الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الخلافة وأوهامها (٣)

رفعت السعيد

2012 / 1 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


.. ونأتى إلى علاقة الخلافة بمصر. كيف بدأت؟ وكيف قام الخليفة العثمانى بغزو مصر؟ وماذا فعل فيها؟

كان سلطان مصر فى هذا الزمان قنصوة الغورى وكان يقوم كل عام بالواجب المصرى وهو رعاية الأماكن المقدسة فى مكة والمدينة والقدس.

وكان حاكم مصر يشرف بنفسه على صناعة كسوة الكعبة وتسفيرها فى احتفال مهيب مع ركب المحمل. وأتى البريد إلى قنصوة بأن الخليفة العثمانى يحشد حشوده لغزو مصر فوجه رسالة إلى سليم الأول جاء فيها «علمنا أنك جمعت عساكرك، وأنك عزمت على تسييرهم علينا، فتعجبت نفسنا غاية التعجب لأننا والحمد لله من سلاطين أهل الإسلام وتحت حكمنا مسلمون موحدون».

ويرد عليه الخليفة العثمانى كاذباً «يعلم الله وكفى به شهيداً أنه لم يخطر ببالنا طمع فى أحد سلاطين المسلمين أو مملكته، أو رغبة فى إلحاق الضرر به فالشرع الشريف ينهى عن ذلك» (ابن إياس- بدائع الزهور فى وقائع الدهور- الجزء الثانى- صـ١٢٤)، لكن الحقيقة هى أن الخليفة العثمانى كان مصمماً على غزو مصر. ولم يكن ينتظر سوى فتوى شرعية تسمح له بأن يقوم بغزو بلد يسمى سلطانه نفسه بأنه «خادم الحرمين الشريفين»، ويقوم بكسوة الكعبة، ويحتضن الأزهر الشريف.

وأخيراً عثر الخليفة على ضالته فى فتوى مثيرة للسخرية جاءت على يد قاضى عسكر الأناضول كمال باشا زاده استند فيها إلى الآية الكريمة «ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون» والأرض هى مصر لأنها وردت فى آية قرآنية مشيرة إلى مصر. أما «عبادى الصالحون» فهم طبعا العثمانيون. وسارع مفتى الآستانة إلى مساندة فتوى قاضى العسكر فأصدر فتوى تقول «من مفتى الأنام شيخ الإسلام فتوى بوجوب غزو مصر لأن أهلها قطاع طرق، والقتال ضدهم غزو جهاد والمقتول فى هذه الغزوة شهيد ومجاهد»، وتقترب الجيوش العثمانية من مصر ويرسل سليم الأول إلى حاكمها آنذاك طومان باى رسالة يقول فيها «إن الله قد أوحى إلىَّ بأن أملك الأرض والبلاد من الشرق إلى الغرب كما ملكها الإسكندر ذو القرنين وأنا خليفة الله فى أرضه، وأنا أولى منك بخدمة الحرمين الشريفين».

ويروى ابن إياس فى كتابه فظائع مخيفة ارتكبها جنود الخلافة ضد المصريين، ونقرأ و«اتجه الجنود العثمانية إلى الطحانين فأخذوا البغال والخيول، وأخذوا جمال السقايين، ونهبوا كل ما فى شون القمح من غلال، ثم صاروا يأخذون مواشى الفلاحين ودجاجهم وأوزهم وأغنامهم وحتى أبواب بيوتهم وخشب السقوف أخذوه، وأرسل سليم واحداً من أكثر رجاله وحشية هو جان بردى الغزالى إلى الشرقية»، ونعود إلى ابن إياس ليصف ما حدث «فوصل جان بردى الغزالى إلى نواحى التل والزمرونين والزنكلون ونهب ما فيها من أبقار وأغنام وأوز ودجاج، وقام بأسر الصبيان وسبى البنات باعتبار أنهم أبناء كفار وراح يبيعهم فى أسواق المحروسة بأبخس الأثمان.

وسارعٍ المصريون بشرائهم من سوق العبيد والجوارى ثم يهبونهم لأهاليهم. سليم الأول ممثلا للوالى التركى يقول عنه إبن إياس إنه كان سكيراً شرساً «وكان يصبح كل صباح وهو مخمور فيحكم بالعسف والظلم وهو مخمور» ويلخص إبن إياس ما فعله جند الخلافة فى مصر قائلاً «لقد أشعلوا فى مصر جمرة نار» ولعل هذه الأيام هى التى لقنت المصريين شعاراً ظلوا يهتفون به أمداً طويلاً «يا رب يا متجلى أهلك العثمانلى».

وتظل العلاقة المصرية- العثمانية على الدوام علاقة خصومة، فالمصريون يهتفون فى أعماقهم «يا رب يا متجلى أهلك العثمانلى»، لكنهم يواصلون الخضوع للخليفة العثمانى باعتباره خليفة للمسلمين وأمير المؤمنين. ووجد المصريون أنفسهم فى هذا التناقض المربك حتى كانت الثورة العرابية. ومنذ البداية حاول عرابى ألا يصطدم بالخليفة، ويروى ويلفرد بلنت أشهر مؤرخى الثورة العرابية «أكد لى عرابى: نحن جميعا أبناء السلطان نعيش كأفراد أسرة واحدة فى بيت واحد، كل منا له إقليم من الإمبراطورية، أى له حجرة مستقلة فى المنزل، وهى حجرة خاصة بنا نتصرف فيها وفقاً لإرادتنا ويجب ألا نسمح لأحد بأن يعبث بسيادتنا أو وضعنا المستقل» (بلنت- التاريخ السرى للاحتلال البريطانى لمصر- بالإنجليزية- صـ٧٠).

وينتشر نفوذ عرابى ليس فى مصر وحدها بل فى عديد من البلدان، ووصل نفوذه الجماهيرى حتى الهند والسودان، ولهذا كره الخليفة عرابى وأرسل حملة إلى مصر لتأديبه. وفى الوقت الحرج تماماً وبينما الجيوش البريطانية تغزو مصر وجيش عرابى يحاول المقاومة تصل إلى مصر آلاف من نسخ جريدة «الجوائب» وهى الجريدة الرسمية للخلافة الناطقة باللغة العربية، ويقوم بتوزيعها على جنود عرابى ومناصريه عملاء الخديو توفيق، وفى صدرها ما يلى «بيانامه.

بإرادة سيدنا ومولانا السلطان أمير المؤمنين وخليفتنا الأعظم إشعارا لجميع المسلمين بأن الأفعال التى أجراها عرابى وأعوانه فى مصر مخالفة لإرادة الدولة العلية السلطانية ومغايرة لمصالح المسلمين وبناء على ذلك تقرر أن عرابى وأعوانه عصاة بغاة وبهذه الصفة تجرى معاملتهم» وتكون الضربة قاضية فكثير من المواطنين والجنود ترددوا بعد أن اتهمهم الخليفة أمير المؤمنين بأن من يقف مع عرابى عصاة بغاة. وانتصر الإنجليز.

وظل المصريون يرددون فى قلوبهم «يا رب يا متجلى أهلك العثمانلى» ويرددون معها «الولس هزم عرابى».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التاريخ لا يكذب والحاضر يؤكد نفس المنطق
Amir_Baky ( 2012 / 1 / 28 - 08:16 )
يؤكد لنا التاريخ أن منذ فتح مصر حتى الملك فاروق لم يحكم مصر مصرى. وهذه دلالة كبيرة تؤكد أن الخلافة دائما ترى مصر على إنها دولة باغية و يجب إحتلالها. بل و يحل سرقة ونهب و قتل أهلها بمبررات دينية. لذلك كان الجميع شرقا و غربا ضد عبد الناصر وحركات التحرر. فالتاريخ يذكر كم الحروب التى قامت بين المسلمين بعضهم ضد بعض لإحتلال مصر منذ الأخشيديون و الطولونيون و الفاطميون و الأيوبيون والعباسيون والمماليك والعثمانيون فدائما تدفع مصر و أهلها ضريبة الإحتلال العربى عليها فى كل مرحلة تاريخية. وحتى الآن تتعرض مصر لغزو ثقافى وهابى ويتم رفع أعلام السعودية بالتحرير ويقوم السلفيين بتكفير المصريين كما فعل أسلافهم لتبرير أموال و نساء المصريين الكافرين فى نظرهم. فسرقة محلات الذهب و خطف النساء حلال لدى هؤلاء. فقد تم تمرير تبرير ساذج بأن الإسلام دين و دولة لكى يكرة المصريون مصر لأنها منافسة للإسلام. بل أكد مرشد الإخوان السابق هذا الفكر بمقولته الشهيرة طظ فى مصر.والآن ويوجد من يدفع أموال باهظة لإجهاض الثورة المصرية لتستمر مصر دولة تابعة بالمنطقة


2 - المرشد والخلافة
د.عادل الشهاوي ( 2012 / 1 / 28 - 12:34 )
طلع علينا منذ عدة أيام المرشد العام د.محمد بديع بتصريح مفاده:بأن الاخوان علي مقربة خطوات من تحقيق حلمهم الذي هو حلم المؤسس الأول حسن البنا -في الخلافة - في أعقاب ربح الاخوان والسلفيين معا بثلثي مقاعد مجلس الشعب المصري في انتخابات (حرة )ليست ديمقراطية بأي حال من الأحوال ،كما أنها لا تبت للشفافية بصلة ،هذا في ظل نظام انتخابي معيب ومعقد ،علي خلفية اطلاق
لمجلس العسكري
للتيارات الدينية تنظيماتها السياسية في مخالفة حتي لاعلانه الدستوري ! بمقابل احتواء وتفريغ ثورة عيش ،حرية ،عدالة اجتماعية ،وضمن بنود أخري تضمن -انتخاب- رئيس توافقي للتحالف ،مع تسهيل خروج المجلس الأمن وبقاء امتيازاته ..كل هذا ليس ببعيد كما نعتقد عن مخطط سيناريو الشرق الأوسط الجديد في تقسيم المنطقة لدويلات عرقية وطائفية ،والمتتبع للخريطة صعود التيار المتأسلم في المنطقة العربية يري ذلك بوضوح ،بالطبع صعود التيار المتأسلم ضمن عوامل أخري ذاتية داخلية وموضوعية ،لكن العامل الأهم في اعتقادنا السيناريو الخارجي ،لضمان تبعية مصر والمنطقة سياسيا واقتصاديا ولأن التيار المتأسلم أقرب حليف للرأسمالية العالمية الجديدة حتي في ظل أزمتها،


3 - الخلافة العثمانية والاخوان المسلمين
حكيم فارس ( 2012 / 1 / 28 - 18:13 )
تحية للسيد الكاتب رفعت السيد وها انت تكشف عورات الخلافة الاسلامية ومدى ظلمها وقهرها للشعوب العربية باسم الدين وكان للشعوب العربية كل الحق في التمرد على هذه الخلافة واسقاطها لم اجد في تاريخ الخلافة الاسلامية الا اذلال البشر وتحقيق سطوة الحاكم اي الخليفة لما يشبع كل شهواته الدنيوية لا لعودة الخلافة والف لا لمن كل من ينادي بها ولك مني كل المودة والتقدير


4 - يساري في حاجة لتصحيص
محمد البدري ( 2012 / 1 / 28 - 23:31 )
وهل بدأت الخلافة مع سليم الاول؟ ام التاريخ عندكم مبتور كما علمكم العرب. لكن الا تري انك ووللامانة أن تطالب بتعويضات عن جرائم سليم الاول في مصر حسب كتابات ابن إياس والمؤرخين الاخرين، أم انك غفور رحيم؟

اخر الافلام

.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل


.. 52-An-Nisa




.. 53-An-Nisa