الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثيرات الهاتف الخلوي على المجتمع العراقي

محمد لفته محل

2012 / 1 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تغير العراق كثيرا بعد الاحتلال الأمريكي من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكان من الواضح أن التكنولوجيا الجديدة التي دخلت البلد كان لها أثر مهم في التأثير بالمجتمع، ابتدأ من الستالايت والانترنيت والهاتف الخلوي (الموبايل) وهذا الجهاز الأخير كان الأكثر تأثيرا من غيره على المجتمع العراقي لان تعدد تقنياته اختزلت هذين الجهازين فيه فنرى كل هاتف حديث متعدد التقنيات يحتوي انترنيت وبضع قنوات ستالايت كما سأوضح.
بعد السماح بدخول شركات الاتصال وانتشار الشبكات بأنحاء العراق بفترة تشكلت ثقافة خاصة بالهاتف في المجتمع، فقد أصبح عدم امتلاك شخص هذا الجهاز مصدر عجب ونقد باستثناء كبار السن، لأنه أصبح ضرورة عملية للفرد سواء بالعمل أو الدراسة أو العائلة والأصدقاء، وأصبح رقم الهاتف من المستلزمات الأساسية في طلب المعلومات بدوائر الدولة يضاهي جنسية الاحوال المدنية، واغلب البرامج التلفزيونية والإذاعية ذات المشاركات الجماهيرية تعتمد على الهاتف في نجاحها عن طريق تحقيق مشاركة اكبر ورفع سعر الاتصال بالاتفاق مع الشركة، كذلك كل التعاملات التجارية والإعلانات أصبح رقم الهاتف والبريد الالكتروني أهم من عنوان تواجدها، خاصة إذا كانت عابرة للحدود، والمناسبات العالمية والدينية كعيد رأس السنة والأعياد والمناسبات الدينية تأثرت بالهاتف الخلوي، فبدل التهنئة المباشرة وجها لوجه، أصبحت الرسائل القصيرة (sms) الجاهزة للمناسبة ضرورية وواجبة بين الأصدقاء والأقارب بعد أن طبعت كتب خاصة لهذه المناسبات يتداولها ويتبادلها أصحاب الهواتف بينهم والشركة تقوم بدورها بإرسال هذه الرسائل لزبائنها عن طريق هواتفهم الخاصة مقابل مبلغ مقتطع من الرصيد، بحسب المناسبة الاجتماعية أو الموضوع المطلوب من الزبون.
أصبح الهاتف الخلوي موضوعا رئيسيا بين الشباب يبدأ من السؤال عن نوعية الهاتف وتقليب محتوياته من أغاني وصور وفيديو ورسائل ونكات وتبادلها من هاتف إلى هاتف، فقد أصبح الهاتف الحديث الصنع والتقنيات العالية المتعددة كجودة الكاميرا وسعة الخزن ودقة الصوت وبرامج متطورة، وإبداله بجهاز أكثر تطورا بعد فترة زمنية مصدر للتباهي والغنى، وهنا يبرز الدور الطبقي بالموضوع، في حين إن الطبقات الفقيرة تحصل على الجهاز الحديث بعد استعماله أو شرائه من شركة مقلدة له لرخص ثمنه. وحتى الأغلفة والمحفظة التي تحمل الهاتف الخلوي خضعت للتغيير والتجديد كالهاتف وبعضها خصص للنساء وبعضها الآخر للرجال. وحتى الاتصال بذاته صار له وظيفة أخرى غير الاتصال عن طريق قطع المكالمة بعد فترة وجيزة من الرنين وقبل أن يرد المستلم على المكالمة (المسكول) ووظيفته هي إشارة بين شخصين كان يكون احدهما بلا رصيد ويريد الاتصال أو تنبيهه لوصوله لمكان ما متفق عليه معا، وهو أفضل إشارة سرية بين العشاق. أصبحت العلاقة بين الأصدقاء أول ما تبدأ من تبادل رقم الهاتف خصوصا العلاقة الغرامية بين الرجل والمرأة، أما بطريقة مباشرة أو قصاصة ورق صغيرة أو بتقنية (البلوتوث) واستخدام خدمة الاتصال الليلية المخفضة السعر للتعارف والغزل وتحديد مواعيد اللقاء، والذي ربما ينتهي بالزواج، بل أصبح الهاتف وسيلة للتعارف بديل عن فترة الخطوبة التي تكون فرصة للتعارف وجها لوجه، ومن الأعيب السرية التي وفرها الهاتف للعشاق هي استخدام اسم مستعار للشريك وتخصيص إما نغمة مميزة خاصة به أو جعل الرنين صامت مجرد اهتزاز.
لقد أستخدم ألهاتف في تفشي الطائفية السياسية بين الناس ابتدأ من رنين المكالمة الذي يكون نشيد أو أغنية دينية أو دعاء لطائفة ما، إلى محتويات الرسائل والصور والفيديو التي تصور طقوس وخطب لرجال دين تحريضية، وأفلام تسقيطية للآخر ومعجزات لطائفة ما، والميليشيات الطائفية استخدمت مقاطع الفيديو للترويج لعملياتها وأهدافها، والهاتف نفسه كان الأداة الفعالة للاغتيالات عن طريق إعطاء المعلومات ومراقبة الشخص مباشرة، وكان أداة في تقنية صناعة القنبلة بربطه بها والاتصال بهذا الهاتف من مكان آخر لحضه مرور الهدف ما يؤدي إلى انفجارها.
والجانب الديني والقبلي تأثر بالهاتف الخلوي فالعوائل المحافظة دينيا وعشائريا أو التي تسكن في الأرياف تمنع نسائها من امتلاك هاتف أو تحدده بشروط صارمة مثل عدم الرد والاتصال بعد العاشرة ليلا، وعدم حفظ أي رقم لرجل غريب عدا الأقارب من الدرجة الأولى كالأب والأخ والزوج والعم والخال، وعدم الرد على أي رقم غريب وإعطاء الرد لرجل ما كزوجها أو أخيها، ويجب أن لا تعطيه لأي رفيق بالعمل أو الدراسة أو أي صديقة غير موثوقة، وإذا طلب احد رقمها من صديقتها يجب أن تستأذنها قبل أن تعطيه له، ويجب أن يكون هاتفها لا يحتوي رسائل أو صور أو فيديو جنسي مطلقا.
بصورة عامة أصبح الهاتف أداة للتأثير والترويج الاجتماعي والسياسي والطائفي، فكثير من الفيديوهات والصور تستخدم في الإشاعات والترويج أو فضح السياسيين والمشاهير، أو تصوير ونشر وقائع داخلية ذات تأثير طائفي أو سياسي (سلبا أو إيجابا) أو وقائع خارجية مسلية كالكاميرا الخفية أو غريبة كالحركات البهلوانية الرياضية والمغامرات المدهشة وتحطيم الأرقام القياسية الخ، وفي الوقت الذي أثر فيه الهاتف الخلوي بالمجتمع عكس الواقع الاجتماعي العراقي أيضا، فالهوس الجنسي كان واضحا في انتشار الصور والأفلام الجنسية القصيرة في هواتف الرجال والنساء، وتفشي أفلام الخيانات الزوجية والعلاقات الجنسية السرية بين العشاق في المجتمع العراقي، كذلك إن انتشار الأغاني والأناشيد والأدعية والخطب الدينية الطائفية أو المتعصبة عكس التأثير السياسي للمد الإسلامي الطائفي والمتعصب على المجتمع. وان رواج الأغاني الرديئة بواسطة الهاتف بين الشباب يكشف انحطاط ذائقة الجيل الجديد الذي هو محصلة انحطاط سياسي واقتصادي واجتماعي، وان تشغيل البعض لمحتويات الهاتف في الأماكن العامة والتكلم بصوت عالي أثناء المكالمة يبين عدم احترامنا لخصوصية الآخر وطبيعة ذوقه. لقد عكس الهاتف بأمانة الانحطاط والتعصب الحزبي والديني والطائفي والقبلي والفكري والأخلاقي وانعدام ثقافة التسامح والاختلاف والحوار والنسبية الثقافية وتعددها، وهذا يعني أن مجتمعنا غير مدني محافظ. لقد أصبح الهاتف دال على خليفة الفرد الاجتماعية وتوجهاتها وانتماءاتها الفكرية والدينية والطائفية من خلال اختيار رنين المكالمة وصورة الخليفة الرئيسية للشاشة، وصور وفيديو ورسائل والأغاني التي تحدد توجهه السياسي والطائفي والديني والفكري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: انقسام الجمهوريون وأمل تبعثه الجبهة الشعبية الجديدة


.. هل تتجه فرنسا نحو المجهول بعد قرار ماكرون حل البرلمان وإجراء




.. حزب الله.. كيف أصبح العدو الأكثر شراسة لإسرائيل منذ عام 1973


.. ترامب ينتقد زيلينسكي ويصفه -بأفضل رجل مبيعات-| #أميركا_اليوم




.. تصادم قطارين في الهند يودي بالعشرات