الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علمانية بزي الفقه..

جمال الهنداوي

2012 / 1 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يلاحظ المرء باضطراد .. تقمص بعض المثقفين الحداثويين البعيدين عن مجال التنظير الديني ..الدور المفترض – تقنيا – لرجال الدين والهادف الى ترميم المنظومة الفقهية من الداخل واعادة تنظيم بعض الاجتهادات ذات الطبيعة الظرفية ..والمتأثرة بالسياقات التاريخية المحددة بعوامل المكان والزمان والاشخاص..وهذا التقمص يدخل عادةً تحت دعوى الضرورة الحتمية لاصلاح الدين وأقلمته مع حقائق الحياة التي قد تتعارض نسبيا مع الرؤية التقليدية – السلفية – للاسلام كاسلوب حياة وايمان اعتقادي راسخ..
بل ان بعضهم –متأثرا على ما يبدو بالتقبل الشعبي للموضوع الديني–اصبح يجادل في مجالات مغلقة المنافذ وباحكام لصالح الاسلاميين الاكثر قدرة وجلد وتمرس على المشي على حبال الفقه المعلقة ما بين الدنيا والآخرة ..والتي يجازف العلماني بالسير عليها بدون عصا التوازن التي يؤمنها الانقياد الشعبي المسبق الاقتناع بكل ما يقوله رجل الدين بالاعتماد على هيئته الخارجية فقط..
وقد يكون من الممكن تفهم هذا التوجه لو كان يدرج ضمن استراتيجيات التحرش بالمنطقة المحرمة المتمثلة بالاحاديث التي تتصدى للربط بين طاعة الخالق وطاعة الحاكم .. او احاديث تحريم الخروج على السلطان حتى وان جار..ولكن المثير للاستغراب المبالغة في الانغماس في اغراءات التماهي مع الاسلاميين والانغراز والتوحل في معضلة التعدد المربك للتفسيرات الملازمة لاي من النصوص الواجب اتباعها ان كانت كنص ديني مقدس او تدوين تاريخي يوثق لحالة ما ..مما ادخل العلمانية كطرف في الصراع من اجل تغليب واعلاء اجتهادات معينة على ما لا يطابقها من التفاسير وتكريسها كحد فاصل ما بين الخطأ والصواب والكفر والايمان والتوصية الضمنية على اتباعها كنوع من المصادقة الادبية ..دون الالتفات لحقيقة انها من انتاج انسان غير منزه يعتريه ما يعتري كل البشر من نقص او اختلاف..
ان النتيجة الحتمية المنتظرة لهذه التوجهات هي تنازل المثقف الليبرالي والعلماني عن محيطه وبيئته الاساسية .. بيئة الحوار والحرية والعقلانية واعلاء شأن الانسان.. والتي تتعامل مع الانسان كانسان دون النظر الى خياراته الفلسفية والايديولوجية ومعتقداته الدينية.. والتخلي عن حجر الرحى في التقاطع الحاد مع الاسلاميين المعبر عنه في شمولية النظرة الانسانية للتراث وعدم تسطيحه في نصوص واجتهادات احادية التوجه والتأسيس..
فضلا عن ان المسلمين – بالغالب الاعم – لا يرون ان هناك حاجة لاصلاح الدين لاكتماله بحكم النص المقدس ..وان الذي يحتاج الى المراجعة والتعديل هو المجتمع ليواكب النموذج الاصلي المتكامل والمرضي عنه للدين..والاهم هو ان المثقف العلماني مصنف سلفا بحكم انتماءاته الفكرية في خانة التكفير مما يثير الريبة والعدائية المبيتة تجاه طروحاته الدينية بالرغم من وضوح القصدية الاصلاحية من ورائها..
ان التناقض والتقاطع الواقعي بين العلمانية والمؤسسة الدينية هو في استغلالها للقبول الجماهيري الواسع للمفاهيم الدينية لتحقيق مصالح سياسية وتزييف اخرى..وليس في جوهر الدين والفقه الذي يعد من خيارات الفرد الذاتية الواجب تمتعها بالحرية الكافية المكفولة مجتمعيا ودستوريا في نطاق دولة القانون والمواطنة المسؤولة..
ونجاح المفاهيم العلمانية يتطلب محاربة جذور الاستبداد المؤمنة بشرعية دينية مقولبة حسب اشتراطات الحكم في كل فترة زمنية..وترك المحاولات العقيمة الهادفة الى تحقيق اصلاح ديني في شأن ذو صبغة سياسية ظاهرة..والتركيز على احلال مفاهيم الدولة المدنية الحديثة التي تحقق حرية الفرد وكرامته وتخلق البيئة المناسبة لممارسة حرية الاعتقاد واحترام الخصوصيات الفردية والمجتمعية.. والابتعاد عن المباحث التي تظهر المثقف التنويري بصورة الغر الجاهل الذي يتحاذق فيما لا يعرف..
ان المثقف الحداثوي المتمتع بالمنطق العلمي في النظر للاشياء..والمتبني للفكر الليبرالي والعلماني..ايمانا منه بالإنسان كقيمة عليا وكهدف أعلى..يتحمل –وبوعي واختيار حر – مسؤولية ادامة زخم المسيرة التنويرية رغم قلة السالكين..ويمكن القول ان مثل هذه الطروحات – رغم تفهم دوافعها - قد تزيد من صخب " التنفير المبرمج من مفردة العلمانية والليبرالية لدى شريحة لا يستهان بها من الشعب ويؤدي خدمة مضافة للمشروع الاستحواذي الاستلابي للعقل المسلم من قبل النخب الدينية المرتبطة والمدعومة من قبل السلطان ."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و


.. 61-An-Nisa




.. 62-An-Nisa


.. 63-An-Nisa




.. 64-An-Nisa