الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى أصدقائي النهضويّين التونسيّين

مصطفى القلعي

2012 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أصدقائي
تحيّة طيّبة
وبعد،
أنا في غاية الأسى والأسف لما أعاينه من سلوككم وخطابكم. فالاسطوانة نفسها للأسف تردّدونها أصدقائي النهضويّين؛ نظريّة المؤامرة وتخوين الخصوم لتفسير الاحتجاجات الشعبيّة. فكلّما حدث أمر هنا أو هناك توجّه أصابع الاتّهام مباشرة إلى المعارضة. وهذا خطابكم؛ مَن كان في الحكم منكم أو من سياسيّيكم أو المنتسبين إليكم ومريديكم بمختلف مستوياتهم أو منكم أنتم المثقّفين والكتّاب النهضويّين الذين إليهم خاصّة أوجّه رسالتي هذه.
فلماذا لا نرى الأمور بشكل آخر كأن نعتبر الاحتجاجات والاعتصام في مختلف جهات البلاد تواصلا لمدّ احتجاجيّ غاضب لم يتوقّف منذ الثورة إلى اليوم؟ هل توقّفت هذه الاحتجاجات والاعتصامات منذ الثورة؟ لماذا ترون أصدقائي النهضويّين أنّ ما يحدث دبّره من تسمّونهم "الخاسرون بليلٍ لإزعاج الحكومة الشرعيّة وتعطيل عملها؟ لماذا صرتم ترونها موجّهة ضدّكم؟ ألم تستمعوا إلى مطالب المحتجّين؟ هل كان فيها غير التشغيل والتنمية؟ ألم تكن هذه الاحتجاجات لتشتعل في وجه أيّ حاكم؟ فلماذا لا تعترفون بعدم القدرة على السّيطرة على ما يجري، وهذا بالمناسبة طبيعيّ في هذا الظرف الثوريّ الانتقاليّ المتفجّر؟ لماذا لا تتعاملون بسلوك من في السّلطة فتتحمّلون مسؤوليّاتكم وتؤدّون دوركم دون أن تكتفوا بتوزيع الاتّهامات على الخصوم؟
ألا ترون تضاربا في تقييم حجم هؤلاء "الخاسرين" ووزنهم؛ فمن جهة تسمّونهم بمنتهى السّخرية وقلّة الاحترام "جماعة الصفر فاصل" يعني لا وزن اجتماعيّا وشعبيّا لهم، ومن جهة ثانية تعتبرونهم قادرين على إشعال الفتنة في أيّ جهة بل في كلّ جهات البلد في وقت واحد؟ ما هذا التناقض؟ فلو كان "جماعة الصفر فاصل" بمثل هذه القوّة وبمثل هذه القدرة على التحكّم في الشارع فكيف يخسرون الانتخابات بذلك الشكل المهين؟ هل توقّفت الاحتجاجات منذ اندلاع الثورة إلى اليوم؟ هل كنتم قبل الثورة تقولون إنّها موجّهة ضدّ النهضة أو ضدّ أيّ طرف آخر؟ لقد كانت الاحتجاجات بمثل هذا المدى أو أكثر فمن كان يحرّكها؟ولفائدة من؟ ثمّ اعتبار الاحتجاجات مؤامرة مدبّرة من "الخاسرين" أليس فيه استنقاصا من قيمة شعبنا ومن حرّيته باعتباره صار في نظركم قابلا للتحريك والتهييج من قبل أقليّة سياسيّة "خاسرة" لم ينتخبها؟ فكلّ تلك النّساء الغاضبات الفقيرات الأمّيّات صرن مواليات لطرف سياسيّ يحرّكهنّ متى شاء فيتركن بيوتهنّ، إن كانت لهنّ بيوت، ويخرجن لقطع الطرق تنفيذا لأجندات سياسيّة لمعارضين سياسيّين. هل هذا تحليل يقبله العقل والمنطق؟
ألا ترون معي، أصدقائي النهضويّين، أنّكم تردّدون نفس الكلام دون تمييز ودون بحث عن المنطق والإقناع؟ ألا ترون أنّ خطابكم هذا، وأنتم العقلاء، يؤجّج الفتنة ويهدّد ما تدعو إليه قيادات النهضة من توافق؟ إنّ من ليس معكم فهو ليس ضدّكم بالمعنى العدائيّ. ومن ليس معكم لن يدعو إلى الحرق والنّهب وقطع الطرق كرها فيكم. فأنتم، أرجو المعذرة، لستم أكثر وطنيّة من أحد. وأنتم مثلنا جميعا لا تحبّون المزايدات.
ثمّ، ألا يمكن أن يردّ الكلام عليكم كأن يقال لكم، مثلا، أنتم، أيّها الفائزون بأربعين فاصل، ألا تستطيعون وأنتم أغلبيّة شعبيّة مفتخرة بأغلبيّتها متباهية بانتصارها السّاحق على كلّ خصومها، أن تتحكّموا في هذه الاحتجاجات؟ أين قواعدكم وهياكلكم في مكثر وسليانة وجندوبة وقفصة وقبلّي وباجة وغيرها؟ إذا كنتم لا تستطيعون فثمّة خلل ما. كيف فزتم في الانتخابات، إذن؟ أين هي أغلبيّتكم؟ فقط في شارع بورقيبة تستفزّ الخصوم وتساند قرار الوزير وتعتدي على النخب من صحافيّين وسياسيّين ومثقّفين مدافعين عن الحريّة أو مندّدين بقرار؟ هل هذا هو السلوك الأغلبيّ السّليم؟ أمن أجل هذا ناضلتم ضدّ الديكتاتوريّة؟ أمن أجل هذا تدفعون مريديكم الأغرار منهم إلى إعادة سلوك من ناضلتهم ضدّهم
أنا، كما تعرفون، لست من أنصار النهضة، ولعلّني قريب ممّن تسمّونهم "الخاسرون أو جماعة الصفر فاصل" قربا إيديولوجيّا لا سياسيّا لأنّي مستقلّ وحرّ من التبعيّة إلى أيّة جهة أو طرف وبالتالي حرّ من الاستقطاب الذي وقعتم فيه، قلت؛ أنا منهم، إن شئتم، وأعبّر عن عدم ارتياحي ممّا يحدث اليوم في بلدي. أنا قريب من "الخاسرون" ولا أرجو أن أرى ما أراه ولن أطلب الغفران والعفو عن أيّ طرف تثبت إدانته بأيّ دور تحريضيّ في تونس اليوم. أنا أريد الاستقرار والرّخاء لبلدي. أنا أريد الأمن. أنا أريد العمل. أنا أريد الاستقلال والحريّة والتقدّم للجامعة التونسيّة الأبيّة الشامخة.
هل تتوقّعون من هذه النخب السياسيّة والثقافيّة المنتمية لمن تسمّونهم "الخاسرين" أن تساند أيّ عمل تخريبيّ ضدّ الدّولة والوطن؟ هل ترانا نرضى بغير الديمقراطيّة طريقا للممارسة السياسيّة؟ فلكأنّكم تتحدّثون عمّن لا نعرف، عمّن لم نعاشر زمنا. لماذا كلّ هذا الاستقطاب، إذن؟ إنّ من تتّهمون مثقّفون مناضلون وطنيّون ديمقراطيّون حداثيّون يعنيهم أمر وطنهم اليوم كما كان يعنيهم دائما. إنّ ما تتّهمونهم به لا يليق. ولا تنسوا أنّ الكثير منهم كان لكم يوما شريكا ونصيرا. فهل هو عمى السّلطة، عوفيتم منه، الذي يصيب الحاكمين؟
ألا يمكن أن تدْعوا الحكومة إلى ممارسة دورها ومسؤوليّتها في الحكم دون هذا الخطاب الاتّهاميّ التحريضيّ ضدّ من تسمّونهم "الخاسرين"؟ أنا أدعوكم جميعا، أصدقائي النهضويّين، إلى مراجعة أنفسكم. أنا أعرف أنّ للنهضة مستوى تنظيميّا سياسيّا عاليا داخل الحركة. فأرجو منكم أن تتدارسوا خطابكم وأن تعيدوا النّظر في استراتيجيّاتكم وأن تكفّوا عن تقاسم الأدوار بين مهيّج ومعقلن ومتّهم ومبتسم ومادّ يده ورافض.. هذا ليس في خدمة تونس ولا في مصلحتها. وأنتم، اليوم، مؤتمنون عليها.
تحيّاتي إلى كلّ أصدقائي النهضويّين

.كاتب من تونس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القوى السياسية الشيعية تماطل في تحديد جلسة اختيار رئيس للبرل


.. 106-Al-Baqarah




.. 107-Al-Baqarah


.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان




.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_