الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيفية صلاة الإستسقاء عند العلمانيين

محمد مقصيدي

2012 / 1 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربما تكون صلاة الإستسقاء عند العلمانيين أكثر جدوى في المغرب , رغم أن صلاتهم لا تتوفر على ركعتين بسبع تكبيرات في الأولى وخمس في الثانية , ورغم أنهم ينكرون أن ما يشبه اسقي عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت , لن تنفع شيئا , إذ أشاطرهم الرأي شخصيا في هذه المسألة , لأنه لو كان الأمر بكل هذه البساطة , لما كنا مثلا في حاجة إلى مستشفيات وأطباء واكتفينا بالدعاء للشافي العافي وحده
غريب أمر هؤلاء القادة السياسيين الذين يصرون على إستعمال الدجل والشعوذة لتدبير أمور الدولة , يصرون على أن يمرغوا أنف الله في الوحل من أجل الإستمرار في السلطة , غريب أن تتم عملية النصب والإحتيال على الشعوب باستعمال الله كصنارة . الأغرب أيضا , هو تلك الثقة العمياء للمسلمين والسذاجة المطلقة أمام كل ما يأتي بعباءة الإسلام .
إن التشبث بإمارة المؤمنين من طرف الملك لا يجد جذوره في موضوع العقيدة , بل هو تكتيك سياسي محض للتحكم في الشعب عن طريق تيليكومند الدين . وإمارة المؤمنين تستعمل لتكميم أفواه المعارضين السياسيين ولضبط التوازنات لصالح النظام القائم . إنه الأداة الأكثر نجاعة لممارسة الديكتاتورية بشكل لا يثير الإنتباه . وإذ ليس موضوعنا إمارة المؤمنين , بل بعض الممارسات المرتبطة بهذا المفهوم والتي تعود للقرون الوسطى وما قبلها . وبمناسبة الدعوة للإستسقاء سنحاول أن نستسقي بدورنا أن يهبنا الله القليل من العقل بدل زخات المطر .
أي شيء آخر يبعث على الضحك أكثر من أن تطلب القيادات السياسية العليا في البلاد من شعوبها التوجه إلى الله ببعض الصلوات لكي يسقط المطر , وكأن الله يشرب الشاي وينتظر في مكتبه صراخ بعض الناس , لكي ينهض من خموله ويقلب بين أوراقه حتى يصدر قراره مختوما ونهائيا لتسقط المياه في بعض الأماكن الجافة , أو الأماكن التي تأخر عنها المطر في النزول .
أولا , لو كانت هذه القيادات صادقة مع نفسها لكانت وجهت الدعوة لصلاة الإستسقاء عندما ضربت المجاعات والجفاف بأقسى قبضتها الطبيعية شعب الصومال المسلم , حيث لا تزال صور وفيديوهات ذلك العار البشري الذي لم يلحق فقط العالم الإسلامي وفضح نفاقه , بل وصل ليكون وصمة عار على جبين كل الإنسانية التي كانت تستعد لمغادرة قرنها العشرين , هذا , إن لم أقل وصمة عار على الأديان كلها . هذه الفيديوهات التي تنقل لنا قمة ما يمكن أن تصل إليه المآسي البشرية , حيث تدفن الجثث البشرية كالكلاب وتلقى في الشوارع أجساد لتلقى حتفها .
لماذا , إن كان الله يحرك الأمطار بعصاه السحرية , لم يتقدم هؤلاء القادة المسلمون بصلاة الإستسقاء لهذا الله الطيب سواء في الرباط أو مكة لتنزل الأمطار على إخوانهم الصوماليين المسلمين ؟ إن المؤامرة الكبرى التي أرهقت أسماعنا بها الأنظمة العربية القائمة ليست هي كما يقولون مؤامرة العلمانيين والخونة والغرب ضد الإسلام , بل إن المؤامرة الكبرى هي تحالف الأنظمة السياسية والله ضد الفقراء . أم أن الإخوان الصوماليين المسلمين ليس من حقهم صلاة الإستسقاء
لقد كان النظام المغربي منذ القديم , يستعمل صلاة الإستسقاء للضحك على أذقان الشعب وتمرير معجزة أحفاد الرسول في إسقاط المطر كما ظهرت معجزة صورة محمد الخامس في القمر . حيث كانوا يستعملون التقنيات والحسابات لمعرفة وقت سقوط المطر , حينها يقومون بالدعوة للإستسقاء قبل ذلك التاريخ المعلوم بأيام . وعندما تقام الصلاة ويسقط المطر بعدها بأيام , يقتنع العامة والشعب ببركة القائمين على الأمر الديني ويسلمون لهم بالتقوى والصلاح . وهذا ما كانت تعتقده جدتي طيلة حياتها , وترويه بيقين كبير , إن صلاة الإستسقاء تأتي بالمطر بالتجريب في نظرها , وهي لا تعرف أن القادة الذين دعوا إلى الإستسقاء كانوا يعرفون بالمطر قبل نزوله . وهو ما أظنه سيحدث هذه المرة أيضا بعد الإستسقاء بأيام . إنهم يستعملون الإسلام وسذاجة المغاربة بطريقة لا يمكن حتى للشيطان من التوصل إليها
بدل الدعوة إلى صلاة الإستسقاء , ينبغي تطوير البحث العلمي في ما يتعلق بالثروة المائية وتدبيرها, وينبغي تأسيس بنيات تحتية لمسايرة سنوات الجفاف دون تأثر , وتوسيع أراضي السقي بدل اعتماد الفلاحين البسطاء على الأمطار الموسمية في حين يستهلك الفلاحون الإقطاعيون الكبار مياه القنوات والفرشاة المائية عبر التكنولوجيا وتجهيزات الدولة لهم , وكمثال واضح ضيعات الملك الفلاحية الكبرى التي لا تتأثر بغياب الأمطار او تأخر موسمها , ولا أعتقد أن ذلك راجع لأن الملك يصلي صلاة الإستسقاء باستمرار , بل إن السبب هو التكنولوجيا والبنيات التحتية . وكان بالأحرى أن يتم الإهتمام بالفلاحين الصغار الذين يموتون وعائلاتهم جوعا , وليس بأراضي الإقطاعيين الذين لن تضر الامطار حساباتهم البنكية كثيرا
إن اليوم , أمريكا وبعض الدول المتقدمة قادرة على صناعة أمطار وغيوم وتوجيهها والتحكم في أوقات سقوطها , إنهم قادرون على تحويل مياه البحر إلى مياه صالحة للسقي والشرب ... ليس يأتي ذلك عبر صلاة الإستسقاء , بل إنه عبر البحث العلمي الجاد , واستعمال العقل , ودمقرطة التكنولوجيا ... متى سوف نخرج من كهوف القرون الوسطى , ونلتحق بركب الحضارة الذي تتسع الهوة بيننا وبينه كل يوم . وما السبب الحقيقي لإشاعة الجهل والتدليس باستعمال الدين في أمور لا علاقة لها به
إن الجلوس للصلاة كل دقيقة والدعاء بمجموعة من الطلاسيم لا نفع منه , يجب علينا أن نفصل بين صورة الله وصورة شمهروش الذي يلبي رغبات الناس وأهواءهم . كما لو أنه بعد صلاة الإستسقاء في المغرب , سوف يرسل الله ملاكا ليسوق الغمام كالراعي من السماء السابعة إلينا . إن الامطار تسقط لأن هنالك قوانين فيزيائية وكيميائية , ولا يمكن أن يقفز الله على هذه القوانين ويغيرها من أجل صلاة المغاربة أو من أجل عيون أمير المؤمنين , والسبيل الوحيد هو فهم هذه القوانين للتحكم فيها عبر العلوم , وعلى الاقل , إلى أن نصل ذلك المستوى العلمي , على أمير المؤمنين والقادة السياسيين أن يطوروا البنيات التحتية للسقي , وأن ينهجوا سياسات سليمة من أجل الحفاظ على الثروة المائية وتدبيرها , إذ هناك نسبة كبيرة من مذخراتنا المائية تضيع هباء في البحر أو في حدائق الكولف وهلم جرا
أخيرا , إن تقدم الشعوب والرخاء والأمطار ليس لأنه نتيجة الطاعة لله , كما ان تخلفنا عن الركب الحضاري لا علاقة له بالمعاصي والموبقات التي يرتكبها الملاحدة والعلمانيين لعنهم الله , كما يحاول تسويقها فقهاء امير المؤمنين وأئمة التكفيريين . تقدم الشعوب وتأخرها هو يرتبط بالعلم واستعمال العقل والعمل , لا بمدى علاقتنا بالله . وها نحن منذ القرن 18 نطرح نفس السؤال : لماذا تأخر العرب وتقدم غيرهم ؟
أكيد , تخلفنا لأننا نصلي صلاة الإستسقاء بإسبال اليدين , هنالك خلل ما في طريقة الصلاة رغم أننا جربناها بالشيعة والسنة على المذاهب الأربعة , لنجربها إذن اليوم ,على طريقة العلمانيين , وسيحكم التاريخ والله بيننا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تبرير الهزيمة
عبد الله اغونان ( 2012 / 1 / 6 - 20:08 )
السعار الايديولوجي اخذ في الارتفاع.مع هذا النجاح الباهر للتيار الاسلامي والفشل
المريع لخصومه ترتفع تبرة الارهاب اللغوي والهجاءالى درجة كبيرة
ربنا لاتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين


2 - لا زال العقل يصدح
حميد الشافي ( 2012 / 1 / 10 - 14:53 )
انك،السيد مقصيدي،ذخرا كبيرا للعقل،لولاك وامثالك الذين توقدون شموع التنوير لأعرق الظلاميون المجتمعات في حلكة العتمة ودفنونها في قبور الخرافة

اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال