الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدراسات العليا ... ألقاب فضفاضة وصالونات ( للكشخة )

وسام محمد شاكر

2012 / 1 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


لم يزل موضوع الدراسات العليا في العراق يهرول نحو كاريزما الألقاب وغاية الكشخة ، فالمشكلة التي تفاقم حجمها بدأت منذ اوائل الثمانينات من القرن المنصرم ، يوم أصبحت الجامعات العراقية حظائر لإنتاج النموذج النوعي لكوادر حزب البعث المباد كفرصة لتدعيم جسد الحزب الهزيل بالألقاب العلمية الجوفاء وللسيطرة على القيادات التدريسية في العراق ، فكانت أولوية القبول في الدراسات العليا للطلبة البعثيين الذين ثبت ولاؤهم الحزبي في سنوات دراستهم الأولية هذا بالدرجة الأولى وبالدرجة الثانية لذوي القرابة وممن تكون ألقابهم وأصولهم متفقة وخط حكومة البعث ورأس النظام ، وهذه حقيقة بإستطاعة من يبحث عنها ان يتلمسها من خلال مراجعة قوائم التدريسيين في الجامعات العراقية ، هذه المرحلة المظلمة في تاريخ الدراسات العليا للأسف أسست أساس الضعف والوهن في عصب الجسد العلمي العراقي لتأتي فترة التسعينيات كنسخة عن العقد الذي قبلها بإضافة ظاهرة الرشوة ، حيث اخذ شكل المشكلة بعداً آخر متزامناً مع ظروف القحط ( الحصار الإقتصادي ) وتدني مستوى الأجور إلى مستويات مذلة لمنزلة الأستاذ والتدريسي مما أدى إلى بروز ظاهرة الرشوة في القبولات والمحسوبية والمنسوبية مما زاد الطين بلة وصولاً الى سقوط الصنم وحلول الديمقراطية من خلال انفتاح الأجواء السياسية أمام عامة الناس لخوض غمار التجربة السياسية وارتفاع نسبة الأجور والمرتبات في الوظائف الحكومية وشيوع ظاهرة الجامعات الأهلية وكل هذه المغريات الدافعة بالأمزجة الجمعية لنيل الشهادات العليا حتى أمسى اليوم العراق من اكثر الدول سهولةً في الحصول على شهادة جامعية أولية او عليا مع انخفاض وضعف كبير في المستوى العلمي لتصبح المعادلة الآتية ( زيادة في الألقاب العلمية = انخفاض في المستوى العلمي ) وتحول ذوو الاختصاص من مبتكرين ومنظرين إلى ببغاوات يطمحون لمنصب إداري ليس إلا أو ساعياً لمكسب سياسي في أحضان الأحزاب المتخمة بالألقاب العلمية الجوفاء فلقب ( دكتور و أستاذ ) اصبح كلقب أو كنية لا أكثر ولا أقل، وهذا بدوره سيزيد من معدلات الجهل المركب في المجتمع العراقي وستورث هذه المشكلة من جيل إلى آخر ما لم يعاد النظر بمسألة القبول في الدراسات العليا وفق منهج علمي بحت ورصين يكون فيه المتقدم على قدر جيد من الأهلية العلمية ليصبح أستاذاً علمياً ومبتكراً لحلول علمية وجذرية لمشاكل يعاني منها البلد اليوم وليس فزاعة إدارية تحمل في رأسها نرجسية وطاووسية .
لقد بلغ حجم الفجوة العلمية بين مناهجنا العلمية والعالم حداً متسعاً لا يمكن التغاضي عنه فقد اصبحت بيننا وبين الحركة العلمية العالمية مسافات كبيرة، فمتى نستطيع اللحاق بركبها والوصول بأجيالنا لنقطة الآمان؟ فأين مختبراتنا العلمية واين المختصون في تشخيص الخلل ؟ علما أن المختص هو بحاجة لمن يشخص اختصاصه ، هذه مأساتنا التي نرى فيها رسائل الماجستير والدكتوراه هي عبارة عن جلد راقٍ وسميك وفيه خط ذهب أما باطنه فهو عبارة عن مقاطع ومباحث وفصول مستنسخة من أفكار لهذا المصدر او غيره فلا جديد ولا اضافة بل إعادة تدوير لمعلومة علمية وتزويقها بلغة المصطلحات وإعادة إنتاجها برسالة علمية !!!! يكون مصيرها بعد الجلسة العلمية فوق أحد الرفوف البالية ليكسوها التراب بعد زمن وهلم جرا ، وجودة الباحث بجودة ما يقدمه من عصائر وحلوى وكأن موضوع الرسالة قد تم حسمه مسبقاً وما هي إلا طقوس شكلية لتأدية مراسيم ( المنح ) وتلبيس المتقدم لباس الباحث ( ومبارك عرسك يلهيبة ) هذا هو الواقع وعلى من يشكك أن يحضر أو يزور إحدى هذه الجلسات اليومية ويرى الحقيقة بعينه وبعد مدة من الزمن يصبح الباحث عضواً برلمانياً أو مديرا عاما أو في منصب كان ينتظر صك غفرانه ( الشهادة ) ليمتطيه ويهرول به نحو مستقبل مملوء بالفوضى والتخلف والأنانية ليكون سهماً جديداً في خاصرة الجسد العلمي الذي بنت أساسه أجيال عظيمة يشار لها بالبنان في العالم كالعلامة مصطفى جواد والعلامة حسين علي محفوظ والعالم الدكتور عبد الجبار عبد الله والعالم طه باقر والمفكر هادي العلوي والدكتور علي الوردي ...الخ أسماء أثروا العالم بنتاجاتهم العلمية لم يكونوا ناسخين ولا مستنسخين ولا حركة عفوية في صدفة زمنية بل مبتكرين ومفكرين أضافوا للعلم وللحركة العلمية بصمة، فأين نحن اليوم من هؤلاء؟ وهل نستطيع أن ننجب هكذا قمماً علمية مرة أخرى أم إن زمن الإبداع والعلم قد غادرنا في غير رجعة وان أزمة الفكر والعلم التي نعيشها هي من مسلمات حياتنا التي أمست فاضية من كل شيء جميل ومن أي طموح كبير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حميدتي: الجيش لا يملك إرادة لوقف الحرب ويسعى لإطالتها وتوسيع


.. بدء عملية الاقتراع في بريطانيا على الانتخابات المحلية والبلد




.. لحظة إنقاذ رجل تشبث بشجرة لـ 5 أيام بسبب فيضان هائل في كينيا


.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار




.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح