الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات الربيع العربي أم غزوات الظلام العربي ؟

مصطفى القرة داغي

2012 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل إن مانراه في الشارع العربي مِن مَظاهر ومَشاهِد لجُموع عَوام قوامها مُلتحون ومُنقبات، يوحي بأن ما يَحدث في العالم العربي هو ثورات ربيعية، أم غزوات ظلامية لقوى تسعى عِبر توظيف مَفهوم الثورة و التظاهر لإعادتنا الى القرون الوسطى؟ وهل إن النتائج التي تمَخّضَت عنها هذه الأحداث، وأقصد تحديداً سقوط الأنظمة العَلمانية السابقة، والتحوّل لما سُمِّيَ زوراً بالديمقراطية الغريبة على هذه الشُعوب، وإجراء إنتخابات سَجّلت فوزاً كاسحاً لقوى ليسَت فقط مُحافظة وإنما سَلفية شُمولية، يوحي بأن ما حدث هو ثورات ربيعية أم غزوات ظلامية؟. أسئلة حَبّذا لو أجابنا عَنها مَن طبّلوا لهذه الأحداث أكثر مِن الإسلاميين،وأقصد أولئك الذين يُسَمّون أنفسهم لبراليون وقوموين ويَساريون وهم ينقسِمون لنوعين.الأول وصولي مُستفيد مِمّا يحدث،لأنه قطعة مِن الماكنة الإعلامية للجهات المُمَولة لهذه الأحداث، وترويجَه للأحداث كثورات ربيعية عَمَل يعتاش ويأخذ عَليه راتباً وعَطايا، والأمثلة على هؤلاء كثيرة صَفحات الإنترنت وشاشات الفضائيات. أما النوع الثاني فهُم الحالِمون العاشِقون لفِكرة الثورة بصورتها الرومانسية الجَميلة وليسَ الهَمَجية البَشعة التي عَرفناها عِبر التأريخ، وهي صورة غَير مَوجود سِوى في مُخيلة هؤلاء، الذين مافتأو يَحلمون بجيفارا جَديد حَتى لو كان مُلتحياً يَرتدي دشداشة قصيرة وعَرَقجين،وهم لايَعلمون أنهم بهذا يُهينون ذكرى جيفارا، فما يُهمّهم خروج العَوام للشوارع وإشاعتها للفوضى وهتافها بتغيير النُظم ليُسَمّوا الحَدَث ثورة وفقاً للرؤى التي غرَسَتها بعقولهم أحزابهم الثورية الشُمولية.أما قوى وأحزاب الإسلام السياسي الوصولية التي حَرّكت الأحداث فلا تهمّها التسمِيات، بل هي كعادتها بإقتناص كل الفرص المُمكنة للوصول لغاياتها إستفادت مِن تسمِية الثورة،لأنها أعطَت غِطائاً عَصرياً لما خطّطت له مِن غزوات ظلامية عِبر جنودها ومُريديها في الشارع العربي وما أكثرهم. فهاهو المالكي يَصِف ماحَدث بالعراق بعد2003بأنه كان بداية الربيع العربي، في مُحاولة مِنه للتغطية على الغزوة الظلامية التي هيأ لها حِزبه وحلفائه مِن قوى الإسلام السياسي لغزو العراق، وتحويله مِن أرض كفر كما كانوا يَرونه بالعهود السابقة الى أرض إيمان كما في عهدهم الإيماني الحالي، الذي جعل العراق حُسَينية كبيرة تُمارَس فيها الطقوس الدينية بكل زاوية وشارع، مِن الروضة الى الجامعة، ومِن أصغر دائرة الى ديوان رئاسة الوزراء.
لقد بات واضحاً بأن هذه الغزوات مَدعومة مِن بَعض القوى الإقليمية بل وحَتى الغربية، بهَدَف إعادة رَسم خريطة شَرق أوسط برداء إسلامي وفق ما تتطلبه مُتغيرات المَنطقة العربية في القرن الواحد والعشرين بمُجتمعاتها التي بات التدَيّن المُفتعل أبرز سِماتها، مُجتمعات باتت ثلاثة أرباع نسائها لا تصافِح رجالها و ثلاثة أرباع رجالها المَختومة جباههم(بختم الجمهورية) لا تصافح نسائها مِن التقوى على حَد وَصف الفنان الكبير عادل الأمام الذي يواجه اليوم حُكماً بالسِجن بتهمة الإساءة للإسلام! مُجتمعات أصبح الحَديث فيها عَن الدين والتظاهر والتباهي بأداء فروضه مِن صَوم وصَلاة مودة سائدة حَتى لدى أفرادها الذين لايَفقهون الدين ولايَفهمون أبسَط أساسياته. وهو مايُذكرنا بسايكس بيكو التي رَسَمت خريطة شرق أوسط قومي وفق مُتطلبات فرَضتها مُتغيرات المَنطقة العربية بمُجتمعاتها التي كانت تفيض بالشعور القومي في القرن العشرين قبل100عام.هنالك أدلة كثيرة تثبت كلامي هذا.أولها ذلك السُكوت المُريب لبعض القوى الإقليمية والغربية على هذه الغزوات رَغم(بَشائرها الإيمانية)التي لاحَت بالأفق مُنذ الأيام الأولى،وقلبَها ظهر المَجن لحُلفائها مِن القادة العرب، بَل تأييدها ودَعمها أحياناً لهذه الغزوات وللقائمين بها إعلامياً ومادياً وعَسكرياً كماحَدث بليبيا ويَحدث اليوم بسوريا. ثانياً اللقائات التي كانت سِرّية سابقاً وعَلنية في الوقت الحاضر،والتي لم تستحي قيادات الغرب أو حتى تتحَرّج بالأفصاح عَنها مَع قيادات الأخوان بالدول العربية،وتقديمهم على أنهم يُمَثلون إسلام مُعتدل يُمكِن التعامل مَعه والتعويل عليه بمُواجهة إسلام مُتشدد يُمَثله السَلفيون. أخيراً وليسَ آخراً عَدَم مَنح جائزة نوبل لناشِطة نسوية علمانية مَحسوبة على اليَسار مَعروفة على مُستوى العالم، قضَت عُمرها بالدفاع عَن قضايا شَعبها وحُقوق المَرأة والطفل كالسَيدة هناء أدور مَثلاً، التي توّجَت نظالها بوقوفها قبل أشهُر أمام رئيس وزراء أبرَز حُكومات الظلام العَربي الجَديدة حَجّي جواد المالكي، مُدافعة عَن حَق شَباب العراق بالتظاهر السِلمي بَعد وَصفه لهُم بالمُجرمين والبَعثيين، ومَنح الجائزة بدلاً عَن ذلك لفتاة شابة مُحافِظة مَحسوبة على التيارات الإسلامية تدعوا وتنَظّر لغزوات الظلام العربي، لم يُعرف عَنها دَورها المُتميز كناشطة بمُنظمات المُجتمع المَدني على الأقل خارج بلادها وهي السَيدة توكل كرمان،والتي كان هَدَف مَنحِها إياها بهذا التوقيت تحديداً واضحاً، وهو أيصال رسالة للعالم العربي خُصوصاً والمُجتمع الدولي عُموماً أن الإسلاميين (حَبّابين) ويؤمنون بالحُرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالي لا خِشية مِن السَماح لهم بالعَمل السياسي والوصول للسُلطة وحُكم الدول العربية.
بالله عليكم قولوا لي هَل أن فوز الأخوان بنسبة %45 والسلفيين بنسبة %20 في مصر هو ربيع؟ وهَل أن حُصول القوى الإسلامية في العراق على النِسبة الأكبر مِن الأصوات بثلاثة إنتخابات مُتتالية وحُكم حِزب الدعوة الإسلامي للعراق لتِسع سَنوات مُتواصلة هو ربيع؟ وهَل إن تصويت الشُعوب العَربية المُغيّبة لقوى وأحزاب الأسلام السياسي الظلامية الشُمولية في الإنتخابات يَدُل على أن هذه الشُعوب تسعى الى الحُرية والديمقراطية ولربيع يُزهِر مُجتمعاتها؟ وهَل إن رَفع جَلسات البَرلمانات العَربية ليَقوم النواب بأداء الصَلاة وذهابهم للحَج سنوياً بَدَل النظر بأمور الناس السُذّج الذين أنتخبوهم هو ربيع؟.الربيع يَمتاز بشَمسِه المُشرقة ونَسَماته العَليلة ووروده وأزهاره بألوانها المُبهجة الزاهية، فأين كل هذا مما يَحدث في عالمنا العربي هذه الأيام مِما تبكي له العَين مِدراراً ويَدمى له القلب أنهاراً؟ إن الوُجوه العابسة والعُقول البائِسة لقادة القوى الإسلامية التي بدأت تمسِك بالسُلطة في الدول العربية تباعاً هي غُيوم سوداء رَمادية سَتحجُب شمسَ الحياة ونورها عَن العالم العربي وشعوبه رُبما لعقود، أما تصريحاتهم التي بدؤا يُطلقونها عَن رؤاهم الظلامية في ما يَخص أمور الحياة العامة كحال المَرأة والتعليم والثقافة والفنون، والتي سَتزداد حِدّتها وَ وَتيرتها كلما أقتربوا مِن السُلطة، فهي أشبه برياح صَيف سُموم سَتحرق وتقتل كل أشكال الحياة الجَميلة التي تصادفها، لذا فكل هذا لن يُنتج لنا مُجتمعاً أفراده ورود زاهية مُلونة كالمُجتمع الهندي مثلاً،الذي تمَثل الألوان الزاهية والرقصات والأفراح جُزئاً مِن تراثه، بل سَيُنتج لنا مُجتمعاً كالصَحراء الجَرداء بلون واحد، يَرتدي رجاله الأبيض وترتدي نسائه الأسود أو الرَمادي والبُني بأحسَن الأحوال،لأن إرتدائهم للأحمر والأصفر وغيرها مِن الألوان البراقة مُثير للغرائز كما تعرفون!!
إن أغرَب نظرية بدأت تطرح مُنذ فترة وبقوة حول هذه الكارثة، هي تلك التي يُجيبك بها مَن تحدثت عَنهم في بداية المَقال مِمّن يَدّعون التقدمية والحَداثة مِن ليبراليين ويَساريين وقوميين، فعندما كنا نُحذرهم بأن ما يَحدث سَيؤدي لفوز الإسلاميين،أو عندما نقول لهم اليوم أرأيتم لقد فاز الإسلاميون، فإجابتهم هي.. إذا كان هذا خَيار الشُعوب فليَكن فهذه هي الديمقراطية، دَعوا الناس تُجَرّب. ونقول لهؤلاء المُنقسِمين بَين مُستفيد يَذرف دُموع التماسيح على هذه الشُعوب، وحالم يَدّعي الحِرص على حُُرّياتها، بأن الشُعوب ليسَت فِئراناً لتجاربكم البائِسة وأحلامكم المَريضة، فهتلر وحزبه النازي بتوجّهاته العُنصرية كان أيضاً خَيار الشَعب الألماني، وقد جائت به صناديق الإقتراع ولم يأتي بالقوة، لكن كانت النتيجة حَرب عالمية أحرَقت الأخضر واليابس ذهَب ضَحيّتها الملايين، فهل كان صَحيحاً السُكوت عَنه حينها لمُجَرّد أنه خيار الشَعب الألماني الذي كان يَومَها مُغيباً كحال الشُعوب العربية اليوم رَغم عِلم الكثيرين حينها بأنه كان خياراً خاطأً وكارثياً؟ وهل عَلينا وفق هذا المَنطق المِعوَج أن نتخلى عَن دَورنا كنُخب للتحذير مما قد يَجُرّه إنتخاب الإسلاميين وأحزابهم الظلامية الشُمولية ووصولهم للسُلطة بالدول العربية، مَع عِلمنا لما يُمكن أن يؤدي له هذا الخيار مِن كوراث سَتكون ربّما أشد وبالاً ومأساوية مِن حَرب هتلر العالمية؟
لذا قولوا عَن هذه الأحداث ما تريدون وسَمّوها ثورات، لا بأس فالثورة مِن الثور الهائج، ولكن لا تصِفوها بالربيعية، فإن كنتم تريدون الكذب على أنفسكم فهذا شأنكم، أما أن تكذبوا على الآخرين فهو ما لن نسمَح لكم به، وسَنواجهه بالقلم الحُر والكلمة الصادِقة. فما يحدث هو غزوات ظلامية، ومن ترونهم بالشوارع هُم ليسوا ثواراً مِن أجل الحرية والديمقراطية، بل هُم جيش الإيمان الذي قرّرَت قياداته الزَحف على السُلطة في هذه الدول وغزو مُجتمعاتها، لتسقِط حُكاماً تراهم قد حادوا عَن طريق الحَق والإسلام ولايطبقون شَرع الله، ولتنشر التقوى والوَرع والإيمان في دول تراها قد بدأت تسير في طريق الرذيلة والفاحِشة.

مصطفى القرة داغي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah