الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مداخلة حول - علمانية لايربطها رابط بالإلحاد

نقولا الزهر

2005 / 1 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مداخلة حول (علمانية لا يربطها رابط بالإلحاد؟؟!!)
لقد ورد في الفقرة الخامسة من إعلان المبادئ، في مقدمة مشروع النظام الداخلي للحزب الديموقراطي الاجتماعي( الحزب الشيوعي-المكتب السياسي) مايلي:
" سوف يعمل دائماً(أي الحزب الديموقراطي الاجتماعي) من أجل مجتمع حرّ متقدّم، يستلهم فيه أفضل ما اختزنه الفكر الإنساني وتراثه العربي الإسلامي الكبير. (مجتمع) يربط علمانيّته بديموقراطيّته، ويرى فيها سبيلاً لتحرير الدين من هيمنة الدولة، والسلطة من هيمنة رجال الدين. علمانية لا يربطها رابط بالإلحاد، وليست ضدّ الدين والمتديّنين، لكنها، في الوقت نفسه، ليست ضدّ سواهم أيضا، فالدين أحد أبعاد الاجتماع الإنساني " .
في الواقع الفقرة الخامسة من إعلان المبادئ التي تشير إلى العلمانية، تطرح في معظمها المضمون التاريخي الأساسي للعلمانية(secularism) أي فصل الدين عن الدولة، وفي آن عدم عدائها للدين. ولكن ما أفسد سياقها ومعناها وهدفها تماماً تلك الجملة النشاذ: (علمانية لا يربطها رابط بالإلحاد).
فلقد أفسدت هذه الجملة كل ما هو منفتح ومتقدم وايجابي في الفقرة. وفي اعتقادي فساد هذه الجملة يعود للأسباب التالية:
1- الإلحاد في الأساس هو مفهوم ينتمي للغة الفلسفة والفكر والعقيدة والاعتقاد ولا ينتمي للغة السياسة، ونرى أن الجملة قد أقحمت إقحاماً في سياق خطابٍ سياسي بامتياز.
2- كان دائماً مفهوم الإلحاد في التاريخ تستخدمه الطغمة السلطوية- الفقهية ذريعةً لتصفية المفكرين والفلاسفة والمصلحين الدينيين، ولماذا نذهب بعيداً، فتاريخنا العربي الإسلامي غني جداً بسياسة التلحيد والتكفير. وعدد الذين صنفوا بين (الملاحدة) كبير جداً في تاريخنا، نذكر منهم على سبيل المثال عبدالله ابن المقفع وعمرو المقصوص والحلاج والكندي وأبو حيان التوحيدي وأبو بكر الرازي وابن رشد وابن سينا والسهروردي ومحي الدين بن عربي وأبو العلاء المعري والمتنبي وفي العصر الحديث معروف الرصافي وشبلي الشميل وطه حسين ومحمد سيد القمني ونصر حامد أبو زيد وفرج فودة وحسين مروة ومهدي عامل وعباس عبد النور وهنالك كثيرون......
3- في الواقع لقد جرَّت هذه الجملة إعلان المبادئ في النظام الداخلي إلى خطاب مثنوي نموذجي؛ أي إلى ثنائية الإيمان والإلحاد في الوقت الذي بين طرفي هذه الثنائية مئات وربما الآلاف من الحالات الاعتقادية وقد قال أنطون تشيخوف في هذا الإطار: " بين الله موجود والله غير موجود هنالك مسافات شاسعة ". ولدى الهندوسيين في ديانتهم بين إله الخير وإله الشر هناك الإله المصالح، وفي حكمة الطاويين الصينية يوجد في دائرة الخير البيضاء نقطة سوداء وفي دائرة الشر السوداء نقطة بيضاء. ولدى المعتزلة هناك المنزلة بين المنزلتين. وكذلك المطلق أو الله موجود في الفلسفة وفي الماركسية أيضاً. وديكارت في منهجه الفلسفي والعلمي القائم على الشك والبداية في البحث المعرفي من الصفحة البيضاء يعتبر مفهوم الله أحد أعمدته الرئيسة باعتباره يضع حداً للنسبي وينفيه. كل هذا يدفعنا لأن نقول: لا يوجد إيمان مطلق وإلحاد مطلق فكلاهما نسبيان. لذلك يبدو الأمر مستغرباً جداً حينما يأتي النظام الداخلي ليجعل نظام سياسي (علماني) مشروطاً بمعتقدات فكرية فردية إنسانية تنتمي إلى حقل حرية وخيارات الأفراد في المجتمع.
4- لذلك شكلت الجملة نكوصاً واضحاً وجلياً عن مفهومي الحرية والديموقراطية الضامنين حريةَ الأفراد في الاعتقاد والانتماء واختيار الدين، وربما نكوصاً فكرياً عما جاء في الآية الكريمة: " من شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر...." فجعلت هذه الآية حساب الكافرين والملحدين أمام الله وليس على عاتق النظام العلماني الذي يقترحه إعلان المبادئ في النظام الداخلي!
5- يبدو في سياق الفقرة خلط واضح بين مفهوم الدين ومفهوم الإلحاد، وربما هذا الخلط آتٍ من خلفية سياسية تود أن تنأى عن الموقف المعادي للدين الذي كان قائما في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى والذي كان ينعكس تلقائياً في إيديولوجيا ومواقف الأحزاب الشيوعية العربية. في الواقع هذه الخلفية تعبر عن موقف سياسي صحيح، لأن المواقف القديمة المعادية للدين كانت في مجملها خاطئة ، ولكن تصحيح هذا الموقف التاريخي التعسفي المعادي للحرية وللديموقراطية لا يكون بموقف متعسف من نفس النمط.
6- ثم تستمر الفقرة فتقول: " وليست ضد الدين والمتدينين، لكنها، في الوقت نفسه ليست ضد سواهم أيضاً، فالدين أحد أبعاد الاجتماع الإنساني". في الواقع في هذه الجملة تناقض فاضح. ولا بد هنا من التساؤل : من المقصود بسواهم أيضاً؟ أهم الملحدون بشكل مطلق؟ أم الذين في وسط المسافة بين الإلحاد والإيمان؟ أم القريبين من الإلحاد أكثر أو الإيمان أكثر كما قال أنطون تشيخوف؟ وإذا كانت هذه العلمانية ليست ضد المتدينين وليست ضد الملحدين فهي حينئذ لا يربطها رابط لا بالدين ولا بالإلحاد. في اعتقادي أن الفقرة الخامسة تحتاج إلى إعادة صياغة لأنها أدخلت إعلان المبادئ في التباس معرفي إن لم نقل في ورطة فكرية وسياسية.
7- ربما من خلفيات هذه الفقرة أيضاً هو الالتباس الذي يحيط بمفهوم العلمانية نفسها في سيرورتها التاريخية، وخاصة ما جرى في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى وما جرى في التجربة العلمانية التركية والتونسية وما جرى في سوريا والعراق فهذه البلدان كلها أطلق عليها في كثير من الأحيان دولاً علمانية. لذلك لا بد من تخليص العلمانية من بعض التباساتها التاريخية والعودة إلى أسسها عندما ظهرت في أوربا، وإلى دورها الذي كان يهدف إلى تحرير الدولة والعلم من سلطة الحكم الإقطاعي الكهنوتي. وفي الحقبة الراهنة لا يمكن تصور العلمانية مع نظام استبدادي. ولا نرى أن الدولة السوفييتية والدول الاشتراكية الأخرى كانت تعبر عن أنظمة علمانية، ففي هذه الدول استبدل الدين بدين آخر هو الماركسية المسفيتة (الماركسيية-اللينينية- الستالينية ) واقيمت لهذا الدين الجديد قداساته وطقوسه، وحرِّم نقده وإصلاحه وأصبح له ملاحدته( بليخانوف، تروتسكي، كولنتاي، بوخارين، غوركي وكثيرون...). وفي تركيا العلمانية جاء ليصحهها حزب إسلامي من نمط جديد يؤمن بحرية الآخر. أما في سوريا والعراق فلم يكن في يوم من الأيام نظام علماني، وكل أنظمة الحزب الواحد لا يمكن أن تكون علمانية لأن الفكر المكرس خيمةً إيديولوجية وحيدة للسلطة هو بمثابة الدين حتى لو كان في منشأه غير ديني. فالعلمانية أولاً وأخيراً مرتبطة بالحرية والديموقراطية. والعلمانية تصون حرية كل المعتقدات والانتماءات ولا تضع قيوداً وأحكاماً على متدينين أو ملحدين أو بين بين.
8- والعلمانية أيضاً في دولة المواطنة والمواطنين تبيح الزواج المدني الذي غالباً ما يعارضه رجال الدين، وكذلك المقابر في البلدان العلمانية يدفن فيها من كل الأديان والمذاهب ومن المؤمنين والملحدين وتديرها مؤسسات الدولة والبلديات فيا ترى مثل هذه العلمانية تنتمي إلى عالم الدين أم إلى عالم الإلحاد. في اعتقادي، هذه العلمانية تنتمي لا إلى هذا ولا إلى ذاك، إنما إلى مجتمع الحداثة والتقدم والمواطنة المختلف جذرياً عن مجتمع الملل.
9- في بلادنا التي مازالت أقرب إلى الدول السلطانية يأخذ الإلحاد في بعض الظروف ولدى بعض الأحزاب شكل الدين أو المذهب أو الملة، وهذا ما رأيناه في لبنان حينما طفت على السطح منذ عدة سنوات مشكلة الزواج المدني؛ فحينما ووجهوا المؤيدون لهذا الزواج بقانون الملل قال أحدهم بصوت عالٍ لمعارضيه: "اعتبرونا ملةً يا جماعة وبدلاً من يكون عددها ستة عشر فليكن سبعة عشر".
في النهاية أتمنى على الحزب الديموقراطي الاجتماعي إعادة النظر في كل الفقرة الخامسة من إعلان المبادئ في مشروع النظام الداخلي وإزالة التباساتها وتناقضاتها.
نقولا الزهر
دمشق في 2/1/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran