الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الله الى الكمبيوتر

طريف سردست

2012 / 1 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الله الى الكمبيوتر

اينشتاين كان يشعر بعدم الارتياح لكون العالم يعطي الامكانية لوصفه بالمعادلات الرياضية. غير ان الفيلسوف Nick Boström يجد ان ذلك يدلل على ان الكون جرى صنعه من قبل كمبيوتر يستخدم برنامج قائم على الرياضيات والمعادلات البسيطة. فهل العالم الفيزيائي نتيجة لطبيعته ام بسبب خالق إله ام مُبرمج؟

القول ان الكون نتاج computer simulation (محاكاة بالكمبيوتر) سيرفضه غالبية العلماء ويعتبروه هراء. غير انه يوجد بضعة علماء يعتقدون بجدية ان العالم وهم كمبيوتري. ويدعون انه عثروا على مؤشرات تدلل ان العالم الفيزيائي انتاج كمبيوتر

لربما نتذكر الفيلم The matrix, والحلقة الثانية منه والتي تسمى Matrix Reloaded, وتدور عن ان البشر يعيشون في virtual universe, (عالم افتراضي) جرى انتاجه بالمحاكاة الكمبيوترية. فكرة الفيلم تعبر عنها الفكرة الفلسفية في السؤال التالي:
هل تعيش في عالم حقيقي ام اصطناعي؟
الفكرة ليست بالجديدة، إذ منذ عصر الفلاسفة الاغريق كانت البشرية تتسائل فيما إذا كان العالم حقيقي ام وهم خلقه خيالنا. في الهندوسية والفلسفة الشرقية يأخذ الامر ابعادا اكبر إذ يسعى الانسان للاتحاد مع الفكرة الاصلية التي يكون الانسان جزء منها.

غالبية الناس يحاولون التخلص من مثل هذه الافكار غير انه يوجد باحثين يعملون بكل جدية على التحقق من هذه الفكرة. الفرضية الاستفزازية التي يضعونها تقول ان العالم بأسره عبارة عن برنامج يتحكم فيه كمبيوتر هائل.

البراهين على هذه الفرضية توجد في كل شئ حولنا. العالم الفيزيائي يمكن وصفه بإستخدام ارقام صغيرة ومعادلات بسيطة، وهذا بالذات الذي يجعله عالم ظاهري، يتطابق مع عوالم المحاكاة الكمبيوترية.

نلاحظ مثلا ان جميع المكونات البيلوجية والكيمائية المعقدة تقوم على اقل من مئة عنصر اساسي، وجميعها تتكون من بنية الالكترون والبروتون والنيترون. وهذه المكونات الثلاثة يمسكهم اربعة قوى وفقط الجاذبية الارضية نشعر بها مباشرة. وخلف هذا الكون المعقد يوجد موديل بسيط. وحسب اينشتاين فإن اكبر العقد ان الكون يسمح لنا بوصفه بمعادلات رياضية.

الفيلسوف نيك بوستروم، الذي يدافع عن فكرة ان العالم عبارة عن مجرد محاكاة كمبيوترية، عدا عن إمكانية وصف العالم بالمعادلات، يحتج بالمنطق الفلسفي. ينطلق من الافتراض ان الكمبوتر سيصل يوما ما الى مستوى يستطيع فيه محاكاة الوعي الانساني المعقد كاملا. عند الوصول الى هذا المستوى سيكون من السهل تركيب البرنامج في بيئة طبيعية تسمح له بالتطور. بذلك يكون تم خلق عالم اصطناعي. وهو يقدم ثلاثة إمكانيات لاستمرار هذا التطور.

الامكانية الاولى ان البشرية ستنقرض قبل ان نتمكن من الوصول الى هذه المحاكاة. عندها لامشكلة، إذ ذلك يعني ان الكون حقيقة.
الامكانية الثانية اننا نتمكن من تطوير هذا التكنيك ولكن نمنع استخدامه بسبب الاخطار الاخلاقية المحتملة والغير ممكن التنبوء بها. ولكن منذ متى كان الانسان يمتنع عن استخدام تكنيك جديد لاسباب اخلاقية؟
الامكانية الثالثة ةالاخيرة والاكثر احتمالا، حسب بوستروم، ان نتمكن من تطويرها ونستخدمها. وإذا تحقق ذلك فإن العوالم الافتراضية ستتزايد بسرعة. الكثير من البشر، على الاغلب، ستصبح آلهة تملك عالمها الخاص لايخاصمها فيه إله اخر حتى لايفسد ولكون لايستحق الخصام، فالعوالم الافتراضية يمكن خلقها بلا نهاية. ولكن عندما تصبح العوالم الافتراضية اكثر من العوالم الفعلية فذلك سيعني ان عالمنا، على الاغلب، افتراضي بدوره.

بصريا يبدو الكون ثابت ومادي ولكن ذلك ليس برهان على انه ليس افتراضي. هذه الثقة والقناعة القوية يمكن ان تكون ناتجة عن اننا ملتصقين بمنطق اللوغاريتم الذي يشكل ذاتنا ويجعلنا واحد مع العالم الافتراضي. فكر مثلا كيف ستقوم شخصية من شخصيات اللعبة الكمبيوترية بالتعايش مع عالمها إذا استوعبت ذلك على انه الحقيقة الفيزيائية. للاسف لانستطيع تجربة النظرية او الكشف عن الوجود للكمبيوتر الذي يديرها. هذا النوع من المعلومات لن يكون موجود في عالمنا الافتراضي. وشخصيات اللعبة الكمبيوترية، مهما اكتسبت من وعي، ايضا غير قادرة على إكتشاف ان عالمها افتراضي، اصطناعي، لان المعلومات ليست مخزنة في البرنامج .

ولكن، في هذه الحالة، من المحتمل اننا نستطيع الحصول على عينات من البراهين الضعيفة ولكن المميزة لمثل هذا الوضع. غالبية الكمبيوترات تملك في طياتها خطأ ما كما ان المُبرمِجين لايستطيعون الوقوف متفرجين بدون التتدخل في شؤون برامجهم وقتا طويلا. هذا النوع من المؤثرات سيسبب انقطاع غير منطقي ، غير لوغارتمي، في سلسلة مجرى الحوادث. بمعنى اخر ستظهر في عالمنا ظواهر غير طبيعية تتناقض وقوانين الطبيعة السارية والفعالة.

إذا وثقنا هذا النوع من الظواهر ووصلنا الى مرحلة الاعتراف بعدم وجود تفسير لها، سيعني ذلك ان الاعجازات الدينية والقدرة على التنبوء او النبوءات clairvoyance وعمليا كل شئ لاتفسير منطقي له، سيكون مؤشر على اعطال في الكمبيوتر استدعت تغيير في المكثفات او الذاكرة او تتدخلات المُبرمج لتطوير البرنامج او دفعه في اتجاه معين. إذا كان السبب الاخير هو الصحيح يجب علينا ان نتساءل ماهو الهدف من ذلك؟ هل ذلك مجرد لعبة من اجل المتعة وتضيع الوقت، عندها سيكون علينا اتباع الحذر والحذاقة والحرفية التي تمنع اخراجنا من اللعبة بسرعة. اما إذا كان ذلك برنامج لتجربة عوامل الصدامات والاوبئة فعلينا ان نكون هادئين ومتعقلين ونكتشف الوسائل التي تحييد نشوء هذه العوامل.


مُبرمج أم إله؟

وكما هو العادة تملك النظرية العديد من النقد والناقدين. يقول بعض النقاد ان الانسان على الدوام كان يفسر العالم من منظور سقفه المعرفي الثقافي. الانسان المبكر، مثلا، اخترع الله على صورته وصورة عالمه وزاد له بالقدرة ليكون قادر على الاجابة على كل الاسئلة، في حين ان الانسان اليوم، في عصر المعلومات، يحشر الكمبيوتر، الذي يشكل ثقافته الجديدة، ليصبح جزء من كل شئ، بمافيه جزء من صورة الله القديمة. وهذا الامر لايفسر لنا نشوء الكون نفسه بقدر مايخبرنا عن طبيعة تفكير الانسان في فهم العالم.

غير ان هذه النظرية يمكن ان تصبح مثيرة للاهتمام فعلا عندما يتمكن الانسان من الوصول الى برنامج قادر على محاكاة وعي الانسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم لا..؟
الباشت ( 2012 / 1 / 14 - 16:08 )
عشت معك فلم الماتركس وخصوصا عند ذكرك للمعجزات والتفسير الماتركسي بأنها أعطال في البرنامج الرئيس
شكرا لك أستاذ طريف
تابعت كتاباتك في نادي الفكر العربي وموقع الذاكره ولم أعلم بأن لك مشاركة هنا إلا الآن


2 - رائع
مؤمن مصلح ( 2012 / 1 / 15 - 16:30 )
سلامات

عزيزي أنت وصلحد تعملان جاهدين على إثبات وجود صانع لعالمنا دون أن تقصدا

أحاول إثبات وجود صانع لعالمنا بأساليب علمية منطقية عقلانية بعيدة عن الترغيب والترهيب

لو حصلت معجزة وصدقتني أنه على الأرجح يوجد صانع لفعلنا معا عملا تاريخيا عظيما لم يفعله الذين قبلتا
الذين قبلنا من بشر ومن غير بشر إستعملوا الترهيب والترغيب في إثبات وجود الخالق فحصلت البشرية على إلهة مزيفة متعددة مستحيلة الوجود وليست الصانع الحقيقي الذي أرجح أنه موجود والإثبات بحاجة لادلة تدعم ذلك
تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز