الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراّة الزمن المعكوس

سرحان الركابي

2012 / 1 / 10
الادب والفن


في الصباح استيقض الشاب بتكاسل عندما تسللت حزم الضوء الباهر عبر النافذة وداهمته الى غرفة نومه , نهض بصعوبة بالغة واحساس من الضعف والوهن يجتاح كيانه الذي بدا غريبا هذا اليوم . العالم نفسه وكل الاشياء من حوله تبدو غريبة
ما هذا العكاز المركون بجانب سريره ؟؟
تسال في نفسه , لعل احدهم وضعه لغاية لا يعلمها هو , تجاهل الامر وخطى نحو المراّة ليرى صورة ذلك الكائن الغريب الذي يتخبط وسط غرفة موصدة الابواب
تعثر بطاولة صغيرة كان يضع عليها منفضة سجائره وحاجيات اخرى تخصه , استغرب كيف لم يلاحظ وجودها بالقرب من سريره ؟؟ وما هذه النظارة الموضوعة بجانب الطاولة ؟؟
انحنى بظهر متصلب وامسك النظارة بيده الراعشة فقربها الى عينيه ..
بدى فضاء الغرفة اكثر وضوحا .. الان يستطيع رؤية اعقاب سجائره المتناثرة , اثاث الغرفة . الفوضى العارمة في كل زاوية وكل مكان . اوراقه التي نخرها الدود . ملابسه التي تهرات وغدت بلون القش المتعفن .
جالت عيناه الكليلتان وتفحصتا الخراب والفوضى التي تعم المكان . شعر برعشة تعتري جسده الذي يترنح مثل شجرة برية تحت مهب الرياح
لا يستطيع ان يقف باعتدال دون الاستناد الى جدار او سرير او اي متكاْ اخر
مد يدا متغضنة بانت فيها العروق والعظام على هيئة تضاريس وعرة وامسك بالعكاز .
الان يستطيع ان يقف باستقامة وبامكانه ان يتحرك من مكانه , استدار نحو المراّة .. وقف متهالكا يبحلق في المخلوق الغريب الذي انعكست صورته في المراّة , راى رجلا عجوزا منحني الظهر وقد اختفت عيناه خلف عدسات سميكة , فوجيْ الشاب بذلك العجوز الذي يلهث في الفضاء المعكوس في قعر المراّة .
رفع يده وتحسس شعر راسه وذقنه الذي غدا نتفا من قطن ناصع البياض , تلمس برعب جلد رقبته المتهدل . وتابع بذهول الاخاديد والتغضنات التي تملاْ صفحة وجهه الشاحب الذي بدا كخرقة صفراء بالية .
شك في الامر , او لعله شك في القدرة الانعكاسية للمراّة . اذ ليس من المعقول ان تكون هذه صورته هو الشاب الذي نام ليلة البارحة متوسدا احلامه واماله المؤجلة , قد يكون هذا مجرد كابوس يداعب جفونه المثقلة بالنعاس , وقد تكون خدعة بصرية مثل تلك الحيل السينمائية التي كثيرا ما شاهدها في الافلام , ومن يدري فقد يكون العلم توصل الى اجهزة من هذا النوع الذي يستطيع تعجيل الزمن , فقد ينام الانسان شابا ثم يستيقض ليجد نفسه عجوزا هرما , وغاص في الاسئلة التي تزاحمت وغدت مثل سحابة خانقة تكتم انفاسه
خرج من الغرفة متعثرا بعكازه , سار بهدوء وسكينة كي لا يثير اخته التي كانت تعد الافطار في المطبخ وامه التي تجلس على طاولة الافطار , وبصوت وادع ولطيف قال لهما صباح الخير …...
صرخت اخته برعب وظل صدى صوتها يدوى في ارجاء البيت بينما وقعت امه على الارض كجثة هامدة
استغرب , قال في نفسه , ما هذا ؟؟ هل اطلقت وابلا من النار ؟؟ ام القيت تحية الصباح ؟؟
وقف عند راس امه , اراد ان يقول لها انه ابنها . انه عصام وليس لصا او رجلا غريبا , لكنه قبل ان يتفوه بكلمة واحدة انقض عليه حشد من الناس وكبلوه بشال امه والقوه مثل كيس طحين في سيارة مكشوفة... انطلقت به السيارة بعيدا عن البيت
في الشارع سمع احدهم يسال , ما هذهالضجة التي تحدث هنا , ؟؟
اجابه اخر , لا شي عزيزي , مجرد لص عجوز تسلل الى بيت ام عصام وقد القي القبض عليه …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل هو عمق أم خربشات لمحاولة قصصية ؟
الحكيم البابلي ( 2012 / 1 / 11 - 02:28 )
عزيزي الأخ سرحان الركابي
أحياناً ..... وأحياناً فقط ، أكره أن أكون أول المُعلقين ، وهذا ما حدث اليوم
وهنا لا أريد أن أتشاطر وأدعي بأنني فهمتُ القصة القصيرة أو الأحجية الغريبة هذه !، ولذلك أسألك : ماذا تعني هذه القصة أو الحكاية أو الحزورة أو الطلسم أو اللامعنى الذي تُحاول أن تُعطيه معنى ؟
وبصراحة أخي سرحان ، أما إنني لم أستوعب الفكرة التي قد تكون أعلى من مستوى ذكائي ومعرفتي بالقصة القصيرة ، أو أن يكون زميلي سرحان ... سرحانٌ جداً
رجاءً إشرح لي ما القصد من هذا اللابرنث ؟
بس لا تزعل عليَ رجاءً
تحياتي


2 - الحكيم نزداد بك حكمة
سرحان الركابي ( 2012 / 1 / 11 - 09:07 )
شكراي الجزيل والوافر لمرورك اخي الكريم وزميلي العزيز
لم تعد القصة لقصيرة الحديثة تعتمد على المتن الحكائي المتصاعد
كي تسرد لنا احداثا روتينية ربما نصادف في حياتنا العشرات منها
فوظيفة النص القصصي هنا ان ينقل الحدث من الواقع الواقعي الى الواقع الثقافي
هنا تكتسب القصة القدرة على التمثل والهضم فضلا عما تثيره من اسئلة وما تقدمه صور وايحاءات مشحونة بالدلالات التي تبدو وكانها مفارقة للواقع لكنها الواقع مصاغ بشكل فني مكثف و قدرة على التوغل في نفس المتلقي ووعيه
وظيفة القصة القصيرة ان تقول ما لا يمكن قوله بجمل انشائية مباشرة
بك تحياتي ومودتي


3 - لا زِلتُ لم أجد طريقي إلى خارج اللابرنث
الحكيم البابلي ( 2012 / 1 / 11 - 12:22 )
أخي سرحان .... شكر وتحية
ومرة أخرى أطرق بابك بحثاً عن جواب وتفسير لقصتك القصيرة
ما شرحته لي على العين والرأس في حالة أن تكون قد ساعدتني في شرح لمعنى القصة !، وصدقني أنا أسأل للإستفادة وليس لإحراج الطرف الآخر ، كوني كاتب قصة قصيرة قديم ، ولكن بشكلها الكلاسيكي ، وقد حدث لي فترة إنقطاع طويلة ، وقلتُ لنفسي : ربما تطورت القصة بحيث فقدتُ بوصلتي لعالمها عبر أبوابها الإعتيادية ، وعليَ اللحاق بالركب ، رغم إني لا أعتقد بأن هذا حدث ، وذلك لثقتي الكبيرة بذائقتي وإستيعابي وحبي للقصة القصيرة
المهم ... أطلب منك مرة ثانية تفسير القصة وتفكيك مقاطعها لنا قدر الإمكان ، فالقناعات الأصيلة لا تُبنى إلا إذا رافقتها المعرفة
قرأتُ في السنوات الأخيرة قصص سريالية كثيرة ، وأغلبها أصابني بالإحباط ، وكالطعام غير الناضج ... يتعذر إبتلاعها ، مما يجعلنا نعود للمطعم الكلاسيكي القديم والمريح ، إذ ما فائدة الطعام لو كان ملوناً ومُزخرفاً وبأشكال هندسية مثيرة وهو بنفس الوقت لا يحوي لذة ذائقية
كصديق حريص أقول : هذا بالضبط ما أحسستُ به حين إنتهائي من قراءة قصتك
محبتي


4 - مرة اخرى
سرحان الركابي ( 2012 / 1 / 11 - 15:33 )
اخي العزيز شكري لمتابعتك واسئلتك المنطقية
انا نفسي لم اكنب القصة منذ زمن وربما فقدت بوصلتي ايضا ههههههههههه
لكن بالمجمل ما تقدمه القصة هنا من ثيمة هي احساسنا بالزمن
فالزمن يبدو مثل حلم او كائن خرافي لا يمكن ادراكه او التحكم بجريانه وسرعته او اعادته الى الوراء
الزمن يسرقنا احيانا دون ان نشعر به
فقد نصحوا فجاّة فنكتشف اننا قطعنا مسافات طويلة في الزمن بلمحة خاطفة
تماما مثل هذا الشاب الذي نام وصحى فوجد نفسه هرما وقد تجاوزه الزمن
لك مودتي


5 - الركابي الابي
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 1 / 12 - 06:25 )
تحيه ومجبه
لا ازعم اني عرفت ما تريد لكن وانا اقراء قفز مما اخزن شيء كتبته قديما مطلعه
الدنيه هي الدنيه
والناس هنه الناس
بس التغّير بهم
الغيره والاحساس
وفي القراءه الثانيه قفز التالي من طويله اسميتها الحياة صور منها الصوره التاليه
نظر
وعيون ونظارات
واوجاع
ولعب او هوسه وسكر
تقبل تحياتي


6 - لك تحياتي
سرحان الركابي ( 2012 / 1 / 12 - 09:49 )
اخي العزيز عبد الرضا
يسعدني مرورك الدائم لما اكتب
ما تقوله عين الحقيقة
فمن وظائف النص ان يثير ويشحن العواطف والخيال وقد يذغدغ الذاكرة فينتزع منها صور مهملة ومركونة في زوايا قصية
لك مودتي اخي العزيز


7 - عالم القصة القصيرة المُمتع
الحكيم البابلي ( 2012 / 1 / 12 - 18:35 )
صديقي العزيز سرحان الركابي
شكراً على التوضيح ، فهمتُ الأن أن القصة خيالية - نوعاً ما - أو من تصوراتنا البشرية التي ممكن أن نسميها ( فانتسي أو ساينتس فكشن ) ، الولوج عبر اللا ممكن أو اللا معقول ، كقصة الكهف مثلاً
صدقني هذا ما أردتُ فهمه ، وكنتُ أتصور بأنني لم أفهم القصة لعِلَة بيَ أو لشيئ غامض فاتني إدراكه ، ووجدتها مبتورة وغير متكاملة الحدث ، ولكن ... تفسيرك خدمني
شكراً مرة أخرى ، ويسرني أن يكون أحد أصدقائي من كتاب القصة القصيرة ، كوني أعشقها منذ حداثتي ، وقد مارستها بكل جد ومحموم في عمر مبكرٍ جداً ، بين ال ( 18 - 25 ) ، وحصلتُ على عدة جوائز ( أولى ) في سباقات القصة القصيرة في منتديات الشبيبة المسيحية في بغداد يومذاك ، ولعدة سنوات ، وأعدك بأني سأقدم بعض تلك القصص قريباً على صفحات الحوار المتمدن ، بعد تنقيحها طبعاً ، وأعتقد بأنها لا زالت تحمل نفس رونقها وقوتها لحد اليوم
محبتي وتقديري وشكري لك أخي الفاضل ، وسلام لصديقنا عبد الرضا حمد جاسم
تحيات للجميع ، وسنة مباركة


8 - للحكيم مرة اخرى
سرحان الركابي ( 2012 / 1 / 13 - 09:26 )
اخي العزيز الحكيم البابلي
لا اسمي نفسي كاتب قصة قصيرة لانني بصراحة لا التزم بلون ادبي او فني او مدرسة او تيار او منهج
احيانا تثيرني الكتابات الفنطازية ايا كان شكلبها في الشعر او القصة لكن ذلك لا يعني اني لا اتذوق الادب الواقعي
يسعدني انك تكتب القصة القصيرة فلهذا اللون الادبي قدرة على ايصال ما نعجز عن توصيله بمقال او بغيره
ننتظر نتاجاتك مع فائق المودة والشكر

اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة