الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الخلافة وأوهامها (٢)

رفعت السعيد

2012 / 1 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وإذ نعود إلى موضوع الخلافة نكتشف منذ البداية أن اسم الخلافة والخليفة صناعة إنسانية استهدفت مصالح دنيوية لا علاقة لها بالدين.

ويروى ابن الأثير فى كتابه «الكامل فى التاريخ» حواراً جرى بين عمر بن الخطاب فى أول أيام ولايته وبين المغيرة بن شعبة فقال «ناداه المغيرة: يا خليفة الله فرد عمر: ذاك نبى الله داوود، فقال المغيرة: يا خليفة رسول الله، فأجاب عمر ذاك صاحبكم المفقود (يقصد أبوبكر) فقال المغيرة إذن نناديك: يا خليفة خليفة رسول الله فقال عمر: ذاك أمر يطول، فما كان من المغيرة إلا أن ناداه يا عمر، فقال عمر: لا تبخس مكانى شرفه، أنتم المؤمنون وأنا أميركم»، وبعدها استقرت تسمية «أمير المؤمنين» لكن مقتل عمر بن الخطاب فتح الباب واسعاً حول رئاسة المسلمين وتبدى هذا الصراع سياسياً وأحياناً قبلياً وسيطرت المصالح الشخصية والقبلية على الخلاف والمختلفين لكنها فى كل الأحوال اتخذت طابعاً دينياً ليكتسى الأمر بالقدسية التى تدفع الإنسان للقتال والتضحية بحياته.

لكن الكثيرين من الصحابة رفضوا الوقوع فى هذا الفخ بما دفع الصحابى الزاهد أبو زر الغفارى إلى الصياح قائلاً «والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هى من كتاب الله ولا سنة نبيه. والله إنى لأرى حقاً يُطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً وأثرة بغير تقى».

أما الصحابى سعد بن أبى وقاص فقد رفض الاشتراك فى هذا القتال معلناً «والله لا أقاتل حتى تأتونى بسيف له عينان وشفتان فيقول هذا مؤمن وهذا كافر». ولأن الصراع شخصى وقبلى فقد تخطى كل الحدود، فيزيد أرسل جيشه إلى المدينة ليخضع سكانها ويفرض عليهم البيعة، وأباح «المدينة» لجنده ثلاثة أيام فقتلوا وسلبوا ونهبوا ويقال إنهم افتضوا بكارة ألف فتاة وتهلل يزيد فرحاً وارتد إلى قبليته ذات الصبغة الجاهلية، فتذكر موقعة بدر حيث وقف سكان المدينة من الأنصار (الأوس والخزرج) مع الرسول فهزموا جيش أبى سفيان جد يزيد وأنشد:

ليت أشياخى ببدر شهدوا فزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً ولقالوا ليزيد لا فشل

وإذ يتفرعن الخليفة ويملى إرادته بحد السيف يكون دوماً بحاجة إلى سند دينى يبرر به ظلمه وقهره للرعية ويتصدر هؤلاء أبو بكر الطرطوشى الذى يبرر استبداد الخليفة قائلاً «فالله سبحانه وتعالى جبل الخلق على عدم الإنصاف فمتى لم يكن لهم سلطان قاهر لم ينتظم لهم أمر، ولم يستقر لهم معاش ومن الحكم التى وردت فى إقامة السلطان أنه من حجج الله على وجوده سبحانه، ومن علاماته على توحيده. العالم كله بأسره فى سلطان الله كالبلد الواحد فى يد سلطان الأرض» إنه يعتبر أن استبداد الخليفة بالسلطة والسلطان هو بذاته دليل على وحدانية الله سبحانه وتعالى، ونمضى مع الطرطوشى لنقرأ «وإذا كان الخليفة قاهراً لرعيته كانت المنفعة به عامة، وكانت الدماء فى أُهبها محقونة، والحرم فى خدورها مصونة، والأسواق عامرة والأموال محروسة» (أبوبكر الطرطوشى- سراج الملوك- الباب السابع- صـ ١٥٦). أما الإمام أبو الحسن الماوردى فيقول فى كتابه الأحكام السلطانية «إن أهل الرأى متى عقدوا البيعة للإمام، لا يجوز لمخلوق نقضها، لأن الرعية عليها بموجب هذه البيعة الطاعة والنصر للإمام ما وسعتهم الطاعة ولا يحل القيام عليه بحال من الأحوال». وكذلك كان الحال مع العديد من فقهاء الخليفة.

أما الشعراء وهم رموز الثقافة فى ذلك الزمان فقد أمعنوا فى تملق الخلفاء ووضعوا كل موهبتهم فى خدمتهم ونقرأ:

إن الخليفة قد أبى

وإذا أبى شيئاً أبيته

وأيضاً:

أبوك خليفة وكذاك جدك

وأنت خليفة وذاك هو الكمال.

والفرزدق يقول:

فالأرض لله ولاها خليفته

وصاحب الأرض فيها غير مغلوب.

ويتفوق عليه جرير فى نفاق الخليفة قائلاً:

ذو العرش قدر أن تكون خليفة

وملكت فاعل على المنابر واسلم

أما ابن هانئ الأندلسى فيتفوق على الجميع فى نفاق يصل إلى حد الهرطقة:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهار

فكأنما أنت النبى محمد

وكأنما أنصارك الأنصار

وما أردت من هذه الفتاوى والقصائد إلا أن أقدم بعضاً قليلاً من الثمار المريرة للحكم المطلق المغلف بغطاء دينى كثيف يزعم بأن الخلافة هى جزء من شعائر الإسلام بما يجعل الخليفة حاكماً متحكماً لأنه يحكم باسم السماء فيمضى الأمر به إلى «فاحكم فأنت الواحد القهار» ويمضى بنا البعض أو يحاولون إلى ذات المصير.

ولعل هذه السلطة المطلقة هى التى أطمعت الكثيرين حتى الإخوة والأمهات فى الاستيلاء على موقع الخلافة عبر القتل والنتائج الرقمية توضح ثمار هى الشهوة. فعدد الخلفاء الأمويين ١٤ والعباسيين ٢٢. والمجموع ٣٦ خليفة قتل منهم ١٧ غيلة. والكارثة أن القتلة كانوا إخوة أو أبناء عم، بل إن إحدى الأمهات اغتالت ابنها الخليفة لأنه لم يقتسم معها السلطة لتأتى بابن آخر ضعيف.

وما أردت من ذلك كله إلا إيضاح الثمار المريرة لاختراع فكرة الخلافة واختراع سلطانها المطلق المتحدث باسم السماء.

ويبقى بعد ذلك أن نحاول الكتابة عن علاقة فكرة الخلافة بمصر، ففيها ما هو أكثر بطشاً وأكثر إيلاماً.

فإلى لقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نريد المزيد من كشف المستور الدينى
طاهر المصرى ( 2012 / 1 / 21 - 10:52 )
شكراً للأستاذ رفعت على مقالاته التى يفضح فيها الفكر التسلطى الأستعبادى بأسم الدين والآلهة الغيبية، الفكر الدينى الذى روج له المثقفين بدون أستثناء، والآن أغلقوا أفواههم عن الكلام وتحجرت أقلامهم عن الكتابة.
إنه مجهود مشكور للأستاذ رفعت السعيد لأنه يقدم خدمة جليلة لكل إنسان يريد أن يحيا ويتمتع بالحياة حتى لا يقع عبداً لسلطان الأديان ورجاله المستغلين لجهل الكثيرين الذين لا يريدون البحث والقراءة والتحقق مما يقال لهم فى المساجد من إفتراءات على حقوق البشر وتزوير الإرادة الإنسانية لصالح رجال الدين وإلههم الذى لا وجود له إلا فى عقولهم الغيبية.
مرة أخرى شكراً لجهدك التنويرى وفى أنتظار المزيد من أفكارك التى تحرر فكر المستعبدين فى سجون الأديان ورجاله.


2 - الخلافة نموذج سيئ للحكم
حكيم فارس ( 2012 / 1 / 21 - 12:40 )
كل التحية للسيد الكاتب رفعت السيد على مجهوداتك التنويرية في كشف زيف ادعاء الاسلام السياسي بان نظام حكم الخلافة هو جزء من الدين وها انت تكشف لنا وبكل وضوح عدم صحة هذا الادعاء وبانها وليدة افكار اشخاص ارادوا الحكم والتسلط باسم الدين وربطوا اسمها الخلافة الاسلامية باسم الدين ادراكا منهم انه ضروري باعتبار طاعة الخلافة واجبة وهي من طاعة الله رغم ان الحياة الشخصية لغالبيتهم كانت بعيدة عن الدين تماما لما فيها من بذخ وحب التملك والتمتع بالحياة وحتى لو سلمنا جدلا انها جزء من الدين فهي لم تكن تجربة مشرفة بدليل تفككها وانهيارها امام التطور الذي حدث بالعالم وهذا يثبت ان نظام حكم الخلافة غير صالح وغير قابل للتطور ولايمكن اعادة استنساخه وبعث الحياة فيه فهو ميت عفى عليه الزمن


3 - تجارة الدين = الثقافة الإسلامية
Amir_Baky ( 2012 / 1 / 22 - 09:08 )
الإسلام دين و دولة و يمكن أن يقال أن الإسلام حركة سياسية أستخدمت الدين فهذه التعبيرات الصادمة للأسف حقيقة قام بها السلف و يتبعهم المعاصرين. جوهر المشكلة ليس فى عدم قراءة التاريخ البشرى للمسلمين. جوهر المشكلة إننا جعلنا هؤلاء رمز للقداسة فمن حولوا الدين لحركة سياسية أصبحوا مثال يحتذى به. ولأن المعاصرين يخشون قول الحقيقة فكان التمثل بهذ السلف الطالح أمر محبذ لدى الكثيرين. موقعة الجمل و تنافس الصحابة و أهل البيت على ما يسمى خلافة هو أمر سياسي بحت. فجميع ما يسمون أنفسهم بالخلفاء الراشدين تم قتلهم جميعا. فطمع و شهوة السلطة و الحكم دمرت الإسلام كدين منذ بداياته.


4 - الدكتور مصطفى السعيد
سلامة شومان ( 2012 / 1 / 23 - 21:07 )
الاسلام بفكرة وعقيدته وتشريعاته ليس له دخل بما حدث على اى انسان خالف قوانين الاله حتى لو كان خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم
والنبى قد وضح لنا هذا وبين لنا انه سيكون فتن كالليل الظلم والسبب حب الدنيا ونسيان الاخرة
والدكتور الفاضل يعلم ان اخطر شىء على الانسان شهوة الحكم والكرسى والامر ليس بجديد ولم يحدث للخلافة الاسلامية فقط بل حدث للغالبية العظمى للحكام العالم سواء رومان او فرس او فى عصور حكم الكنيسة الخ
فالله عز وجل ينزل التشريع العادل لمصلحة العباد والعباد عندما ينسون عدالة احكام الله ويشتهون الحكم ويحبون الدنيا تكون النتيجة حكم الفرد والديكتاتورية
وحتى فى زمننا هذا رجال الثورة اى ثورة 23 يوليو عندما تمكنوا من الحكم بدأت مراكز القوى والمشير حكيم يفكر فى الهيمنه عى الرئيس والرئيس ينتقم من حكيم وجمال لم نعرف من قتله حتى الان الخ والسادات مات مقتولا ومبارك مات اكلينكيا وسمعة وشعبيا الخ ولاتفرق عن الخلافة فهم ايضا من خلفوا بعضهم البعض اليس كذلك يا دكتور


5 - الى الأخ سلامة شومان
حــــــــــــــسن محمد ( 2012 / 1 / 25 - 11:36 )
و اذا كان كل فعل من أفعال المسلمين لا يتحمل الاسلام وزرة فمن أين نأتى بمسلمين يتحمل الاسلام أفعالهم فاذا كان الصحابة حدث بينهم ما بينهم و قاتل بعضهم بعضا فماذا تتوقع منا نحن

اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran