الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مركزية الدين في تكوين الهوية الأميركية

مسعد عربيد

2012 / 1 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس المقصود بعنوان هذه الدراسة الإيحاء بان أميركا تنفرد دون غيرها بكون الدين يلعب دوراً مركزياً في تكوين هوية الشعب الأميركي بابعادها العِرقية والقومية والدينية والثقافية. فقد لعب الدين دوراً مشابهاً في العديد من المجتمعات وشكل مكوناً هاماً في هويات الشعوب وإن في سياقات تاريخية وإجتماعية وثقافية مختلفة. ولسنا نحن العرب باستثناء، فللإسلام خصوصيته وموقعه وتأثيراته المتميزة في تكوين الهوية العربية. ما نحن بصدده هنا هو دراسة خصوصيات دور الدين والخطاب الديني في تكوّن وتطورالهوية الأميركية، إذ نعتقد ان الحالة الأميركية تتميز بسمات خاصة منذ نشأتها كمستوطنة اوروبية مسيحية بيضاء وعبر مراحل تطورها، وهي سمات جديرة بالدراسة.

(1)
مدخل: راهنية تفكيك "الخطاب" الأميركي

لم يعد أمام الإنسانية، إزاء مسلسل المآسي والكوارث التي جلبتها الرأسمالية، سوى خياراً واحداً: مقاومة الرأسمالية والإمبريالية بكافة الوسائل والإمكانيات المتاحة حتى النصر أو الفناء. فالمشروع الرأسمالي ـ الإمبريالي يقف بلا مواربة ضد الانسان وقوى التاريخ والتقدم البشري ويجهر صراحة بسعيه نحو الهيمنة على مقدرات الشعوب وإبتلاع ثرواتها ونهب مصادر عيشها وإمكانيات بقائها، وهو ما يعني تدميرالبشرية ومستقبلها. فماذا يتبقى لنا بعد ذلك؟

لا أحسب أن هذا إستخلاص ذاتي أو وقفة على أطلال ستينيات القرن المنصرم ولا هي اطرحات صنمية متخشبة كما درج الخطاب الرأسمالي الليبرالي على تسميتها. بل هو تشخيص دقيق للواقع القائم والذي يؤكد بان الوحش الرأسمالي لا يزداد سوى إنفلاتاً وشراسة ودموية ولن يجلب على البشرية سوى المزيد من الدمار والهلاك.

من هذا المنطلق، فان هذه الدراسة تكتسب راهنيتها من الأبعاد الرئيسية التالية:

1) أن فهم الواقع الأميركي وسياسات الرأسمالية الحاكمة وآليات عملها في ذلك البلد، يتطلب التوعية بعناصر تكوين وتطور الهوية الأميركية في جوانبها القومية والعِرقية والدينية/الثقافية حيث يحتل الدين والخطاب الديني، كما سنرى، موقعاً مركزياً. فالمكونات والمفاهيم التي تقوم عليها هذه الهوية هي التي تحدد إنتماء الفرد والجماعة ومسؤوليتهما حيال سياسات حكومته، وهي التي ترسم حدود الفعل البشري والحراك الشعبي في المقاومة وإنجاز التغيير الجذري.

2) قد يتبادر الى الذهن أن الدين وخطابه وتأثيراته شأن تاريخي وأنه جاء ضمن سياق تاريخي مغاير، وعليه يكون السؤال: ما علاقة ذلك بالحال القائم الآن؟ إلا اننا نرى ان تأثير الدين والخطاب الديني ما زال حاضراً في الحياة الإجتماعية والسياسية الأميركية، وفي صناعة القرار السياسي في السلم والحرب، وفي صياغة وتطويع الرأي العام الشعبي. وهو ما يُبقي الباب مفتوحاً امام تأثيرات الدين وغيره من مكونات الهوية المختلفة (مثل الدين والعِرق والقومية) والداخل الأميركي من جهة، وعلاقة أميركا مع العالم الخارجي من جهة اخرى.

3) لا يتسنى فهم الواقع الأميركي دون إزالة الوهم الذي يبدو انه ترسخ بين الكثيرين من أبناء شعبنا عن علمانية أميركا، والغرب بشكل عام، وأن الفصل بين الدين والسلطة في المجتمعات الغربية قد إكتمل بالفعل وأضحت العوامل الدينية معزولة تماماً عن صنع القرارات والسياسات، وهو أمر بعيد عن الصحة.

4) تكتسب هذه الدراسة راهنية إضافية في رسم برنامج نضال الشعوب وصياغة مشروعها في مقاومة الإمبريالية الأميركية في بلادنا وفي العالم باسره. ففهم معسكر الأعداء وتحديد الأولويات والمهام النضالية الملحة يقع في صلب برنامج المشروع المعادي للإمبريالية والرأسمالية الغربية والأميركية تحديداً. كما ان مواجة الإمبريالية لا تتسنى دون فهم خطابها وآليات عملها، ليس فقط على صعيد عدوانيتها وسعيها للهيمنة على الشعوب الأخرى، بل أيضاً على المستوى الداخلي أي السيطرة على شعبها والتحكم بالقرار في بلدها ومجتمعها. وكذلك فان التغيير ليس ممكناً دون هدم المفاهيم البالية والمتخلفة وبناء الوعي الجذري الثوري.

(2)
الدين: الوظيفة والتوظيف
ملاحظات ضرورية

أ) الدين كمفهوم إجتماعي

لا نتناول الدين في دراستنا هذه كعقيدة إيمانية للفرد، بل من منظور تمفصلاته مع الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ومن منظور توظيفات الدين السياسية والإجتماعية بغية الكشف عن الخلفيات والجذور التاريخية والاجتماعية لدوره في تكوين الهوية الأميركية وعن علاقته الدين بالعِرق، وتحديداً العِرق الأبيض في الحالة والسياق الأميركيين.

ب) ديمومة الخطاب الديني وتأثيراته

لعله من أهم ما يميز الدين (خطاباً ومؤسسة بما في ذلك معتقدات ورموز وشعائر التدين) أكثر من غيره من عوامل تكوين الهوية الثقافية والقومية، هو تغلغله العميق وتأثيره على الفرد (والجماعات) ومعتقداته وأفعاله عبر الأجيال المتعاقبة، وذلك من خلال توارث المعتقدات الدينية على نحو غيبي وتلقيني دون مسائلة ومدى قرون طويلة كما يشهد تاريخ الديانات وخاصة التوحيدية الثلاث.

ت) دور الدين في صياغة الوعي و"المُشتَرك الجامع"

إنسجاماً مع ما قلناه أعلاه، وقبل الولوج الى مناقشة الحالة الأميركية، لا بد من وقفة مع بعض الفرضيات حول الرابطة بين الدين (والخطاب الديني) وتكوين وعي الأفراد والجماعات:

□ بالرغم من عوامل الولادة والبيولوجيا، فان المرء، موضوعياً، لا يشكل وعيه وإنتماءه الى عِرق أو دينٍ ـ كأن يكون أبيضاً او مسيحياً ـ بمجرد الفطرة او بالطبيعة، كذلك فانه لا يتلمس حسه القومي أو يحدد فعله ومسكليته بحكم كونه ذي عرقٍ أو دينٍ معين. ولا يتواصل الأفراد والجماعات فيما بينهم على أساس انهم بيض او مسيحيون بمجرد الفطرة، فليس هناك بين الناس (أفراداً وجماعات) رابطة فطرية أو طبيعية أو بدائية تقوم على اساس العِرق او الدين.

□ ينشأ المشترك بين الناس حين يأخذون بالتواصل فيما بيهم، أفراداً وجماعات، على أرضية دينٍ معين أو ثقافة معينة أو بحكم إنتمائهم لعرقٍ معين، في إطار تشكيلة إجتماعية ـ إقتصادية معينة وسياق مرحلة تاريخية طويلة من تطور المجتمع.

من خلال عملية التواصل الإجتماعية ـ التاريخية تكتمل الرابطة وتنشأ الجماعات السكانية والفئات الاجتماعية والإثنية والقومية والدينية إذ يؤسس هؤلاء بناهم العِرقية والقومية والاجتماعية والثقافية والدينية ويأخذون بالتواصل فيما بينهم على اساس المشترك الجامع.

فعلى سبيل المثال، فان المجتمع الأبيض يبدأ بالتكون إذ يأخذ البيض بتكوين وجهات نظرهم حول عِرقهم ويتبادلونها فيما بينهم، وهكذا يخلقون صورتهم، حتى وإن كانت مُختلقة، وفق نظرتهم وتعريفهم لذاتهم في إطار عملية التكوين الإجتماعي. ووفق ما ذهب اليه مايكل أومي وهووارد وينانت فان التكوين الاجتماعي هو "العملية التي من خلالها تحدد القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مضمون وأهمية التصنيفات العِرقية، والتي من خلالها، أي العملية، ترتسم المعالم والدلالات العِرقية لهذه التصنيفات". ففي حالة البيض الاميركيين، فان "بياض البشرة" هو المشترك الذي يجمع بينهم.

□ نخلص من هذا الى القول، بان أشكال التكوينات والتجليات العِرقية والدينية والثقافية تتغير وفقاً لتغير الاوضاع الاجتماعية والطبقية والاقتصادية والسياسية. وعليه، فان السمات والخصوصيات التي تتميز بها جماعة ما ليست ساكنة ولا ثابتة بل هي دائمة الحركة والتغير وهو ما يستدعي ضرورة تناولها وفهمها وإعادة تفحصها من جديد بالتكيف مع وعلى ضوء السياقات والمتغيرات المستجدة في المجتمع والحياة والتاريخ.

وبهذا المعنى فان تغير الظروف الإجتماعية والاقتصادية في أميركا كان له تأثيراً كبيراً على تطور الفوراق العرِقية والدينية وتغييرها حسب المصالح الطبقية والسياسية في الظروف والسياقات المختلفة.

□ إلا ان الأمر الجدير بالذكر هو أن فهم التكونات الدينية والعِرقية في سياقها الإجتماعي ـ التاريخي لا ينفي أو ينتقص من خصوصيات العوامل الدينية والعِرقية وتأثيراتها الكبيرة على أشكال التعامل اليومي بين الناس والعلاقات الاجتماعية والانسانية. وهنا لا بد من التذكير بان الكثير من هذه الخصوصيات (العِرقية والدينية) هي في الحقيقة فوارق مُتخَيَلة وتفتقر الى أي معنى موضوعي، إلا انها في الآن ذاته نتاج وحصيلة للواقع والظروف المادية التي تفرزها.

كان من الضروري التوقف عند هذه الركائز لانها تعيننا على تفسير المفاهيم التي بناها الأبيض حول ذاته وحول الآخر (غير الأبيض) وتجليسها في سياق فهم تكوين الهوية الأميركية، وهي مفاهيم لا تقوم في الحقيقة على اسس موضوعية ولا تحمل آية دلالات مادية. فعبر مسيرة دولته ومجتمعه، حرص الأميركي الأبيض،على أمرين أساسين:

الأول، أن تظل مفاهيمه حيال الآخر "مطاطة" ودائمة الحركة والتكيف بما يخدم مصالحه؛

والثاني، أن تظل مفاهيمه إزاء ذاته، أي أفضلية الذات البيضاء على "الآخر" وإعتلائها عليه، "ثابتة".

وهو ما يفسر كيف ولماذا نجح الاميركيون البيض في إستخدام المفاهيم الدينية والعِرقية الغيبية والأوهام المُختلقة في ترسيخ وتعميق الفوراق الاجتماعية بينهم وبين "الآخر".

ث) ضرورة التأسيس للخطاب الديني

تحدد الطبقة المهمينة ـ الحاكمة في أميركا وغيرها مواقفها وترسم سياساتها على أساس مصالحها المادية، الإقتصادية والطبقية والإجتماعية. ومن اجل حفاظها على هذه المصالح وإبقائها على سيطرتها الإقتصادية والطبقية والإجتماعية، تتصارع الطبقة المهيمنة ـ الحاكمة مع الطبقات الشعبية والفقيرة والمُستغَلة التي تكافح من أجل لقمة عيشها وكرامتها وحقها في تأمين إحتياجاتها الإنسانية الأسياسية. في هذه الحرب الطبقية والصراع التناحري على المصالح والتناقضات والجذرية بين الطبقات، ليس هناك مكاناً للحياد أو المهادنة، بل ان الطبقة المهيمنة ـ الحاكمة تستخدم في صراعها هذا كافة امكانياتها وعلى رأسها مؤسسات السلطة والدولة (ممثلي الطبقة الحاكمة) وألياتها القمعية (البوليس والجيش والسجون...) والأيديولوجية (الإعلام والثقافة والمؤسسة الدينية والتعليم).

إلا ان هذه المهمة تستدعي الحاجة الى تأسيس خطاب لا من أجل الضرورات والأبعاد السياسية فحسب بل الأيديولوجية والثقافية والدينية. على هذه القاعدة ينطلق الخطاب وتقمص الإدعاءات الكاذبة مثل "حامي" للوطن والشعب والمجتمع و"المدافع" عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الإدعاءات.

في هذا الإطار وبهذا المعنى توظف الطبقة المهيمنة الدين (وغيره) في تحقيق مصالحها الطبقية والإجتماعية والسياسية، وتصيغ خطاباً دينياً قادراً على أدلجة سياساتها وطروحاتها لضمانة الدعم "الشعبي" لها او بالأقل "رضى" الشعب وعدم معارضته. كما تتطلب هذه العملية ان يكون الخطاب الديني قادراً على مواكبة الأوضاع الإجتماعية والسياسية المتغيرة والتفاعل معها مما يضمن للطبقة الحاكمة والمهيمنة تطويعه في خدمة مصالحها. وفي الترجمة العلمية، فان هذا الخطاب يجب ان يكون مرناَ مطاطاً في إنتقاء المفردات وتطويع دلالاتها ومعانيها مثل مفردات "الأبيض" و"المسيحي" و"الإنكليزي الحر" و "الاميركي". وما اقصده هنا هو ان هذه المفردات على تنوعها ظلت دوماً وفي كافة الأوضاع والمتغيرات، تتماثل مع الرجل الأبيض وفوقيته (البيضاء والمسيحية) على غيره من الأعراق. فعلى سبيل المثال، كانت هوية "الأميركي الأبيض المسيحي" في الحقبة الفكتورية من التاريخ الأميركي تحمل دلالات تختلف عن تلك التي سادت خلال المرحلة الكولونيالية او لاحقاً عبر مرحلة "إعادة البناء" (انظر الملحق). وكذلك كان الأمر إزاء التغيرات التي صاحبت الهوية الاميركية ودلالاتها وإشكالياتها عندما أخذ الاميركيون البيض يواجهون التحديات الكبيرة التي جلبتها موجات الهجرة الكبيرة من المهاجرين الأجانب في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر. (انظر لاحقاً)

(3)
خصوصيات السياق الأميركي

أولاَ ـ المسيحية فُرضت عنوةً على المستوطنة الأميركية

لا أحد ينكر أن الدين مكون هام من مكونات الهوية الثقافية التي تتشكل وتتطور في جوانبها المتعددة عبرة عملية التطور التاريخي للمجتمع. صحيح أننا نتوارث الدين عن أبائنا وأجدادنا، إلا اننا لا نتناقله بالفطرة ولا نحمله في جيناتنا أو سماتنا الوراثية، بل هو مكتسب عبر مسيرة وتجارب الإنسان والجماعات البشرية ويتخذ معالمه في إطار تشكيلات إجتماعية ـ إقتصادية وتاريخية معينة.

ولا تشكل الحالة الأميركية إستثناءاً مع اننا نرى انه من الضروري التأكيد على بعض الخصوصيات:

(1) لم يكن الدين في سياق الكيان الإستيطاني الأميركي ثمرة لتطور إجتماعي وتاريخي طبيعي، بل ان المستوطنين الأوروبيين الأوائل فرضوا دينهم عنوة على هذا الكيان ومسيرة تكوينه؛
(2) أن المسيحية قامت على أنقاض ديانات وثقافات الشعوب الهندية الأصلانية التي كانت مزدهرة لآلاف السنين؛
(3) عبر كافة حقبات التاريخ الأميركي، تم إستثمار الدين في خدمة المشروع الرأسمالي؛
(4) تتشابك في الخطاب الأميركي السائد مكونات متعددة تحكمها علاقات التداخل والتأثيرات المتبادَلة. وقد تمظهرت أبرز عناوين هذا الخطاب الأميركي، عبر التاريخ كما في الراهن الأميركي، في العِرق والدين والاثنية والقومية.

ثانياً ـ تفكيك مكونات الهوية الأميركية

لهذه الاسباب والعوامل مجتمعة، فان مسألة الدين في السياق الأميركي، تستدعي دراسة مكونات الهوية وتفكيك العلاقات الجدلية والتداخلات فيما بينها:
□ علاقة الدين بمكونات الهوية والإنتماء الأخرى معها مثل العِرق والطبقة والإثنية والقومية، وكيف تداخلت هذه مجتمعةً في نشأة وتكوين الهوية القومية الأميركية. وسوف نعود الى جدلية العِرق والدين بشيء من التفصيل لاحقاً في هذه الدراسة.
□ الجدلية المتشابكة والمتعددة الأطراف لعلاقة هذه المكونات مجتمعة من جهة، بالطبقة الحاكمة من جهة أخرى حيث تكمن قدرة هذه الطبقة على تسخير الدين وخطابه ومؤسسته في خدمة أهدافها ومصالحها الطبقية والسياسية وترسيخها عبر قرون التاريخ المديدة وفي الحاضر الأميركي أيضاً.
□ ضمن هذا الإطار نستطيع ان نفهم تأثيرات هذه العوامل على الفرد والجماعة وصياغة الهوية والوعي الشعبي (الفردي والجَمْعي)، وكيف إستثمرت الطبقة الرأسمالية في أميركا هذا كله في رسم السياسات المحلية (الداخل الأميركي) أو الخارجية (أجندة واستراتيجية الرأسمالية والإمبريالية الأميركية إزاء العالم).

ثالثاً ـ العِرق والدين في أميركا... معاَ من أجل هيمنة الفوقية الأوروبية

أ) كيف يرى الأبيض المسيحي ذاته من المنظور التوراتي؟

هناك تماثل كبير بين نظرة المستوطنين الأوربيين الأوائل الى انفسهم (خاصة البيوريتانيين منهم) ورواية "الخروج" التوراتية. فالبيوريتانيون يرون انفسهم ك"شعب الله المختار" وان إستعمارهم "للعالم الجديد" (أرض الميعا) يتماثل مع رحلة بني إسرائيل الى "أرض الميعاد". وقد شكّلت هذه الاسطورة ركيزة رئيسية في نظرة البيوريتانيين الى انفسهم وبناء هويتهم على أساسها.

قد تتعدد الآراء وتختلف في أهمية مناقشة مثل هذه الأساطير، وقد تصطدم الذهنية المادية بمثل هذه الأوهام الغيبية فتقرر أن تضعها جانباً والاّ تحملها محمل الجد، إلا اننا اذا أردنا ان نفهم كيف توظف الطبقة الحاكمة الخطاب الديني للسيطرة على المجتمع وخدمة غاياتها ومصالحها وإثراء خطابها وأدلجتة، فانه علينا ان نولي مثل هذه الأساطير إهتمامنا، لا من أجل دحضها أو تفنيدها بل من اجل فهم دورها في صياغة الهوية الجَمْعية لهؤلاء الذين يشكلون جزءاً ديمغرافياً وسياسياً كبيراً وفعّالاً من المجتمع الأميركي وللملايين التي تمثل ما يمسيه الغرب "نبض الحياة السياسية" و"العملية الإنتخابية" الديمقراطية و"الرأي العام". اولئك هم المادة البشرية التي تستهلكها مثل هذه الخزعبلات وتشغلها هذه الروايات ليل نهار وحيثما تواجدوا في البيوت والكنائس والمدارس والجمعيات الخيرية والمؤسسات الدينية والجلسات العائلية وأحاديث الاصدقاء والجيران ووسائل الإعلام وغيرها من الأنشطة الاجتماعية والإعلامية والدينية والخيرية واسعة الإنتشار في الولايات المتحدة والتي تملأ حياة الناس دون توقف وتحشو عقولهم بالأفكار والمفاهيم الغيبية والأوهام المُتَخَيلة.

ب) توظيف الروايات التوراتية

لا خلاف على أن العوامل الرئيسية المسؤولة عن إنتاج العِرق والعنصرية في الحالة الأميركية تكمن في المصالح الطبقية للبرجوازية الأميركية التي تسبب في إبادة السكان الاصلانيين وتمثلت في العبودية ونظامها الطبقي والإقتصادي والعنصري الإستغلالي وتمظهرت في ممارسات وسياسات التمييز والفصل بين الأبيض والأسود لقرون عديدة.

إلا انه صحيح أيضاً أن فوقية العِرق الأبيض المزعومة على الأعراق الاخرى قد سخرت الدين والروايات التوراتية وأفضلية المسيحي الأبيض على غيره وإختياره من قبل الله والعناية الربانية ليكون "الشعب المختار" من أجل حماية المصالح الطبقية ــ الإجتماعية والسياسية، ناهيك عن أن هذه الفوقية قامت على الفرضيات "العلمية" الكاذبة والمفبركة وتلفيقات عنصرية وتمييزية بين الأعراق.

هذه العوامل مجتمعة هي التي ساهمت في إنتاج العِرق والتصنيفات العِرقية وترسيخ هذه المفاهيم في أميركا.

ت) فوقية الأبيض: بين بياض البشرة والمسيحية الأوروبية

ظلت "فوقية الرجل الأبيض"، منذ بداية الغزو الأوروبي الأبيض ل"العالم الجديد" وعلى مدى القرون الخمسة الأخيرة، أحد الأركان الرئيسية في تكوين الهوية العِرقية وتعزيز التراتبية العِرقية والطبقية والإجتماعية وتعميق الفوارق بين الناس والأعراق في أميركا.

ويجدر بنا في هذا المقام ان نُبدي بعض الملاحظات الهامة:

ــ لقد تميز المستوطنون الإنكليز، عن غيرهم من الأوروبيين الذين غزوا القارتين الأميركيتين من إسبان وبرتغاليين وفرنسيين وهولنديين، بانهم "وحدهم جاءوا بفكرة مسبقة عن أميركا، نسجوها من لحم فكرة إسرائيل التاريخية، فكرة إحتلال أرض الغير، وإستبدال شعب بشعب، وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ، فاستنسخوا بذلك أحداثها وتقمصوا أبطالها وجعلوها قدرهم المتجلي". وقد أسست هذه الفكرة الثوابت التاريخية التي رافقت كل تاريخ أميركا وهي: (1) المعنى الإسرائيلي لأميركا، (2) عقيدة الإختيار الإلهي والتفوق العِرقي والثقافي، (3) الدور الخلاصي للعالم، (4) قدرية التوسع اللانهائي و(5) حق التضحية بالآخر.

ــ وصل المستوطن الأوروبي الأبيض الى الشواطئ الأميركية مثقلاً بالأرث الإقطاعي الآوروبي الذي حمله معه والذي كان تعبيراً وتجسيداً للعلاقات الإجتماعية والطبقية (الإنتاجية) في التشكيلة الإقطاعية التي كانت سائدة آنذاك في اوروبا، وهو إرث صاغ صورة الأبيض عن ذاته وهويته الدينية والعرقية والطبقية، وأسس لنظرته الى الآخر غير الأبيض وغير المسيحي وغير الأوروبي. كل هذا كان قد إكتمل في ذهنية المستوطن الأبيض قبل وصوله الى الشواطء الأميركية. وسوف نعود الى هذه النقطة بمزيد من التفصيل.

ــ على الرغم من أن فوقية الأوروبي الأبيض كانت مُتخيلة وإتكأت على فرضيات غيبية مفرطة في العنصرية، إلا أن القوى الطبقية والإجتماعية والثقافية نجحت في فرضها عنوة على علاقات البيض مع الأعراق الأخرى عبر تاريخ دموي طويل من الإبادة الوحشية والعبودية والتمييز العنصري ، كما انها أستخدمت هذه الفوقية المزعومة في صياغة وتكوين التراتبية العِرقية وترسيخها في المستوطنة الأوروبية الناشئة.

ـ لجأ الأوروبيون البيض الى إستخدام وترسيخ الفوارق (والرموزية) الدينية بينهم وبين الآخرين، أي بين المسيحية الاوروبية والديانات الأخرى وفوقية الأولى على كافة الديانات الأخرى. وهذه الفوارق لم تكن جديدة ولم تكن نتاجاً لبيئة المستوطنة الأمركية الناشئة، بل ان الأوروبيين المسيحيين البيض حملوها معهم من بلدانهم الأصلية في أوروبا حيث كانت قائمة ومترسخة هناك لعهود طويلة.

ــ لم يكن للعِرق أن يقوم بهذه المهمة لوحده، بل ان تمفصل العِرق الأبيض مع المسيحية الأوروبية ــ (والذي ظلّ ظاهرة تاريخية وإجتماعية ملازمة للتاريخ الأميركي ودائمة الحضور فيه) ــ أثر بشكل فعلي على تشكيل التراتبية الإجتماعية والتأسيس للتمييز بين الناس وأنعدام المساواة بين الأفراد والجماعات والفئات.

ث) تمفصل بياض البشرة والمسيحية الأوروبية

على ضوء ما تقدم يمكننا ان نفهم كيف ولماذا إكتمل التمفصل في المجتمع الأميركي بين بياض البشرة من جهة، والمسيحية الأوروبية فتوثقت الرابطة بينهما عبر القرون الأخيرة بحيث أضحت صبغة تاريخية لذلك المجتمع. ويجب الاّ نغفل الإشارة الى أن أسباب هذا التمفصل وزخمه تعود الى هيمنة الأبيض على كافة جوانب الحياة في المستوطنة الأميركية حتى أن هيمنة الأبيض غَدَّت وكأنها الحالة الطبيعية والمعتادة.

من هنا تتأتى أهمية تفكيك الرابطة بين بياض البشرة من جهة والمسيحية البيضاء من جهة اخرى، كضرورة لفهم الأميركيين البيض ودأبهم الذي لا يكل عبر التاريخ الأميركي على إنشاء هويتهم العِرقية والقومية على قاعدة المُشترك الديني كعامل جامعٍ ومُوَحدٍ بينهم.

(4)
الدين وتحديات "الآخر غيرـ الأبيض"

البيض و"نقاء دمهم"

إخترع البيض الانجلو ـ ساكسونيون فرضية وكذبة نقاء دمهم وإستدخلوها فاعتقدوا أن عِرقهم يعلو على كافة الأعراق، ولذا يتوجب عليهم ان يتفوقوا على الأعراق الأخرى التي تحتك بهم: الأحمر والأسود وحتى الأبيض غير الانجلو ـ ساكسوني. كما ظنوا انهم بفضل "طاقتهم المتدفقة والمتفوقة وقوة شخصيتهم" التي أودعتهم إياها "الرعاية الربانية"، قادرون على إخضاع الآخرين وإبقائهم في مواقع "أدنى". أما إذا ما "تلوث" دمهم عن طرق والتزاوج والإختلاط بالأعراق الأخرى، فكيف يتسنى للبيض الأمركيين الحفاظ على هذه "الطاقة والقوة الحيوية والتاريخية للأنجلوـ ساكسونيين"؟

رجال الدين وفوقية الأبيض

لعب الاكليرك المسيحي في أميركا دوراً هاماً في ترسيخ وتأبيد فوقية الأبيض المسيحي الأوروبي وزرع بذور الفرقة بين الأعراق (خاصة العِرقين الأبيض والأسود) وتشجيع النزاعات العنصرية بينهما. وعلى الرغم من إقرارالاكليرك المسيحي بان الله قد خلق كل البشر من "دمٍ واحد"، الا انهم زعموا ان خليط الدماء المتنوعة في أميركا، الدم الأبيض والأسود والأحمر (المقصود هنا الهندي الاميركي) والأصفر (المهاجرون من الشعوب الآسيوية)، سوف يحتاج الى "قرون عديدة" كي يتحقق. هكذا إبتدع الاكليرك المسيحي هذه الفتوى لضمان الفصل بين العِرقين ومنع الإختلاط بينهما لأمد طويل.

في هذا الرُهاب من الآخر والآخرية شنّ رجال الدين البيض حملات مسعورة محذرين أبناء جلدتهم من المزج بين البيض والسود الذي يوّلد "المهجنين" mullato الذين تسود بينهم الملامح والصفات الفيزيائية الزنجية مما يؤدي بدوره الى "إمتصاص" السود للبيض، وحيث تسود القدرات العقلية المتدنية لهؤلاء المهجنين والتي لا ترقى الى قدرات البيض. وبالطبع، لم يتوانى الساسة ورجال الدين عن تسخير "الابحاث العلمية" العنصرية والملفقة لدعم فرضياتهم العنصرية حول دمج الاعراق.

أما بعض رجال الدين البيض فقد رفضوا على أسس ثيولوجية الفصل بين العرقين (الأبيض والأسود) لأن، البيض، حسب قولهم، اذا ما عزلوا أنفسهم عن الآخرين غير المسيحيين من الأعراق الأخرى، فانهم يكونوا قد تهربوا من "واجبهم المقدس" في حماية المسيحية والتبشير بها. فقبل تحرير العبيد، كان السود ضمن طوائفهم الدينية "يتمتعون" برعاية رجال الدين البيض. أما بعد الحرب الأهلية الأميركية وإلغاء العبودية في الولايات المتحدة، قد أخذ السود زمام امورهم بأيديهم وشرعوا في بناء كنائسهم وإدارتها بانفسهم. وبسبب "دونية الأسود" حتى بعد إعتناقه للمسيحية، إرتأى بعض الاكليرك البيض أن السود قد فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً لان "ديانتهم غيبية" و"اخلاقيتهم مخزية" وفق ما كتبه الأسقف دودلي Bishop Dudley أحد الاساقفة البيض في مقالة له نشرت عام 1885. ولم يتورع هذا الاسقف الأبيض عن تذكير أبناء رعيته بان البيض لا يستطيعون التهرب من التزامهم المقدس في إرشاد السود "وتوجيههم نحو السيد المسيح"، وأنه عليهم (أي البيض) ان يسعوا الى إقامة العلاقات الطبيعية والعادية مع السود تمهيداً لذلك "اليوم الذي سيأتي بالطبع بعد قرون" حين تنصهر كافة الأعراق، وعلى البيض ان يبذلوا جلّ جهدهم "لتوجيه" إخوتهم السود "نحو السيد المسيح".

(5)
نشأة أميركا ... ونشأة الرأسمالية

ليس المقصود هنا الغوص في تاريخ الرأسمالية بقدر ما نود ان نشير الى دلالة التزامن بين تأسيس المستوطنة الاوروبية البيضاء في أميركا من جهة، وبوادر نشأة الرأسمالية، كنظام إجتماعي ـ إقتصادي شامل، من جهة أخرى. كما يهمنا ان نناقش "الإرث" الذي حمله الأروبيون المسيحيون البيض معهم من أوروبا الإقطاعية الى المستوطنة الأميركية، من أجل قراءة جذور الفوقية الأوروبية وتجليس الدين ودوره في نشأة الكيان الإستيطاني الأميركي والتكون المبكر لوعي الأميركي الأبيض بذاته وبهويته.

أ) تزامن المركزانية الأوروبية مع نشأة النظام الرأسمالي

ليس مصادفة ان يكون عام 1492 قد شكّل اللحظة الفاصلة بين إكتشاف "العالم الجديد" وبداية عصر النهضة الاوروبية، حقبة إنتقال اوروبا من القرون الوسطى الى العصور الحديثة. و"إذا كان عصر النهضة الأوروبية يمثل قطعاً نوعياً في تاريخ البشرية، فان ذلك يعود تحديداً الى أن الأوروبيين أصبحوا منذ ذلك الحين واعين للفكرة التي تدّعي أن إخضاع العالم لحضارتهم هدف ممكن التحقيق" ، ومنذ أن تملكهم الاعتقاد المطلق بفوقيتهم وبانهم الوحيدون الجديرون بالسيطرة على الشعوب الاخرى حتى وإن لم يكن هذا الإخضاع قد حصل فعلاً، ومنذ أن إستحوذ عليهم الإدراك بانهم قادرون على مواجهة الشعوب والإمبراطويات الأخرى مهما إمتلكت هذه من القدرات العسكرية ووسائل الدفاع عن النفس لان الأوروبيين "سوف يتمكنوا في نهاية المطاف من تطوير إمكانيات وقدرات أكثر قوة وبطشاً مما سيضمن لهم النصر". منذ تلك الأونة وليس قبل ذلك العصر، وفق ما ذهب الية سمير أمين، أخذت المركزانية الأوروبية تتبلور.

كانت التشكيلة الإجتماعية الأخذة في التكوين في اوروبا في تلك الحقبة كما نفهمها اليوم هي النظام الرأسمالي مع أن الأشكال الجنينية للرأسمالية كانت قد تواجدت قبل ذلك لفترة طويلة في حوض البحر المتوسط. ويضيف سمير أمين ان الرأسمالية، كمرشح لقيادة النظام العالمي، لم تكمن موجودة الى أن إكتمل تكوّن الوعي بقدرتها على الهيمنة.

في هذا السياق التاريخي، النشأة المبكرة للتشكيلة الإجتماعية الرأسمالية، نجد جذور فوقية الأوروبيين البيض التي قامت على إعتقادهم بفوقية معتقداتهم الدينية ولون بشرتهم (أي الفوقية العِرقية للأبيض والفوقية الدينية للمسيحي)، وهي ظاهرة تاريخية وإجتماعية وعِرقية وثقافية ودينية لم تكتمل الاّ مع حلول القرن التاسع عشر حين أخذت تشكل بعداً ثقافياً وأيديولوجياً للنظام الرأسمالي المعاصر.

ب) العِرق والدين سبقا الرأسمالية في تكوين الفوقية الأوروبية

إرتبط مفهوم العِرق، على مدى عدة قرون من التاريخ الاوروبي، إرتباطاً وثيقاً بالهويات الدينية والفوراق الدينية التي صاغت أشكال التمييز بين الناس في المجتمعات الاوروبية وعلاقتها بالأعراق الأخرى. وهذه الرابطة بين العِرق والدين هي التي تفسر العلاقة بين العِرق الأبيض والمسيحية الغربية حتى ان الحدود الجغرافية "للعالم المسيحي" (الغربي) هي التي حددت ورسمت حدود "بياض البشرة" (اولئك من ذوي البشرة البيضاء). وكذلك كان الأمر مع التصورات والمفاهيم حول الوثنية والوثنيين التي ترسخت لدى البيض عبر زمن مديد وساهمت في تحديد الآخرية (الأعراق والأديان الأخرى) وأفكارها ومواقفها والفوراق العِرقية والدينية بين المسيحي الأبيص من جهة والآخرين المختلفين من جهة اخرى.

صحيح ان الأوروبيين ربما لم يكونوا يدركون في تلك الآونة (حقبة إكتشاف "العالم الجديد")، أو انهم كانوا قد شرعوا في بناء الرأسمالية، كما انهم لم يكونوا يعون أن أساس فوقيتهم الاوروبية وقدرتهم على التوسع يكمن في التنظيم الإجتماعي للمجتمع وفي نمط الإنتاج الرأسمالي كما نفهمه اليوم، إلا انهم، وضمن فهمهم لذاتهم المختلقة والمتفوقة آنذاك، عزوا فوقيتهم الى امور اخرى مثل "أوروبيتهم" و"بياض بشرتهم" وعِرقهم الأبيض وعقيدتهم "المسيحية". بعبارة أخرى، فانه على الرغم من عدم إدراك الأوروبيين لواقعهم في تلك الآونة، فان المركزانية الأوروبية كانت قد نشأت وتطورت، وفق ما يرى سمير أمين، فكان "ظهور البعد المركزاني الأوروبي في الأيديولوجية الحديثة سابقاً للأبعاد الأخرى التي حددت الرأسمالية".

ت) الإرث الإقطاعي الأوروبي

بالإضافة الى الفوقية الأوروبية (البيضاء والمسيحية)، ماذا حمل المستوطنون الأوروبين معهم الى أميركا؟

ــ الإستغلال: إستحضر المستوطنون الاوروبيون معهم الى الأميركيتين أشكال الإستغلال الطبقية والإجتماعية والعِرقية التي كانت قائمة بالأصل في النظام الإقطاعي في اوروبا قبل وصول هؤلاء المستوطنين الى أميركا الشمالية بعدة قرون. ففي أحشاء الإقطاعية الأوروبية قامت الإختلافات والفوارق والتمايزات بين الناس والأعراق والفئات والطبقات الإجتماعية، وإن تمظهرت باشكال التمييز الديني والعِرقي، على اساس الموقع الإجتماعي ـ الطبقي (الإقتصادي أي الموقع في عملية الإنتاج)، وتجسّدت هذه الفوارق في إنعدام المساواة الطبقية والإجتماعية وحتى التمايز في المظهر الخارجي والهندام الذي كان يعبر عن الموقع الطبقي.

بناءاً عليه، فان الفوارق الطبقية والعِرقية والدينية التي قامت في المستوطنة الأميركية الناشئة كانت إمتداداً للفوارق التي كانت قائمة في اوروبا في العهود السابقة، وعلى هذه الأرضية تأسست العلاقات الإجتماعية والعِرقية في أميركا والتي تطورت في سياقها الجديد لتنتج في حصيلتها حالة مستديمة من التمييز الطبقي والعنصري وإنعدام المساواة بين الناس والأعراق.

ــ النزوع نحو التوسع: مشترك بين الرأسمالية والمؤسسة الدينية؟

هل يجوز لنا ان نفترض أن النزوع الأميركي نحو التوسع والهيمنة على الكرة الأرضية ـ الذي صبغ الولايات المتحدة كمشروع إستيطاني منذ نشأتها ــ يعود في بعض جذوره التاريخية الى النزعة المتأصلة في المؤسسة الدينية (الكنيسة الكاثوليكية) في القرون الوسطى ؟

هذا ما سنحاول الإجابة عليه في الفقرة اللاحقة.

ت) الدين أداة للمشروع الإستيطاني الأميركي

منذ نشأتها كانت المستوطنة الاوروبية البيضاء في أميركا الشمالية مشروعاً كولونيالياً للتوسع الجغرافي وفتح ال"العالم الجديد" والوصول الى موارد وأسواق جديدة وأيدي عاملة رخيصة. وعلى مدى قرون خمسة تنامت أميركا لتصبح مشروعاً رأسمالياً في خدمة مصالح ومنافع الأغنياء ـ الطبقة البرجوازية الحاكمة وإحكام هيمنتها على مقدرات المجتمع والاقتصاد والدولة، ومن ثَمّ الإنطلاق مع نضوج الحقبة الإمبريالية في نهايات القرن التاسع عشر نحو أسواق العالم وصولاً الى حقبة عولمة رأس المال التي نعيشها اليوم.

وقد مرّ هذا المشروع بالعديد من التطورات الاقتصادية ـ الاجتماعية والسياسية، إلا أن الدين ظلّ، عبر هذه الحقبات التاريخية وفي خضم التغيرات الاجتماعية، متغلغلاً في النسيج الإجتماعي والطبقي والعِرقي والقومي في الولايات المتحدة ، وشكّل مكوناً أساسياً في الإنتماء الطبقي والاقتصادي والهوية العِرقية والقومية الأميركية على نحو تداخلت فيه هذه العوامل وتفاعلت من خلال علاقات الجدل والتأثير المتبادَل.

في هذا الإطار نستطيع أن نفهم كيف تكتسب هذه العناصر المكونة للهوية والإنتماء أهميتها لا من أجل فهم التطور التاريخي والإجتماعي لأميركا وحسب، بل في تفسير التغيرات العميقة التي حلّت بهذا المجتمع وما زالت، وفي إستشراف مستقبل أميركا وعلاقاتها مع العالم الخارجي.

(6)
الدين في مواكبة المشروع الإستيطاني في أميركا:
قراءة تاريخية

وظّف الغرب الراسمالي، عبر قرونه الخمسة الماضية منذ غزوه "للعالم الجديد"، الدين في تحقيق غاياته الاستعمارية وبسط هيمنته على العالم. في هذا السياق تم إستخدام الخطاب الديني ومؤسسته كآلية ايديولوجية في إبادة الآخر ومحو ثقافاته من ناحية، ومن الناحية الثانية بناء الهوية الأميركية ـ البيضاء ـ المسيحية كواحدة من ركائز الرأسمالية الأميركية وطبقتها الحاكمة وآليات عملها. وهنا لا نقصد بالطبع ان الدين كان الركيزة أو الآلية الوحيدة، بل رافقته آليات ووسائل أخرى ومتعددة.

هكذا إستثمر الغرب الرأسمالي الدين في:
أ) تبرير إبادة السكان الاصليين في تلك البلاد على ارضية انهم "غير مسيحيين" و"غير بيض؛
ب) تأبيد فوقية المسيحي الأبيض على الآخر؛
ت) تعميق الاختلافات والفوارق بين البيض وغيرهم من الجماعات الدينية والعِرقية والاثنية.

ووفق مصالح الطبقة المهيمنة وخدمة غاياتها المختلفة وأحياناً متناقضة، وعبر مراحل مختلفة من التاريخ الأميركي، تراوح دور الدين فأحياناً نراه مستخدماً وبفعالية من أجل توحيد الناس والجماعات، وأحياناً أخرى في زرع الفرقة بينهم.

□ ففي الحقبة الكولونيالية، على سبيل المثال، إستخدم الدين للتمييز بين الطوائف المختلفة من المستوطنين المسيحيين (من بيوريتانيين وكاثوليك ومعمدانيين وكويكرز وغيرهم)، كما تم توظيفه لاحقاً في تمييز المسيحيين (ككل جمعي أو جماعة او كتلة سكانية واحدة) عن السكان الاصلانيين غير المسيحيين "الهمجيين" أو السود الأفارقة "الوثنيين".
□ وفي الجنوب الأميركي كان العبيد السود المتنصرون "متحدين في المسيح" United in Christ مع الأسياد البيض، إلا انه بسبب التمييز والفصل العنصري، كان كل منهم يقيم طقوسه وشعائره الدينية على نحو مختلف وفي كنائس مختلفة ومنفصلة.

تبسيطاً للبحث سوف نقسم هذا الجزء من دراستنا، من حيث الدور الذي لعبه الدين، الى ثلاث حقبات تاريخية:
أ ـ نشأة المستوطنة الأميركية: سيادة الفوقية الأوروبية
ب ـ مرحلة القطيعة مع بريطانيا: بوادر الفوقية الأميركية
ت ـ مرحلة الحسم: تبلور الهوية الأميركية. وسوف نأخذ هذه الحقبة بشيء من التفصيل لما لها من أهمية وتأثيرات بالغة ومستديمة ما زالت ماثلة حتى يومنا هذا.

مرحلة نشأة المستوطنة الأميركية

□ قامت أميركا كمستوطنة اوروبية بيضاء على سواعد مستوطنين رأوا أنفسهم وكأنهم أبناء شعب الله المختار وأصحاب الحق الإلهي في تحقيق النبوءات التوراتية في أرض الميعاد: أميركا. وهكذا أضحى الدين المسيحي وخطابه منذ نشأة هذه المستوطنة عنصراً اساسياً في تمييز المستوطن الأبيض عن السكان الهنود الاصليين ولعب دوراً رئيسياً ومزدوجاً في بناء هوية الأميركي الأبيض وتحديد الآخر والآخرية. فعلى سبيل المثال، يشير مؤرخو الحقبة الكولونيالية في التاريخ الأميركي (انظر الملحق). الى أن المستوطنين المسيحيين البيض في المستعمرات الاولى التي تأسست خلال القرن السابع عشر (مثل فيرجينا وماساتشوستس)، كانوا يرون ان "مهمتهم الوطنية والملحة" تتمثل في تحويل "السكّان الكفرة" (الهنود الاصلانيين) من عبادة الشيطان الى خدمة الله. إذ أن المستوطنون الأوائل إعتبروا انفسهم "بشراً وقديسين في آن واحد"، أما الهنود الأصلانيون فلم تكن لهم آية هوية محددة او مستقلة، بل كانوا، من منظور المستوطنين البيض، مجرد "أدوات" لرب الرجل الابيض.
□ على النقيض من هذا الدور (أي دور الدين في تمييز المستوطن المسيحي الأبيض عن السكان الهنود الاصليين وفي ترسيخ "فوقيتة" على "غير المسيحي" و "غير الأبيض")، لعب الدين دوراً معاكساً تماماً بين الأمريكيين ـ البيض ـ المسيحيين حيث سعى الى توحيدهم في مواجهة الأعراق الأخرى. فعلى الرغم من إنتماء الأمريكيين ـ البيض ـ المسيحيين الى طوائف مسيحية مختلفة (من بيوريتانيين ومعمدانيين وكويكرز وغيرهم)، فان هذا التنوع لم يحل دون شعور أوائل المستوطنين الاوروبيين بالهوية المشتركة وبأنهم يتسمون بهوية عرقية ودينية واحدة، لأن هذا المشترك يتغَلَب، حسب ظنهم، على الفوارق والاختلافات التي كانت قائمة بينهم آنذاك.

□ بهذا المعنى، شكّل الدين مكوناً حاسماً في "فوقية" المسيحي الأبيض على "غير المسيحي" و"غير الأبيض"، وهي مفاهيم خيمت على المجتمع الأميركي منذ نشأته.

مرحلة الإنفصال عن بريطانيا

مع إحتدام النزاعات السياسية والاقتصادية والطبقية بين المستعمرات الأميركىة من جهة، وبريطانيا العظمى من جهة أخرى خلال القرن الثامن عشر، وتصاعد التوترات وتناقض المصالح بينها، إتخذت الهوية العِرقية للأميركي الأبيض منعطفاَ هاماً ومظهراً جديداً. إذ أن الأميركيين البيض إفترضوا انهم ورثوا أحقية "العِرق الالهي" وأنهم متميزيون عن الانجليزي "القديم والفاسد" بل أكثر تقدماً منه. هكذا شهد انفصال اميركا عن بريطانيا بعداً دينياً وعِرقياً تمثل في ولادة عِرق ابيض ومسيحي "جديد" إن جاز القول: عِرق يشكّل الوريث الذي يحل محل بريطانيا في رفع شأن "الرسالة النبيلة ونشر القيم الانسانية السامية".

ظلت هذه المعتقدات سائدة الى حين إعلان الاستقلال عن بريطانيا (1776) مما أدى الى ترسخ نظرة الأميركيين البيض الى انفسهم كمجاعة سكانية متجانسة عرقياً من "المسيحيين الانجلو ـ ساكسون". أما الأعراق الأخرى غير البيضاء فقد كان حضورها وأثرها الاجتماعي والسياسي ضعيفين ولم يشكلان في تلك الآونة تهديداً للهوية المسيحية البيضاء.

(7)
القرن التاسع عشر: زمن الحسم

أشرنا أعلاه الى جذور مفاهيم الأميركي حول العِرق والدين وتداخلهما في تأسيس الهوية الأميركية وترسيخ الفوراق بين الأعراق والأديان: الأبيض المسيحي والآخرين غير البيض وغير المسيحيين، وأن هذه الجذور تعود الى المراحل المبكرة من نشأة أميركا. إلاّ أن تبلور هذه المفاهيم لم يكتمل بوضوح حتى أواخر القرن الثامن عشر، حتى إذا ما حلّ النصف الثاني من القرن التاسع عشر رأينا ان هذه المفاهيم قد إتخذت أشكالها الإجتماعية وتجلت في إصطفافات إجتماعية وطبقية وعِرقية وأصبحت الشكل السائد للهوية الإجتماعية وتراتبية الفئات والطبقات في المجتمع الأميركي.

التغيرات العاصفة وتبلور المفاهيم

مع حلول الحرب الأهلية الاميركية (1849 ـ 1865)، كانت نظرة الأميركيين البيض الى أنفسهم قد إكتملت وتطابقت مع إدعاءات "الأفضلية الإلهية" أي أيثار الله للرجل الأبيض وأحقيته في السلطة وإحتكاره للهيمنة السياسية، وأضحوا يرون أنفسهم، بدون مسائلة أو عناء كبير، على أنهم "شعب الله المختار"، أما سكان البلاد الاصلانيون او السود الأفارقة فلم يكن لهم، اي دور أو حق في الحياة السياسية ولم يشكلوا عاملاً في البنية الاجتماعية، إذ أنهم لم يكونوا "جديرين" بذلك.

إلاّ ان نهاية هذه الحرب والعقود التي عقبتها جلبت تغيرات عميقة شملت تحولات إجتماعية وديمغرافية وطبقية شكلت تحدياً لمفاهيم الأميركي الأبيض حول الدين والعِرق ورؤيته لذاته وجوهر هويته. ويمكننا ان نوجز أهم هذه التغيرات فيما يلي:

أ) حصول الهنود الاصلانيين على حقهم في الحركة والتنقل خارج منعزلاتهم.
ب) إحتلال ما يقارب من 52% من أراضي المكسيك في الحرب المكسيكية ـ الأميركية (1846 ـ 1848) وضم هذه الأراضي وسكانها الى الولايات المتحدة. صحيح ان المكسيكيين كانوا مسيحيي الإيمان والمعتقد، إلا انهم تميزوا ـ على خلاف السود الأفارقة والمهاجرين الأورببين والآسيويين ـ بانهم عانوا من احتلال اراضيهم وتدمير بنى مجتمعهم، لذلك قامت علاقتهم بالأميركي الأبيض على أنه محتل ومستعمِر أجنبي، هذا بالطبع بالإضافة الى أشكال الاضطهاد والتمييز الإستغلال التي عانت منها بقية الأعراق والأقليات غير البيضاء. هنا إذن، في الإحتلال الأميركي لأراضي المكسيك يكمن جوهر التناقض حيث أصبح المكسيكي، صاحب الأرض، بعد عام 1848 دخيلاَ في وطنه.
ت) تحرير العبيد ومحو العبودية وتحريمها في الولايات المتحدة ومنح السود حق الإنتخاب اسوة بالبيض.
ث) شعور فقراء البيض بالإستغلال والإضطهاد الطبقي والإجتماعي الذي عانوا منه اسوة بغيرهم من العمال المهاجرين ومن أعراق وإثنيات اخرى، فاخذوا يستجيبون لدعوات التجمع والتضامن العمالي والنضال المشترك مع جموع البروليتاريا الفقيرة والمعدمة مما أدى الى إحتدام الصراع الطبقي في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر بين البرجوازية الأميركية من جهة، والطبقات العمالية المعدمة البيضاء وغير البيضاء (من مختلف الأعراق والإثنيات والعمال المهاجرين).
ج) وصول مئات الآلاف من المهاجرين الأوربيين المسيحيين البيض (خاصة من الأنكليز الألمان) خلال العقود السابقة من القرن التاسع عشر (1820 ـ 1880)؛
ح) تلت ذلك الموجة الكبيرة الثانية من المهاجرين الوافدين الى اميركا خلال العقدين الأخيرين من القرن التاسع والتي شملت مهاجري اوروبا الجنوبية والشرقية واليهود القادمين من بلدان اوروبا الشرقية إضافة الى المهاجرين غير الأوروبيين وغير البيض وغير المسيحيين والعمال الآسيويين من الصين واليابان.

شكّلت هذه التطورات علامات فارقة في تطور المجتمع الأميركي لأنها هزّت ركائز الهمينة البيضاء وتحدت نظرة الاميركيين البيض لانفسهم وتكوين هويتهم. فبالإضافة الى ما مثله الاميركيون الأصلانيون (الهنود) والسود تاريخياً من تحدٍ إزلي للأميركيين البيض وفوقيتهم بل وإنسانيتهم، جاء إلغاء العبودية ، وتدفق ملايين الجماهير الغفيرة من المكسيكيين (في الأراضي المحتلة عام 1848) والمهاجرين الجدد ("الغرباء" aliens) القادمين من شتى أنحاء العالم ليشكّل تحديات إضافية للأميركيين البيض على الأصعدة العِرقية والدينية والإجتماعية والإثنية والطبقية. وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة يقوم هؤلاء "الآخرون" بتحدي الهيمنة الطبقية والعِرقية والدينية/الثقافية للمسيحيين البيض الأنجلو ـ ساكسونيين.

الأميركي الأبيض امام المرآة

شكلت هذه التطورات العميقة تحديات كبيرة للأميركي الأبيض وأذنت بتغييرات دقت ناقوس الخطر مما فرض عليه التعامل معها ببراغماتية ومرونة وديناميكية على الرغم مما إحتشد في وعيه من الفرضيات والإدعاءات الدينية التي كانت تنضح بالغيبية والإستعلائية على الأديان والأعراق الأخرى. في مواجهة هذه التحديات الجسيمة لمفاهيم الهوية والإنتماء عند الأميركين البيض، لم يتبقى أمامهم سوى حسم أمرهم.

أ) ترسيخ فوقية المسيحي الأبيض

أدرك الأميركيون البيض، بعد أن هدأت جبهات الحرب الاهلية الأميركية، انه لزام عليهم ان يميزوا انفسهم عن "اللابيض" (غير البيض)، منطلقين من الفرضية بان غير البيض ليسوا مسيحيين. وعليه يمكننا القول بان الاطروحات التي سادت تلك الحقبة الفيكتورية من تاريخ أميركا وهيمنت على خطابها والتي جسدت نظرة الأميركيين البيض الى ذاتهم وهويتهم والآخر، هذه الاطروحات تمحورت حول فكرتين مركزتين جمعتا بين فوقية الأبيض ورسالة التبشير بالمسيحية:

◘ إن الأميركيين البيض المسيحيين يتطورون، عرقياً ودينياً، على قدر ومستوى يفوق الآخرين، وأنهم لا يتوانون عن جمع طاقاتهم وبذل جهودهم ومتابعة مسيرتهم نحو الإزدهار والتقدم، في حين تتراخى الأعراق الأخرى ويصيبها الركود والخمول.

◘ وبناءاُ عليه، إفترض الأميركيون البيض أن دربهم في الخلاص يكون من خلال تنصير غير ـ المسيحيين لانه عبر "التناغم بين الانسان وربه، يصبح الناس من كافة الأعراق اميركيين بيض اصليين"، أي أن الأعراق والجنسيات غير البيضاء المسيحية إذا ما إعتنقت المسيحية، فانه يصبح بمقدورها أن تنصهر في "الحضارة الانجلو ـ ساكسونية".

على هذه المفاهيم أرسى الأميركيون البيض أسس مشروعهم وإنطلقوا بالعمل على تحقيقه باسم "ربهم" وبإيعاز من وحي "مشيئتة" وإنصياعاً لاراداته.

ب) المسيحي مقابل غير المسيحي

قسَّم الأميركيون البيض مجتمعهم، إذن، على أساس الدين الى مجموعتين ديمغرافيتين ـ دينيتين متميزيتين: المسيحيين وغير المسيحيين. وقد لاقى هذا التقسيم التقبل والترحيب في ذهنية البيض وأضفى المزيد من الزخم على مشروعهم "الرباني" إذ منحهم دوراً هاماً في رسم العلاقات بين هاتين المجموعتين وأوكل اليهم "المهمة الملحة" المتمثلة في دمج الأعراق الغريبة (الأجنبية) في بوتقة الكيان الأميركي. وربما نستطيع ان نتلمس في هذه الفترة المفصلية جذور الفكر الانجيلي evangelism الذي يدعو الى حملات التبشير بالمسيحية التي لازمت التاريخ الأميركي منذ ذلك الحين وسُخرت في خدمة سياسات ومخططات الرأسمالية والإمبريالية الأميركية

ت) الحفاظ على الذات: تكاتف المسيحيين البيض

في مواجهة هذه التحديات ومن أجل الحفاظ على فوقيتهم الأوروبية البيضاء (العرق السيد Master Race)، لجأ الأميركيون المسيحيون البيض الى مشروع مزدوج الهدف مستخدمين الدين كأرضية "للمشترك" الجامع بين الأعراق وذلك من أجل:

(1) الحفاظ على وحدتهم الدينية والعِرقية وهيمنة فوقيتهم الأوروبية البيضاء، مما إستدعى التكاتف فيما بينهم على أرضية الدين المسيحي كأساس مشترك وجامع في محاولتهم لتنظيم انفسهم إزاء الجماعات غير المسيحية وغير البيضاء التي أخذ حضورها وتعدادها يزداد آنذاك على نحو إضطرادي؛

(2) وإجتذاب غير البيض الى إعتناق المسيحية، إذ إعتقد كثيرون من الأميركيين البيض ان الدين يجب ان يكون أيضاً المفهوم المشترك والجامع بينهم وبين الآخرين من الأعراق والأجناس التي تعيش على التراب الأميركي. فالمسيحية، وفق عقيدتهم، قادرة بشموليتها على تجاوز الحدود الجغرافية والإثنية والأوطان الأصلية التي قدم منها هؤلاء المهاجرون.

ث) الحل: تنصير غير المسيحيين

كان إعتناق المسيحية هو الطريق "المنطقي والوحيد" الى تكاثر المسيحيين عبر تنصير الجماهير الفقيرة والمعدَمة من "الغرباء" المهاجرين القادمين من أرجاء المعمورة الى بلاد "الحليب والعسل" Land of milk and honey. ومع أن هذه المعتقدات والفرضيات كانت قد تنامت منذ سنوات الحرب بين بريطانيا والولايات المتحدة في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات التاسع عشر، إلا أنها إزدادت ترسخاً بتوافقها مع الإغراض السياسية الإجتماعية والطبقية لتحالف الرأسمالية الحاكمة مع المؤسسة الدينية.

التحديات وتبلور الخطاب الديني

كيف إستخدم الأميركيون البيض الدين في صياغة وتطوير هويتهم العرقية في خضم تلك الأحداث والتغيرات الكبيرة التي إجتاحت القرن التاسع عشر؟

كان من الطبيعي أن تستدعي مهمة كهذه التأسيس لخطاب ديني، وهو ما أدرك الأميركيون البيض انهم بحاجة اليه: خطاب قادر على أدلجة سياساتهم وخدمة غاياتهم وتبرير أفعالهم ومقولاتهم يقوم على الركائز التالية:

(1) تعزيز الفوقية الأوروبية وهيمنتها موظفاً الدين وإدعاءاته، بغية ترسيخ نظرة الأميركيين البيض المسيحيين الى انفسهم ك"عِرق" مستقل ومن أجل بناء هوية أميركية على هذا الأساس. هذا من ناحية.
(2) ومن الناحية الثانية، كان المطلوب من هذا الخطاب أن يسعى الى ترسيخ وتبرير الفوارق المزعومة بين الأميركيين البيض المسيحيين وغيرهم من الأعراق والأجناس والأديان؛
(3) وتتويجاً لهذه المساعي، يجب على هذا الخطاب أن يدعو الى التبشير بالمسيحية بغية تنصير غير ـ المسيحيين وجلبهم الى حظيرة المسيحية.

في حبائل هذا "المنطق" المشوه، وإن لم يفتقر الى الخبث، زعم مسيحيو أمريكا البيض: أنه إذا كان إله البيض (إله العِرق الأبيض) هو ذاته رب الشعوب كلها، بما فيها تلك التي لم تكن تدرك ذلك، واذا كان هذا الإله قادراً على كل شيء وعلى تقديم الحلول لكافة المشاكل، فلا بد إذن من العمل على نشر المسيحية بين كافة المهاجرين القادمين الى أميركا بما فيهم غير البيض.

من الواضح ان هذا الخطاب أبقى على فوقية وهيمنة المسيحيين البيض وبعث فيهم الأمل في توسيع "قاعدتهم الديمغرافية" بضم "الآخرين" من جموع السود وفقراء البيض والهنود الاميركيين والمهاجرين من شتى أنحاء العالم الى المسيحية والحظيرة الأنجلو ـ ساكسونية. وفي بحثهم المحموم عن "الرسالة الربانية"، جسّدت هذه الفكرة، من منظور الأميركيين البيض، مشروعاً "سماوياً" شكل بلا ريب قوة دافعة وعاملاً جامعاً وموحداً لهم. أما رجال الدين والمؤسسة الدينية (كنائس وجمعيات ومنظمات مسيحية... وغيرها)، فقد ساندوا هذا المشروع التبشيري وقاموا بتنظيم حملات التنصير والتي لم تتوقف منذ ذلك الحين ولم تقتصر على أميركا ومَن حطَّ رحاله فيها من مهاجرين جدد فحسب، بل غزت لاحقاً كافة بقاع العالم وما فتأت مستمرة حتى يومنا هذا.

تلاقي المصالح في خطاب غيبي وعنصري

عبّر هذا الخطاب عن تلاقي المصالح بين الفوقية البيضاء من جهة، والتبشير بالمسيحية من جهة اخرى، ونجح في تعليب مقولاته ك"رسالة عظيمة" شكلت لدى الأميركيين البيض قوة دافعة في سعيهم نحو ضالتهم المنشودة. إلا ان ما يهمنا الإشارة اليه هو أن هذا الخطاب بقي تحت مظلة الهيمنة الطبقية الرأسمالية وفي خدمة أهدافها.

بالرغم من أن الأميركي المسيحي الأبيض وقع في خطابه هذه فريسة أوهام مُختلقة، إلا ان هذا لا يقلل من تداعيات هذا الخطاب وآثاره بعيدة المدى على الهوية الأميركية. وسوف أسوق فيما يلي وهيمن رئيسيين أعتقد أنهما ما زالا حاضرَيْن في المشهد الأميركي وهامان في فهم علاقة أميركا بالعالم:

1) الأول، قناعة الأميركيين البيض التي لا يشوبها الشك بإن الله قد منحهم هوية جامعة وتاريخاً مشتركاً ورسالة سامية في رسم معالم المستقبل، مستقبلهم ومستقل العالم باسره،One Nation under God. ولعل أهمية وراهنية هذا المعتقد تكمن في انه يشكل الأساس لإدعاء اميركا البيضاء بانها "البطل الحامي" للمسيحية و"المدافع" عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحضارة في العالم.

2) والثاني، أن الأميركيين البيض مقتنعون بانهم "يعرفون" الآخر (الأعراق والأديان الأخرى) ويفهمون هويته وتاريخه ومستقبله. وقد غمرتهم نشوة تلك "المعرفة" وحدت بهم الرغبة في إخضاع الآخرين ونهب مواردهم وتكوين الأعراق على "صورتهم ومثالهم". وفي مسعاهم هذا، إفترض الأميركيون البيض أنهم يمتلكون القوة والقدرة على تحقيقه، كما إفترضوا، وفق رؤيتهم هذه، أن مصير الشعوب والأعراق "لا بد وان يتتبع خطى الانجلو ـ ساكسونيين".

هكذا تأسس خطاب لا يمكن أن يكون إلاّ خطاباً موغلاً في غيبيته وعنصريته وشوفينيته، وقد توفر له العديد من الأليات الأيديولوجية والبروباغندية وأثرته الكثير من الأعمال والنصوص الأدبية والفنية (مقالات وتقارير صحفية وكتب وروايات وقصص ووعظات دينية وكتابات ثيولوجية وغيرها) إرتكزت في مجملها على أفكار وعناصر ومكونات خطابية عديدة بهدف تعزيز مفاهيم غيبية نورد فيما يلي عينية منها:
ـ تفوق العِرق الانجلو ـ ساكسوني على غيره من الأعراق.
ـ تفوق المسيحي على غير المسيحي.
ـ تفوق المسيحي الابيض على المسيحيين الآخرين من الأعراق غير البيضاء.
ـ "المستقبل الباهر والمصير العظيم" للعرق الانجلو ـ ساكسوني في اميركا.
ـ دور المسيحية ورسالتها في رسم مصائر المجتمعات في اميركا وفي العالم باسره.
ـ الاخطار الناجمة عن عدم إندماج المهاجرين في البوتقة الأميركية.
ـ التهديد الذي تمثله راديكالية الطبقة العاملة وخاصة العمال الملونين (غير البيض).

نختم هذا الجزء بالقول بان نهاية القرن التاسع عشر شهدت تفاقم التباينات والتناقضات، سواء داخل العِرق الأبيض الواحد أو بين البيض من جهة والأعراق غير البيضاء من جهة أخرى. إلاّ أن هذه التناقضات، وهو ما لا يجب ان يغيب عن بالنا، لم تحل دون تحقيق بعض "الإنجازات" للبيض الأميركيين ودون شعورهم بالقدرة الدائمة على إجتياز المصاعب والبقاء في موقع المنتصر:
● تمكن الأميركيون البيض خلال هذا القرن من توحيد خطابهم العرقي والديني الذي رسم صورتهم عن انفسهم وهويتهم من خلال طروحاته ونصوصه وكتاباته الدينية والعِرقية، وفي المقابل أن يصيغوا خطاباً عنصرياً "تمييزياً" يفصل بينهم وبين الأديان والأعراق الأخرى.
● إستطاعوا ان يحافظوا على طرح أنفسهم كعِرق متميز "ومتفوق" وكنتاج لمجتمع اميركي أبيض بفضل ما حظوا به من سطوة سياسية واقتصادية إضافة الى تغلغل خطابهم العنصري في كافة جوانب الحياة الاسرية والاجتماعية.
● كما كان من حصيلة هذه التحولات والتطورات أن ترسخ إعتقاد البيض الاميركيين "بالمهمة العظيمة" والرسالة السامية المنوطة بهم: التبشير ب"أنجلة" أميركا Evangelization of America، أي تعميم الدعوة المسيحية بين المهاجرين الجدد ودمجهم في الكنائس والتنظيمات والانشطة التبشيرية المسيحية، وهو ظاهرة ما زالت حاضرة بفوة في المجتمع الأميركي اليوم.

(8)
جدلية العِرق والدين في تكوين الذهنية الفوقية الأميركية

تبلور مفهوم العِرق في أميركا، كما أشرنا في أكثر من مكان، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إلا انه أصبح، خلال القرن التاسع عشر، طاغياً على مفاهيم الهوية والإنتماء بين الأميركيين بفضل مكانتة الايديولوجية في الثقافة السائدة، الى درجة أن أغلبية الأميركين كانت تعتقد بان موقعها العِرقي (كما تحدده الملامح البيولوجية) هو العامل الرئيسي في صياغة هويتها.

ولكن على الرغم من أن وقائع التاريخ تؤكد على سطوة العِرق، إلا ان هذا يثير إشكاليتين هامتين نرى انهما جديرتان بالمناقشة:

(1) الأولى: هل كان العِرق هو الذي حسم أمر الهوية الأميركية أم هي الهيمنة العِرقية وتمفصلاتها الطبقية مع الهيمنة البيضاء؟
والفرق بين الإثنين واضح إذ أن العِرق يقوم على فوارق بيولوجية معينة، في حين ان الهيمنة العِرقية متجذرة في الظروف المادية للمجتمع والإقتصاد والطبقة والسلطة ومن هذه كلها تستمد مصادر قوتها تأثيرها وإستدامتها. ومن هنا نرى ان الهيمنة العِرقية والعنصرية المأسسة تتجسدان موضوعياً وفعلياً في الممارسات العنصرية والتمييزية في مختلف جوانب الحياة والسياسة والمجتمع.

(2) أما الثانية فهي: هل كان العِرق مكوناً مستقلاً في تكوين الهوية الأميركية، وهل لعب دوره بمعزل عن الدين (المسيحية الأوروبية) ومؤثراته؟

الواقع أن هيمنة العِرق لم تقم لأن العِرق أزاح العوامل او المكونات الاخرى للهوية وحلّ محلها أو لانه محى آثارها. فالعِرق على سبيل المثال لم يلغي الدين في أميركا (كمجتمع مُعَرقن )، بل ان الخطاب العِرقي في ذلك البلد قام على دمج الفوارق البيولوجية بين الأعراق المختلفة من جهة، مع الدين والإثنية والطبقة واللغة والنظم القيمية وغيرها من جهة اخرى، ومنح هذه دلالات ومعانٍ وقيم مُعَرقنة وضمّنها في نُظُم تراتبية للطبقات والفئات الإجتماعية. إضافة الى أن هذه الفوارق لم تكن جديدة بل كانت قائمة سابقاً بين الناس، أما الخطاب فقد قام العِرقي بترسيخها وإعلاء أهميتها وموقعها في الهوية الانسانية.

لسنا إذن في معرض التقليل من أهمية العِرق في أميركا، ولا التنكر لسطوته على الفوارق وبالأخص الطبقية والإقتصادية والإجتماعية، إلاّ ان العِرق لم يحل مكان الفوارق والعوامل الآخرى ولم يمحو آثارها كما رأينا في حالة الدين، بل تحالف معه في ترسيخ هيمنة الأبيض وحماية المصالح الطبقية لأغنياء أميركا الرأسماليين. فالحقيقة ان الحضور الدائم لهذه الفوارق (التي كانت قائمة سابقاً) في الخطاب العِرقي وإندماجها معه، كان وما زال عنصراً اساسياً وجوهرياً في تثبيت موقع العِرق ك"كعامل رئيسي في تحديد الهوية الانسانية" في أميركا.

(9)
إستنتاجات

قام الكيان الإستيطاني الأوروبي الأبيض في أميركا الشمالية على إحتلال تلك البلاد الشاسعة والغنية وإستيطانها بالقوة وإبادة الملايين من السكان الأصلانيين إبادة جسدية وثقافية. وعلى أنقاض ديانات وثقافات السكان الأصلانيين فُرضت ديانة المستوطنين الأوروبيين ــ المسيحية الغربية ــ عنوة على الكيان الناشىء وأخذت منذ تلك الآونة تشكل بذور وعي الأميركي وهويته. وبالاضافة الى فرض المسيحية الأوروبية عنوة، أحضر المحتلون الأوروبيون البيض القادمين من مجتمعات اوروبا الإقطاعية الفوقية الأوروبية في أبعادها العِرقية والدينية والثقافية وأشكال العنصرية والتراتبية الطبقية والإجتماعية والإقتصادية التي كانت سائدة في تلك المجتمعات.

تشير قراءة التطور الإجتماعي والتاريخي لأميركا الى ان الدين (المؤسسة والخطاب والمفاهيم الدينية والإدعاءات التوراتية) قد لعب دوراً مركزياً في تكوين الهوية الأميركية بابعادها العِرقية والدينية والثقافية والقومية والتي تقوم أساساً على ترسيخ الفوقية المسيحية البيضاء ودونية الآخر.

مع حلول النصف الثاني من القرن التاسع العشر وفي سياق التغيرات الديمغرافية والطبقية والإجتماعية ومواجهة التحديات الجسيمة بلور الأميركيون البيض هويتهم عِرقياً ودينياً وقوميا. ولم تكن مصادفة أن تتزامن هذه التطورات مع التطور الإقتصادي والتقدم الصناعي والتكنولوجي الذي أحرزته أميركا في إطار نمط الإنتاج الرأسمالي، ومع ظهور بوادر النزوع نحو التوسع الإمبريالي الذي شهد أولى صداماته العسكرية في الحرب مع إسبانيا (الحرب الإسبانية ــ الأميركية عام 1898)، وهو ما فتح على مرحلة الإمبريالية الأميركية المستمرة حتى يومنا.

عبر مختلف حقبات التاريخ الأميركي تم إستخدام الدين كأداة أيديولوجية في بناء الهوية الأميركية عِرقياً وإجتماعياً وقومياً، وفي تحقيق أغراض ومصالح سياسية وأيديولوجية أخرى: تعزيز سيطرة الطبقة الرأسمالية الحاكمة على مقاليد الحكم وحماية مصالحها الطبقية والإجتماعية والإقتصادية وترسيخ النظام الرأسمالي وعولمة أجندة الإمبريالية الأميركية على النحو الذي نشهده اليوم. ومن هذا المنظور، فان قراءة دور الدين وخطابه في تشكيل الهوية والحياة الأميركية بشكل عام، تعيننا على فهم الخطاب الديني وضورة نقده وهو ما يستدعي إزالة عدة طبقات من المزاعم والإدعاءات الكاذبة:
ــ إزالة الغلاف العلماني عن أميركا، سياسياً وإجتماعياً وثقافياً؛ وتفكيك الترابط الوثيق بين الخطاب الديني من جهة، والخطاب الاجتماعي والسياسي والثقافي السائد من جهة أخرى؛
ــ تعرية تلفيقات الدعاية والبروباغندا الأميركية التي ملأت الدنيا وألبست أميركا لبوس العلمانية والديمقراطية والحضارة والحداثة؛
ــ كشف تأثيرات هذه الإدعاءات وتفنيد الأكاذيب حول الصورة التي رسمتها أميركا لنفسها لدى شعبها والعالم باسره.
* * *
لقد حاولت في هذه الدراسة تفكيك دور الدين في تكوين الهوية الأميركية وتجليسه ضمن البنية الإجتماعية ـ الطبقية والأيديولوجية للرأسمالية الأميركية، وذلك من خلال قراءة الأوضاع الإجتماعية والتاريخية في الولايات المتحدة بهدف إظهار تقاطع الدين وترابطه مع الهوية الأميركية. ولا يساورني الشك، إذ أقدم هذه المساهمة المتواضعة، بان هناك العديد من الجوانب المتصلة بهذا البحث التي لم يتسع لي المجال لمعالجتها، كما أنني متيقن من ان هناك اكثر من نهج للإقتراب من موضوع الدين والخطاب الديني كأحد مكونات الهوية وكعامل إجتماعي سواء في الحالة الأميركية او غيرها. وقد يخالفني كثيرون في الرأي ونهج التحليل، إلا انه يحدوني الأمل بان تكون هذه الدراسة حافزاً على المزيد من الحوار والمشاركة.

اختتم بالقول أن هذا البحث يكون قد أخفق في مهمته والوصول الى غايته المنشودة وإكتمال معانيه، إلا إذا تأسس على الإدراك الواعي بان أميركا اليوم هي مشروع رأسمالي وإمبريالي، وهكذا كانت منذ نشأتها ككيان إحتلالي إبادي إستيطاني أوروبي أبيض حمل معه بذور نموه وتطوه الرأسمالي وإنفلاته المتوحش نحو التوسع والهيمنة الإمبريالية على العالم باسره.

ملحق
أهم مراحل التاريخ الأميركي

ــ الفترة الكولونياية: بدأت مع وصول المستوطنين الاوروبين البيض الى اميركا الشمالية وإمتدت الى حين إعلانهم استقلال المستعمرات الثلاث عشر والإنفصال عن بريطانيا عام 1776.
ــ تشير حقبة "إعادة البناء" في التاريخ الاميركي Reconstruction Era بشكل عام الى مرحلة إعادة بناء الدولة التي تلت الحرب الاهلية الاميركية وتمتد بين عامي 1865 و1877.
ــ الحقبة الفكتورية: سُميت بالفكتورية من تاريخ اميركا وبريطانيا نسبة الى ملكة بريطانيا فيكتوريا 1819 ـ 1901 وقد إمتدت هذه الحقبة بين عامي 1837 و 1901 وإتسمت بالعديد من التطورات الاجتماعية والدينية والفلسفية ليس أقلها تأثيراً ظهور الشيوعية والمادية والداروينية وغيرها من المدارس الفكرية والفلسفية الناقدة للفكر الديني المسيحي المهيمن آنذاك.

بعض المراجع الهامة:

1) Rodolfo Acuna, Occupied America: The Chicano’s Struggle Toward Liberation, Canfiled Press, San Gransisco, USA, 1972.

2) Samir Amin, Eurocentrism, Monthly Review Press, New York, 1989.

3) Talal Asad, Chapter 8: The Construction of religion as an Anthropological Category (pp. 114-132). In the book: Michael Lambek, edit.: "A Reader in the Anthropology of Religion", USA and UK, 2003.

4) Henry Goldschmidt and Elizabeth McAlister, ed. Race, Nation and Religion in the Americas, Oxford University Press, Oxford – New York, 2004.

5) Michael Omi and Howard Winant, Racial formation in the United States: From the 1960s to the 1990s, Psychology Press, USA 1994.

5) منير العكش، أميركا والإبادات الثقافية، رياض الريس للنشر، بيروت ـ لبنان، 2009.

6) منير العكش، تلمود العم سام: الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا، رياض الريس للنشر، بيروت ـ لبنان، 2004.

7) مسعد عربيد، دراسات للكاتب ذات صلة:
(نشرت في فصلية "كنعان" التي تصدر في فلسطين المحتلة وفي بعض المواقع الألكترونية)
ــ العُنْصرية في اميركا: جدلية بَياض البَشْرة والعِرق والطبقة

ــ الفاتيكان في خدمة رأس المال: البابا بندكت السادس عشر نموذجاً

ــ التوظيف السياسي للدين: الولايات المتحدة نموذجاً

ــ الديمقراطية الاميركية: أسطورة الزمن المعاصر (قراءة الكذبة من خلال الوثائق الاساسية)

ــ نشأة الرأسمالية الاميركية ومحو الآخر (قراءة في العدو الرئيسي وما يجب ان يعرفه كل عربي)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المرشد الأعلى خامنئي: دولة جارة لسوريا لعبت دورا واضحا في إس


.. مختلف عليه | الحروب الدينية من وجهة نظر المغلوبين




.. 160-Al-araf


.. 161-Al-araf




.. مشاهد خاصة للعربية من أجواء سوق الحميدية والجامع الأموي