحر النقدي كان من أهم اسباب تجميد الفكر الإسلامي وتشويه نظرية المعرفة وإغلاق العقل . وجاء الخليفة القادر بما سمي بالوثيقة " القادرية" ليحرم كل من تكلم بكلام المعتزلة ويؤصل النقل على حساب العقل. انغلق الفقه علي ما سبق ، وأصبحنا حتى الآن لا نخرج في أي فتوى من أمور حديثة إلا بالبحث في فتاوى قديمة قد لا تتناسب مع الحديث.
ولهذا كان الحوار بين الاصولية السلفية الوهابية السعودية وبين دعاة التنوير من المسلمين المعتدلين من شيوخ الازهر (الذين لم يتوهبوا ) هو حوار الطرشان ، فعندما تاتيهم بآيات مكة مثلا فى حرية العقيدة والتى تزيد عن عشرين آيه، يكون ردهم على الفور : ولكن آية السيف نسخت هذه الآيات ، وكذا الموقف من اهل الكتاب .... الخ .
واذا كان المسلمين يريدون مسايرة الحداثة والاحتفاظ بحيوية وديناميكية دينهم عليهم وضع أليات اخرى غير ماوضعه السلف ، فهم رجال ونحن رجال . وهذا ماسنتعرض له فى المقاله القادمة والنهائية لهذه الدراسة تحت عنوان : تطوير الخطاب الدينى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القرآن هو الإشكالية
ابو داود المحبوب ( 2012 / 1 / 4 - 08:06 )
احترم ما تقوله يا سيد هشام، ولكن المشكلة ليست في استنباط فهم جديد للقرآن بل في القرآن نفسه ككتاب متعدد الوجوه كما قال علي بن ابي طالب. ولكونه ابن بيئته العربية البدوية الصحراوية المنسلخة نهائيا عن واقع الحياة حتى لقرية صغيرة وبغض النظر عن موقعها الجغرافي. ارى الحل في انتهاء هذا الدين وتحرر البشرية كلهامن الاسلام، بدءاً بالمسلمين انفسهم.


2 - الاخ / ابو داود المحبوب
هشام حتاته ( 2012 / 1 / 4 - 19:19 )
تحياتى واشكر مرورك وتعليقك .
فى الحلقه القادمة وهى نهاية الدراسة لا اتحدث عن فهم جديد للقرآن ، ولكنى ساتحدث عن اليات اخرى لاستخراج الاحكام من القرآن اذا اراد معتنقيه ان يتوافق مع العصر قبل ان يدخل متحف التاريخ .
ارجو انتظار المقالة القادمة .
وتقبل تحياتى


3 - عام سعيد
عدلي جندي ( 2012 / 1 / 5 - 00:37 )
لا اتحدث عن فهم جديد للقرآن ، ولكنى ساتحدث عن اليات اخرى لاستخراج الاحكام من القرآن اذا اراد معتنقيه ان يتوافق مع العصر قبل ان يدخل متحف التاريخ ..... ودون سبق المقالة هل تعني أستنساخ إسلام بالإسم يقبل التجزئة واللي فات مات كما وكان إسلام مصر يوم كانت مصر دولة واعدة؟تحية لمجهوداتك وكل عام وحضرتك ومن يهمك في خير وسلام


4 - عزيزى / عدلى جندى
هشام حتاته ( 2012 / 1 / 6 - 12:05 )
كل عام وانت وجميع افراد الاسرة وكل اخوتنا فى الانسانية بخير وسلام .
لماذا ياصديقى تريد ان تحرق المقالة والاخيرة للدراسة ؟ اعرف ويسعدنى انك متابع لكتاباتى ، وربما قرات فى احدى مقالاتى تلخيصا لمفهومى عن الاديان : اذا كان لابد من دين فليكن دينا متسامحا يحترم الآخر وتكون مرجعيته الاساسية هى المحبة لكل البشر .
تحياتى اخى العزيز واكرر التهنئة .

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض