الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية الانثروبولوجية

وليد مهدي

2012 / 1 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الماركسية والانسنة

يرى مارتن جاردنر بأن ما تبقى من تصورنا عن المادة ككرات نيوتن الصلدة القديمة قد تلاشى تماماً ، لم يتبق لدينا اليوم سوى " عرى " خيطية مهتزة ، او اجساماً نقطية غير محددة الكيان ..
فما نعرفه بالمادة السنجابية للدماغ ما هو إلا تعبيرات رياضية في تكوينها الدقيق تحت الجزيئي لا نعرف عنه شيئاً ، وبصريح العبارة يقول جاردنر في مقاله " هل الحاسبات الالكترونية قريبة من العتبة ":
" لا شيء ، ما عدا النماذج الرياضية ، له وجود على المستوى الكمي .."
كما ينقل جاردنر عن الفيزيائي الشهير روجر بنروز في نفس المقال بأن دماغنا كما نعرفه خلايا عصبية تتذبذب بذبذبات كهربائية تنقل الطاقة عبر التشابكات العصبية والنواقل الكيمياوية ، و نحتاج لنفهم المادة في المستوى دون الكمي ( الرياضي الرقمي ) الغامض كي ندرك حقيقة الوعي والذكريات..

مثلما كان الفلاسفة اوصياء على المعارف في عصر ما قبل النهضة ..
يعتبر علماء النفس اليوم انفسهم ، وكذلك علماء واختصاصيي الاعصاب بانهم اوصياء على العقل البشري ..
ومثلما تفرعت العلوم إلى تخصصات وهمشت الفلسفة لتنحصر اليوم بمنهج البحث العلمي ..
فليس بعيداً ذلك اليوم الذي تنزع فيه وصاية السيكولوجيا وعلوم الاعصاب عن العقل البشري وفهمنا للوعي الانساني حين تتطور المعرفة والعلوم في المستوى دون الكمي للفيزياء ، ويصبح " علم العقل البشري " علماً تخصصياً له طرائقه وادواته المتنوعة في البحث العلمي في مسار يحمل العديد من السمات والخصائص الاضافية التي تميزه عن دراسة علم الاعصاب وعلم النفس باعتبارها علوماً تهدف لمعالجة اعتلالات واختلالات وظيفية دائمة او طارئة في آلة العقل البشري ، الدماغ ..
وفي انتظار ذلك اليوم ، ما هو الذي يمكن ان يكون بين ايدينا من فلسفة علم يمكنها ان ترشدنا لفهم المسار الذي تطور به الدماغ وفعالياته العقلية منذ ماضي الازمنة ، وماهي الوجهة التي يمضي بها هذا التطور في المستقبل ضمن تصورنا الفلسفي الجديد عن " الانسان " المستوحى من الماركسية ومحاولتها رسم السكة الكلية لعلم الاجتماع البشري في ضوء تطور وسائل الانتاج منذ فجر التاريخ وحتى نهايته " الحتمية " بالمجتمع الشيوعي ؟
كيف هو الدماغ البشري في قادم الايام ، وكيف يمكننا رسم تصور " ماركسي " جديد عن العقل البشري يكمل التصور الذي بداته في الاعوام الماضية عن علاقة الهوية والحضارة بالانسان فيما اسميته شخصياً " الانثروبولوجيا الماركسية " ..؟
الموضوع يحتاج إلى " بداية " كتلك التي رسمها ماركس عن الصراع الطبقي على مر الازمنة والعصور ..
لكنها هذه المرة تدخل في عمق تكون دماغ الانسان الآني والمستقبلي وليس حاجته ومعيشته كإنسانٍ فردٍ فقط ..
بداية تستبدل الصراع الطبقي بين شرائح من المجتمع البشري واخرى ، بالصراع الفردي البيولوجي مع " الطبيعة " ومسار تحول التكوين الدماغي الحيوي والعقلي الثقافي في ظل تاريخ طويلٍ من هذا الصراع ..
بداية ، تعيد رسم خريطة التاريخ لتطور الدماغ البشري بدءاً من ادمغة الاسماك في البحار الاولى مروراً بدماغنا نحن بني البشر ، ووصولاً إلى الشكل المستقبلي القادم من تطور الدماغ والاحتمالات المتعددة التي سيؤول إليها ..
فقد لا افترض " حتمية " لشكل معينٍ محددٍ من الدماغ والوظيفة كما هو التصور الشيوعي للمجتمع الانساني ..
الباب سيترك مفتوحاً لاحتمالات متعددة قد يكون احد نماذجها هو النموذج الكوني الموعود بناء على معطيات ومبانٍ علمية دقيقة ..

الماركسية الانثروبولوجية

وعوداً على ما بداته في المقدمة ، فإن دراسة علم الاعصاب والسيكولوجيا لم تعد كافية وحدها لفهم العقل البشري وملكاته وحقيقة وجوده وانبثاقه كنشاطٍ للدماغ ، هذه المادة الرمادية القابعة في تجويف الجمجمة ..
البشرية ، و كما يذهب العديد من العلماء ، بحاجة إلى ثورة حقيقية في هذا المجال تعيد صياغة معرفتنا بصورة جذرية ..
مع ذلك ، وكما وجد ماركس في " التاريخ " العزاء لاعادة رسم خريطة تطور المجتمع البشري لتظهر " المادية التاريخية " بابهى واجلى صورها ..
فإن " علم التطور Evaluation Science " سيكون عزائنا لفهم " الغاية " التي يجري عليها تاريخ تطور الدماغ البشري ..
سيرسم لنا تطور الدماغ وتشكله البنية الحقيقية للادراك العقلي ومآله في آفاق المستقبل ..
هي دعوة ان نرجع عدة خطوات للخلف ، من اجل وثبة تاريخية جبارة لرؤية انسانية نحو المستقبل ..
وكما اكدت الماركسية بقراءتها الاقتصادية الاجتماعية بان صراع الطبقات هو الحافز الاساس في تطور المجتمع وتحولاته ، فإننا بهذه القراءة الانثروبولوجية للماركسية نؤكد بأن " معاناة " الكائنات الحية بما فيها الانسان على مر التاريخ هي التي طورت البنية الجسمية ببروز صفات تكيفية مع هذه " المعاناة " بما في ذلك حاجة التطور العقلي التي تطلبها هذا التكيف في دماغ البشر كما سنوجزها بالمسار الآتي ..

المسار التاريخي لتطور الدماغ

لو اجرينا معاينة مختصرة لمراحل تطور الجهاز العصبي ، ودققنا بإمعان في خريطة تطوره عبر التاريخ ، سنجد أنه لابد من وجود مراحل لتشكل الوعي بمختلف درجاته في الكائنات صاحبت مراحل تشكل الدماغ عبر ملايين السنين في سلم التطور البيولوجي ..
فابتداءاً من الأسماك في البحار الأولى القديمة مروراً بالبرمائيات فالزواحف فالثدييات وصولاً إلى الرئيسيات العليا و منها الإنسان ، يكون الدماغ قد مر بثلاث مراحل أساسية في تطوره تتضمن ظهور أجزاءٍ فيه مصحوبة بنشاط جديد يترافق مع هذا التطور التكويني :

المرحلة الأولى :

ظهور الدماغ الأولي المتمثل بساق المخ Brain Stem مع كتلة أولية من الخلايا العصبية..
ففي هذا الدماغ البدئي كانت المسؤولية " العقلية " منحصرة بالسيطرة على الغرائز الأساسية المسببة لبقاء الكائن الحي ، التنفس والشم والسيطرة على ضربات القلب ، السيطرة على الجهاز الهضمي ، الخوف والهرب من المخاطر ، الجنس والتكاثر ..
هذا الدماغ البدئي الذي ساد في الحيوانات الفقرية ومن بينها الأسماك والبرمائيات الأولى كان هو المظهر الأساسي للدماغ قبل ملايين السنين .. ويدعى كمنظومة متكاملة للسيطرة على وظائف الغريزة الأساسية بالجهاز اللمبي Limbic system . ( المسيطر على الغرائز الدنيــا )
وهذا يعني ، بأن الجانب الكلاسيكي من الوعي أو العقل هو الجانب الغرائزي الانفعالي المتعلق بالبقاء هو الذي ظهر في مسرح تطور الدماغ ( كآلة ) والعقل ( كنشاط لهذه الآلة ) ابتداءاً ..

المرحلة الثانيــة :

ظهور الدماغ الثانوي في الزواحف و اللبائن الأولى ، حيث أضيفت إلى الكتلة العصبية في ساق المخ المسيطرة على الغرائز الأساسية خلايا دماغية جديدة على مر ملايين السنين بتزامن " معاناة " الاسماك القديمة وتحولها التدريجي إلى زواحف ..
تسمى هذه الخلايا القشرة المخية Neocortex ، بتكون هذه القشرة بدأت أولى مظاهر الأمومة بالظهور ، وكذلك تطور مظاهر الألفة لدى الحيوانات ( الغرائز العليــا )
ويمكننا ان نلحظ اليوم الاسماك التي تفتقر لهذه القشرة لا تزال تاكل صغارها ..
وكذلك يمكننا مشاهدة الافاعي الصغيرة في البرية وهي تفرُ غريزياً من امهاتها بعد تفقيسها مباشرة ..
وحتى اليوم ، لا تزال بعض القطط تبدي جنوحاً غريزياً نحو ذلك الماضي البيولوجي السحيق حين تاكل صغارها في حالات شاذة ما يضع العلماء في حيرة ودهشة ..
( مع انها موضوعية وواقعية بالنسبة للماركسية الانثروبولوجية ولا تثير الاستغراب !)
او تقوم بعض الطيور ( وفي حالات شاذة ايضاً ) بتكسير و " اكل " بيضها الذي تحضنه ..
و بغض النظر عن التفسير العلمي لهذه الظواهر الغامضة ، فهي ومضات من اعماق ماضي التطور " العقلي " القديم للكائنات ، وتعبر عن " اساس " الغريزة القائم على بقاء الفرد بالمقام الاول قبل العلاقة الوثقى التي تربطه بعائلته او جماعته التي ظهرت كاستجابة لحماية الفرد ضمن الجماعة ..
ويمكننا ان نقول بانها مرحلة بناء الميولات الغريزية " ما بعد الفردية " في الكائنات ضمن البنية الدماغية ..


المرحلة الثالثة :

ظهور الدماغ الحالي الذي يشمل المنطقتين السابقتين ، الدماغية الشمية ( الزاحفية ) والدماغية العاطفية ( الامومية ) إضافة إلى تنامي حجم الدماغ كثيراً في الإنسان Homo sapiens.. ممثلاً بالقشرة الخارجية والداخلية ..( Inner cortex & outer cortex )
فعبر تنامي القشرة المخية ، و باستمرار عملية التطور ظهر الوعي والعقل في الإنسان ، وظهر التفكير المنطقي الذي حول الإنسان إلى كائن اجتماعي بامتياز ..
الكائن الذي يجعل من العلاقة الاجتماعية مع بني جنسه وطبيعتها هي اهم سمات انسانيته ..
لقد احتاج الإنسان عبر " معاناته " وخوضه الصراع التاريخي الطويل مع البيئة إلى تطوير مراكز للغة في الدماغ ، وتزايد تعقيد خلايا الدماغ التي تحلل الاصوات في المراكز السمعية وكذلك تلك التي تحلل المعلومات البصرية ..
فضلاً عن تطور القشرة العلوية من خلايا الدماغ وتطور فص التفكير المنطقي في المقدمة الدماغية ..
بتظافر عمل هذه الاجزاء المطورة جميعاً ، ظهرت اللغة والتاريخ والمعرفة والدين والفن والأدب ..
وهي كلها حسب الماركسية الكلاسيكية انعاكسات لتطور وسائل الانتاج وطرق حصول الانسان على غذائه وحاجيات عيشه الاساسية ..
لكن ، في ماركسية بحثنا هذا الانثروبولوجية التي نحاول بها انسنة الماركسية في جانب مهم من جوانب " الصراع " التاريخي للكيان البيولوجي ( الجسد ) مع الطبيعة والمجتمع ، نجد بأن " واقع المعاناة " للكائن الفرد هو اساس تحوله لاختيار وسائل انتاج مناسبة توائم البيئة التي يعيش فيها ..!
فالرئات كوسائل انتاج وتنقية للهواء لم تطور الاسماك لتجعلها زواحف ..
لكن ، معاناة الاسماك في المياه الضحلة في البيئات الحارة قليلة الاوكسجين الذائب ، والتي تجف تدريجياً على مدار العام ، هي التي انتهت بعد بضعة ملايين من السنين إلى " تخليق " الرئات ..
وبالتالي ، الماركسية الكلاسيكية تصبح جزءاً من الماركسية الانثروبولوجية لان الاخيرة اعمق واشمل ..
الماركسية الانثروبولوجية تقدم " المعاناة البيئية " كاساس في اختيار وصناعة وسائل الانتاج من قبل كل الكائنات الحية وتجعل من وسائل الانتاج نتيجة وليست سبباً اولياً اساسياً ثابتاً في تحريك التأريخ ..
وهكذا ، معاناة الانسان الطبيعية هي التي طورت وسائل انتاجه القديمة على صعيد اجتماعي ، ووسائل انتاجه التكوينية على صعيد جسدي ممثلة في الاعضاء الجسمية المختلفة ، ومنها الدماغ الذي ابتدع وسائل مختلفة للتكيف مع بيئته وتطوير حياته ومنها الاجزاء المنطقية واللغوية للنشاط الدماغي ..
كان من الطبيعي ان تتطور اجزاء القشرة المخية الخارجية تدريجياً بعد الحياة الاجتماعية بما يتناسب و " معاناته " في هذه الحياة بامتداد مختلف الاجناس البشرية بمدى زمني يتراوح بين السبعة والخمسة ملايين عام لموضعة الإنسان الفرد ضمن " الجماعة " ..
فإذا كانت المرحلة الاولى " الزاحفية " فردية بامتياز بغايتها لاجل البقاء ، والثانية " الثديية " أو " اللبنية " هي امومية بامتياز وقد عززت حالة من التوازن لدى الفرد بين الفردية والغيرية لما اشاعته من مناخ " الالفة " في التاريخ الكوني للعقل والدماغ ، فإن هذه المرحلة الثالثة هي المرحلة " البشرية " أو " المنطقية " في مسار تطور هذا التاريخ وقد جائت مكملة للمرحلة التي سبقتها واشاعت الغيرية بشكلها الاشمل ممثلة في ظهور قيم " الاجتماع " التي تحدد طبيعية وقوانين العلاقات الاجتماعية وموقع الفرد فيها ..
لكن ، هل انتهت معاناة الانسان كفرد بظهور هذه المرحلة من تاريخ تطور العقل والدماغ ..؟؟
الحقيقة ، الانسان الفرد دخل في صراعٍ جديد مع التاريخ يضاف لكفاحه الدائب ضد الطبيعة..
إنه صراعٌ مرير وطويل سبق ظهور دويلات المدن الاولى في سومر قبل سبعة آلاف سنة ..
وهو صراع الفرد الواحد .. في مواجهة " الجماعة " ، وكذلك الجماعات المنبوذة .. في مواجهة الجماعات الكبيرة ، وما ادى هذا إلى نشوء " قيم " خاصة وشاذة دعمتها البنية المنطقية اللغوية للعقل البشري في هذه المرحلة ..
وهكذا الدويلات الصغيرة دخلت في صراعٍ طويل .. في مواجهة الامبراطوريات التي شكلتها الجماعات الاكبر ( الدولة ) منذ سبعة الآف سنة في وادي الرافدين ووادي النيل والنهر الاصفر ..
وهكذا ، كان لدينا هذا التناقض بين جنسي النياندرتال والكروماكنون البشريين ..
فبعد ان كانت للنياندرتال خيالاته الاولى التي وجدناها في الكهوف ممثلة في حيوانات عملاقة كثيفة اللحم يحلم في صيدها ، اصبحت " السلطة " و " الجاه " تعقيدات اضافية ومعاناة دائبة يومية تستحث دماغ الجنس الحالي وجنس الكروماكنون الاوربي القديم على زيادة تكييف الدماغ وامكانياته اللغوية المنطقية ..
ربما لهذا السبب ، كانت الاجزاء البصرية اكثر تطوراً لدى النياندرتال ، وربما لهذا السبب كان تطورها على حساب " اللغة " و " التفكير المنطقي " الذي تمتع به جنسنا الحالي ..
فاللغة ، اهم عوامل تأسيس الجماعات الكبرى لدى جنسنا المعروف بالهوموسابينز ..
وقوة جسد النياندرتال ، وقوة بصره ، ربما جعلته صياداً ماهراً لا يحتاج للعمل ضمن جماعات كبرى مثل اسلافنا ، وهو يعني قلة احتياجه إلى لغة معقدة ومصطلحات ومفاهيم اجتماعية متعددة ..
وهو ما يعطينا سبباً ولو بسيطاً على الاقل في الكيفية التي يمكن بها ان ينقرض جنسٌ يتميز افراده بالقوة والقابلية على البقاء بصورة فردية في احلك البيئات الصعبة في شمال الكوكب مثل النياندرتال في مواجهة جماعات افرادها اقل قوة وقابلية على الاحتمال البقاء فرادى .. لكنهم ذوي مقدرة اجتماعية عالية على التنظيم وتحشيد اكبر عدد من الجماعة بسبب العقل المنطقي والتطور اللغوي العامل الاهم في بناء الجماعات ما يضمن لهم ديمومة وبقاء بمقابل اجناس اخرى سواء بالنزاعات المسلحة ( حروب الابادة ) او التزاوج وذوبان الاقلية في الاغلبية ( وهما من نظريات انقراض النياندرتال لدى علماء الانثروبولوجيا ) ..
وشخصياً ، استبعد النظرية الاحدث عن انقراض النياندرتال في كونه استبعد بيئياً في بيئة كان يعيش فيها على الاقل لمئة الف سنة ..!

ما هي المرحلة الرابعة ؟

والسؤال الذي يتوجب علينا اجابته الآن :
ما هي طبيعة المعاناة التي اوجبت تطور الاجزاء البصرية وكبر الدماغ بصورة عامة بما يتفوق على جنسنا الحالي لدى جنس النياندرتال ؟
وهي المرحلة التي نمر بها نحن حالياً ولم تكتمل لدينا بعد ، لكنها ربما تكاملت في جزءٍ منها لدى جنس النياندرتال بسبب البيئة الطبيعية القاسية التي عاش بها في شمال الكوكب لمدة قد تزيد على المئة الف سنة كما كشفت الابحاث الأثرية..
إن اللافت هنا هو تطور الدماغ الخلفي وتنامي حجم الاجزاء البصرية كثيراً بسبب الحاجة المستمرة لاستخدام البصر في تلك البيئة القاسية الباردة المعقدة ..
فبالإضافة لحدة البصر ، يعني تنامي الاجزاء البصرية تطوراً كبير لا يمكن ان نتوقعه نحن في " الاحلام " ..
فضلاً عن تطور الحركة واساليب الجري والانتباه و " الحدس " الذي يتميز به ذهن النياندرتال الصياد ..
هذه كلها تقود إلى تطور مفاهيم هذا الانسان عن الدين والقوى الكونية المسيطرة على الطبيعة..
إن تطور ملكة فائقة للتخيل تتفوق علينا كثيراً تكون مسرحاً لــ " وعي جمعي " يحجم من فردية الانسان ويذوبه كلياً في كيان كلي شامل للوجود ، ممثلٍ في اولى ارهاصات " التدين " التي كانت واضحة بشكلٍ كبير لدى النياندرتال ، إنما يعني إن ما ورثناه من هذه الارهاصات هو فيضٌ قليل من كثير لا تزال البشرية في انتظاره ..
فتطور الاجزاء البصرية من قحف الدماغ كان ربما بمثابة مرحلة " ثالثة " من تطور دماغ النياندرتال مثلما كان تطور الدماغ المنطقي اللغوي هو المرحلة الثالثة لجنسنا نحن ..؟
بالتالي ، هل يمكن ان تكون المرحلة الرابعة هي " المنطقية " التي كانت في بداياتها لدى النياندرتال كمرحلة رابعة غير مكتملة ، بدليل بدائية " اللغة " لدى هذا الجنس كما كشفت هذا الدراسات على جمجمته ..؟؟
وهل يمكن ان المرحلة " التخيلية " البصرية كانت هي المرحلة الرابعة غير المكتملة في جنسنا نحن .. بدليل ظهور " الاحلام " كعرضٍ غامضٍ من اعراض تطور الدماغ المقبل كما ناقشناها في المقالين السابقين " ملكوت الله القادم " ؟؟

الراسمالية والعقل

وفق هذه القراءة ، وهذا المنهج من تتبع مسار تطور العقل البشري كنشاط والدماغ كآلة يصدر عنها هذا النشاط ، فإن الإشتراكية هي ذروة تكامل المفاهيم لدى العقل المنطقي اللغوي في بني البشر ، والرأسمالية وما تنادي به من إفراط في الفردانية يخرج عن سيطرة الدولة تدريجياً ليبلغ ذروة الانفلات في " النيو ليبرالية " ما هي إلا " نزعة " جوهرية متجذرة في صميم تكون " العقل الزاحفي " المتطلع نحو السيطرة والسلطة ضمن دائرة الصراع القديم بين " الفرد " و " الجماعة " ..
الراسمالية مجرد افراز مركب بين المعاناة والحلم بالسيادة ..
معاناة " الفرد " تجاه الظلم والاضطهاد الذي تمارسه الجماعة ضد افرادٍ محدودين ، بدليل ، ان جل الراسماليين الذين اسسوا البنوك واخترعوا الاوراق النقدية قبل مئتي عام كانوا من الاقليات العرقية كاليهود في اوربا أو الدينية مثل البروتستانت الذين يمثلون اقلية مسيطرة كلياً على اقتصاد العالم المسيحي الكاثوليكي الارثوذوكسي ، بل وكل عالم اليوم ...!
أوالمنبوذين من اعراق مختلفة الذين تمكنوا من تاسيس الولايات المتحدة الامريكية ، التي لا تزال البروتستنتية صاحبة الصوت الاعلى فيها وكذلك الاقلية اليهودية ذات القدرة الاقتصادية المهيمنة على اسواق الاسهم والبنوك في عموم العالم الغربي ..
فالبروتستنتية في تحالفها مع الصهيونية العالمية وتكوينهما لكيان عقائدي " سري " مشترك ممثلاً بالجمعيات السرية المتعددة التي انضمت تحت لواء " الماسونية " انما هي انموذج حي و " طبيعي " لبناء هرم اقتصادي عالمي متجانس الصلابة والقوة من الراس وحتى القاعدة ..
الراس الذي تتمثل به هذه الاقليات المتحالفة في قمته ، والقاعدة العريضة التي تمثل المسيحيين والهندوس والمسلمين والكونفوشيين والبوذيين من فقراء وكادحين ..
فهيمنة هذه الاقليات التي كانت تشعر بالاضطهاد ابتدأ بتاسيس مثل هذا النظام الذي يسمح للفرد مهما كان انتماءه وعرقه ولونه ان يسود ، المعاناة كانت هي المبدأ ..
لكن ، السلطة وحب السيطرة والافراط في الفردية امتد وتوسع وتحول إلى " تراجع " قيمي صارخ نحو الفردية المفرطة التي تهدد الكيان البشري ومسيرة تطور العقل الانساني نحو التوحد والعدالة الاجتماعية بالخلاص من الاستغلال " الطبقي " الذي احدثته البنية الهرمية للنظام الراسمالي التي تسمح للاقلية من ان تضطهد الاغلبية كما نشهده في عالم اليوم ..
مع هذا ، هي هيمنة " طارئة " وليست حقيقية في هيكل التاريخ ..مصيرها ان تزول إن عاجلاً او آجلاً ..
لم يبلغ عمر سيطرتها " الفعلي " بعد سوى قرنٍ ونصفٍ من الزمن ، فالتوحد الكلي هو " الغاية " المثلى التي يمضي نحوها التاريخ الاقتصادي على صعيد المجتمع ، والبنية الدماغية المنطقية " اللغوية " الاجتماعية – الاشتراكية في الدماغ والبصرية الكلية الجمعية الشاملة في المستقبل ..

المرحلة الرابعة : الدماغ والدين

في حين كانت اللغة والتفكير والعقلانية افرازات طبيعية للمرحلة الثالثة من مراحل تطور العقل البشري ، المرحلة المنطقية ، فإن الدين لدى الاجناس البشرية عموماً و النياندرتال بوجه التخصيص ، كإفراز لتنامي " الخيال " و " الهواجس " المقلقة لحياته اليومية وما يخوض فيها من معاناة وطموح بواقع افضل ، ما هو إلا مقدمة للمرحلة الرابعة من تطور الدماغ و العقل..
الاحلام والحاسة السادسة " التنبؤية " ، هي المرحلة الرابعة من تطور العقل الانساني ..
الرسالات السماوية ، والديانات عموماً ، وظواهر الباراسايكولوجي كلها افرازات ثقافية لمعاناة الانسان ضمن البيئة الاجتماعية ..
كلها نتاج للتفاعل بين " الدماغ " في الفرد والقيم الموروثة الثقافية ، وبغض النظر عن صدق الانبياء من كذبهم ، فإن الجنس البشري يمضي في عمومه ليكون كل فردٍ فيه " نبي " ..
ولعل اصدق ما يمثل هذه الغاية مقولة المسيح المشهورة :
" من عمل عمل نبي ، اجر نبيٍ ياخذ "
الدين ليس افيون الشعوب " فقط " وفق هذا المنظار ، هو حالة من تخمر القيم والموروث الفكري الثقافي عبر الاجيال نتيجة لتحول الانسان الصاعد من الفردية المطلقة التي سادت في الزواحف .. إلى الكلانية الطاغية العادلة الشاملة التي ستاتي في المجتمع ما بعد الاشتراكي ، والتي ستكون مدعومة من تحولات العقل البشري الإدراكية الدماغية ..
فالمجتمع القريب القادم خلال العقدين القادمين هو المجتمع الاشتراكي الذي سيظهر ما بعد الازمة المالية وتداعياتها الكارثية المحدقة بالإنسانية ، قبل ان تكون الانسانية مؤهلة لما بعده ..

المواضيع القادمة سنتحدث فيها عن هذه التحولات استكمالاً لـ " ملكوت الله القادم ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2012 / 1 / 24 - 11:37 )
أخي مهدي تحية لك لن أقرأ مقالك الأن لكن أسعدني وجودك بالأمس تذكرتك الى جانب أصدقاء أخرين في العراق على ضوء الانباء حول التفجيرات والموت الأعمى هناك أتمنى أن تكونوا دائماً بخير


2 - لاينطق وليد مهدي عن الهوى
وليد يوسف عطو ( 2012 / 1 / 24 - 13:01 )
الاستاذ المفكر الانساني وليد مهدي الجزيل الاحترام .دائما تمتعنا بما هو جديد مقولة المسيح هل هي من الانجيل واي الاناجيل ام من كتب السيرة ؟ اتمنى تحول الانسان من الفردانية المطلقة الى الكلانية الطاغية في مجتمع اشتراكي - شيوعي او بمنزلة بين المنزلتين وبمواصفات ديمقراطية تحفظ فردانية الفرد وكلانيته معا ويكون لهما التاثير المتابادل وليس العلاقة الابوية القسرية .ولكن يبقى في عالم الحيوان نماذج اكثر انسانية من الانسان . تجد الكلاب لايقتل احدها الاخر ولاياكل الكلب لحم كلب اخر وذكور الكلاب تقدم الطعام من فمها لجراء انثاه او انثى غيره ويتعاون الجميع على تغذيتها وحمايتها عكس الانسان كلما تقدم في العلوم زادت اختراعاته في القتل والتعذيب وهي عودة للحيوانية ويكون كلبية الكلب افضل من انسانية الانسان مع خالص مودتي


3 - مساؤك سكر
عماد البابلي ( 2012 / 1 / 24 - 18:49 )
احساس مرعب بالضائقة الطفلية أيقظ الحاجة إلى الحماية والحماية بالحب وهي حاجة لباها الأب . وإدراك الإنسان أن هذه الضائقة تدوم الحياة كلها جعله يتشبث بأب ، أب أعظم قوة وأشد بأساً هذه المرة . فالقلق الإنساني إزاء أخطار الحياة يسكن ويهدأ لدى التفكير بالسلطان الرفيق العطوف للعناية الإلهية ..
عمك فرويد - قلق في الحضارة صفحة 41


4 - الفردانية أم الجمعانية؟
نعيم إيليا ( 2012 / 1 / 24 - 20:55 )
الأستاذ العزيز وليد مهدي
الحقيقة أنك تملك إعجابي باجتهاداتك، وإن لم يكن كثير منها يقنع عقلي الصغير
سأضع اعتراضاتي في نقطتين
الأولى: الماركسية نظرية اقتصادية وليست فلسفة بالمعنى الحقيقي للفلسفة، وذلك لأنها لم تنتج فلسفة، وإنما استعانت بالفلسفات المادية لدعم نظرياتها الاقتصادية. كما أنها ليست علماً وضعياً، وإنما هي نظرية تستعين بالعلوم الوضعية لتؤيد ذاتها. فانجلز مثلاً لم يكتشف شيئاً حين استعان بأبحاث مورغان وداروين، ومن هنا فإن القول بماركسية انتربولوجية يصعب القبول به
الثانية: العمود الفقري لنظريتك يحتاج - في نظري - إلى تقويم
أنت ترى أن الفردانية هي السنخ والأصل في حياة البشر، بعكس الماركسية التي ترى أن الجمعانية هي السنخ والأصل في حياة البشر. رأيان مختلفان. وقد تكون الماركسية أكثر توافقاً وانسجاماً مع ذاتها؛ لأن الفردانية لو كانت هي الأصل لانتهت المجتمعات الانسانية إليها، ولما انتهت إلى الشيوعية أو الاشتراكية. إن منطق الأشياء يؤيد العودة إلى الأصل


5 - أخي العزيز وليد
فؤاد النمري ( 2012 / 1 / 24 - 21:56 )
أعبر عن تقديري للجهد العلمي المبذول في هذ البحث الجديد علي على الأقل. ما فهمت أنك تقول أن ماركس فكر جيداً لأنن داروين قبله فكر جيداً
ما افتقدته في بحثك الشيق والجديد هو آلية التطور. فماركس وإنجلز اعتبرا أدوات الإنتاج هي آلية التغريب على طريق الأنسنه لكن ما هي آلية التطور البيولوجي الدارونية ؟
حبذا عزيزي وليد لو تتحفنا في استكمال بحثك القيمّ عن آلية التطور البيولوجي
أو الأنثروبولوجي كما تصف

ما له علاقة بالموضوع هو أن بعض البيولوجيين يدعون أن طفرة جينية اعتباطية هي ما تسبب في أنسنة الحيوان الإنسان
تحياتي مؤملاً تطوير بحثك العلمي الراقي


6 - الزميل و الصديق و ليد مهدي
جاسم الزيرجاوي-مهندس استشاري ( 2012 / 1 / 25 - 04:43 )
الزميل و الصديق و ليد مهدي : تحية لك ولكل المشاركيين الكرام.
أشد على يدك في البحث العلمي والذي هو الطريق الوحيد الان الذي يساعدنا للخروج الرقص الجنوني للتيارات الاسلاموية و كذالك من ملكوت الله الزائف.
ولتسمح لي مشكورا بتوضيح جانب من علاقة فكر ماركس مع الانثروبولوجيا.
كتب عالم الانثروبولوجياAnthropology و الاثنللوجي Ethnology الفرنسي Marc Abélès
مواليد 1950 بحثا مهما تحت عنوان Anthropologie et marxisme في العم 1976
أكد فيه : أن ماركس و انجلز أولى كل منهم أهمية كبيرة للاشكال الاجتماعية البدائية والتي تنعدم فيها الدولة
http://www.erudit.org/revue/as/1980/v4/n2/000969ar.pdf
ويكاد يعتبر كتاب انجلز أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة
The Origin of the Family, Private Property and the State
يمكن قرائته في الرابط التالي:
http://www.marxists.org/archive/marx/works/1884/origin-family/index.htm
المرجع الوحيد حول هذه التشكيلات الاجتماعية البدائية طيلة القرن الماضي والذي أعتمدها كل من Malinowski ( 1884-1942 ) عالم الانثروبولوجيا الشهير و الفرنسي Marcel Mauss ( 1872-1950 , يتبع


7 - الزميل و الصديق مهدي-2
جاسم الزيرجاوي-مهندس استشاري ( 2012 / 1 / 25 - 05:29 )
البقية
وعالم الانثروبولوجيا الشهير كلود ليفي ستروس Claude Lévi-Strauss 1908-2009
وجميع هؤلاء فتحوا افاقا جديده في هذا الميدان.
وفي ستينات القرن الماضي قدم عالم الانثروبولوجيا الماركسي كلود مياسو Claude Meillassoux 1925-2005 دراستة المهمة حول شعوب افريقيا والتي ان تبرز أنماط الانتاج وعلاقات الانتاج.
وأحدث الاعمال الماركسية في علم الانثروبولوجيا تدرس الان أشكال الايديولوجية ووضائفها في عدد من المجتمعات حيث توظف الرموز و الطقوس مباشرة في النشاط الاقتصادي و حيث يلعب المقدس دورا اساسيا في تكوين علاقات السيطرة و جهاز الدولة, وتعتبر اعمال Marc Augé مواليد 1935 و Maurice Godelier مواليد 1934 رائدة في هذا المجال.
......
شكرا مهدي لانك فتح للقراء بابا للعلم .
مع وافر احترامي و تقديري للجميع


8 - الزميل الاستاذ سيمون خوري مع التقدير
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 06:08 )
تحية لك استاذنا الكريم

اهلا وسهلا بك في اي وقت , ويفرحني حقاً ان صديقاً مثلك يذكرني على خيرٍ دائماً

نحن بخير ( كافراد ) .. لكن وطننا لا يزال جريحاً

دمت بالف الف خير


9 - الاستاذ وليد يوسف عطو مع الاحترام_1
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 06:20 )
تحية لك ايها الاخ الغالي

هل تذكر فرقة مندلي سيدي الغالي ؟

- شوف الطيور واتعلم - ..؟؟!!

هل تعلم , ان الطيور , من ناحية بيولوجية تطورية ربما تكون هي من علمت الانسان الوفاء والاخلاص او ربما سبقته في تعلم قيمة الحياة الزوجية واحتضان الاطفال بدوافع غريزية

يقال بان اللقلق .. يقتل امراته اذا خانته
والنسر .. يموت حزناً وكمداً لو هجرت عشه زوجته
ومن النادر ان يسجل علماء الحيوان حالة خيانة زوجية لدى احد الطيور ...!

كذلك هناك الكثير من الحيوانات , لكن ، لالتزام الطيور بالحياة الزوجية ، والنحل بحياة الاشتراكية الكلانية الجمعية ما يدعو إلى تصديق ماركس بان التاريخ يمضي نحو الاشتراكية و تصديق المسيح بان البشرية تمضي نحو الالتزام القيمي .. وإن ما جمعه الرب لا يفرقه البشر

فيما يبدو , نحن البشر نمضي بمسار قلق متباطئ بفعل الوعي والادراك
لكن
يبدو ايضاً ان البشرية ماضية للارتقاء القيمي الذي يمثل - محصلة - ارتقاء القيم لدى باقي الكائنات الحية الاخرى

يتبع لطفاً-


10 - الاستاذ وليد يوسف عطو مع الاحترام_2
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 06:22 )
موضوعة الاية الانجيلية
وردت في انجيل متي على ما اعتقد ,

من يقبل نبياً اجر نبي ياخذ , ومن يقبل بارا اجر بار ياخذ


11 - الرفيق الشاعر والفيلسوف المبدع ابي هاجر
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 06:24 )
رفيقي البابلي , صباحك سكر , بل طل وفل .. وربيع ازهر

تحية لك .. ولعمنا الغالي فرويد

دمت بالف خير


12 - الاستاذ نعيم ايليا , مع موفور الشكر والاحترام
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 06:35 )
تحية لك سيدي الكريم

وتحية لعقلك الكبير النير الذي اضاء مثل هذه المداخلات

الاولى

الماركسية ضحية التنظير السياسي الذي جردها , حسب مسعى مفسريها من محتواها الفلسفي المعرفي العميق إلى درجة تتجاوز الوصف !

الماركسية منهج معرفي , نظرية معرفة تستقرء التاريخ عبر متابعة صيرورته
قبل الماركسية , وقبل هيجل ، لم يكن التاريخ إلا مدونات لوقائع الجنس البشري

لكن , ما بعدهما ، اصبح التاريخ كياناً متصلاً ما يحدث في اوله ... له علاقة بحوادث آخره
التاريخ حين وصل إلى يدي ماركس تحول الى كتلة نابضة بالحياة لها قوانين في الصيرورة والتحول
ولم تقتصر المسالة عند حدود ماركس , فلاسفة التاريخ التامليين اضافوا لها الكثير
كذلك فلسفة التطور البيولوجي , جعلتنا نفهم ان البداية ... تختلف عن النهاية .. لكنها منبثقة عنها ومتفتحة على شمولها الكلي
لهذا السبب
رؤية هيجل وماركس للتاريخ كانت تجري في مماثلة رؤية لامارك ودارون وسواهما من علماء التطور
الاصل في التطور واحد ... لكن المفارقة هي اعتبار الماركسية فلسفة اقتصاد فقط وكون الانسان كيان مصمت لا تجري على بنيته المادية التحولات والتطورات ..!

يتبع لطفاً


13 - الاستاذ نعيم ايليا ، تتمــــــة
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 06:45 )

الانسان كيان متحول هو الاخر , ماركسية ماركس كانت ترى هذا التحول , لكن على صعيد بنية علاقاته الاجتماعية , وترى بان تحولاته الفكرية وحتى البيولوجية ربما لا تجري إلا ضمن تاثير هذه العلاقات الاجتماعية .. لكن ... لم تول تفسيرات الماركسية خصوصاً بعد بروز الاشتراكية كمعسكر عالمي اي اهتمام لفتح وتطوير الماركسية كنظرية علم
او منهج معرفة ينتج الفلسفة كما تفضلتَ سيدي الكريم ... لكن هذا لا يعني باي حال بان الماركسية ستبقى منحصرة ضمن فضاء بحث العلاقات الاجتماعية الاقتصادية

فما يجري من تحولات على الصعيد الحيوي ... وعلاقة الانسان مع البيئة الاشمل , الطبيعة تدعونا غلى غعادة صياغة وتجديد الماركسية .. وبث روحٍ جديدة فيها

بالنسبة للنقطة الثانية

الفردانية هي الاصل ... لكنها في طريق التحول للكلانية
الحيوانات التي انقرضت قبل ظهور الانسان .. كانت تلك التي لا تقوى على اقامة علاقات القطيع فيما بينها .. وهذا حسب ظني .. سبب وجيه لانقراض حيوانات عملاقة بحجم الديناصورات
التاريخ يمضي نحو الاشتراكية .. وما بعد ما بعد الاشتراكية

دمت بالف خير


14 - معلمنا الفاضل , ابي ناظم ، تحية
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 06:55 )
شكرا لك رفيقنا العزيز
واشكر ملاحظتك

بالفعل , هذه الوريقات العشر لا تكفي لبناء مسار جديد للماركسية
هذا جزء من مشاريع المستقبل المؤجلة

ويمكن ان اوجز لك عن الية التطور البيولوجي باختصار هو ان عوامل عدة تسهم في هذا التطور

ماخذي على البيولوجيين في رؤيتهم هذه عن الطفرة هي حضورها ضمن فضاء نمطي للثقافة الغربية يقدس اللحظة الآنية ويهمل شيخوخة الزمن العظيمة وعوامل التحول البطيئة في الجينات بفعل تفاعل الانسان مع البيئة

نحن في التطور لا نتحدث عن الفي سنة , ولا مئة الف ، نحن نتحدث عن ساعة حائط تدريجاتها مقسمة إلى ما يقرب من اربعة مليارات سنة عمر الحياة على الارض

كما تعلم , فكرة الطفرة ... نمطية مستوحاة من نرد هيزنبرك , والايمان بالحظ وفلسفة الروليت التي عششت في اذهان المفكرين في الغرب
لا انكر ان الطفرة موجودة
ولا انكر انها يمكن ان تحدث تحولات تاريخية كبرى
لكن ... للطبيعة نداء غالباً ما يستبعد الطفرات ولا يعطيها فرصة في الظهور في اجيال تالية
قد تحدث استثناءات احيانا
قد يمكن للطفرة ان تنتقل من جيل إلى آخر
لكن

يتبع لطفاً


15 - معلمنا الفاضل , ابي ناظم ، تتمـــــة
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 07:03 )

لكن ما يميز التاريخ لو اصغينا بصبر واناة لدقات قلبه البطيئة هو هذا الاصرار على انجاب التحول من رحم الماساة
خلق الجديد من فرن المعاناة بآلية قد لا تزال مجهولة بالنسبة للعلم المعاصر اليوم

لكن
مجرد القاء نظرة سريعة وعابرة على اجناس المملكتين النباتية والحيوانية .. لا تبقي مجالاً للشك بان تحولات كثيرة تطرأ على الكائنات وحين ندخل هذه العلاقات في محاكاة حاسوبية على غرار الرؤية الماركسية في التحول الاجتماعية , تظهر لنا سمكة تسبح في الماء ...ثم تخرج لليابسة لكي تستنشق الهواء ثم تزحف على لواحقها الزعنفية متحولة إلى لواحق قدمية تنمو اصابعها بالتدريج بما يتناسب وبيئتها , ثم تنتصب كاقدام وارجل مرتفعة في الهواء بتزامن مع تطور اسلوب الجري ... وبانشطارات هذه التحولات إلى الانسان المنتصب وتحول الارجل الامامية إلى يدين .. بمقابل تحول الارجل الامامية إلى اجنحة في الطيور
هنا يقف اصحاب فكرة الطفرة .. المعجزة انفسهم في حيرة
كيف للحظ ان يفعل كل هذا ؟؟؟

انه مصنع التاريخ .. وخيار الكائنات على بساطته وضآلته
كل الكائنات الحية - ناضلت - الطبيعة ، كلها كافح في التاريخ ليورثنا ما ورثناه
يتبع لطفاً


16 - معلمنا الفاضل , ابي ناظم ، التتمـــة الاخيرة
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 07:10 )

الانسانية تنتظر فهم الآلية الدقيقة لهذا التطور بالاستعانة بفلسفة علم تتجاوز فلسفة اللحظة والنمطية في الفكر الغربي

ذكرتني يا معلمنا الفاضل ذات يوم حين انقطع التيار الكهربائي عن حوض اسماك الزينة في منزلي
وكيف طفت الاسماك لسطح الحوض وهي تحاول اخراج فمها من الماء لتمزج الهواء الجوي بالماء ...!
فهي تتنفس الهواء المذاب في الماء , وحين ينقص , تكون مضطرة ان تذيب بنفسها هذا الهواء

تخيلت وقتها , كيف يمكن لهذه الماساة ان تكون هي السبب في خلق رئاتنا التي نتنفس بها اليوم
وكيف يمكن لمأساة حاضرنا , ان تكون خلاقة لاجيالٍ جديدة ستاتي بعدنا .. تذكرنا بخير ..!!

تحية من القلب لك ايها الغالي


17 - الزميل والصديق جاسم الزيرجاوي مع الود
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 08:06 )
تحية لك ايها الغالي الكريم

اشكرك على ارسال المقال , مع اني لا افهم الفرنسية

كما اشكرك على التوضيحات حول دراسات الماركسية والانثروبولوجيا

لكن يبقى يا صديقي إن ما اتطرق له ببحثي جديد كل الجدة بسبب الفارق المعرفي بين القرنين الماضيين وهذا القرن

فالانسان كان مجرد كيان جوهري مصمت , تجري التحولات حوله وبين يديه حسب القراءات الماركسية السابقة
لكن
ما احاول التنظير له عبر مواضيعي الكثيرة ذات الصلة , هو الانسان جزء من امتداد تحولي في التاريخ الطبيعي وليس الاجتماعي فقط

المسار التحولي في التاريخ الطبيعي اوسع من التحول الاجتماعي لكنه ابطأ

مع هذا
لا يمكن بناء نظرية علمية واقعية للماركسية دون التعمق في مسار التحول الطبيعي ونقاط تلاقيه وتناقضه مع التحول الاجتماعي في نقطة معينة على مسطرة الزمن

باعتقادي سيدي الكريم , اننا نحن الناطقين بالعربية ربما نكون من سيحقق السبق التاريخي في انتاج الماركسية الشاملة بسبب واقع ما نعانيه

اتمنى ان تفهم الاجيال التي ستاتي بعدنا هذا جيداً
وتقدر لنا هذا المجهود وتكمل طريق الالف ميلٍ هذا

دمت بالف خير ايها الرائع


18 - الصديق الغالي جاسم الزيرجاوي مع الود
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 25 - 08:34 )
ارسلت لك ردي اخي الكريم

طار في الهواء .. اتمنى ان يحط قريبا


19 - العزيز وليد-2
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2012 / 1 / 25 - 11:25 )
العزيز وليد
شكرا لك على الرد المتواضع الجميل
انت تعلم اننا في العراق لا نملك مدارس فكرية و ثقافية متنوعة منذ ان ولدت مجلة شعر 69 وغائب مؤسيسها بين تراب المنافي و الوطن, لذالك اكرر اني أشد على يدك لتأسيس مدارس فكرية متنوعة و مختلفة نخرج بروحنا من سجون الايديولوجيات
نأمل في أنتاج معرفي متنوع لكن كن حذرا سوف لن يسكت عنا لا حرس الايدلوجيات و لا كهنة اللة
تحياتي


20 - العصر الجليدي القادم ..؟
سيمون خوري ( 2012 / 1 / 25 - 12:23 )
أخي وليد مهدي المحترم تحية لك حسب معلوماتي المتواضعة أن إنسان نياتندرال إختفى بسبب العصر الجليدي الذي اصاب العالم القديم قبل 28000 عام. هناك أثار إكتشفت في اوربا عن اقوام عاشت قبل 400000 عام في منها في إسبانيا. حتى الأن لا توجد دلائل ثابته حول أصول الإنسان جغرافيا إذا أخذنا بعين الإعتبار فرضيات تقول بأن المعمورة كانت قطعة واحدة ثم إنقسمت نتيجة لعوامل جيولوجية من زلازل وحركات أرضية أخرى إنتقل بواسطتها الإنسان الى قارات مثا أمريكا اللاتينية وأوربا. ثم نحن الأن مرة أخرى في مواجهة فرضيات وليست نظرية علمية أخرى تقول بزحف القارات وهو ما يشار اليه من تقارب بين القارة الأفريقية وبين أوربا أي بعد 50 مليون عام حسب التقديرات العملية ولا أدري مدى صحة هكذا فرضيات ستعود لكي تلتحم اليابسة مع بعضها ويدخل العالم عصر جليدي أخر..؟
هناك نقطة أخرى تشير بعض الفرضيات أن الأنسان ربما من جذور مختلفة وليس من منشأ واحد سواء أكان كرومنيون أو نياتندرال ، معتمدين على قياس جمجمة بقايا قديمة وطرق معيشة،والبعض يشير الى نوع من القرود العدوانية آكلة اللحوم أخيراً موضوع شيق . وسأعفي نفسي بالحديث عن الماركسية تحية لك


21 - الصديق جاسم الزيرجاوي الغالي
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 26 - 07:26 )
تحية لك مجدداً

وشكرا على كل ما قدمته , فقط اذكرك ...وانت سيد العارفين .... الهجوم المباشر باسم التوعية والتنوير تستغله اجندات مشبوهة , نحتاج للعمل برفق واريحية في هذه المسيرة لا اكثر حتى لا نحسب على طرف ..

كل الود لك


22 - الاستاذ سيمون مع التحية
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 26 - 07:52 )
ما تقوله صحيح اخي الغالي عن العصر الجليدي الذي يمكن التنبؤ بمراحل تقلباته من خلال دراسات القشرة الارضية والدراسات المناخية المعاصرة

الاشكالية هي في الاجناس البشرية المتعاقبة التي يؤكد علم الجينات الحديث انها ظهرت من افريقيا وصعدت للشمال وانتشرت شرقاً وغرباً
الجينات الحديثة درست كل اعراق البشر المعاصرين , وجدت انهم من اصل واحد ينحدر من افريقيا
بمقابل الابحاث الاثرية التي تظهر بين الحين والاخر فرضيات عن احتمال وجود اجناس بشرية سابقة للخروج من افريقيا ، وهي مقبولة إلى حدٍ ما ... لكنها توصلت جينياً إلى حدوث ما يعرف بالإحلال الكامل اي عدم حدوث تزاوج او اختلاط الذي يمكن اكتشافه بسهولة من الجينات

ما حدث هو حلول جنس بشري محل اجناس اخرى , كيف ؟
لا نعرف هذا على وجه الدقة

المهم , اننا نعول على معرفتنا وعلومنا والتقانة التي نمتلكها ستفيدنا في مواجهة المستقبل وستكون فرص بقائنا ربما افضل من الاجناس الماضية , مع هذا ، نبقى قلقين .. وسنبقى يقضين دائما ..مهما يحصل

موضوع القرود العدوانية ىكلة اللحوم هو حديث جدا
يتبع لطفاً


23 - الاستاذ سيمون _تتمة
وليد مهدي ( 2012 / 1 / 26 - 07:57 )

القردة آكلة اللحوم , كما اثبتت بعض الدراسات يكون دماغها على استعداد في النمو والتكيف والتطور اكثر ..!!

ولهذا السبب , يفترض ان الانسان الذي نما دماغه كثيراً ان يكون تحدر من هذه الكائنات المفترسة قبل ان يعيد الكرة في التاريخ راجعاً للزراعة ... لنكون نحن بهذه المحصلة الشاملة من اسليب التغذية

فعلاً الموضوع شيق وهام جداً ان نعرف حقيقة الماضي كي تكون صورة المستقبل اوضح

دمت بالف خير

اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-