الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراتب المؤمنين بالله

عادل بشير الصاري

2012 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقل عبد الله بن المقفع عن برزويه قوله في كتاب ( كليلة ودمنة ) :
(( وجدت الأديان والملل كثيرة : من أقوام ورثوها عن آبائهم ، وآخرين خائفين مكرهين عليها ، وآخرين يبتغون بها الدنيا ومنزلتها ومعيشتها ، وكلهم يزعمون أنهم على صواب وهدى ، وأن من خالفهم على ضلالة وخطأ ، والاختلاف بينهم في أمر الخلق ومبتدأ الأمر ومنتهاه وما سوى ذلك شديد ، وكل ٌ على كلٍ مزرٍ ، وله عدو معيب ، فرأيتُ أن أواظب علماء أهل كل ملة ورؤساءهم ، أو أنظر فيما يصفون ويعرضون ، لعلي أعرف بذلك الحق من الباطل ، وأختار الحق منه وألزمه على ثقة ويقين ، غير مصدق ما لا أعرف ، ولا تابع ما لا أعقل ، ففعلت ُذلك وسألت ُ ونظرتُ ، فلم أجد من أولئك أحدا إلا يزيد في مدح دينه ، وذم دين من خالفه ، فاستبان لي أنهم بالهوى يحتجون وبه يتكلمون لا بالعدل ، ولم أجد عند أحد منهم في ذلك صفة تكون عدلا وصدقا يعرفها ذو العقل ويرضى بها )) .
يتبدى في هذا النص موقف ابن المقفع من الأديان والملل ، معتمدا على ما رآه من أحوال معتنقيها ، وهذا يعني أنه لم يفحص الأدبان نفسها ، بل فحص حال المؤمنين بها ، فوجد أن كل صاحب دين يتصور أنه على حق وغيره على باطل ، كما أن ابن المقفع لاحظ أن المؤمنين حين يشرحون أديانهم فهم يتكلمون عنها كلاما عاطفيا لا يستند إلى العقل .
وخلص ابن المقفع إلى أن جمهور المؤمنين لا يتعدى ثلاث درجات :
درجة أولى يمثلها مؤمنون ورثوا الدين عن آبائهم فآمنوا مثلهم ، وهؤلاء يشكلون السواد الأعظم من المؤمنين ، وهم أصل البلاء والفساد الذي يحل بالأديان ، وذلك لأنهم ينشئون على تقليد ومحاكاة المتفقهين في الدين ، ويصدون أية محاولة لتجديده وتطوير منظومته ، ولكونهم يمثلون الأغلبية فإن رؤساء الدين عادة ما يصانعونهم ، بل لنقل يخافونهم لأجل الحفاظ على مكانتهم .
ودرجة ثانية يمثلها مؤمنون آمنوا خوفا وكرها ، وهؤلاء قلة ، فلا أحد الآن يؤمن بسبب الخوف إلا الذي يتمثل الموت أمامه في كل حين ، ولا أحد أيضا يجبر على اعتناق دين إلا في حالات معينة ، كأن يضطر مسيحي أو يهودي على التلفظ الشكلي بالشهادتين لأجل الزواج من حبيبته المسلمة .
ودرجة ثالثة يمثلها مؤمنون آمنوا لأجل ابتغاء الجاه والمال ، وهؤلاء هم طبقة الكهنوت ورجال الدين بصفة عامة ، فإن كثيرا منهم يغنمون من الدين غنائم جمة ، وهم ما اندفعوا إلى دراسة الدين والترقي في مراتبه إلا لطمعهم في تبوأ المكانة الدينية والاجتماعية ، وهذه بدورها تجلب لهم المال الوفير، وللإنسان الواعي أن ينظر كيف يتنافس شيوخ المسلمين والمسيحيين على الظهور في الأماكن العامة وفي الفضائيات لأجل إلقاء الدروس والمواعظ والفتاوى التي لا تنقطع أبدا على مدار الساعة ، ومع هذا لم تتمكن من تهذيب أخلاق الناس والتقليل من مستوى الشرور والآثام .
من هنا يتبين أن المؤمنين بالله إيمانا حقيقيا أصيلا هم في الواقع قلة قليلة ، وأن ما سواهم يمكن أن يصدق عليهم مضمون آية 11 من سورة الحج : (( وَمِنَ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة انْقَلَبَ عَلَى وَجْهه )) .
وإذا كان هذا هو واقع حال أكثر المؤمنين بالأديان فلا يستغربن أحد أن يشيع بينهم الفساد والكذب والنفاق والرياء ، وهذا لعمري ظاهر للعيان في عموم المجتمعات الإسلامية أكثر من غيرها ، ذلك لأن هذه المجتمعات ينشأ فيها الأفراد شاءوا أم أبوا على الممارسة الجماعية لشعائر الدين كالصلاة والصيام ، ولما كان أكثرهم لا يطيقون على الدوام هذه الممارسة ، فإنهم لذلك ألفوا التظاهر بالتدين أمام بعضهم البعض ، واستمرؤوا هذا الخُلُق المشين حتى صار فيهم ديدنا وطبعا ، فتجد الفرد غير المواظب على الصلاة إذا همت جماعة للصلاة صلى معهم كرها ، وإذا جاء شهر الصيام تظاهر بالصيام أمام الأهل والناس ، مع أنه حين يختلي بنفسه يأكل ويشرب ما يشاء .
ولو ترك أمر ممارسة العبادات إلى الرغبة وعدم التهويل بشأن التقاعس عن أدائها لما رأيت مسلما يصلي أو يصوم رياء الناس ، أو يسأل جاره لِمَ غبتَ عن صلاة الفجر ؟ ولما رأيت أحدا من شرطة الأمر بالعصي والنهي بالكرباج يجبرون التجار والمارة إلى الإسراع إلى المسجد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة