الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملك فؤاد.. وأوهام الخلافة

رفعت السعيد

2012 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وكما كانت الخلافة الأخيرة تركية فقد انتهت على أياد تركية. وأعلن كمال أتاتورك إسقاط دولة الخلافة، ونفى الخليفة إلى منطقة نائية وينهض ولى الدين يكن، أحد أشهر دعاة الليبرالية فى مصر، وهو تركى الأصل، هاتفاً:

سلاما أيها النافى الرعايا ولا تجزع فخالقهم نفاكا

وما أنا شامت بك حين تبكى كمن شمتوا ولكن ذا بذاكا

وبالمقابل اجتمع بعض علماء الأزهر وأصدروا بياناً يؤكدون فيه «بطلان ما قام به الكماليون لأن الخليفة قد بويع من المسلمين ولا يمكن خلعه» «محمد حسين- الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر- الجزء الأول- صـ٤٧».

ويرد عليهم شوقى شعراً:

مضت الخلافة والإمام فهل مضى

ما كان بين الله والعباد

والله ما نسى الشهادة حاضر

فى المسلمين ولا تردد شادى

والصوم باق والصلاة مقامة

والحج ينشط فى عناق الحادى

وكان موقع الخلافة الخالى قد أسال لعاب الكثيرين ومنهم ملك الأفغان أمان الله، وملك الحجاز حسين بن على، لكن الملك فؤاد قرر أن يكون الخليفة، فنسى الشيوخ الغاضبين من خلع الخليفة غضبهم، وقاموا بالدعوة لتنصيب الملك فؤاد خليفة وقرروا دعوة ممثلى جميع الأمم الإسلامية إلى مؤتمر يعقد فى القاهرة برئاسة شيخ الأزهر للبحث فيمن تسند له الخلافة ومكان وجوده، وحددوا شهر شعبان من العام التالى لانعقاده» (المنار- مجلد ٢٥- ١٩ شعبان ١٣٤٢هـ- ٢٥ مارس ١٩٢٤)، وتمضى عجلة الإعداد للمؤتمر مدعومة من القصر والأزهر وفى ربيع أول ١٣٤٣هـ (أكتوبر ١٩٢٤) تصدر نشرة باسم «المؤتمر» مهمتها الترويج لمؤتمر الخلافة، ويكتب الشيخ رشيد رضا فى صدر العدد الأول قائلاً «إن المؤتمر سيضم علماء الدين والدنيا من كل الأمم الإسلامية، خاصة أن مهمته هى وضع قواعد للحكومة الإسلامية المدنية، التى يظهر فيها علو التشريع الاسلامى، واختيار خليفة وإمام للمسلمين». لكن المعادين للخلافة كانوا كثيرين فسعد زغلول رئيس الوزراء رفض الفكرة، وحلفاء الملك سياسياً من خصوم الوفد وهم «الأحرار الدستوريين» عارضوها وتكتب جريدتهم السياسة «إن الدستور ينص على أنه لا يجوز للملك أن يتولى مع ملك مصر أمور دولة أخرى بغير رضاء البرلمان، ومن ثم يتعين ترك هذه المسألة للسياسيين، وأن يكف علماء الأزهر عن دعوتهم» (السياسة- مارس ١٩٢٦)، وبرزت مطامع ملوك وأمراء لدول إسلامية ترفض تولى فؤاد، ويطلب كل منهم أن يكون خليفة. ثم ينهض شيخ أزهرى هو الشيخ على عبد الرازق ليكتب مقالاً فى السياسة يقول فيه «كانت مسألة الخلافة أولاً دفاعاً عن مقام معين يراد الاحتفاظ به كأثر يحتاج إلى العناية وكمريض يحتاج إلى الرعاية، لكن المسألة انتقلت إلى وضع آخر، واتجه الرأى إلى العمل لإيجاد مقام جديد، لأن أناساً يريدون أن يبقى فى الوجود ذلك الشىء» (السياسة- المرجع السابق). وهاجمت الصحف الوفدية المؤتمر الذى كان انعقاده إشهاراً لوفاة فكرة الخلافة، فالحضور هزيل والنتائج هزيلة، وفشل الملك فؤاد فى تحقيق طموحه. لكن البعض كان يظل ملحاً على فكرة الخلافة، وكان الشيخ على عبدالرازق، عضو هيئة كبار العلماء وهو ليبرالى الموقف، قد أصدر كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم»، الذى بدد فيه كل دعاوى أصحاب دعوة الخلافة ونقرأ فى الكتاب «الحكم والحكومة والقضاء والإدارة ومراكز الدولة هى جميعاً خطط دنيوية صرفة لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة» «صـ١٠٢» ويقول «إذا كان فى الدنيا شىء يدفع المرء إلى الاستبداد والظلم ويسهل عليه العدوان والبغى، فهو مقام الخلافة الذى معه لا شىء إلا العسف ولا حكم إلا السيف» «صـ٢٨» ويقول «إن شعائر الله تعالى ومظاهر دينه الكريم لا تتوقف على ذلك النوع من الحكومة الذى يسميه البعض (خلافة) و(خلفاء) فليس من حاجة إلى تلك الخلافة فى أمور ديننا ولا لأمور دنيانا .. فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام والمسلمين، وينبوع شر وفساد» «صـ٣٦». وقامت الدنيا ولم تقعد ضد الكتاب والكاتب. غضب الملك وغضب معه وله عديد من شيوخ الأزهر، وكتب رشيد رضا محرضاً «لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت عن هذا الكتاب لئلا يقول صاحبه وأنصاره إن سكوتهم عنهم إجازة له، أو عجز عن الرد عليه» «المنار- ٢١يونيو ١٩٢٥» وسريعاً يصدر الشيخ الخضر حسين كتاباً بعنوان «نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم» وأهداه دون تردد إلى «حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر الأعظم طالباً منه حماية الشريعة بالحجة والحسام». وجاء الحسام عبر هيئة كبار العلماء بالأزهر التى استدعت المؤلف وحاكمته وصدر حكمها فى ١٢ أغسطس وقررت «نزع شهادة العالمية منه ومحو اسمه من سجلات الأزهر وطرده من كل وظيفة، لعدم أهليته للقيام بأى وظيفة دينية أو غير دينية»، وأسرع شيخ الأزهر ليبرق للملك بالحكم «شاكراً له غيرته على الدين من عبث العابثين وإلحاد الملحدين وحفظ كرامة العلم والعلماء».

لكن القصة لم تنته، ففى عام ١٩٤٧ كان حزب الأحرار الدستوريين شريكاً قوياً فى الحكومة، وكان يرغب فى تعيين الشيخ عبد الرازق وزيراً، وبناء على أمر الدكتور محمد حسين هيكل اجتمعت هيئة كبار العلماء ومعها المجلس الأعلى للأزهر فى ٢٥ فبراير ١٩٤٧ ووجهوا رسالة للملك فاروق جاء فيها «إن المجتمعين يلتمسون من جلالة الملك وفضله غزير على الأزهر والأزهريين أن يتفضل فيعفو عن الأثر المترتب على الحكم الذى أصدرته هيئة كبار العلماء منذ ٢٢ عاماً»، وقبل الملك الالتماس وصدر مرسوم ملكى فى ٣ مارس ١٩٤٧ بتعيين الشيخ عبد الرازق وزيراً للأوقاف.

ونتأمل الحكاية كيف بدأت بأطماع ملك كان الأزهر وقودها، ثم انتهت بمرسوم ملك أراد مجاملة حكومة أقلية وكان الأزهر وقودها أيضاً.

لكن موضوع الخلافة يظل على الدوام محل خلاف مادام وُجِد له وقود من قوى متشددة ومتطرفة، ويتطاير شراره الآن بدعاوى بعض القوى السلفية وهو ما دفعنا إلى هذه الكتابة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شروط الخليفة و الخلافة
Amir_Baky ( 2012 / 2 / 4 - 15:42 )
من الواضح أن قصص مجون بعض الخلفاء حقيقية فتمسك الأزهر فى ذلك الوقت بأن يكون الملك فؤاد خليفة يؤكد أنه منصب سياسي حتى ولو كان الخليفة فاجر. والسؤال الأهم لو قامت الخلافة الآن كما يريد الإخوان من سيكون الخليفة؟ أعتقد أن أمير دولة قطر سيكون الخليفة القادم. فهو متعاون جيد مع القوى السياسية وله طموح كبير جدا. ولكن السؤال الأهم هل ستتوافق الشعوب الإسلامية عليه أو على غيره؟ وهل يستطيع أى شخص من حكام الخليج بفتح حدود بلادهم لملايين فقراء المسلمين فى سائر الأقطار الإسلامية؟ وهل ستوافق الشعوب الخليجية بأن يقاسمها ملايين البشر عائدات النفط؟ وكيف سيتم دمج الجيوش العربية فى حالة فتح الحدود أو دمج جميع البلاد فى دولة الخلافة؟ أعتقد أن أجابات هذه الأسئلة معروفة ورغم ذلك يروج الإخوان لهذة الفكرة الخيالية لمجرد دغدغة مشاعر البسطاء اللذين يريدون الذهاب للسعودية و دبى و الدوحة دون إستخراج تأشيرات سفر. والفصيل السياسي الذى يتلاعب بعواطف الشعب لا يستحق أن يوصف بالفصيل الوطنى


2 - تعليق ج 1
محمد البدري ( 2012 / 2 / 4 - 17:57 )
للاسف فإن موضوع الخلافة لم يناقشه أحد بموضوعية رغم أن الموضوعية هي لب ايديولوجية الاستاذ رفعت السعيد. فمن اين اتت الخلافة في اصولها وماذا فعلت الخلافة للمصريين وكيف انتهت الامور بالمصريين بعد ان وضع كل من تولاها نهاية لها وكأنها حزام ناسف له. بداية فليس في القرآن شيئا عنها وبالتالي فهي اختراع من عرب الجزيرة بعد موت نبيهم. ولم يستشر أحد المصريين في ان يتولي حكمهم من خارج اوطانهم الغرباء عنهم، بل تم أخذهم بوضع اليد والاستباحة. ثم انها كنظام حكم كان يضع نهايتها كل من يتولاها ويعود من يأخها بعده بقوة السيف والسلاح لتكرار ماساتها. فأبو بكر لم يستشر المسلمين بل سلمها لعمر، وعمر لم يسلمها للمسلمين لكن لنخبته القريبة جدا منه من فضلات الصحابة حتي رست علي عثمان الذي ساد الفساد في عصره فتم قتله ايضا. ومن تلك اللحظة اصبح الخلاف عليها والطمع فيها سببا لمقتل كل من يتولاها لسبب بسيط ان عوائدها من نهب وسلب من الامصار التي لم يستفت أحد شعبها في الحكم من خارجها كانت عالية وتغطي تكلفة النظم الفاسدة طوال الحكم الاموي الذي انتحر في نهاية عمره.


3 - تعليق ج 2
محمد البدري ( 2012 / 2 / 4 - 17:58 )
ثم العباسي الذي استعان بالتتار علي رعاياه فخلعوه وشنقوا الخليفة فآلت للمماليك والفاطميين وكل العبيد انتهاءا بالاتراك الذين افسدوا فحق عليهم قرار اتاتورك. كانت مصر في عهود الخلافة قاطبة مستعمرة من الخارج ويحكمها اجانب حتي ولو تمصروا وما دفاعهم عنها في مواجهه التتار في عين جالوت أو في حطين الا للانفراد بها فهي درة الثراء في المنطقة. اليست الثروة وتوزيعها هو ما افنيتم عمركم الغالي عليها، فهل كانت ثروة المصريين من عوائد عملهم لهم أم ان خلفاء المسلمين جميعا صادروها كما صادرها مبارك المخلوع الان. وهل شهدت مصر نهضة مثلما شهدت منذ أن استقل بها محمد علي باشا الذي حارب الباب العالي (الخلافة وقتها)، وهل شهدت مصر ديموقراطية طوال حكمها من خارجها بقدر ما تحقق بعد سقوطها وكان لثورة 1919 بمطالبها الاستقلالية أثر في نهايتها. وهل ولدت القومية المصرية في مواجهه كل الغزاة الاجانب الا بعد ثورة 19 وسقوط الخلافة. قبل انهاء التعليق لا بد من التنويه عن توجهات الاخوان الذين وصلوا الي مقاعد البرلمان بنواياهم بعودة الخلافة.


4 - الخلافة والخليفة سياسة امر بشرى تاريخى
شاهر الشرقاوى ( 2012 / 2 / 7 - 14:48 )
تحياتى استاذ رفعت السعيد
الحقيقة مواضيع حضرتك كلها حساسة واراءك اراء جريئة جدا ويعجبنى فيك انك لا تخشى فى الله لومة لائم

انا معك
الخلافةالاسلامية ومنصب الخليفة كان منصب سياسى للدولة الاسلامية وليس للامة الاسلامية
فلا ولاية دينية فى شريعة الاسلام..شئ يشبه الرئيس الامريكى كده حاكم الولايات الامريكية كلها ...وليس اوباما حاكم للامة المسيحية فى العالم كله..

هؤلاء يحلمون حلما ..ليس من حقهم ولا هومفروض عليهم..فكل مسلم منوط بما ولاه الله ...نعم يوجد تعاون واصول مشتركة بين الشعوب الاسلامية ..ولكن لا ترتقى ابدا الى وجوب وجود حاكم واحد لكل المسلمين على وجه البسيطة ...
هذا رأيى المبنى على فهمى للرسالة الاسلام وللنبى محمد ولنصوص القران
وتقبل تحياتى وتقديرى

اخر الافلام

.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran


.. 85-Ali-Imran




.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني