الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كهنوت الإسلام

السيد نصر الدين السيد

2012 / 1 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تثيرعبارة "الكهنوت الإسلامى" حفيظة أحبابنا من الإسلاميين، وليس كل المسلمون بالطبع، وتدفعهم للرد بلهجة واثقة جازمة قاطعة بأنه "لاكهنوت فى الإسلام". وما أخبيش عليكم فإنى ألتمس لهم بعض العذر فى ردهم هذا... !. فرجل الدين فى الإسلام لايملك الحق فى غفران خطايا الإنسان. وهو الحق الذى يتمتع به رجل الدين فى المسيحية، الأرثوذكسية والكاثولكية، إنطلاقا من تفسيرهم لآية إنجيل متى "الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا فى السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا فى السماء" (متى 18: 18). ومن عجائب الأمور أن تساير الغالبية العظمى من مثقفى التجديد الإسلاميون فى رأيهم هذا...! إلا أن أحبابنا من الإسلاميين، وغيرهم ممن يوافقهم فى الرأى، قد غاب عنهم أمران. الأمر الأول هو ما تخبرنا به دراسة تاريخ الأديان، بكافة أشكالها، من أنه "لادين بدون كهنوت". أو بعبارة أخرى لايستغنى أى دين عن وجود طائفة من المؤمنين به تقوم على رعايته والحفاظ على بقائه حيا فى نفوس أتباعه، وتعمل على نشره بين غير المؤمنين به. وفى البداية تتكون هذه الطائفة من مجموعة صغيرة العدد من المقربين من صاحب الدعوة عقب وفاته مباشرة، وهم الذين يعرفون بالصحابة أو الحواريون. إلا أنه مع مرور الزمن يزداد عدد أفراد هذه الطائفة لتضم أناسا لم يشهدوا ميلاد الرسالة ويرافقوا صاحبها. وتتعدد مسميات هذه الطائفة من دين لآخر فهى فى المسيحية "الإكليروس"، وهى فى الإسلام قد تكون "الفقهاء" أو "علماء الدين" أو "أهل العلم"، أو ما يمكن أن نطلق عليهم، على وجه العموم، إسم "الكهنوت".

وبمرور الزمن وتزايد المساحة التى ينتشر فيها الدين الجديد وتزايد أعداد المنتمين لطائفة الكهنوت هذه تبرز الحاجة لـ "أشكال تنظيمية" تنتظم فى إطارها أنشطتهم. وتتعدد هذه الأشكال تعددا شديدا ما بين "منظمات رسمية" Formal Organizations، من ناحية، و"منظمات غير رسمية"Informal Organization، من ناحية أخرى، وما بينهما من "منظمات شبه رسمية"Semi-Formal Organization.

وتتميز "المنظمات الرسمية" التى ينتظم فيها أفراد الكهنوت، التى من أبرز أمثلتها الكنائس المسيحية الكاثوليكية أو الأرثوذكسية، بعدة خصائص من أهمها "الإستقرار"، "التنظيم الهرمى" Hierarchy، و"وجود قواعد وقوانين مدونة تحكم عملها". وأولى هذه الخصائص، "الإستقرار"، تعنى حفاظ هذه المنظمات على هيئتها وبنيتها عبر الشروط الصارمة لقبول أعضاء جدد بها، هذا بالإضافة إلى تمسكها المستميت بالتقليد والتقاليد. أما "التنظيم الهرمى" فهو التنظيم الذى يأخذ شكلا هرميا تتركز أغلب السلطات فى أيدى من يشغل قمته بينما تقل السلطات تدريجيا فى أيدى التابعين ممن يشغلون الطبقات الأدنى من طبقات الهرم. ومن أمثلة هذا التنظيم تنظيم الكنيسة الأرثوذكسية الذى يتبدى فى رتب رجال الدين المسيحى (لإكليروس) الثلاث: "رتبة الشمامسة" (بدرجاتها الخمس: المرتل، القارئ، مساعد الشماس، الشماس الكامل، ورئيس الشمامسة)، و"رتبة القسيسية" (بدرجاتها الثلاث: القس، القمص، والخورى إبسكوبس)، و"رتبة الأسقفية" (بدرجاتها الثلاث: الأسقف، المطران، والبطريرك). وأخيرا يتميز هذا النوع من التنظميات بوجود ما يعرف بـ "القوانين الكنسية" التى تعتبر تطبيقا للإيمان المسيحى وتشكل الأساس للسلوك المسيحى على مستوى الفرد والكنيسة ككل.

وعلى طرف النقيض من "المنظمات الرسمية" نجد "المنظمات غير الرسمية" للكهنوت، التى أبرز خصائصها "السيولة"، "التنظيم الشبكى" Network Structure، و"غيبة قواعد صريحة تحكم عملها". وأولى هذه الخصائص، "السيولة"، التى تعنى السهولة النسبية لإنضمام أفراد جدد للمنظمة غير الرسمية، هذا بالإضافة إلى التنوع الشديد فى أشكالها. أما خاصية "التنظيم الشبكى" فيعنى توزيع "شبه متساوى" للسلطات بين الأفراد المنتمين للمنظمة حتى وإن تقدم بعضهم لمكان الصدارة. وأخيرا تتميز المنظمات غير الرسمية بعدم وجود قواعد صارمة تحكم أنشطة المنتمين إليها.

أما الأمر الثانى فهو مايخبرنا به علم مقارنة الأديان عن الوظائف الأساسية التى يقوم بها المنتمون لطائفة الكهنوت أيا كانت الهيئة التى ينتظمون عليها، رسمية أو غير رسمية أو شبه رسمية، وأيا كان الدين الذى ينتمون إليه، سماويا كان أو وضعيا. وأولى هذه الوظائف هى إقامة الطقوس والشعائر التى على المؤمنين أداءها. أما ثانى هذه الوظائف فهى تفسير النصوص المقدسة طبقا لفهمهم لها وبيان معانيها للعوام من المؤمنين. وأخيرا تأتى ثالث وظائفهم وهى مراقبة السلوكيات اليومية لجمهور المؤمنين وتوجيههم لما ينبغى عمله ولما يجب عليهم تجنبه.

لهذا كله يمكننا القول أن للإسلام له كهنوته، مثله فى ذلك مثل أى دين، حتى وإن كانت له خصائصه التى تميزه عن الآخرين. ولعل أبرز هذه الخصائص هى طبيعة المنظمات التى تنتظم فيها أنشطة أفراد الكهنوت الإسلامى أيا كانت مسمياتهم "فقهاء" أو "علماء الدين" أو "أهل العلم". فأغلب هذه المنظمات هى "منظمات غير رسمية" تتعدد أشكالها ما بين إتحادات أو روابط أو جمعيات أهلية أو مجمعات فقهية. ولعل "الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين"، الذى تأسس عام 2004 تحت رئاسة الشيخ يوسف القرضاوى، هو أحد أبرز أمثلة هذه المنظمات. ويعمل أفراد الكهنوت الإسلامى على تعزيز وتضخيم الدور الذى يلعبونه فى المجتمع، هم ومنظماتهم غير الرسمية، عبر آليتين. الآلية الأولى هى الإعلاء المبالغ فيه من شأن أنفسهم بوصفهم "أصحاب العقول الصحيحة الذين وهبهم الله التمييز بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال" [1]، وبدورهم خماسى الأبعاد [2]: بيانُ الحقِّ، وتبليغهُ للنَّاس؛ تعليمُ النَّاس ما يحتاجونَ إليه من علومِ الكتابِ والسُّنةِ، وتزكيتهم وفق هذا العلمِ الصحيحِ؛ الدَّعوةُ إلى اللهِ؛ وإحياءُ شعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكر؛ إفتاءُ النَّاسِ، وبيانُ أحكامِ الشَّريعةِ لهم مِمَّا يُشكلُ عليهم منْ مسائلَ في حياتهم؛ التصَدِّي للتياراتِ الجارفةِ بالأمةِ منْ أهلِ البدعِ والضلالِ. أما الآلية الثانية فهى تهميش العلوم الوضعية (غير الشرعية) والتحقير من شأنها فـ "ليس كل علم يسمى علما فإنما العلم علم الديانة، وعلم الشريعة، والعلم الذي علمه ربنا سبحانه لأنبيائه، وبلَّغه أنبياء الله تعالى إلى أممهم، فهذا هو الذى يحصل به الشرف" [3].
المراجع
[1] موقع الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
http://www.binbaz.org.sa/mat/8201
[2] موقع الإسلام الدعوى الإرشادى
http://www.al-islam.com/Content.aspx?pageid=1198&ContentID=2578
[3] عزمى عبدالله عمران، فضل أهل العلم وشرفهم، 2011
http://azmiimran.maktoobblog.com/1617039/%D9%81%D8%B6%D9%84-%D8%A3%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85-%D9%88%D8%B4%D8%B1%D9%81%D9%87%D9%85/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخمس والزكاه
ال طلا ل ث صمد ( 2012 / 1 / 25 - 02:15 )
الاخ الفاضل
تحيه عراقيه عطره
كان ابي يدفع الى المعممين الطفليين نقود كثيره منها ما هو زكاه ومنها ماهو خمس جدهم محمد - الوهم الذي لا وجود تاريخي له
ان هؤلاء الذين لايجيدون اي عمل سوى قال فلان عن فلان وهو عندهم تاريخ الامه الاسلاميه يخطفون النقود من يد ابي ويخبؤؤها تحت الوساده تحتهم
وكنت عندما اسال ابي ماذا يعمل بها هذا المعمم الاسود او الابيض يرد علي انه يخاف ان يسالهم لانه حرام
على الدوله محاسبه هؤلاء العاطلين الكسولين
مع العلم كان شاه ايران هو من يمنح شهاده ايه الله العظمى
ومن يمنحها اليوم انه احد الاسرار
وشكلرا
صمد


2 - إنهم مجموعة من الكذابين
محمد البدري ( 2012 / 1 / 25 - 12:56 )
لادين بدون كهنوت، أمر حقيقي يستحيل انكاره لسبب بسيط ان الدين مؤسسة قمعية هدفها ضبط سلوك البشر لصالح جماعة حاكمة سياسيا كانت أم عقائدية. فهؤلاء الذين يدعون كذبا بانه لا كهنوت في الاسلام، هم انفسهم يصفون ذواتهم بانهم علماء ربانيين. ويقومون بادوار تفوق دور قساوسة صكوك الغفران، فالقساوسة كانوا يصرفون شهادات ضمان لدخول الجنة أما الربانيين في الاسلام فيتخاطبون مباشرة مع الله، عندما يطلب منهم الجهلاء وعامة الناس الدعاء لهم فيقوم الشيخ بنطاعة غير مسبوقة بلعب دور الكاهن والقسيس والساحر والعراف برفع يدية والتمتمة ارضاءا للعاجزين، لانه هو المقبول عند المعبود وليس طالب او طالبة الدعاء دون اعطاء اي ضمان أو صك للموكلين لهم بالوساطة. انهم نصابون محترفون فلا يتركوا اثرا لجرائمهم الربانية. كان من الممكن - لو توفرت شجاعة عقلية واجتماعية - ان يحاكم الموكل قساوسة الغفران إذا لم تتحقق مطالبهم علي الاقل في الحياة الدنيا أم محترفوا التزييف في الاسلام فيرتكبوا الجريمة الكاملة بعدم ترك دليل ورائهم. تحياتي ومحبتي.

اخر الافلام

.. كيف صعد الآشوريون سلّم الحضارة ؟


.. أبو بكر البغدادي: كواليس لقاء بي بي سي مع أرملة تنظيم الدول




.. 164-Ali-Imran


.. 166-Ali-Imran




.. 170-Ali-Imran