الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظاهرة الإسلامية في روسيا (6-6)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2012 / 1 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قيمة المرجعيات الثقافية (روسيا وعالم الإسلام)

إن للمرجعية الثقافية قيمة جوهرية في البناء الذاتي. فالتطور الحقيقي هو التطور التلقائي. مما يفترض بدوره الاستناد إلى مكوناته الخاصة. لاسيما وان كل خطوة سياسية صحيحة تخطوها الأمم إلى الأمام سوف تؤدي بها بالضرورة إلى إدراك قيمة المرجعيات الثقافية الخاصة. ولا مرجعيات ثقافية كبرى في عالم الإسلام غير حضارة الإسلام (الثقافي) وتقاليد شعوبها القومية.
أما بالنسبة لروسيا، فان العالم الإسلامي هو ثلاثة عوالم، كلها في حركة، هي: إعادة هيكلة وإعادة تشكيل وإعادة مركزة النفس. وتشكل هذه المكونات ما أسميته بالمركزية الإسلامية، باعتبارها نفيا ثقافيا وسياسيا لتقاليد المركزية الغربية (الاورامريكية).
ومن الناحية التاريخية للمعاصرة، كانت روسيا أول من كسر تقاليد المركزية الغربية الإمبريالية (الأوربية). وقدمت نفسها باعتبارها نموذجا جديدا للعلاقة بين الدول والشعوب والثقافات، مبنيا على أسس عقلانية وإنسانية، قبل أن يجري قولبته في رؤية أيديولوجية – دعائية عن "الطليعة". وهو أحد الأسباب الجوهرية لانهيار الاتحاد السوفيتي لاحقا.
أما بالنسبة للمشكلة الممكنة في العلاقة بين روسيا والعالم الإسلامي، فإنها تنبع من ضعف الوعي الثقافي – السياسي القومي الذاتي في روسيا. من هنا سيادة النزعة التجريبية، التي لا تؤدي إلى حكمة، لان الحكمة (السياسية) تفترض أولوية وجوهرية التجربة الذاتية.
في ظل هذا الواقع يصبح الحديث عن روسيا والعالم الإسلامي حديثا عن أطراف مختلفة ومتباينة ومتصارعة ومتضادة أحيانا. وذلك لأن المكونات الجوهرية في روسيا (في ظل العولمة أو بدونها) بالنسبة للعالم الإسلامي هو صيرورتها وكيانها الاورآسيوي. والتجريب المفيد، الذي يصنع حكمة، هو الذي يجري ضمن مكوناتها الاورآسيوية. فهو خيار وجودها التاريخي والثقافي. فإدراك الكينونة الاورآسيوية بالنسبة لروسيا وتجسيدها في رؤية جيوسياسية ونظام ثقافي سوف يذلل بقايا الرؤية الغربية (الاورامريكية) الضيقة عن الشرق بشكل عام والإسلامي بشكل خاص، كما لو انه قطعة على طاولة الشطرنج الكبرى. بعبارة أخرى، أن العلاقة الجيوسياسية المتينة والصحيحة بين روسيا والعالم الإسلامي تفترض بنائهما الذاتي على مرجعيات ثقافية خاصة.

تطبيق عملي بالنسبة لقيمة المرجعيات الثقافية (روسيا وعالم الإسلام)

لقد أشرت في البداية إلى أن العالم الإسلامي المعاصر يمر بمرحلة إعادة صنع مركزيته الذاتية. وهي مركزية ثقافية – سياسية. أما إعادة هيكلتها (تركيبها) وإعادة تشكيلاتها وإعادة مركزتها، فإنها تتمظهر من الناحية الجيوسياسية بالنسبة لروسيا في هيئة عوالم ثلاث وهي:
العالم الأول: هو عالم روسيا نفسها، والذي نشأ فيه ومنه خرج أيضا كيان الاوراوسيوية الروسانية. وهو عالم تتوقف آفاقه الداخلية على جملة كيفيات لعل اهمها هي:
• كيفية تحويل تاريخه الماضي والحاضر إلى تاريخ مشترك بالنسبة لبناء وحدة الانتماء الثقافي لروسيا الاورآسيوية.
• وعلى كيفية صنع الهموم المشتركة في بناء الدولة الفيدرالية الموحدة
• وعلى كيفية بناء ثقافة مشتركة بين الحضارة الروسية والحضارة الإسلامية.
العالم الثاني: هو العالم الإسلامي في آسيا الوسطى وأذربيجان، والذي تتوقف آفاقه الداخلية على كيفيات عدة لعل اهمها هي:
• كيفية حل ثنوية الحداثة – الاستقرار،
• كيفية تحويل الإسلام إلى جزء جوهري للكل الثقافي التركستاني
• كيفية بناء عقلانية سياسية داخلية وخارجية
• كيفية ترتيب علاقتها بالعالم الإسلامي
• كيفية ترتيب علاقتها بروسيا.
إن هذا العالم الإسلامي (آسيا الوسطى وأذربيجان) هو امتداد طبيعي وتاريخي وثقافي لروسيا، كما أن روسيا امتدادا له بالقدر ذاته. كما انه الحلقة الطبيعية والضرورية لارتباط روسيا بعالم الإسلام (العالم الثالث).


روسيا واللعبة الأصولية

تقتضي مصالح الجذرية لروسيا الخروج من أيديولوجية اللعبة الأصولية. إذ لا أصولية في العامل الإسلامي. وما يسمى "بالأصولية الإسلامية" في العرف العادي والمنتشر في وسائل الإعلام هو في الواقع ما ادعوه بمرحلة إعادة صنع المركزية الإسلامية. وهي أصولية بالمعنى الثقافي – السياسي، أي تيار الجهاد والاجتهاد (البحث والمساعي) التلقائي في أصول الثقافة عن مرجعيات عملية وروحية في ظل العولمة المعاصرة. من هنا فان الانهماك والمشاركة في مواجهة "خطر الأصولية" (الإسلامية) هو اشتراك غير واع في تهشيم الارتباط الطبيعي والجغرافي والتاريخي والثقافي لروسيا بعالم الإسلام، ولكينونة روسيا الطبيعية والجغرافية والتاريخية والثقافية نفسها.
فالظاهرة الإسلامية في روسيا هي جزء من تاريخ الشعوب الإسلامية من جهة، وجزء من تاريخ الدولة الروسية من جهة أخرى. وبما أن الدولة الروسية هي من طراز آخر (قومي وثقافي وديني)، لهذا كان تاريخ الإسلام في كثير من جوانبه هو تاريخ الدولة الروسية والثقافة الروسية. مما أثر بدوره تأثيرا كبيرا على تكوين ملامحه الخاصة، بحيث أدى إلى تكوين ما يمكن دعوته "بالإسلام الروسي". وهو إسلام تعرض لضغوط متواصلة ومحاصرة شبه دائمة وهدم منتظم استمر قرونا عديدة، جعل منه في نهاية المطاف إسلام العادات لا إسلام العقائد والثقافة. من هنا خموله السياسي والاجتماعي والروحي.
لهذا كانت "صحوته" أيضا من طراز خاص، متميزة عما هو عليه الأمر في العالم الإسلامي (غير الروسي). وبغض النظر عن الضعف البنيوي "للإسلام الروسي" و"صحوته"، إلا انه يمتلك جملة من المقومات الجوهرية القادرة على تنشيطها العقلاني.
فالظاهرة الإسلامية في روسيا هي ظاهرة متحولة لم تتكامل بعد في تيارات واضحة المعالم من الناحية السياسية والفكرية. وترتبط هذه الحالة أساسا بعدم تكامل الاستقلال السياسي والثقافي للشعوب الإسلامية في روسيا (ولعل الاستثناء الوحيد والنسبي في الشيشان). وفي الشيشان تشير الظاهرة الإسلامية إلى أولوية فكرة الدولة والقومية فيها ومن بعدها القضايا الأخرى(الاقتصادية والاجتماعية وغيرها).
إن أولوية الدولة والقومية في الظاهرة الإسلامية في روسيا يعكس ظاهرة تفعيل الأبعاد الثقافية والروحية في وعي الذات السياسي للشعوب الإسلامية. ومن ثم فان التأثير المتبادل بين الموروث الإسلامي الروحي الشحيح وبين الواقع السياسي المتأزم (حكوميا واجتماعيا واقتصاديا وأخلاقيا) هو الذي استثار ويستثير ظهور "الإسلام السياسي"، أي أن تصّير "الصحوة الإسلامية" في "إسلام سياسي" جرى ويجري ضمن انهيار شامل لمختلف جوانب الدولة الروسية المعاصرة، وغياب شبه تام لتقاليد سياسية (إسلامية) مستقلة .مما يجعل من آفاق التفعيل السياسي للإسلام أمرا يصعب تحديده والتنبؤ به. إضافة إلى احتواءه على إمكانات مختلفة. ويرتبط هذا الاختلاف بدوره بتنوع المناطق الإسلامية في روسيا ونماذج ومستوى اندماجها القومي والثقافي في الدولة الروسية (كما حدته وحللته في الحلقات السابقة).
كل ذلك يحدد ضرورة التعامل مع الظاهرة الإسلامية في روسيا على أساس أنها ظاهرة ليست واحدة وغير موحدة. وتنوعها وتباين إمكاناتها الذاتية في تتارستان وبشكيريا وشيشانيا وداغستان يجعل من الضروري تنوع المواقف تجاهها. إذ لا توجد "قواعد داخلية" "للإسلام السياسي" في روسيا، ومن ثم فلا ضرورة "لقواعد خارجية" واحدة في التعامل معه. أما القاعدة الوحيدة العامة للتعامل مع الظاهرة الإسلامية، فينبغي أن تستند إلى التمييز بين نشاط أولئك الذين يحتل الإسلام عندهم أو يمثل بالنسبة لهم جزء من آلية السلطة، وبين أولئك الذين يشكل الإسلام بالنسبة لهم مكونا جوهريا في الكيان الثقافي والروحي للأمة. فالتيار الأول عرضة للفساد والإفساد، بينما يسهم الثاني في بناء صرح الوحدة المتماسكة للدولة والأمة. كما بساعد على تمتين عرى الوحدة الثقافية والروحية لعالم الإسلام.
كل ذلك يجعل من الضروري دعم التيارات العقلانية والمعتدلة في "الإسلام السياسي" لمنطقة حوض الفولغا وشيشانيا وداغستان عبر التركيز على دعم قيم وتقاليد الإصلاحية الإسلامية، أي أن الدعم المادي والمعنوي ينبغي أن بصب في اتجاه تمتين عرى الوحدة العقلانية وروح الاعتدال والوسط داخل الكيانات الإسلامية في روسيا، وليس عبر دعم التيارات التي تعمل موضوعيا على هدم الكيانات الإسلامية التي مازالت تعاني نفسها من خلل في بنية الدولة والمجتمع والأمة والثقافة والأخلاق. وهو دعم ينبغي أن يستند على قاعدة احترام تقاليد الشعوب الإسلامية في روسيا وطبيعة تعاملها مع ميراثها الثقافي ومستوى دنيويتها المعاصرة.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 163-An-Nisa


.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و




.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف


.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله




.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446