الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس بين آحادية الإسلام السياسي وثنائية الوحي والوعي

محمد الحمّار

2012 / 2 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أغلبية الشباب يظنون أن الإسلام هو ما يشهدونه من تفجيرات وما تلمحه أعينهم من لحي وما يلفت انتباههم من ملابس خصوصية، وما يهدد نفوسهم من حرمان من الموضة ومن الفن ومن الأدب ومن الحياة بالأساس. أهي غلطتهم أم غلطة من يتشدقون بالديمقراطية الخالية من العنصر الثقافي و الهوياتي؟ أولائك الذين قدموا مبررات كافية لبعض روافد البورقيبة وللنوفمبرية لكي تكون على صفة من الاستبداد تليق بالأفلام البوليسية؟
وهل أنّ تدارك ما فات العقل المجتمعي يكمن في أسلمة المجتمع من طرف قوى عانت من قبل من القمع المباشر بسبب أفكارها الدينية المباشرة؟ هل يُصحَّحُ القمع السلطوي و البوليسي، مهما كان مباشرا وعدائيا، بواسطة المباشراتية اللاهوتية؟
أعتقد أن الحل يتمثل في تحريك إرادة العمل لدى الحاكم والمحكوم ومنه تحريك سلطة القرار لديهما. وهذا يستدعي عملا استعجاليا، من دوم أدنى شك، لكن في جوانب غير السياسة المباشرة، وفي جوانب غير الدين المباشر. المطلوب تدخلٌ سريع في جوانب الفكر المتعددة والمختلفة يكون فيه المعطى الإسلامي متناظرا و متطابقا مع الأرضية شبه الوحيدة التي تتوفر للكائن العربي الآن من حيث تحملها للتدخلات السريعة؛ الوجه الدنيوي الوحيد تقريبا الذي يقدم نفسه كمرآة تعكس صورة التديّن الاجتماعي، بأكثر قدر ممكن من الأمانة: المعطى اللغوي (وليس هذا هو المجال للإسهاب في طرح الرؤية كاملة). و إلا فنحن قادمون على كارثة.
وتتمثل الكارثة في احتمال اضطرار العقل المجتمعي تسليط الاستبداد بنفسه وعلى نفسه: انظروا إلى هؤلاء الإسلاميين القادمين من حيث لا ندري والذين لم يتوانوا عن تسمية الثورة باسمهم لكي يحكمونا باسم إسلام لا يفهمه لا الكبار و لا الصغار. هؤلاء يحاولون إما إقناع المجتمع بتلك الحقيقة (مثلما فعلت ولا زلت أفعل) مع فارق خطير يتمثل في أنهم يمارسون مساومة المجتمع بتلك الحقيقة ومنه تطويعه إلى الحل الإسلامي إن استجاب، وإرغامه على القبول بذلك الحل إن لم يستجب.
والحال أن المجتمع مُتوَقٍّ بطبعه، بفضل الإسلام أولا وبفضل الثورة ثانيا، ضد الاستبداد. فهو صامد ومُقرر أن لا يقتنع بأية حقيقة كانت لمّا تأتي هذه الأخيرة من عند أناس لم يشاركوه ثورته ولم يترجموا أهدافها في واقع جديد، مثلما هو الشأن الآن وكما يتجلى لنا من خلال مواقف أفراد الشعب الذين لا ينتمون إلى حزب النهضة. والحال أن هذا المجتمع سينتهي به الأمر، مهما بدا ذلك متباينا، إلى أن يخيّر ترك الإسلام جانبا، في حالة تغييب وتخدير، على أن يمتثل لأوامر أناس قرروا إعادة أسلمته. علما وأن أسلمة المسلم تُعتبر في نظر الفرد والمجتمع، وفي نظر العلم، شذوذا ليس مثله شذوذ.
إذن ما الذي عسى أن يحدث لمّا يجد المجتمع نفسه مجبرا على التضحية بإسلامه؟ سيعاقب نفسه انتقاما وتشفيا؟ سوف يرضخ لا قدر الله للحكم الاستبدادي باسم إسلاموية مستوردة؟ الجدير بالملاحظة في هذا الباب أنّ أمريكا، البلد المُصدر للإسلاموية، لم تكن لتراهن على الإسلاميين كبديل للحكم البائد، في تونس وفي بلدان عربية أخرى، لو لم تقع في خلط رهيب بين الإسلام والإرهاب وذلك منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. فهي بالتالي تعلم علم اليقين أنّ للإسلام قدرة تعبوية عجيبة، مما يفسر مراهنتها على الإسلام السياسي لقيادة الرأي العام نحو الإذعان لتلك القوة.
إلا أنّ الرياح لن تجري بما تشتهي سفن أمريكا، حيث إنّ الذي لا تعلمه لا هي و لا مشتقاتها هو أن الإسلام المصدري لم يكن أبدا سلطة استبدادية، كما رُوّج له منذ الأحداث المذكورة. والذي لا تعلمه أمريكا هو أنّه إذا حصل استبداد في التاريخ الإسلامي فمردّه تخلف عقول معتنقيه وعدم قدرتها على استساغة واستبطان معانيه ومقاصده السامية.
بالتالي يبدو أنّ الوقت قد حان لتدفع أمريكا ضريبة معادلتها للإسلام بالإرهاب. وذلك بأن تفهم أنّ الإسلام مضاد طبيعي للاستبداد، ما قد يستميلها لتبَنّي الإسلام كوسيلة لمناهضة موجات الاحتجاج داخل أمريكا بالذات. وهذا ما قد يصنع الفارق مستقبلا.
لكن هل سننتظر حتى يحين ذلك الوقت لنستورد من عند أمريكا إسلاما متجددا أم سنضطلع بأنفسنا وبمصيرنا من الآن؟ بل أليس تغيير نظرتهم للإسلام موثوق الصلة بتغيير نظرتنا نحن له في المقام الأول؟ على أية حال يظل تحويل الوعي التونسي، والعربي الإسلامي، بالقيم والمفاهيم الحداثية على غرار حرية المعتقد وحق الاختلاف وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وتعددية فكرية وسياسية، من فكر مهووس إلى واقع ملموس، من أجل إنقاذ الوضع العام المتردي، رهن قدرتنا على رصد و معايشة ما يكشفه لنا التاريخ من وحي فوري ذي مضمون عقلاني على غرار ما يكشفه لنا الآن بخصوص المكانة الطبيعية للمعطى الديني في حياتنا.
كما أنّ تحويل الإرادة وسلطة القرار الضروريتين لرسم السياسات التربوية والاجتماعية والاقتصادية المتسقة مع العقلانية المجدَّدة، ولإعداد البرامج المنبثقة عنها، وغيرها من مستلزمات الحياة المعاصرة، الحرة والديمقراطية، من طور النية والرغبة إلى طور الإنجاز والواقع، رهن الإيمان التكاملي الذي سيسمح به التجديد الحاصل للنظرة للدين الحنيف.
محمد الحمّار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما اروعك
شاهر الشرقاوى ( 2012 / 2 / 2 - 12:30 )
استاذى الفاضل
السلام عليكم
اشدعلى يدك
ما اروعك
وما اروع فكرك ..وغزارة ثقافتك ..ونور بصيرتك
هكذا الفهم والا فلا
..
نرى الحق
ونغهم مراد الله
ويبقى الاهم
كيف نفهم العامة ..عامة المسلمين ..هذا ؟؟
كيف نخرجهم من الوهم الذى يعيشونه ..والذى يحبسهم فى القرن الثاتى الهجرى ...؟
هذه هى مسئولياتنا جميعا

من اين نبدأ؟
هذه هى المسألة

بارك الله فيك ..وفى امثالك
وجعلك منبر يهدى الحيارى والضالين الى حقيقة الايمان والاسلام
والسلام عليكم


2 - العفو
محمد الحمّار ( 2012 / 2 / 2 - 15:25 )
الأستاذ شاهر
تحية طيبة
والله انشرحت تماما بقراءة تعليقك لأني في الحقيقة كلما أكتب شيئا من هذا القبيل أنتظر انطباع القارىء الكريم.
أما الدافع فهو احالة المزرية التي تعاني منها مجتمعاتنا إزاء المسألة الدينية.
فعلا ليس المثقف فقط المعني بمثل هذه المحاولات الفكرية وإنما كما تساءلت حضرتك-كيف ؟؟نخرجهم من الوهم الذي يعيشونه-؟ لكأنك حاضر صدقني أن ذلك الأمر يتعبني حقا
طبعا ما بوسعي القيام به هو الكتابة في المدونة. كما أن لي صفحة على فايسبوك سميتها -اليسار المؤمن- (طبعا أدعوك لتنضم إلينا عبرها). أما من الناحية السياسية فالأمر يأخذ وقتا كثيرا، ربما سنوات عديد...
على أية حال لنواصل المحاولة...
أخي الكريم أشكرك مجددا وأرحب بك في الصفحة الفايسبوكية
محمد الحمّار


3 - انت جدير ببدأ تفعيلها.وتكوينها عربيا وعالميا
شاهر الشرقاوى ( 2012 / 2 / 2 - 15:47 )
لكن هل سننتظر حتى يحين ذلك الوقت لنستورد من عند أمريكا إسلاما متجددا أم سنضطلع بأنفسنا وبمصيرنا من الآن؟ بل أليس تغيير نظرتهم للإسلام موثوق الصلة بتغيير نظرتنا نحن له في المقام الأول؟ على أية حال يظل تحويل الوعي التونسي، والعربي الإسلامي، بالقيم والمفاهيم الحداثية على غرار حرية المعتقد وحق الاختلاف وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وتعددية فكرية وسياسية، من فكر مهووس إلى واقع ملموس، من أجل إنقاذ الوضع العام المتردي، رهن قدرتنا على رصد و معايشة ما يكشفه لنا التاريخ من وحي فوري ذي مضمون عقلاني على غرار ما يكشفه لنا الآن بخصوص المكانة الطبيعية للمعطى الديني في حياتنا.
كما أنّ تحويل الإرادة وسلطة القرار الضروريتين لرسم السياسات التربوية والاجتماعية والاقتصادية المتسقة مع العقلانية المجدَّدة، ولإعداد البرامج المنبثقة عنها، وغيرها من مستلزمات الحياة المعاصرة، الحرة والديمقراطية، من طور النية والرغبة إلى طور الإنجاز والواقع، رهن الإيمان التكاملي الذي سيسمح به التجديد الحاصل للنظرة للدين الح
*****
كلام ينبنى عليه اساس لتكوين جماعة تتكفل بتحديث الفكر الاسلامى وبحث كيفية نقله للعامة فى العالم كله


4 - ينقصنا التعاون
محمد الحمّار ( 2012 / 2 / 2 - 16:22 )
الأستاذ شاهرّ فكرة الجمعية طيبة للغاية إلا أن المشكلة حسب اعتقادي توجد في مستوى إرادة التعاون. فهي جدّ مفقودة عندنا في تونس عدا ربما في ما هو سياسي نخبوي. والأمر كذلك رغم الثورة.
أشكرك على الثقة وأطمئنك أني لست من الصنف الذي يفرط في الغاية والمبدأ. لذا سنحاول توعية الشعب بالطرق المتعارفة ولِم َلا بطرق جديدة.
أنا متفائل لذك رغم صعوبة الظروف الراهنة على المستوى سياسي والاجتماعي في تونس.
لكن ما يشجع هو أنه هنالك بوادر وعي بضرورة التجديد الديني.. لنعمل ونرَ.
مودتي

اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran