الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمحات تربوية من قصص القرآن الكريم

حسن طبرة

2012 / 1 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


يمثل القرآن الكريم ذلك الكتاب المنزل على قلب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعظم كتاب تربوي إستخدم في آياته مختلف الأساليب التربوية في سبيل غرس القيم الأخلاقية السامية في نفوس الناس، منها على سبيل المثال أسلوب الثواب والعقاب الذي نادت به العديد من النظريات التربوية وخاصة أصحاب المدرسة السلوكية، إذ إعتمد العلم الأمريكي بروس ف. سكنر B.F.Skineer (1904-1990) على أسلوبي التعزيز Reinforcement والعقاب Punishment كأهم وسيلتين في تعلم السلوك، وهذا ما نجده في القرآن الكريم بشكل كبير (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) (العاديات:7-8). وكذلك أسلوب القدوة من خلال إعطاء النموذج الصالح الذي يجب أن يحتذى (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (الحشر:7) وقد نادى بهذه الوسيلة التربوية عالم النفس البرت باندورا Albert Bandura (1925) في نظريته المعروفة بنظرية التعلم بالملاحظة والتقليد Learning by Observing and Imitating أو التعلم بالنمذجة Learning by Modeling التي أشار من خلالها أن الفرد يتعلم السلوكيات وغيرها من الأمور من خلال اتخاذه نماذج من المجتمع، يعجب بها ويحاكي تصرفاتها سواء كانت تلك النماذج صالحة أم طالحة؛ لذا نرى القرآن الكريم حدد لنا النماذج التي لابد من إتباعها والتعلم منها عدم الإنسياق وراء النماذج الفاسدة، ومن الوسائل التربوية الأخرى هي وسيلة القصص والأمثال التي تعتبر من وسائل التعلم غير المباشرة أي أن يتعلم الفرد السلوك المعين من خلال تعرضه وسماعه لقصص حدثت بالفعل لأشخاص قاموا بالسلوك الفاسد على سبيل المثال ولاقوا جزاء أعمالهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية القصص في أخذ الدروس والعبر منها (إن في قصصهم عبرة لأولي الألباب) (يوسف:111)، وقد ذُكِرت في القرآن الكريم الكثير من القصص والحكايات، تروي قصص الأمم السالفة التي كانت ظالمة لنفسها بالتعبير القرآني، أي فاسدة بالتعبير الحديث، وقد تكررت بعض تلك القصص كثيراً في مواضع متفرقة من القرآن، ومنها قصص الطغاة والمفسدين كفرعون وهامان والنمرود وغيرهم من الأمم الذين أرسل الله تعالى لهم الأنبياء والرسل لدعوتهم إلى الإستقامة والهداية إلى الصراط القويم، ولكنهم في أغلب الأحيان كانوا يكذبون تلك الدعوات فتصب بعد ذلك اللعنات عليهم من الله تعالى بأن ينزّل عليهم العذاب بأشكاله المختلفة ويصف القرآن ذلك العذاب بأنه عاقبة المفسدين، أي النتيجة الطبيعة لظاهرة وسلوك الإفساد في الأرض (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) (الأعراف:103) . فإن سرد قصص الأولين ليست لمجرد الاستمتاع أو زيادة المعرفة بالأمم السالفة، وإنما كانت موعظة لنا لنعرف ما هي عاقبة المفسدين (لقد كان لكم في قصصهم عبرة لأولي الألباب) (يوسف:111) لذا لابد لنا أن نتفكر في الأعمال والسلوكات التي قامت بها تلك الأمم وبعض الأفراد كفرعون الذي علا وطغى في الأرض بعد أن إستحكم بيده السلطة وتفرد بها، وجعل يمارس كل الأمور التي تسول له نفسه فيهم (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً) (القصص:4) وفي ذيل الآية الكريمة يقول تبارك وتعالى (إنه كان من المفسدين) (القصص:4)، ومن الأقوام قوم شعيب الذين كانوا لا يوفون بالكيل، الذين قال لهم نبيهم شعيب عليه السلام (فأوفوا الكيل والميزان ولا بتخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) (الأعراف:85)، فكان نتيجة تكذيبهم لشعيب عليه السلام وعدم إطاعته والإلتزام بقيم النزاهة والأمانة والوفاء بالكيل أن أخذتهم الرجفة (فأصبحوا في دارهم جاثمين ) (الأعراف:91) .
ومن جانب آخر هناك بعض الصور المشرقة من قصص الأولين، كقصة النبي يوسف عليه السلام الذي كان يتحلى بأعلى قيم النزاهة والإخلاص والكفاءة في العمل، الذي وفقه الله لأن تكون بيده خزائن مصر تلك الدولة التي كانت تعد من الدول المتقدمة والغنية آنذاك، إذ قال يوسف عليه السلام لفرعون زمانه (إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) (يوسف:55) فالحفيظ هنا تشير إلى النزاهة والأمانة والإخلاص، والعليم تشير إلى الخبرة والعلم والكفاءة في العمل، تلك الميزتان أهَّلتاه لتسنُّم أعلى المناصب وأخطرها في دولة الفراعنة آنذاك. والتي تمثل عوامل النجاح لدى كل من يروم القيادة وتسنم المناصب الحكومية في الدولة.
لذا لا بد لنا أن نستنبط من تلك القصص الدروس والعبر التي تساعدنا على تخطي المشاكل التي وقع بها السابقون لنا، فتلك القصص هي موجهة لنا بدون أدنى شك لأن نأخذ منها العبر والدروس التي تشير في محصلتها أن الفاسدين والمفسدين عاقبتهم الزوال والعقاب في الدنيا والآخرة، و(أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (الإنبياء: 105) وليس المفسدون الذين لا بد أن يتم افتضاح أمرهم ومعاقبتهم في الدنيا قبل الآخرة (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (النمل:227). وأن تكون عاقبتهم سيئة كخسران المكانة الإجتماعية والوظيفة المحترمة ونيلهم الإحتقار والرفض المجتمعي (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) (الأعراف:86).
وقد يتصور البعض أن العقوبات الدنيوية التي كان الله ينزلها على المفسدين من الأمم السابقة لن تتكرر .. وأن عصر المعجزات قد انتهى، والجواب على ذلك أن العقوبات الإلهية للمفسدين هي سنة الله (ولن تجد لسنة الله تبديلا) (الأجزاب:62) لذا فإن ما جرى على الأمم السالفة قد يجري علينا، ولكن بصور وأشكال أخرى، ومن الأمثلة على العقوبات الإلهية في العصر الحديث هي تولي الطغاة على مقاليد الحكم، والمفسدين الذين ينهبون ثروات البلد، وكذلك الإنهيارات والأزمات الإقتصادية التي تعاني منها الدول الغربية في عالمنا الحالي تلك الدول ذات الإقتصادات والثروات الضخمة، وكذلك ازدياد الأمراض والمجاعات، والحروب الأهلية والدولية، والكوارث الطبيعية بمختلف أشكالها، ما هي إلا عقوبات إلهية الغاية منها تحذير الأمم والناس إلى ما هم عليه من فساد، وعدم قيامهم بالإصلاح (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) (البقرة:155)، إذ إن الله لا يهلك قوماً (بظلم وأهلها مصلحون) (هود:117)، فإذا لم يكونوا مصلحين، فإن العذاب يشمل الجميع عدا من كان ينهى الفساد (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون (الأعراف:165) والعكس صحيح إذا آمن الناس واتقوا وتمثلوا بقيم النزاهة، فإن الله وعد الأمة النزيهة بزيادة الخير والبركة (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (الأعراف:96) أي أن البركات تنزل من السماء وتخرج من الأرض كالأمطار ومختلف المزروعات، ونحن نرى الآن في العراق في شتاء عام 2011-2012 شحة الأمطار بشكل مثير للإنتباه وما ترافق معه من تدهور الزراعة واعتماد البلد على الاستيراد في أبسط المنتوجات الغذائية، وكل ذلك حسب ما تبين من البحث سببه الفساد الذي إستشرى في جميع مفاصل الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - منظومة قديمة
ايار العراقي ( 2012 / 1 / 30 - 10:22 )
تحية طيبة للسيد الكاتب
مبدا الثوال والعقاب امر لم يستحدثه القران بل هو ممارسة وفعل طبقتها كل الامبراطوريات اللتي سبقت الاسلام بقرون
وكذا قصص الانبياء والمواعظ وبعضها مغلف بالخرافة والمبالغة الظاهرة للعيان
الحث على مبادئ الاخلاق موجود في كل الكتب السماوية وغير السماوية المشكلة ان الاخلاق ومعاييرها تختلف من زمان الى زمان ومن مكان الى اخر اي النظر اليها هو من الامور النسبية فلايعقل ان يبقى المسلم متمسكا بمجموعة من القيم لانها مقدسة عنده ةذكرت في القران قبل اكثر من الف واربعمائة سنة
البشر اليوم يتعلمون محاسن الاخلاق وحسن التصرف من مرجعياتهم الفلسفية وضمن ضوابط قانون مدني ينظم علاقاتهم بعضا ببعض لايفرض عليهم من قبل ابو قتادة او ابو زهراء لانهم اعضاء في هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
ختاما اعتقد ان القران والفلسفات القديمة انما كانت ثورات اجتماعية واخلاقية افروت منظومات جديدة رفعت من مستوى البشر انذاك وكانت نافعة ومفيدة اما وقد بلغنا القرن الواحد والعشرين فان هذه الافكتر قد اصبحت قديمة ولاتنفع سوى من يصر ان يعيش تحت ظلها
تقبل مروري

اخر الافلام

.. ماذا قالت وزيرة الخارجية الألمانية عن صحفيي غزة؟


.. لبنان وإسرائيل .. مبعوث بايدن يحمل رسالة إنذار أخيرة من تل أ




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تنظر في قانون منح صلاحيات واسعة ف


.. مراسل الجزيرة يرصد الأوضاع من داخل مدرسة لتوزيع المساعدات بش




.. استشهاد سيدة إثر استهداف قوات الاحتلال منزلا لعائلة المقادمة