الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتل بأسم الله ام احياء بأسم الانسانية

عبد الجبار سبتي

2012 / 1 / 24
المجتمع المدني


قتل بأسم الله ام احياء بأسم الانسانية

في فبراير من عام 1778، عاد فولتير للمرة الأولى خلال العشرين عامًا الأخيرة إلى باريس - مع آخرين - ليشهد افتتاح آخر أعماله التراجيدية وهي مسرحية Irene. وكان السفر الذي استغرق خمسة أيام ..شاقًا للغاية على العجوز الذي كان يناهز الثالثة والثمانين من عمره. واعتقد فولتير إنه على شفا الموت في الثامن والعشرين من فبراير، فكتب: "أنا الآن على شفا الموت وأنا أعبد الله، وأحب أصدقائي، ولا أكره أعدائي، وأمقت الخرافات."
فولتير هو فيلسوف فرنسي من فلاسفة عصر التنوير حيث كان له الاثر البالغ في تغيير الكثير من المعتقدات والمبادئ التي كانت سائدة في تلكم الحقبة .. خصوصا فيما يخص الجانب الفكري والسياسي وحرية الرأي وكان لمؤلفاته التي انتشرت وذاع صيتها الاثر الكبير في نشر نور الحكمة بدلا من الخرافة ونور الحرية بدلا من الاستبداد ونور الفكر بدلا من الجهل والظلام .. ولد فولتير لابوين موسرين فلم يكن يعاني من شظف العيش والتقشف والعوز وكان بامكانه ان يستمتع بحياة لاهية بعيدا عن متاعب الاصطدام بالسلطة وملاحقاتها وخصوصا وان عائلته كانت رافضة لفكرة ان يمارس فولتير الكتابة بدلا من المحاماة . لكنه اثر الدفاع عن رؤاه الفكرية بكل قوة وطوع ما عنده من اموال وجاه في سبيل ذلك.
ودرات معظم السنوات الأولى من حياة فولتير في فلك واحد وهو العاصمة الفرنسية - باريس. ومنذ تلك السنوات المبكرة - وما تلاها من سنوات عمره - دخل فولتير في مشكلات مع السلطات بسبب هجومه المتحمس على الحكومة وعلى الكنيسة الكاثوليكية.وقد أدت به هذه الأنشطة إلى التعرض مرات عديدة للسجن وللنفي..
تم الحكم على فولتير بالسجن في سجن الباستيل لمدة أحد عشر شهرًا. وفي فترة سجنه في الباستيل، قام بكتابة أول أعماله المسرحية - Œdipe - (أوديب). وكان نجاح هذه المسرحية هو أول ركائز شهرته الأدبية
نفي فولتير الى انكلترا بعد ان حبس لاتهامه بالتآمر واستمر نفي فولتير إلى إنجلترا لمدة عامين، وتركت التجارب التي مر بها هناك أكبر الأثر في العديد من أفكاره. وتأثر فولتير الشاب بالنظام البريطاني الملكي الدستوري _الذي كان يخضع لوثيقة سميت ب الماكنا كارتا -مقارنةً بالنظام الفرنسي الملكي المطلق.
وانعكست آراء فولتير النقدية في إيمانه بوجوب فصل الكنيسة عن الدولة وكذلك بحرية العقيدة؛ وهي الأفكار التي كوّنها بعد الفترة التي قضاها في انجترا.
. وبعد أن تعلم فولتير الدرس من مناوشاته السابقة مع السلطات، بدأ فولتير الأسلوب الذي استمر في استخدامه لبقية حياته بالابتعاد عن كل ما يسبب له الأذى الشخصي والتخلص من أية مسئولية قد تعرضه للخطر.
وبدءًا من عام 1762، بدأ فولتير دفاعه عمن يتعرضون للاضطهاد دون وجه حق، وربما تكون قضية جان كالاس أكثر القضايا التي تبناها شهرة. فقد تعرض هذا التاجر الذي ينتمي لكنيسة الإصلاح الفرنسية البروتستانتية إلى التعذيب حتى الموت في عام 1763 حيث تم اتهامه بقتل ابنه عندما أراد أن يتحول إلى المذهب الكاثوليكي. وتمت مصادرة أملاكه ونزع حضانة من تبقى من أبنائه من أرملته وإجبارهم على الدخول إلى أحد الأديرة. ونجح فولتير - الذي كان يرى في هذه القضية دليلاً واضحًا على الاضطهاد الديني - في إسقاط هذه التهمة عن كالاس في عام 1765.
بالرغم من الاعتقاد الخاطئ للبعض في أن فولتير كان ملحدًا، فقد كان في حقيقة الأمر يشترك في الأنشطة الدينية كما قام ببناء كنيسة صغيرة في ضيعته التي اشتراها في فيورني. ويكمن السبب الرئيسي في هذا الاعتقاد الخاطئ في أحد الأبيات التي وردت في قصيدة له (وكانت القصيدة بعنوان "Epistle to the author of the book, The Three Impostors") (رسالة إلى مؤلف الكتاب: المدّعين الثلاثة). ويمكن ترجمة البيت إلى: "إذا كان الله غير موجود، فسيكون من الضروري أن نختلق نحن واحدًا." وتظهر القصيدة الكاملة التي ينتمي إليها هذا البيت انتقاده الذي كان ينصب بدرجة أكبر على تصرفات المؤسسات الدينية أكثر منه على مفهوم الدين في حد ذاته.
ترك فولتير كما كبيرا من الادب شعره ونثره ومسرحيات ومقالات وكتب تاريخية وحكايات فلسفية ..الا ان اشهرها على الاطلاق كانت اراءه التي تتمحور حول حرية الفكر والمعتقد ونظرته السياسية التي كانت ترتكز عن الابتعاد عن الديمقراطية واستبدالها بالحاكم المستبد المستنير والتي اراها قريبة جدا من دكتاتورية البروليتاريا التي كان ينادي بها اصحاب الفكر الماركسي .. وفي كل الاحوال كان لفولتير الاثر المميز فيما وصلت له الانسانية اليوم من فكر ونور عم اغلب اركانها .
من اجمل اقوال فولتير او التي تنسب له هي :
"قد أختلف معك في الرأي ولكنني على استعداد أن أموت دفاعًا عن رأيك."
والتي توضح فكر الرجل وما كان يبتغيه وما كان يدافع عنه ويريد له ان ينتشر .. وتلك المقولة تسلط الضوء كثيرا على واقعنا المتعصب الذي نعيشه اليوم .. فكم هو البعد واسع بين ما نحياه اليوم وبين ما فكر به ذلك الفيلسوف الرائع ..وكم هو الفرق كبير بين هذا الرجل وبين رجال اخرين يرتدون لباس الدين ليثيروا التعصب وقمع الاراء وتكميم الافواه وتعطيل الفكر ..وكم هو البون شاسع بين من يقتل باسم الله وبين من يحيي باسم الرحمة والانسانية .. وكم هو عظيم ذلك الانسان الذي يمن عليه الله سبحانه بنعمه فيطوعها لخدمة البشرية وخدمة الفكر ودفع الظلم ونشر الحرية ..


عبد الجبار سبتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فض اعتصامهم.. طلاب من جامعة السوربون يتظاهرون أمام مقر ب


.. أميركا.. اعتقال 33 طالبا أثناء فض اعتصام مناهض للحرب في غزة




.. طيران الاحتلال يستهدف منزلا وسط خيام النازحين في مدينة رفح


.. منظمات حقوقية تونسية تو?سس تحالفا ضد التعذيب




.. إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإبرام صفقة تبادل مع